أطلقت شركة بي ام في الألمانية جولتها العالمية للطاقة النظيفة، خلال مؤتمر صحافي في دبي، عرفت من خلاله أهل الصحافة العربية والاقليمية المتخصصة الى سياراتها الكبيرة من طراز 750 اتش ال المزودة محركات عاملة بالهيدروجين والتي قطعت مسافات زادت عن 100 ألف كيلومتر من التجارب القاسية. وعبر جولتها هذه، لم تؤكد الشركة البافارية أنها الصانع الأول الذي ينتج "آلات القيادة المطلقة" وحسب، بل وأعلنت مدى اهتمامها بالبيئة وحمايتها من التلوث، وأثبتت أيضاً أنها تعمل على "قيادة المستقبل". خلال السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية، تطور عالم صناعة السيارات في شكل مدهش. فبعدما كانت السيارة مخصصة لنقل الركاب من مكان الى آخر، بدأت بالتحول من مجرد وسيلة نقل لا يمكن إلا للأغنياء الحصول عليها، الى إحدى ضروريات الحياة التي لا يمكن العيش من دونها. ومع الأيام، بدأ الصانعون يتعاملون مع سياراتهم، كل على طريقته الخاصة. فمنهم من عمل على تطوير تصميمها، ومنهم من زودها أحدث الأجهزة الإلكترونية التي تساعد السائق وتوفر له الراحة. أما البعض فركز جهده على شحن السيارة بأنظمة إلكترونية تهدف الى رفع مستوى السلامة العامة والأمان... وفي هذه الأثناء، كانت الكرة الأرضية في حال تبدل إذ طاول "التصحر" بعض أجزائها، بينما غطت الأمطار الحمضية الأجزاء الأخرى. ومن ناحية أخرى، سببت الحروب الكيماوية والانفجارات الذرية وتجارب الأسلحة النووية وعمليات قطع الأشجار... تشوهات طاولت الأرض والإنسان معاً، ليبدأ حينها البحث العلمي الجاد عن السبب الكامن خلف هذه التغييرات البيئية التي قد تؤدي يوماً ما، الى ما قد لا تحمد عقباه، وليبرز على الأثر موضوع حماية البيئة من الأضرار الناتجة عن النفايات الكيماوية والغازات الصادرة عن المنشآت الصناعية والآلات والمعامل وغيرها. ثم بدأ صانعو السيارات، وفي ظل القوانين الخاصة بحماية البيئة، بالتفكير جدياً في إنتاج محركات "نظيفة"، أي محركات تراعي البيئة وتحرص على عدم تلويثها، خصوصاً أن احتراق الوقود البنزين أو المازوت داخل المحرك يؤدي الى إصدار غازات سامة غير مرئية، تولد أضراراً بيئية، فكيف بالحري إذا أخذنا في الاعتبار كمية السيارات التي تسير يومياً على الطرق في مختلف أنحاء العالم، ويناهز عددها ال800 مليون؟ وفي هذا الاطار، أنشأ عدد كبير من شركات صناعة السيارات أقساماً متخصصة لدراسة تأثير احتراق الوقود داخل محركات السيارات في البيئة، ومحاولة إيجاد الحلول بدءاً من تزويد السيارات عوادم كيماوية، مهمتها تنقية الغازات الصادرة عن عمل هذه المحركات، وصولاً الى ابتكار أنواع جديدة منها تعمل بواسطة خلايا الوقود أو مادة الميتانول أو الأيثانول أو الغاز الطبيعي أو الطاقة الشمسية... أو حتى الكهرباء. أما بي ام في الألمانية فحاولت عبر قسم التطوير والبحوث لديها البحث عن وقود بديل ونظيف يمكن استخراجه من الطبيعة ومن دون تكاليف باهظة. من هنا نشأت فكرة اعتماد المياه التي تتكون كل ذرة منها من ذرة واحدة من الأوكسيجين في مقابل ذرتين من