«أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    399 مخالفة على منشآت العمالة الموسمية بالمدينة    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    مجلس التعاون ودعم اليمن    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    مانشيني يواجه الإعلام قبل لقاء الأردن    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    «التعاون الإسلامي»: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    الاقتصاد السعودي.. محركات قوية للنمو المستدام    القيادة تهنئ ملك الأردن    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    مستثمرو النفط يتطلعون لانتعاش الأسواق بعد خسارة أسبوعية    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    «بيئة الرياض»: 3918 جولة رقابية على أسواق النفع العام والمسالخ    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    سعود بن نهار يدشّن الصالة الإضافية بمطار الطائف    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    الأخضر يختتم تحضيراته لمواجهة الأردن    فيصل بن سلمان يرأس اجتماع مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روجر تومكيس: من الماضي السياسي الى جامعة كامبردج
نشر في الحياة يوم 15 - 02 - 2000

السير روجر تومكيس، رئيس "بمبروك كوليج" في جامعة كامبردج، شخصية معروفة في دوائر كثير من السياسيين العرب وكذا الأكاديميين، فقد عمل لسنوات طويلة في عواصم عربية وشغل مناصب متقدمة ذات صلة مباشرة بالمنطقة. انخرط في العمل الديبلوماسي البريطاني في سنة 1960 بعد تخرجه في اكسفورد، حيث درس الكلاسيكيات، وارسل إلى معهد شملان في لبنان للدراسات العربية حيث درس لما يقارب السنة هناك. وأقام بعدها خمسة أشهر إضافية، وبعدها انتقل إلى الأردن في كانون الثاني يناير 1962، ليقضي سنتين ينتقل بعدهما إلى لندن حيث عمل لمدة ثلاث سنوات في دائرة الطاقة التي كانت معنية بموضوع النفط وبشكل رئيسي في الشرق الأوسط. بعدها ارسل إلى ليبيا حيث عمل سنتين في السفارة البريطانية في بنغازي قبل قيام الثورة، وكان ذلك في سنتي 1967-1969. وهناك شهد حرب 1967 حين كانت التظاهرات تشتعل ضد كل السفارات البريطانية بدءاً من المغرب وحتى إسلام آباد، كما يتذكر. وفي سنوات 1977-1980 عيّن رئيساً لقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية في لندن، ومثل بريطانيا في الحوار العربي - الأوروبي في أواخر السبعينات وفي مجموعات العمل الخاصة بالشرق الأوسط في أوروبا. وفي سنوات 1981-1984 شغل منصب سفير بريطانيا في البحرين، وبعدها في سورية من سنة 1984 وحتى 1986 عندما قطعت العلاقات الديبلوماسية مع سورية بسبب قضية هنداوي، وكانت تلك آخر وظيفة شرق أوسطية له في المنطقة، حيث ذهب بعدها إلى نيروبي سفيراً لبلاده.
أما "بمبروك كوليج" التي يرأسها السير روجر، فهي واحدة من أعرق كليات جامعة كامبردج، إذ تأسست في القرن الرابع عشر. وتقع في قلب الجامعة والمدينة ويقابل مدخلها الرئيسي بناية مطبعة جامعة كامبردج، أقدم دار نشر في العالم. ولهذه الكلية تأثير كبير على عدد من المبرزين العرب، ويأتي في مقدمهم خليل حاوي الشاعر اللبناني المعروف الذي درس فيها في النصف الثاني من الخمسينات. وشهدت تلك الفترة أكثر فترات حاوي خصوبة وانطلاقاً شعرياً بحسب توصيف أحمد العبيدلي. ويذكر أنه اقيمت في الكلية حفلة تكريم وتأبين لحاوي في أيلول سبتمبر 1990، وما زالت الكلية تحتفظ بلوحة لصورة الشاعر ضمن مجموعة مقتنياتها التاريخية رسمها الرسام الانكليزي شارلز وايك انظر الصورة المرفقة التي تنشر للمرة الأولى. ويذكر أيضاً ان من الذين مروا على هذه الكلية فدرسوا أو درسّوا فيها الشاعر توفيق صايغ وشقيقه الكاتب والباحث الفلسطيني انيس صايغ.
