زيادة طفيفة لتبرئة إسرائيل    بطولة العالم للراليات بالمملكة ل10 سنوات    المنطقة الشرقية: القبض على 5 أشخاص لترويجهم 1.7 كيلوغرام «حشيش»    وزير الأوقاف اليمني ل«عكاظ»: نثمن دور المملكة في التسهيلات المقدمة للحجاج اليمنيين    الجمهوريون يؤيدون ترمب حتى بعد حكم الإدانة    برلمانية مصرية: استئناف «جلسات الحوار» يعزز الاصطفاف الوطني لمواجهة تحديات الأمن القومي    متنزه جدر يحتضن محبي الطبيعة    البيئة تفسح 856 ألف رأس ماشية    اختتام مبادرة «حياة» للإسعافات الأولية بتعليم عسير    أمير القصيم يرعى جائزة إبراهيم العبودي.. ويُطلق «الامتناع عن التدخين»    وزير الداخلية يلتقي أهالي عسير وقيادات مكافحة المخدرات ويدشن مشروعات جديدة    د. السند يطلق مشروع الطاقة الشمسية بالأيواء    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُنهي معاناة «تسعينية» مع ورم سرطاني «نشط» بالقولون    اكتشاف تابوت أقوى فرعون بمصر القديمة    أمير الرياض يهنئ بطل الثلاثية    إنقاذ حياة حاج تعرض لنزيف حاد نتيجة تمزق للشريان بالمدينة المنورة    السعودية تدين محاولة إسرائيل تصنيف الأونروا منظمة إرهابية    صلاح يدعم صفوف منتخب مصر في وجود المدرب حسن للمرة الأولى    1.6 مليون مقعد على قطار الحرمين استعدادا لحج 1445    الشؤون الإسلامية في جازان تُنهي الدورة العلمية في شرح كتاب الحج    فلكية جدة: اليوم بداية موسم الأعاصير 2024    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    فتح التسجيل بمعرض الرياض الدولي للكتاب 2024    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    "نزاهة": توقيف 112 متهماً بقضايا فساد في 6 وزارات    منظومة النقل تطلق الدليل الإرشادي للتنقل في موسم الحج    بدء تسجيل الطلبة الراغبين في الالتحاق بمدارس التعليم المستمر    المطيري يتلقى التهاني بتخرج «لين»    تفعيل اليوم العالمي لتنمية صحة المرأة بمكتب الضمان الاجتماعي    التقليل من اللحوم الحمراء يُحسِّن صحة القلب    تقنية جديدة من نوعها لعلاج الأعصاب المقطوعة    «الداخلية»: القصاص من مواطن أنهى حياة آخر بضربه بآلة حادة        "إعمار اليمن" يضع حجر الأساس لمشروع تطوير وإعادة تأهيل منفذ الوديعة البري    اتحاد التايكوندو يختتم نهائي كأس السوبر السعودي    ‫الابتسامة تستقبل حجاج العراق في منفذ جديدة عرعر    قمة سويسرا.. إنقاذ خطة زيلينسكي أم تسليح أوكرانيا؟    تدشين أول رحلة طيران مباشرة من الدمام إلى النجف في العراق    بونو: الهلال أكثر من فريق.. وقدمنا موسماً استثنائياً    فيصل بن فرحان يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي    بن نافل: العمل في الهلال يأخذ من حياتك    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    جهود مُكثفة لخدمة الحجاج في المنافذ    زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب جنوب غرب الصين    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    45 شاباً وشابة يتدربون على الحرف التراثية في "بيت الحرفيين"    الإعلان عن إطلاق معرض جدة للتصميم الداخلي والأثاث    سفير المملكة لدى اليابان: العلاقات السعودية اليابانية خلال السبعين السنة القادمة ستكون أكثر أهمية    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    أسعار النفط تتراجع قبيل اجتماع "أوبك+"    بونو يُبكّي رونالدو بْزَّاف    أمر ملكي بالتمديد للدكتور السجان مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 4 سنوات    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المكتبة الخالدية في القدس . صراع متعدد الوجوه من اجل البقاء بعد نكسة 1967 2 من 2
نشر في الحياة يوم 06 - 07 - 2001

جابهت المكتبة الخالدية من 1967 الى 1982 محاولات إسرائيلية متكررة لمصادرتها أو الاستيلاء عليها ومن 1982 الى 1990م خاضت الخالدية معارك قضائية في المحاكم الإسرائيلية دفاعاً عن حقوقها ووجودها. ومن 1990 الى يومنا الحاضر برزت جمعية أصدقاء المكتبة وتبنت برامج طموحة للحفاظ عليها وتنميتها.