الهيدروجين، ليعتمد الأخير بعد دراسات طويلة، خصوصاً أن تصنيعه يتطلب عنصرين رئيسيين هما الماء والشمس، المتوافران بكثرة. فالماء تغطي أكثر من نصف الكرة الأرضية. أما الشمس فتسلط نورها على الكرة الأرضية منذ قديم الزمان، وترسل اليها خلال ساعة واحدة نحو 109 تيرا وات تيرا = مليون مليون أي ما يعادل إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة، سنة كاملة. تصنيعه سهل وغير ضار الطريقة المثلى لتوليد الهيدروجين هي التحليل الكهربائي، أي تمرير التيار الكهربائي عبر الماء ليعمل على تفكيك تركيبتها الى مكونيها الأوكسيجين والهيدروجين اللذين يمكن تخزين كل منهما في خزانات خاصة. أما التيار اللازم لهذه العملية، فيمكن توليده، في سهولة بالغة، عبر محطات كهربائية عاملة بالطاقة الشمسية، توجد إحداها في صحراء موهافي الأميركية، وتحديداً في ولاية كاليفورنيا، وتقوم على مساحة شاسعة يثبت فيها عدد هائل من المرايا العاكسة في وضعية مائلة تعكس الطاقة الحرارية الواصلة إليها من الشمس في اتجاه أنابيب خاصة مصنوعة من الفولاذ المصقول الستانلس ستيل، وتحتوي زيوتاً اصطناعية تتحلى بقدرة إيصالية عالية. وتوصل هذه الزيوت عند ارتفاع حرارتها، من جراء أشعة الشمس المعكوسة عليها من المرايا، هذه الحرارة الى كميات من الماء تتحول عند تسخينها بخاراً يحرك عجلات توربينية مماثلة لتلك المستخدمة في محطات توليد الكهرباء التقليدية، ويولد التيار. هجينة... على طريقة بي ام في المحركات الهجينة، كما بات معروفاً في عالم السيارات، تعتمد محركين يعمل أحدهما بالوقود العادي النفطي، في حين يعتمد الثاني الكهرباء. وهناك طريقتان لعمل هذه المحركات. فمن خلال الأولى، يقوم أحد المحركين نفطي أو كهربائي أو كلاهما بدفع السيارة، أما في الثانية، فيتم تركيب المحرك العامل بالنفط ومولد الطاقة الكهربائية والمحرك الكهربائي في شكل متتال على آلية الدفع ليؤدي تشغيل المحرك النفطي الى دوران مولد الطاقة الذي يعمل على شحن بطاريات المحرك الكهربائي. وعلى هذا الأساس، يطلق على هذه السيارات تسمية السيارات المهجنة أو الهجينة. أما لدى بي ام في، فالمبدأ لم يتغير، إلا أن طريقة التشغيل تختلف، إذ تعتمد سيارات بي ام في 750 اتش ال محرك احتراق ذاتياً واحداً يمكن تشغيله بالوقود والهيدروجين في آن، ويمكن التحول من أحدهما الى الآخر بمفتاح مثبت في لوحة القيادة. وفي هذا السياق، يفيد مسؤولو بي ام في أن تزويد السيارة محركاً يعمل على الوقود والهيدروجين معاً أمر ضروري في الوقت الراهن، أي في المراحل الأولى من عملية التحول من الوقود النفطي الى الوقود الهيدروجيني "إذ أن توافر خيار الوقود النفطي في السيارة يمنح السائق شعوراً بالطمأنينة". فإذا حدث أن نفد الوقود الهيدروجيني من سيارته في مكان ليست فيه محطات لتزود الهيدروجين، يمكنه تحويل عمل محرك سيارته الى الوقود النفطي بمجرد الضغط على مفتاح خاص في لوحة قيادة السيارة، الأمر الذي يمكنه من مواصلة رحلته. تأدية سيارة رياضية عادية السبب في اعتماد محركات الاحتراق الذاتي يعود