في مكتبه في "بمبروك كوليج" كان هذا الحوار مع السير روجر:
بداية، هل لك ان تصف كيف ترى الانتقال من العمل الديبلوماسي إلى ممارسة العمل الأكاديمي؟
- أولاً أنا في الواقع لست أكاديمياً أو مدرساً بالمعنى الحرفي. ذاك أن دوري الرئيسي هو رئاسة "بمبروك كوليج" وتمثيلها في الجامعة والخارج. أقوم ببعض التدريس من حين لآخر، وادرس الآن مساقاً حول سياسة الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية لطلاب الدراسات العليا. وتركت العمل الديبلوماسي مبكراً ذلك انني وزوجتي وبعد خدمة في هذا الميدان لمدة 31 سنة، أردنا أن نستقر بعض الشيء في بريطانيا ونمارس حياة طبيعية. وكنت على الدوام مهتماً بالحقل الأكاديمي، وقد رأست الجمعية البريطانية للشرق الأوسط لسنوات، وأنا أيضاً رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كامبردج.
حول موضوع الانتقال من العمل السياسي أو الديبلوماسي إلى العمل الأكاديمي أو العكس، هناك نموذجان يتبادران إلى الذهن: الأول نموذج جورج كينان السفير الأميركي في موسكو بعد الحرب العالمية الثانية وصاحب نظرية الاحتواء المشهورة الذي انتقل إلى المجال الأكاديمي لاحقاً وترك أثراً مشهوداً، والثاني نموذج هنري كيسنجر الذي انتقل من العمل الأكاديمي إلى السياسة وعمل مستشاراً للأمن القومي ثم وزيراً للخارجية في عهد نيكسون، وترك أثراً مشهوداً أيضاً. سؤالي: أي النموذجين تراه أكثر تأثيراً في المسار العام للحياة السياسية، وأيهما أقرب إليك؟
- حسناً، كلا النموذجين أميركي، وهذا يشير إلى إحدى حسنات النظام الأميركي في هذا الصدد، وهو سهولة الانتقال من الحقل الاكاديمي إلى السياسي وبالعكس، على غير ما هو قائم في بريطانيا. وإذا كنتُ اتبع أياً من هذين النموذجين، فنموذج كينان هو الذي ينطبق عليّ بالطبع. ولا أدري ان كان من الأفضل لي الانتقال من العمل الديبلوماسي إلى موقع أقرب إلى السياسة مثل "تشاتم هاوس" المعهد الملكي للشؤون الدولية، أو أي موقع آخر في لندن أكون منخرطاً من خلاله في تحليل السياسة. أما هنا فأنا غير منخرط في السياسة اليومية، وأحياناً أجد صعوبة في ملاحقة ما يحدث عن قرب، إذ انني اتابع الشأن العام عبر مصادر المعلومات المتوافرة للناس العاديين، وافتقد في كثير من الأحيان التلغرافات ومصادر المعلومات الديبلوماسية.
ثمة جدل دائم حول الأفضلية التي قد يتمتع بها السياسي على الأكاديمية أو العكس، فمن قائل بأن السياسي هو الذي يعايش الواقع بينما الأكاديمي يعيش في أبراجه العاجية، إلى قائل بأن السياسي ضيق النظر فيما الأكاديمي واسع النظر ويأخذ في الاعتبار جوانب وخلفيات لا يتنبه إليها السياسي. هل ترى لمثل هذا الجدل قيمة في أيامنا هذه حيث الفجوة بين الاثنين ضاقت إلى حد بعيد؟
- في البداية يجب التأكيد طبعاً على ضرورة أن يتبادل الأكاديمي والممارس الخبرة والمعلومات والمعرفة. ولا اعتقد من الواقعية أن تكون اكاديمياً مهتماً بالتاريخ والسياسة الحديثين ما لم تكن لديك قنوات معينة من السياسيين والممارسين الذين يصنعون السياسة. وفي المقابل، فإن السياسيين يكونون قصيري نظر بشكل كبير إذا لم يخصصوا الوقت الكافي للاطلاع على التحليلات الأكاديمية والخلفيات المختلفة للأمور التي يتعاملون معها.