الطور الأول: 1967- 1982
كان هذا أقسى الأطوار وأخطرها، ذلك ان اسرائيل فور احتلالها للقدس الشرقية اخذت في مصادرة الأحياء الإسلامية الواقعة في الجنوب الشرقي من البلدة القديمة داخل الأسوار في مقابل حائط البراق الذي يعتبره اليهود حائط مبكاهم. وكان طريق باب السلسلة حيث تقع المكتبة على جانبه القبلي يحدّ هذه الأحياء المصادرة من الشمال، وشرعت إسرائيل لتوها في جرف أحد هذه الأحياء بكامله وطرد سكانه منه وهو حي المغاربة، وهو الأقرب الى كل من الخالدية والبراق. وكانت معظم منازل الأحياء المصادرة تابعة لأوقاف العوائل المقدسية الإسلامية العدة وكانت "حصة" آل الخالدي من الخسارة الجماعية ما ينوف عن 40 عقاراً من منازل وشقق ودكاكين استولت إسرائيل عليها، بما في ذلك منزل القاضي موسى بن محمد بن خليل بن صنع الله الكبير والد السيدة طرفنده خاتون الذي سبق ذكره وذكرها. وشمل قرار المصادرة مبنى المكتبة ذاته واحتل الجنود الإسرائيليون الطابق العلوي الشرقي المطل على ساحتها والتابع لأوقاف العائلة أيضاً، وألصق على بابها بيان المصادرة باعتبارها من املاك الغائبين. ولم يكن متولي الأوقاف العائلية المهندس عادل بن حسين فخري حينذاك في القدس، فقام مقامه حيدر بن كامل بن عبدالرحمن بن محمد علي الخالدي، وتمكن حيدر بمفرده وبما منّ الله عليه من قوة الإيمان والعزيمة وبما لديه من وثائق، من التصدي لقرار المصادرة وإثبات بطلان الادعاء بكون المكتبة من أملاك الغائبين، فأنقذ بذلك المكتبة من ضياع محتوم.
وما لبث حيدر أن ألّف لجنة محلية لتعينه على حماية المكتبة، وكانت اللجنة مؤلفة منه ومن ابن عمه حازم وابنه اي ابن حيدر كامل وابنته الآنسة هيفاء وصديق العائلة عبدالله العكّاوي المقدسي، وكان أول عمل تولته اللجنة هو القيام بجرد محتويات المكتبة من مخطوطات ومطبوعات. وانتهى هذا الجرد عام 1968 وتبين ان موجودات المكتبة مؤلفة من 1293 مخطوطاً و4704 كتب مطبوعة، أي ما مجموعه 5997 مجلداً، وأن عدد المطبوع بالعربية هو 3135 مجلداً وباللغات الأجنبية 1569 مجلداً. الجرد الذي اعتمد عليه الدكتور كامل العسلي في تقديراته الخاطئة في نظرنا كما أسلفنا.