الى أن هذا النوع من المحركات يوفر مستويات متقدمة من التأدية الرياضية، وأن مستوى الضجيج الصادر عن عملها متدن جداً، إضافةً الى أنها توفر للسائق المتطلب متعة في القيادة لا يمكنه أن يجدها في السيارات الكهربائية أو المهجنة بالكهرباء والتي تعتبر تأديتها محدودة جداً، سواء كان الأمر متعلقاً بتسارعها وسرعتها القصوى، أم بالمسافة التي يمكن قطعها بخزان مليء بالكهرباء، أم حتى بالوقت الطويل الذي تتطلبه إعادة شحنها. فمع محرك بي ام في 750 اتش ال، يحصل المرء على تأدية طراز 728 آي، إذ يمكن الانطلاق ب750 اتش ال من الصفر الى سرعة 100 كلم/س في 9.6 ثانية، والوصول الى سرعة قصوى تبلغ 226 كلم/س عبر محرك "مهدرج" يتألف من 12 أسطوانة على شكل 7، تبلغ سعته 5.4 ليتر، ويولد 204 أحصنة يمكن 750 اتش ال من السير 400 كلم من دون التوقف لتزود الوقود الهيدروجيني إذ يتسع خزان الهيدروجين السائل فيها ل140 ليتراً. ومن ناحية أخرى، لا بد من الإشارة الى أن سيارات بي ام في هذه العاملة على الهيدروجين موصولة - على غرار سيارات الفورمولا واحد - عبر الأقمار الاصطناعية بمركز بي ام في للبحوث والتطوير في مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تتولى أجهزة الكومبيوتر وفريق العمل المتخصص، مراقبة عمل أنظمتها، في استمرار، ما يسمح بتصحيح أي خلل أو ضبطه فوراً. محطات تزود الهيدروجين وبدعم من وزارة التجارة والصناعة في مقاطعة بافاريا الألمانية، أقيمت محطة "نظيفة"، بكلفة قاربت 34 مليون مارك ألماني، لتزود الهيدروجين بواسطة ذراع آلية تتصل بجهاز إرسال مثبت في المرآة الخارجية اليسرى للسيارة.ويبث جهاز الإرسال هذا بيانات السيارة الى نظام تحكم مثبت في المحطة يتعرف الى هوية السيارة وقياساتها الخارجية ويحدد في الوقت نفسه مكان خزان وقودها وقياس فتحته، ليحدد بالتالي معايير ضبط عمل الذراع الآلية. ثم يدخل السائق بطاقته، ومعها رمزه السري، لتلي ذلك إشارة للدلالة الى أنه يرغب في ملء خزان سيارته بالهيدروجين، فتقترب الذراع الآلية من فتحة الخزان، وتعمل قبل فتح الصمامات التي تمرر الهيدروجين السائل على حقن أنبوب يربط فوهة خرطوم المضخة وفتحة الخزان بغاز الهيليوم لتنظيف الخرطوم من بقايا الهواء. ويبدأ بعدها ضخ الهيدروجين السائل الذي تبلغ حرارته 235 درجة مئوية تحت الصفر الى الخزان الذي يؤدي أيضاً دور الثلاجة للمحافظة على درجة حرارة الهيدروجين في داخله. ويتم صنع خزان الهيدروجين في السيارة من 70 طبقة من الألياف الزجاج ورقائق الأليمنيوم التي يفصل في ما بينها حيز مفرغ من الهواء. وأخضعت بي ام في، خلال تطوير سياراتها العاملة على الهيدروجين، لسلسلة من الحوادث المفتعلة والعنيفة في آن، لتفحص قدرة خزانات الهيدروجين على تحمل الصدمات. وكانت النتيجة أن هذه الخزانات تتعرض تحت تأثير الحوادث العنيفة للتشوه، إلا أنها لا تنفجر أبداً. وقد ثبت خزان الهيدروجين في صندوق أمتعة السيارة ومباشرةً خلف ظهر المقعد الخلفي، الأمر الذي يؤدي الى تصغير حجمه ويمنع تحميل الأمتعة الطويلة. [email protected]