دعني انتقل إلى الحديث عن جامعة كامبردج والدراسات الشرق أوسطية فيها. فالشائع هو أن مستوى الاهتمام بالمنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بالتاريخ السياسي الحديث والمعاصر هو ضعيف بشكل ملفت مقارنة مع جامعات أخرى، مثل اكسفورد واكستر ودارهام، فما هي أسباب هذا الضعف، وهل هناك إقرار به ومحاولة لتخطيه؟
- هذا صحيح من ناحية أولية، إذ ليس في كامبردج جهة متخصصة في دراسات الشرق الأوسط الحديث بما يناظر مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت انتونيز في اكسفورد على سبيل المثال. كما أنه لا يوجد غير قلة من المختصين في الشرق الأوسط في كامبردج، منهم يزيد الصايغ الأكاديمي الفلسطيني المتميز، وفي الإسلاميات الكلاسيكية والتاريخ هناك اكاديميون مبرزون منهم جيمس مونتغمري وطريف خالدي وكيت بنسيون المختصة بتاريخ المغرب العربي في القرن التاسع عشر، وكذلك هناك ديفيد اراغشيا المتخصص في الأندلسيات. وفي كلية الالهيات هناك تيم ونتر وهو عالم متميز في الدراسات العقدية الإسلامية، وقد اعتنق الإسلام أيضاً.
هل تعتقد أن ثمة حاجة إلى مبادرة لتوجيه الجهود والموارد نحو انشاء قسم خاص بدراسات الشرق الأوسط الحديث يكون بمستوى المراكز البحثية في بعض الجامعات الأخرى، أم ان ما هو موجود يكفي؟
- البعض منا ينظر في إمكانية الحصول على دعم لتجسيد هذه الأفكار، خصوصاً من خلال مركز الدراسات الدولية. لكن علينا أن نتذكر ان إحدى نقاط قوة جامعة كامبردج كانت على الدوام عدم التصاقها بمراكز صنع القرار في بريطانيا عن طريق مراكز البحث الجامعي، بينما يشير تاريخ اكسفورد إلى أنها كانت دوماً أقرب إلى المؤسسة الحاكمة وتؤثر وتتأثر بصناعة القرار، وهذا انعكس على وجود وقوة بعض مراكز البحث المتخصصة فيها. لكن أحب أن أقول أيضاً إن هذه ليست قاعدة شاملة، لكنها أقرب إلى توصيف التوجه العام.