ولم تنته المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على المكتبة بالطعن الموفق في الادعاء بكونها من أملاك الغائبين. فمنذ اواخر السبعينات اخذ مدنيون من اليهود يحلّون تدريجاً مكان الجنود الإسرائيليين المحتلين للطابق العلوي الشرقي المشرف على ساحة المكتبة. وتبين بعد قليل ان هؤلاء هم طليعة تلاميذ مدرسة تلمودية ياشيفا بالعبرية تابعة لحركة دينية من غلاة الغلاة على رأسها كبير حاخامي الجيش الإسرائيلي سابقاً الحاخام غورين. وما هي إلا بضعة شهور حتى بوشر في أعمال بناء محمومة اخذت بإشادة طابق ثالث فوق الطابق العلوي الشرقي المحتل، ثم بالالتفاف من حول ساحة المكتبة من الناحية القبلية وبناء جناح ثان للمدرسة التلمودية اخذ يعلو شيئاً فشيئاً فوق حائط الساحة من هذه الناحية، وإذا بنوافذ تفتح فيه تطل على الساحة، وبشمعدان ضخم ذي سبعة اعمدة يرتفع فجأة على سطح هذا الجناح وعلى رأس كل من الأعمدة مشعل كهربائي كبير اخبرنا العالمون ان إضاءتها في مقابل حائط البراق انما ترمز الى برنامج حركة الحاخام الدينية وطموحها لإعادة بناء الهيكل في ساحة الحرم الشريف. ورافق حركة البناء هذه قذف متراكم على ساحة المكتبة للردم الناتج عن البناء وقاذوراته، وكانت الساحة تضم قبور ثلاثة من امراء الخوارزميين الذين وفدوا الى المشرق للمشاركة في قتال الإفرنج وكانت وفاتهم بين عام 644 ه/ 1246م وعام 678ه/ 1279م.
الطور الثاني: 1982- 1990
لم يعد في أوائل الثمانينات أي مجال للشك في ان الحاخام غورين عقد النية على الاستيلاء على المكتبة بهذه الأساليب، بعد اخفاق محاولة المصادرة وأن جل ما يقف دون ذلك هو حيدر وأعضاء لجنته المعدومي الإمكانات بسبب ما حل بأوقاف العائلة من خسائر جسيمة. فكان الاتصال بكاتب هذا المقال وليد بن احمد سامح بن الحاج راغب الخالدي، واتفق على إنشاء صندوق خاص لجمع التبرعات وعلى خطة عمل ينفق عليها من اموال الصندوق. وتضمنت خطة العمل التحرك على خطين متوازيين: أولهما اللجوء الى المحاكم المحلية في محاولة لإيقاف الحاخام عند حده إن أمكن، والثاني مباشرة العمل على ترميم المكتبة ومحتوياتها إثباتاً للوجود واستباقاً لمشروعات الحاخام. وتألفت لجنة عائلية مصغرة لهذا الغرض ضمت كلاً من حيدر بن كامل من الداخل ووليد بن احمد سامح والمهندس منذر بن ثابت بن نظيف والدكتور رشيد بن اسماعيل بن الحاج راغب من المقيمين في الشتات.
وتلقى الصندوق الخاص تبرعات جاءت على التوالي من الحاجة فاطمة بنت الحاج راغب عن طريق ابنها هاني بن محمد سلام البيروتي، ومن منذر وأخيه الأكبر نظيف الخالدي، ومن رجل الأعمال الفلسطيني حسيب الصباغ، ومن الأمير حسن بن طلال، ومن موسى شفيق بن جميل بن موسى شفيق الخالدي، وموسى شفيق الجد هذا كان من مؤسسي المكتبة في أواخر القرن التاسع عشر.
وتنفيذاً للخطة المتفق عليها قدمت الشكوى ضد الحاخام بصدد إلقائه الردم على الساحة و فتحه النوافذ في الحائط القبلي. وبعد طول تدبّر وتداول من قبل المحكمة وزيارة اعضاء المجلس البلدي الإسرائيلي بأسره بمن فيهم رئيس البلدية والقاضية رئيسة المحكمة نفسها لموقع المكتبة لم يسع المحكمة إلا أن تحكم في صالح المكتبة وتأمر الحاخام بسد النوافذ وإزالة الردم والإقلاع عن إلقائه مجدداً.
بيد انه عندما حاولت اللجنة العائلية تنفيذ خطة الترميم لأبنية المكتبة اعترض الحاخام ومؤسسات استيطانية بتحريض منه على ذلك، تارة بحجة ان الترميم يهدد سلامة الطوابق التي بناها الحاخام، وتارة بحجة ان المكتبة في حال فتحها تشكل خطراً امنياً على مدرسته التلمودية، وتارة بحجة احقية المدرسة التلمودية في تملّك المكتبة!
