جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    "سدايا" تحصد الآيزو بإدارة الذكاء الاصطناعي    «أرامكو»: 27.25 ريال سعر الطرح النهائي للأسهم للمكتتبين الأفراد    تطمينات "أوبك+" تصعد بالنفط    «ميدل إيست آي»: مقترح «الهدنة» الإسرائيلي لا يتضمن إنهاء الحرب    "ميتا" تتيح إعلانات الشركات على واتساب ب"الذكاء"    ثغرة في أدوات الرقابة الأبوية بأجهزة آبل    يايسله يطلب بديلاً لفيرمينو في الأهلي    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    البسامي يدشن مركز المراقبة على الطرق    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    بطلب من رونالدو.. 6 لاعبين على رادار النصر    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    قرض تنموي سعودي ب103 ملايين دولار لتمويل إنشاء وتجهيز مستشفى كارلوس سينتينز في نيكاراغوا    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    المسحل يتحدث عن تأهل السعودية إلى المرحلة الثالثة من تصفيات كأس العالم    تراجع الدولار واليوان وصعود اليورو أمام الروبل الروسي    الأحمدي يكتب.. في مثل هذا اليوم انتصر الهلال    الجيش الأمريكي: تدمير 8 مسيرات تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    ماكرون يتعهد بتقديم مقاتلات ميراج إلى أوكرانيا    الحقيل يفتتح مركز دعم المستثمرين بالمدينة المنورة ويتفقد عدداً من المشاريع البلدية    أغنيات الأسى    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "ابن نافل" يسعى لكرسي رئاسة الهلال من جديد    "بوليفارد رياض سيتي" و" أريناSEF " تستضيف كأس العالم للرياضات الإلكترونية    "الأرصاد": موجة حارة على منطقة المدينة المنورة    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وفد من مجموعة البنك الدولي يزور هيئة تقويم التعليم والتدريب    كيف تبني علامة تجارية قوية عبر المحتوى ؟    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    الاتفاق يُحدد موقفه من فوفانا وجوتا    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    عمارة الحرمين.. بناء مستمر    بحضور وزير الاستثمار ومحافظ الزلفي.. وزير التعليم يرعى حفل جائزة الفهد لحفظ القران    أشهُرٌ معلومات    مع التحية إلى معالي وزير التعليم    التطوع والحج    القطاع الخاص والاستثمار في الفضاء الخارجي    الركن الخامس.. منظومة متكاملة    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    انطلاق أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"صنعاء" المقالح
نشر في الحياة يوم 09 - 12 - 1999

لم يكتب شاعر عربي عن مدينة عربية برهبة وشغف مثلما كتب الشاعر عبدالعزيز المقالح عن صنعاء. وقصيدته الطويلة التي سمّاها "كتاب صنعاء" هي قصيدة حبّ أوّلاً وأخيراً ولكن حبّ لا يخلو من التناقض الذي يسم الهموم الكبيرة عادة. فهو حبّ مثالي ومأسوي في الحين عينه، حسّي وروحي، واقعيّ وتاريخيّ. حبّ مدينة كما لو أنّه حبّ امرأة، في براءتها وإثمها، في صفائها وغموضها. فالمدينة كانت امرأة كما يقول الشاعر في مستهلّ قصيدته قبل أن تصبح مدينة. وفي الختام يستعيد الشاعر اللعبة المجازية نفسها ليعلن أن المرأة التي كانت مدينة أصبحت قصيدة. ولعلّ هذه العلاقة الجدلية بين زوايا هذا المثلّث العجيب هي التي أضفت على "كتاب صنعاء" مواصفات الحبّ العميق الذي تنصهر في جحيمه اللغة والمكان والجسد.
كتب بعض الشعراء العرب عن مدن أحبّوها، عن مدنٍ، ولدوا فيها أو نشأوا تحت سمائها أو عاشوا في كنفها فتغزّلوا بها وكالوا لها المدائح أو رثوها. لكنّ عبدالعزيز المقالح لا يكتب غزلاً في صنعاء ولا رثاء ولا مدائح بل يكتب حبه لها وربّما ما يفوق الحبّ من وجد وتأمل. فهو يتغزل بها حين ينبغي أن يتغزل ويرثيها عندما يحين موعد الرثاء ولكنّه لا يكفّ لحظة عن حبّها وعن تملّي ملامحها كما لو كانت امرأة أو حبيبة.