من الموضوعات التقليدية التي تُطرح عادة في سياق الدراسات الشرق أوسطية في مراكز البحث الغربية موضوعة الاستشراق والمستشرقين. وأنت تعلم بالطبع ان هناك اجمالاً منهجين لفهم المنطقة العربية الاسلامية واحداً ينتمي لبعض مدارس الاستشراق الكلاسيكي الذي ينظر الى المجتمعات العربية على أساس انها وحدات ثابتة لا متغيرة جوهرانية لا تؤثر فيها التغيرات الزمنية والمكانية، ومنهجاً آخر يقطع مع الأول ويرى ان المجتمعات العربية وأوضاعها تنتج عن عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وان هذه المجتمعات تتغير تبعاً لتغير تلك العوامل. وعلى رغم انه يمكن القول ان مدرسة التحليل السوسيولوجي - السياسي هي التي تكسب ارضاً جديدة كل يوم، الا ان الأدبيات الصادرة حول الشرق الأوسط لا تعدم من يعيد طرح المنهج الكلاسيكي الأول، كيف تنظر الى هذين المنهجين وأين أنت منهما؟
- أعتقد ان الرؤية الاستشراقية كما صورها ادوارد سعيد في كتاباته لم يعد لها موقع الآن، والسبب الأول على اقل تقدير ان التاريخ الراهن للمنطقة صار يكتب الآن من قبل اكاديميين ومؤرخين وكتّاب من المنطقة نفسها، وليس من قبل غربيين كما كانت الحال في عقود الاستشراق التقليدي. وأذكر ان احد المثقفين المصريين ذكر لزميل كان يعمل في السفارة البريطانية في القاهرة خلال فترة خدمتي الأولى، انه "عليك ان تكون متوثقاً مما تكتب في تقارير السفارة إذ انك تكتب تاريخ بلدي". وإذا كان ذلك غير دقيق من اكثر من زاوية الا انه يحمل اكثر من اشارة لما كان يعتقده كثيرون آنذاك. اما الآن فقد تغيرت الأمور كما تغيرت اعتبارات تأريخ المنطقة بشكل جذري. اما السبب الثاني فيكمن في اننا نعيش الآن في عصر الماكدونالدز والهامبورغر الذي اختزلت فيه المسافات الجغرافية والثقافية بين مناطق العالم بشكل لا سابق له، وبذلك فإن التواصل الكثيف والسريع بين الشرق الأوسط وبقية العالم لم يعد يترك للرؤية الاستشراقية القديمة حيزاً واسعاً للمناورة، خصوصاً ان الاجزاء المتعلمة في العالم العربي باتت قريبة جداً من أوروبا. وأذكر انني عندما كنت اعمل سفيراً في البحرين ثم انتقلت الى دمشق لاحظت ان اوجه الشبه بين دمشق وأثينا بدت لي اكثر من تلك التي بين دمشق والمنامة، اذ ان كلا من اثينا ودمشق تنتميان الى حوض المتوسط وفيهما صور مشتركة وعوامل وتقاليد قريبة من بعضها البعض، والآن تتعزز هذه الصورة ويقترب الغرب والشرق من بعضهما البعض اكثر.
أشرت في حديثك الآن الى التغير في نمط التواصل العالمي والاقتراب الذي تشهده مناطق العالم وهو احد جوانب العولمة، وكنت ذكرت لي في حديث سابق انك تعتبر الثورة الاعلامية اهم جوانب العولمة، فكيف ترى الأثر الراهن لهذا الجانب تحديداً على العالم العربي، مقارنة بالسنوات السابقة التي تواجدت فيها في المنطقة.
- نعم، هذا ما اعتقده، وأعطي مثال سورية حيث عملت هناك. وكان مصدر المعلومات والاعلام الوحيد للمواطنين هو الاعلام الرسمي، والبعض منهم كانوا يتابعون الراديو والتلفزيون الأردني او التلفزيون الاسرائيلي، والمحظوظون الذين يمتلكون اجهزة راديو تبث على الموجات القصيرة ربما استمعوا لاذاعة لندن العربية. وبذلك فإن السيطرة على المعلومات والتغطية عليها كانت كاملة. بينما في الوضع الراهن لا يمكن ان نتخيل حدوث أي حدث من دون ان يعلم السوريون او يتابعوا. ولا يعني هذا بالطبع ان الاعلام الحالي كان بامكانه منع ما حدث، لكنه بالتأكيد كان سيدفع باتجاه اجراء حسابات مختلفة. وهذا يقودنا الى ملاحظة تأثير تيار الدمقرطة الذي انطلق مع نهاية الثمانينات واستحالة السيطرة على المعلومات.