وطالت المقاضاة سنوات عدة في كر وفر دائمين. ولكن النتيجة كانت ان المحكمة لم يسعها اخيراً إلا أن تحكم ثانية لصالح المكتبة وتدحض ادعاءات الحاخام وحلفائه.وما ان انتهت المعركة مع الحاخام حتى بدأت المعركة مع البلدية ذاتها ولجانها المتخصصة الكثيرة للحصول على الإذن بالبدء بأعمال الترميم. وماطلت البلدية ولجانها ما استطاعت ولسنوات عدة، بذرائع وأسباب مختلفة بعضها جمالي الادعاء وبعضها فني أو بيروقراطي مختلق قبل منح الاذن اخيراً، فلم يتسن البدء في اعمال ترميم ابنية المكتبة إلا في أواخر الثمانينات.
وفي هذه الأثناء تقدم حيدر في السن وضعف بصره واضطر ابنه كامل الى الانتقال الى عمان لممارسة عمله هناك، وفي عام 1980 توفي حازم الخالدي ساعد حيدر الأيمن، ذلك ان حازم رحمه الله كان صلب العود انضم ضابطاً الى الجيش البريطاني في مصر خلال الحرب العالمية الثانية بنصيحة والدي احمد سامح وبحضوري، وارتقى في الرتب حتى وصل الى رتبة العميد الميجور نهاية الحرب، وكلّف من قبل الجامعة العربية خلال حرب 1948 برئاسة مدرسة حربية في سورية لتدريب الضباط الفلسطينيين، وهي المدرسة التي تخرج فيها الكثير من ضباط جيش التحرير الفلسطيني في ما بعد. وبوفاة حازم لم يبق من أفراد العائلة القادرين بالقدس لمساعدة حيدر سوى ابنته الآنسة هيفاء. وقامت هيفاء ولا تزال تقوم بالواجب خير قيام، وحافظت بذلك على تقليد سيدات العائلة في الإسهام في رعاية المكتبة.
ولم تكن مهمة هيفاء سهلة، ذلك انه تخللت سني المقاضاة والسعي للحصول من البلدية على اذن بالترميم مضايقات من قبل المستوطنين المسلحين اليهود بتحريض من الحاخام غورين ومن غيره، واتخذت هذه المضايقات مرات عدة شكل زيارات في اواخر الليل وأواخر الفجر لمنزل حيدر المجاور للمكتبة، يطرق خلالها الباب بأعقاب البنادق ويعلو فيها صوت التهديد والشتم، حتى إنه في إحدى هذه الزيارات رافق أفراد من البوليس الإسرائيلي المستوطنين وأصروا على استلام مفتاح المكتبة ثم اعادوه بعد مرور ايام. وكانت هيفاء هي التي تتصدى لهذه الزيارات والمناورات وتتلقاها نيابة عن ابيها المسن المريض بشجاعة ورباطة جأش اشتهرت بهما.
ولا بد في هذا الصدد من ان نذكر ان المكتبة تلقت العون في محنتها مع الحاخام غورين ومع بلدية القدس من عالمين إسرائيليين فاضلين، هما امنون كوهين وداني باهات اللذان اسهما في إقناع المحكمة ولجان البلدية بما أدليا به من معلومات وشهادات بصحة موقف القائمين على المكتبة فاستحقا منا كل شكر وتقدير. كما ساعدت في هذا الاتجاه أيضاً الاتصالات التي قامت بها اللجنة العائلية مع وزارة الخارجية الأميركية وقنصل اميركا العام في القدس، وتقرر خلال هذه الفترة تسمية اللجنة العائلية "بجمعية أصدقاء المكتبة الخالدية" وإضافة اعضاء آخرين إليها من العائلة ومن خارجها ودعمها بمجلس استشاري اكاديمي رفيع المستوى مؤلف من كبار المستشرقين المتعاطفين في الجامعات الأوروبية والأميركية.
وتقرر خلال هذه الفترة أيضاً عدم انتظار نتيجة المقاضاة في المحاكم أو صدور اذن من البلدية بالبدء في الترميم، والمضي في عمليتين لا تحتاجان الى موافقة السلطات الإسرائيلية، وهما دراسة إعداد فهرس عصري لمخطوطات المكتبة ومباشرة ترميم المخطوطات وصيانتها وفق احدث الأساليب العلمية. وهكذا جرى الاتفاق عام 1985 مع المستشرق الأميركي لورنس كونراد لدراسة مشروع الفهرس، ومع توني بيش الخبير البريطاني في ترميم المخطوطات عام 1986، وأنفقت "جمعية أصدقاء المكتبة" من صندوقها على زيارات سنوية للمكتبة قام بها كل من كونراد وبيش خلال الأعوام 1985- 1992، وكانا يمكثان في القدس فترات تتراوح كل منها بين الأسبوعين والشهر الواحد، وكان في بعض الأحيان يرافقهما بعض المساعدين.
