بعد 58 عاماً من البث الإذاعي في ثلاث وخمسين لغة، بينها العربية، تعيد إذاعة "صوت أميركا" صياغة نفسها للإجابة عن ماهية الدور الذي تريد أن تؤديه بعد انتهاء الحرب الباردة ومع وصول شبكة الأخبار الأميركية سي.أن.أن. إلى مختلف بقاع العالم، وسيادة القنوات التلفزيونية الفضائية التي تخطت كل حدود، ومع تدفق المعلومات عبر شبكة "إنترنت" ما يشكل تحدياً لوسائل الإعلام المختلفة. يستند المدير العام للإذاعة البروفسور سانفورد انجر الذي كان يشغل سابقاً منصب عميد كلية الصحافة في الجامعة الأميركية في واشنطن، في تأكيده على استمرار فاعلية دور "صوت أميركا" الى دراسة وضعتها منظمة "فريدوم هاوس" التي تعنى بتعزيز حرية الصحافة في العالم، تفيد أن نسبة تصل الى 42 في المئة من سكان العالم تعيش في دول تتحكم فيها الحكومات في شكل صارم، في ما يذاع وينشر من أخبار. ويعتقد البروفسور انجر "أن ليس كل الناس يعيشون في فنادق لمتابعة أخبار "سي.ان.ان." ولا تتاح لمعظم الناس فرصة الحصول على خدمات شبكة الكابل أو تلقي برامج القنوات التلفزيونية الفضائية، لذلك يبقى لإذاعة "صوت أميركا" دور فريد توصل من خلاله المعلومة والخبر الى كل الشعوب وكل المستويات الثقافية والاقتصادية، والأهم بلغاتهم الأم، وفي مختلف الأماكن الحضرية والنائية، وتؤدي بذلك دوراً أساسياً في حياتهم خصوصاً عندما تكون هناك تطورات مهمة سواء في دولهم، مثل مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، أو انتخابات الرئاسة الأميركية". وتشير دراسات القسم العربي في الإذاعة إلى "أن المستمع العربي مهما انشغل ببريق القنوات التلفزيونية العربية يحرص على متابعة الفترات الإخبارية المتكاملة التي يقدمها القسم يومياً. ويقول رئيس التغطية الإخبارية في القسم محمد الشناوي "إن نسبة الاستماع تزداد في شكل واضح عندما تكون هناك أحداث عربية مهمة أو مشاركة أميركية في أحداث تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. وطورت الإذاعة خلال العامين الماضيين شبكة مراسلين للقسم العربي تبدأ من موسكو مروراً بساراييفو وبغداد والدوحة ودمشق وبيروت والقدس وصنعاء والخرطوم والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، إضافة الى المكاتب الإقليمية في عمّان والقاهرة والأمم المتحدة، ثم ان وجود القسم العربي في واشنطن يوفر لمذيعيه فرصة متابعة كل النشاطات فيها". وإذ يقر انجر بأن الإذاعة هي مصدر فريد من نوعه "للتعرف الى أميركا والتجربة الأميركية بل إلى بعض المشكلات الخطيرة التي تواجه الولاياتالمتحدة"، ينفي في المقابل "أن يكون كل ما تبثه الإذاعة يعكس وجهة النظر الأميركية". ويشير الى "أن وجهة النظر هذه تقدم من خلال تعليق لا تتعدى مدته بضع دقائق أما باقي البرامج والأخبار فتُبرز وجهات النظر والتطورات كما هي، وبحياد تام، ولا يذاع أي خبر قبل التأكد منه، من مصدرين مستقلين". ويؤيد مدير دائرة الشرق الأدنى وشمال افريقيا في الإذاعة الدكتور اسماعيل دحيات هذا المبدأ ويقول: "إن الخلاف بين الولاياتالمتحدة والرئيس العراقي صدام حسين لم يمنع الإذاعة من تقديم وجهة النظر العراقية بمقابلات مع المسؤولين العراقيين، مثلما تقدم وجهة النظر الأميركية بموضوعية، ليُترك الحكم للمستمع". وتجري الإذاعة الآن دراسة لمعرفة أفضل السبل التي تجعل الإذاعة العربية ل"صوت أميركا" أكثر فاعلية، وبينها تغيير التشكيلة الحالية من وسائط الإعلام لتشمل أيضاً برامج من تلفزيون "صوت أميركا" وزيادة البرامج والأخبار المتاحة باللغة العربية على شبكة إنترنت. ويقول الدكتور دحيات إن السعي جار لتوسيع نطاق البث الإذاعي للقسم العربي ليشمل، الى الموجة المتوسطة 238 متراً من رودوس، والموجة المتوسطة 194 متراً من الكويت، البث على موجات "أف.أم." وإجراء دراسات لمعرفة مدى ملاءمة البرامج الحالية والموجات التي تذاع عليها، احتياجات المستمعين وتفضيلاتهم". ومع اقتراب اندماج الإذاعة مع الشبكة العالمية للتلفزيون "وورلدنت" في شكل تلفزيون "صوت أميركا" تدخل الإذاعة التي احتفلت نهاية العام الماضي بعيد تأسيسها ال58 مرحلة الإنتاج التلفزيوني والجمع بين البث الإذاعي والبث التلفزيوني المباشر والذي سيبدأ بمجلة إخبارية أسبوعية وبرامج متميزة. ويشير الدكتور دحيات الى "أن هناك آفاقاً واسعة للتعاون التلفزيوني بين "صوت أميركا" والقنوات الفضائية العربية المتميزة، مثل قناة "المستقبل" اللبنانية، وقنوات "النيل" المصرية، وسبق التعاون مع مركز تلفزيون الشرق الأوسط ام.بي.سي. في لندن في إنتاج برنامج "حوار مع الغرب" وبثه، لمدة سنتين". ويقول انجر "إن المحك الرئيسي في أي اتفاق للتعاون والشراكة أن يكون مفيداً للجانبين ويحافظ على سمعة "صوت أميركا" كمصدر ثقة محايد للأنباء والمعلومات، لا لخدمة أي "أجندة" سياسية أو لنصرة وجهة نظر معينة، نحن نريد أن يدرك المستمع والمشاهد أن "صوت أميركا" أصبحت الآن هيئة مستقلة ولم ولن تسمح بأي تدخل في وظيفتها الصحافية لا من الخارجية الأميركية ولا غيرها". وتسعى الإذاعة الى اجتذاب المستمعين الشباب وتكثيف البرامج الحية. ويشير الشناوي إلى برنامج سيعاد بثه بعنوان "هالو أميركا" مخصص للمستمعين في العالم العربي، ويتم تطويره كبرنامج تلفزيوني الى جانب البرامج الحالية التي تتناول أوجه الحياة في أميركا وتطور العلوم وأخبار الفن والرياضة والزراعة والتطورات المتلاحقة في عالم الكومبيوتر. وستقدم الإذاعة سلسلة جديدة عن سبل الهجرة الى أميركا