تحضر المدينة في القصيدة حضوراً مزدوجاً كيلا أقول ثنائياً: فهي واقع وتاريخ، حلم وحقيقة، فردوس وجحيم. إنّها "عاصمة الروح" يلفّها الحرير تارةً والرماد تارة كما يعبّر الشاعر، يغمرها "الضحى والتعاويذ". مدينة هطلت من "كتاب الأساطير" وطلعت من "غناء البنفسج". وفي سمائها تتآلف الأسطورة والحقائق، المأساة والرجاء، الكآبة والفرح. إنّها مدينة خارج الزمن ولكن داخل التاريخ، لا عمر لها ولكنّ جذورها تضرب في ماضٍ سحيق. مدينة الحلم واليقظة، عالمها من "شموس وشرفات.
يكتب عبدالعزيز المقالح سيرة صنعاء أو ما يشبه سيرتها من غير أن يُثقل قصيدته بما تفترضه السيرة من تواريخ وأسماء. فالشعر هنا قادر على فرض أبعاده اللغوية، والغنائية قادرة على الإرتقاء بما يطرأ من سرد أو وصف الى مراتب الوجد الشعريّ. لكنّ الشاعر لن يتوانى عن دمج الأنواع أو العناصر بعضها ببعض ليرسم صورة شخصية لمدينة يصعب وصفها من شدّة تناقضها الجميل. فهي "لا سقف يفصلها عن بساط السماء" بل هي تملك وجه قديسة، كما يقول المقالح، ولسان حكيم وصوت شهيد وعواطف شاعر. ولا يفاجىء المقالح القارىء حين يشبّه بعض مشاهد صنعاء بما رسم الفنان الفرنسي ماتيس من لوحات "شرقية" صاخبة بالأضواء والغنائية. أو حين يستعير اسم سلفادور دالي ليدلّ على الطابع السوريالي لبعض النوافذ "الصنعانية" أو الجدران الملوّنة.
ولا يؤكّد الشاعر المنحى الحلميّ أو الفردوسيّ للمدينة إلا ليؤكّد الطابع المأسويّ. فالمدينة ذات الأبواب السبعة على غرار الفردوس والتي تقرأ "أوراق الشمس والمطر" أوصدت أبوابها ذات ليل. عندما حاصرتها "ذئاب الظلام" وحكمتها "الكائنات المتحجرة" وحطمت الهراوات قناديلها. ولا تتجلّى صورتها إلا في كونها مدينة المراحل والتحوّلات، مدينة الذكرى والقلب، مدينة اليأس والأمل. وحيال المدينة التي لا تكفّ عن الغناء سواء اكانت مبتهجة أم مكتئبة يخاطب الشاعر قلبه داعياً إيّاه الى الغناء: "يا حطب القلب أوقد نشيدك". ولعلّ "كتاب صنعاء" هو من تلك النار التي اشتعل بها القلب، من وجيف النار الحارقة، نار السرّ والسريرة.
لا تحمل قضية المدينة هنا طابع الصراع التقليدي بين الحاضر والماضي أو بين الخير والشرّ. فهي ليست نقيض الريف أو القرية كما عرف عنها عموماً، وليست كذلك نقيض البراءة والألفة. بل هي تضم كمدينة الريف - القرية في حواشيها وتجمع البراءة والإثم، الذكرى والواقع. إنها أرض الحلم والذكريات، أرض البنفسج والرماد، أرض الملائكة والحروب. والشاعر لا يتخطى الثنائية التقليدية المتمثلة في المواجهة بين زمن المدينة وزمن القرية إلا ليخلق أحوالاً ومقامات تتناغم فيها الثنائيات وتنتفي المتناقضات. والشاعر إذ يدرك وطأة الزمن الثقيل ورهبته يلمح عبر عينه الداخلية ذلك الطفل الهائم الذي كانه يوماً في أزقة صنعاء، ويغرق في حبّ مريم التي انطفأت ذات يوم ولم يبق منها سوى "بقايا ومضة شاحبة".
وإذا شاء عبدالعزيز المقالح قصيدته الطويلة مجموعة قصائد قصيرة فهو يؤكّد النظرية التي تقول ان القصيدة الطويلة ليست إلا مجموعة قصائد قصيرة. لكنّ الشاعر أراد قصيدته أن تكون خمساً وخمسين قصيدة قصيرة تؤلّف ما يمكن تسميته "بنية دائرية". وقد اعتمد الشاعر ما يشبه "التدوير" الشعريّ من غير أن يقع في شرك الشعر الحرّ الصرف أو قصيدة النثر الصرف. فقصيدته مشرعة على أنواع شتى تتلاءم علي رغم تنافرها في أحيان: الشعر مفتوح على السرد والوصف ولكن من غير أن يتخلّى لحظة عن شعرّيته الجارفة ولا عن ايقاعاته الداخلية.
"كتاب صنعاء" منشورات رياض الريس، بيروت، قصيدة تعلّم قارئها كيف يمكنه أن يحب مدينة عبر حبّ الشاعر لها بل كيف يمكنه أن يحب مدينة تتخطى عبر الشعر مزالق التاريخ والجغرافيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.