وتمكن كونراد خلال هذه الزيارات من تكوين نظرة إجمالية عن عدد لا بأس به من المخطوطات، وبوضع قائمة أولية بها Shelf List. ثم انه اثناء التمهيد لأعمال الترميم اكتشفت عام 1987 تحت السقف القرميدي للمكتبة مجموعة ضخمة من الأوراق من مختلف الأحجام ينوف عددها عن ال000.10 ورقة هي خليط من الدشت والأوراق الشخصية والوثائق الرسمية وصفحات المخطوطات المبعثرة فقام كونراد بتصنيفها وجمعها، وعثر خلال ذلك على مخطوطات قيمة كاملة وأجزاء مكملة لغيرها.
اما توني بيش فقد أشرف على تبخير مجموعة المخطوطات بكاملها وعلى فتح وتنظيف كل مخطوطة منها على حدة ووضعها في صندوق خاص مادته عازلة تصونها عن الرطوبة والحموضة.
وفي عام 1989م، تشكل مجلس امناء جمعية اصدقاء المكتبة من وليد احمد سامح الخالدي، وكامل حيدر الخالدي، ومنذر بن ثابت الخالدي، ورشيد اسماعيل الخالدي، وبنجامين براون الأميركي والسيدة بربارو إك الأميركية أيضاً، وسجّلت كمؤسسة معفاة من الضرائب بموجب قوانين ولاية مساسوشتس في الولايات المتحدة، وانضمت إليها في وقت لاحق الأميرة غيدا طلال حفيدة الحاجة فاطمة بنت الحاج راغب الخالدي. وفي الوقت نفسه تألف مجلس استشاري اكاديمي دولي لمجلس الأمناء أعضاؤه الآن هم: السفير المستشرق نيكولاس بيخمان سفير هولندا لدى الحلف الأطلسي. ونظمي الجعبة الأستاذ في جامعة بيرزيت في فلسطين، ورشيد اسماعيل الخالدي الأستاذ في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة، وطريف احمد سامح الخالدي الأستاذ في جامعة كمبريدج في بريطانيا، وفرد دونر الأستاذ في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة، وغيرنوت روتّر الأستاذ في جامعة هامبورغ في المانيا، واندري ريموند الأستاذ في جامعة ايكس اون بروفنس في فرنسا، وجوزيف فان ايسّ الأستاذ في جامعة توبينغين في ألمانيا، والأب توماس ميشيل من الفاتيكان. وفي صيف 1991 حصل الدكتور رشيد اسماعيل الخالدي على إحدى زمالات فولبرايت الأميركية مكنته من ان يقضي عطلته الصيفية في القدس لثلاث سنوات متعاقبة، حيث اقام في شقة للزائرين ملحقة بالمكتبة وانكبّ على دراسة موجوداتها من الأوراق والوثائق العائلية. وشكلت هذه مصدراً اساسياً للكتاب المرجعي الذي وضعه بالإنكليزية عن الهوية الوطنية الفلسطينية الذي نشرته له جامعة كولومبيا نيويورك عام 1997.
الطور الثالث: من 1990 الى ...
وبعد ان انتهينا من "معركتينا" مع الحاخام غورين والمؤسسات الاستيطانية ومع بلدية القدس، وضعت جمعية أصدقاء المكتبة الخطة الثلاثية الأولى للسنوات 1991- 1994 وشملت هذه الخطة الأعمال الآتية:
1- الترميم الكامل لمبنى المكتبة من الداخل والخارج في تربة بركه خان في طريق باب السلسلة في البلدة القديمة.
2- تأثيثها وتجهيزها بأنظمة الحراسة والحرارة والتبريد ومكافحة الرطوبة وبما يلزمها من معدات: آلة لتصوير الميكروفيلم، واجهزة التلفون والكومبيوتر والفاكس الخ.