دعنا ننتقل الى السياسة البريطانية في الشرق الأوسط في هذه الأيام. فهناك شبه قناعة سائدة بأن هذه السياسة غير فعّالة اولاً، خصوصاً على صعيد القضية الفلسطينية، وانها تابعة للسياسة الاميركية وغير مستقلة عنها كما هي حال السياسة الفرنسية مثلاً. في حين ان تاريخ العلاقة البريطانية - الشرق أوسطية اعمق كثيراً من نظيرتها الاميركية، فضلاً عن ان الميراث البريطاني المتراكم على صعيد معرفة المنطقة والتعامل معها يفترضان أن يكون اكثر غنى من ذلك الأميركي، فما هو تعليقك على هذه الآراء؟
- هذه الأفكار تقال بشكل دائم، ودعني ارسم لك جوابي بشكل درامي...
مقاطعاً بصفتك اكاديمياً ام ديبلوماسياً؟
-... بصفتي ديبلوماسياً سابقاً، أقول بأنه بشكل عام انه اذا خيّرت اي حكومة بريطانية بين ان تتبنى سياسة خاصة بها تؤكد فيها على خصوصيتها وتعزز الثقة والنظرة اليها او ان تتبنى سياسة تحاول فيها التأثير على السياسة الاميركية بالاتجاه الذي تعتقده الحكومة البريطانية، فإن الخيار سوف يتجه لتبني السياسة الثانية. هذا في الوقت الذي تلاحظ فيه ان الموقف الفرنسي لا يهمه ان يكون له تأثير ايجابي او سلبي او حتى اي تأثير على الاطلاق في الموقف الأميركي طالما ان الفرنسيين يعتقدون انهم يقومون بدور منفصل يعزز صورتهم بعيداً عن الأميركيين.
تبدو هذه النقطة مقنعة نظرياً ولكن هل لك ان تعطيني امثلة عملية، مواقف، او حالات اثر فيها الموقف البريطاني على الموقف الأميركي ودفعه باتجاه تبني توجهات أقل انحيازاً لاسرائيل؟
- حسناً، اذا عدت الى السنوات التي كنت اعمل فيها في الخارجية، فإنني اذكر لك ان "بيان البندقية" سنة 1980 كان نتيجة جهد الحكومة البريطانية آنذاك، وتعلم ان ذلك البيان نقل الموقف الأوروبي للمرة الأولى باتجاه تبني حق تقرير المصير للفلسطينيين، وفي ذلك الوقت لم يكن الأميركيون راضين عن طروحات وأفكار كثيرة حول هذا الموضوع، كما ان الفرنسيين كانوا يفضلون اصدار "بيان فرنسي" خاص بهم يذهب الى أبعد ما حمله بيان البندقية، لكننا اشتغلنا على صيغة البندقية التي احدثت تأثيراً في الموقف الأميركي باعتبارها موقفاً اوروبياً جماعياً ونجحنا في اصدارها.
اذا عدنا الى الوراء اكثر وطرحنا موضوعاً حساساً وخلافية في اوساط المهتمين البريطانيين وذات علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية، سواء كعرب او كفلسطينيين وهو وعد بلفور وآثاره التي نعيشها للآن. بعض الآراء البريطانية يأخذ على العرب والفلسطينيين استحواذهم على هذا القرار وتقول بأنه قد مضى عليه ازيد من ثلاثة أرباع القرن وانتقل العالم والشرق الأوسط معه الى حقائق جديدة، ومع ذلك ما زال هناك تكرار لطرحه والتشاكي منه. في المقابل تقول وجهات النظر العربية ان الموضوع ليس تشاكياً بل آثار ما زالت تتفاعل حتى هذا اليوم ابرزها فقدان الفلسطينيين لأرضهم وبقاء ملايين منهم برسم التشتت واللجوء لحد الآن. والمدخل الذي يراه العرب والفلسطينيون علمياً بعيداً عن المحاججة التاريخية هو ضرورة اعتذار بريطانيا عن اصدارها ذاك الوعد، باعتبار ان هذا الاعتذار يساعد في تحديد المسؤولية التاريخية ومن ثم يساهم في الحل السياسي المأمول، خصوصاً على صعيد اعادة الأرض الفلسطينية وإعادة اللاجئين. فضلاً عن اننا نعيش في مرحلة اعتذارات عالمية وانسانية تعمل على تصحيح ضمير العالم بشكل عام. وأبعد من ذلك، يطالب بعض الكتّاب العرب بريطانيا، وكذا فرنسا، بالتعويض المادي عن فترة الاستعمار، باعتبارها مرحلة نهب لبلدانهم، فماذا ترى في كل هذا؟
- بالنسبة لوعد بلفور هناك نقاط عدة، الأولى هي ان الصهيونية كانت تتقدم بثبات قبل وعد بلفور بكثير، فهذا الوعد صدر في عام 1917، ولم يؤثر جوهرياً في مسيرتها. والثانية هي انه بين العام الذي صدر فيه الوعد والعام الذي قامت فيه اسرائيل، 1948، كان هناك 31 سنة مليئة بالفرص والاحتمالات سواء للفلسطينيين او للعرب او حتى للعالم اجمع كي يؤثر في اتجاه الأمور ويغير من الوجهة التي اتخذتها. وهذا ينطبق على مساحة الأراضي التي كان يسيطر عليها اليهود، او طبيعة الكيانات القومية التي كان من الممكن ان تنشأ في فلسطين وسوى ذلك. وعليه فإنك لا تستطيع ان تعزو مسؤولية كل التطورات التي حدثت آنذاك الى حدث منفرد وقع سنة 1917، هو وعد بلفور. وإذا فعلت ذلك فأين تضع اعلان بلتيمور الذي اصدرته الجاليات اليهودية الأميركية عام 1942 ودعا بوضوح الى انشاء دولة قومية National State وليس وطناً Homeland كما نصّ وعد بلفور خاصة باليهود في فلسطين ومن دون أية ضوابط او محددات على الهجرة اليهودية القادمة من الخارج.
لكن هناك فرقاً كبيراً بين وعد بلفور وإعلان بلتيمور، ففضلاً عن ان الثاني تشجع بوجود الأرضية التي وفّرها الأول، فما هو اهم من ذلك ان وعد بلفور له اهمية سياسية وتطبيق عملي اذ انه صدر عن بريطانيا العظمى آنذاك، ذات الموقع والنفوذ والتي كانت تسيطر على فلسطين وبيدها القرار، فيما كان اعلان بلتيمور صدر لاحقاً عن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وليس له صفة قانونية بقدر ما شكل خطوة صريحة تتحدث لأول مرة عن هدف إقامة دولة ذات سياسة يهودية في فلسطين.
- أي موقع وأي نفوذ كانت بريطانيا تتمتع بهما آنذاك وتتحدث عنهما الآن؟ بريطانيا كانت في ذلك الوقت تحارب من اجل البقاء في صراع مرير في أوروبا الغربية، وكانت تأمل في دعم اليهودية العالمية في ذلك الوقت لتوظيفه في ذلك الصراع. وربما لو لم يصدر وعد بلفور وتأييد الجاليات اليهودية الأميركية له لكان باستطاعة المانيا النجاح في مساعيها لإبقاء الولايات المتحدة خارج الحرب.
وماذا عن اطروحة تعويض الفلسطينيين عن النتائج التي سببها لهم وعد بلفور؟
- لا اعتقد انه يوجد احد هنا في بريطانيا، بمن فيهم أنا، يرى قاعدة منطقية لذلك. فما من احد يستطيع اثبات ان المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون كانت ستكون أقل لو لم يصدر الوعد. هذا مع تأكيدي على ان صدور الوعد بحد ذاته لم يكن تصرفاً عادلاً، وإن لم يكن ذا تأثير جوهري على مسار الأحداث.
ألا تعتقد حقاً ان مسار الاحداث كان سيختلف في غياب ذلك الوعد؟
- ربما كان قد اختلف، لكن لا ادري فيما ان كان نحو الأحسن او نحو الأسوأ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.