3- الاستعاضة عن الخزائن الخشبية البالية برفوف حديدية وشراء خزائن حديدية خاصة لحفظ الوثائق.
4- وضع فهرس علمي عصري لمخطوطاتها.
5- فهرسة كتبها المطبوعة والأوراق والوثائق العائلية.
6- تصوير المخطوطات على الميكروفيلم.
7- ترميم المخطوطات ترميماً كاملاً.
8- تجليد ما يلزم من مخطوطاتها وكتبها المطبوعة تجليداً لائقاً.
9- ترميم شقتين مجاورتين لاستضافة الباحثين وإقامتهم اثناء زيارتهم وعملهم في المكتبة.
10- شراء المراجع الحديثة والأساسية بالعربية وباللغات الأجنبية.
وعقدت جمعية أصدقاء المكتبة عام 1991م باقتراح من لورنس كونراد اتفاقاً مع حكومة مملكة هولندا قدمت بموجبه حكومة المملكة منحة لسنوات ثلاث مكّنتها من البدء بتنفيذ هذا البرنامج الطموح، وكان لنيكولاس بيخمان من كبار موظفي مديرية التعاون الدولي في وزارة الخارجية الهولندية حينذاك الفضل الأكبر في إقرار حكومته لهذا الاتفاق إثر زيارة كاتب هذه السطور الى مكتبه في الوزارة.
وبفضل منحة المملكة الهولندية جرى التعاقد على الآتي:
أ - تكليف لورنس كرنراد بإنجاز فهرس بالإنكليزية عن مخطوطات المكتبة كافة على أن يكون ذلك في آب اغسطس عام 1994.
ب - تكليف خبير الترميم للمخطوطات توني بيش بالترميم الكامل ل120 مخطوطة يختارها الدكتور كونراد كخطوة اولى في سبيل الترميم الكامل لجميع المخطوطات التي تحتاج الى مثل هذا الترميم.
ج - تكليف شركة ربيح المصري وكمال الأعرج الهندسية بترميم مبنى المكتبة وتجهيزها.
د - البدء بعمليات التصوير والتجليد وفهرسة الكتب المطبوعة.
وفي هذه الأثناء منينا عام 1993 بانتقال حيدر الخالدي الى رحمته تعالى ولكنه توفي قرير العين شاهداً لثمرة جهوده وصموده راضياً مرضيّاً. وفي 1994 حصلت جمعية اصدقاء المكتبة على منحة من كل من اليونسكو عن طريق الكونت ريموند لامير المسؤول فيها عن ملف القدس، ومن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي الذي يرأسه عبداللطيف الحمد والذي يدير دائرته الفنية اسماعيل زبري وذلك بتزكية من محافظ فلسطين في الصندوق رجل الأعمال عبدالمحسن قطان.
وفي صيف 1994 انتهت شركة المصري والأعرج من اعمال ترميم مبنى المكتبة وتأثيثه وتجهيزه فكانت مناسبة لدعوة نيكولاس بيخمان لزيارة المكتبة وتكريمه في حفلة عائلية اعرب فيها عن ارتياحه الكامل لما أنجز.
وفي السنة ذاتها وضعت "جمعية اصدقاء المكتبة" الخطة الثلاثية الثانية للسنوات 1995- 1997، وحظيت بفضل دعم نيكولاس بيخمان على منحة ثانية من مملكة هولندا للإسهام في تنفيذها وشملت هذه الخطة الأعمال الآتية:
1- اتمام تنفيذ ما لم ينجز بعد من بنود الخطة الثلاثية الأولى.
2- ترميم مبنى كبير من مباني اوقاف العائلة في الجهة المقابلة لمبنى المكتبة على طريق باب السلسلة كملحق لها يخصص لكتب المكتبة المطبوعة، على أن تبقى المخطوطات في المبنى الأول، وعلى ان تفرد في مبنى الملحق قاعة لعرض وثائق مختارة من موجودات المكتبة وأخرى لعقد الندوات العلمية وإلقاء المحاضرات الخاصة بتراث القدس الإسلامي. ولولا معونة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ومنحة حكومة المملكة الهولندية لما كان بوسع "جمعية اصدقاء المكتبة" السير قدماً في تنفيذ الخطة الثلاثية الثانية. ومما زاد في امكاناتها لتحقيق ذلك المعونة السنوية التي التزمت بها عام 1995 السيدة خالدة ابنة ممدوح بن السيدة نزهة بنت الحاج راغب الخالدي زوج رجل الأعمال الفلسطيني السيد جميل حبّاس. وهكذا اقتفت السيدة خالدة اثر من سبقها من سيدات العائلة في رعاية المكتبة منذ القرن الثامن عشر.
وفي عام 1996م زار المكتبة السيد جان برونك وزير التنمية والتعاون الدولي الهولندي ولخّص انطباعه عن سير العمل فيها بقوله: "هذا أفضل عمل يمكن لأي عائلة ان تقوم به". وفي عام 1997 كلفت "جمعية اصدقاء المكتبة" كلود لاروك الأستاذة في جامعة السوربون والخبيرة في شؤون المكتبات بزيارة المكتبة وتقديم تقرير بما تحتاجه من اصلاحات بيئية فجنت الجمعية فوائد كبرى من توصياتها.
وكانت "جمعية اصدقاء المكتبة" اتفقت عام 1993 مع الهادي الشريفي وأهداف سويف ممثلين لمؤسسة الفرقان لخدمة التراث الإسلامي المخطوط في لندن على أن تنشر مؤسسة الفرقان بالاشتراك مع الخالدية الفهرس الذي كان يقوم لورنس كونراد حينذاك بإعداده بالإنكليزية، والذي كان من المتعاقد عليه ان ينجز عام 1994 كما أسلفنا. غير ان العمل في هذا المشروع تعثر لأكثر من سبب. وكان من حسن حظ "جمعية اصدقاء المكتبة" ان تعرّفت في هذه الأثناء عام 1996 على نظمي الجعبة خريج جامعة هايدلبرغ الألمانية في الدراسات الإسلامية حيث أمضى ثماني سنوات دراسية، والأستاذ حالياً في جامعة بيرزيت في فلسطين، فكان الاتفاق معه على أن يقوم هو بإعداد هذا الفهرس بالعربية وهو العمل الذي يتوقع انجازه قريباً.
وبعد، فقد انتهى العمل اليوم من الترميم الكامل لمبنى الملحق وتجهيزه على يد المقاول الحاج علي بركات على رغم الصعوبات التي اعترضت سير العمل بسبب سياسات الإغلاق الإسرائيلية المتواصلة، وأصبح جاهزاً لاستقبال كتب المكتبة المطبوعة وخطونا خطوات واسعة في المجالات الأخرى من تصوير على الميكروفيلم للمخطوطات، وتجليد الكتب المطبوعة وفهرستها، وترميم كامل على يد توني بيش للمئة الأولى من المخطوطات، كما اننا أضفنا الى مجموعة المكتبة اول دفعة من المقتنيات الجديدة منذ خمسين عاماً ونيف وعددها حوالى 550 مرجعاً عربياً وأجنبياً جديداً، بيد انه ما زال أمامنا الكثير الكثير من العمل الشاق، من ترميم لما بقي من المخطوطات ترميماً كاملاً وتصويرها جميعاً، وإنهاء فهرسة الكتب المطبوعة، والبدء بفهرسة الآلاف من الأوراق والوثائق العائلية وتصويرها، وتصنيف ما بقي من الدشت، وإنهاء عملية تجليد ما يحتاج الى تجليد، ووضع قواعد لإدارة المكتبة واستقبال الزائرين، وتحديد سياسة ملائمة للمقتنيات المستقبلية، وبلورة تصور لدور المكتبة القادم في حفظ التراث الإسلامي المقدسي ولنشاطاتها المتعددة في هذا السبيل، وأخيراً لا آخراً في تأمين مصادر دعم ثابت لصيانتها وإدامتها وحمايتها تجاه ما يتربّص بها من مكائد وأخطار في المستقبلين الأقرب والأكثر بعداً. وكان من حسن حظ الخالدية انها حصلت عام 1998 على منحة من مؤسسة فورد الأميركية بفضل كل من السيد ستيفن لاوري المسؤول عن الشرق الأوسط في المؤسسة والسيدة بسمه قدماني درويش نائبته للمضي في تحقيق بعض هذه الأهداف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.