أكبر معرض للاتصالات في التاريخ "تيليكوم99" شاهد القرن المقبل يدخل حاملاً هاتف فيديو نقال متصلاً لاسلكياً بشبكة الانترنت. يتبادل الناس عبر الهاتف المكالمات الهاتفية السمعية والمرئية، ويسحبون بواسطته نقود من حساباتهم في المصارف، ويتابعون عبره برامج الاذاعة والتلفزيون الفضائية والأرضية، وكالنافذة السحرية يطلون منه على الأسواق ودور الكتب، ويدخلون به، وهم على الماشي، مكاتبهم ومنازلهم لمراجعة الرسائل المرسلة لهم، أو لمتابعة ملفات العمل. ولا يقتصر دور هاتف الانترنت النقال على الاتصالات فقط، بل يستطيع أن يصدر من بعيد أوامر لتشغيل أجهزة التكييف والاضاءة والطبخ وغير ذلك من المعدات المنزلية. عمالقة صناعات الاتصالات والمعلومات تسابقوا في عرض نماذج لتقنيات هاتف الانترنت السمعي البصري النقال. لكن "تيليكوم99"، الذي اختتم أعماله قبل يومين في العاصمة السويسرية لم يستطع حسم النقاش حول مسائل مصيرية تتعلق بمستقبل الاتصالات، مثل: هل يتفق عمالقة الصناعات العالمية على مواصفات قياسية موحدة تتيح لتطبيقات هاتف الانترنت النقال التخاطب فيما بينها؟ وما هي فرص الهاتف الفضائي النقال أمام زحف الهاتف العالمي الأرضي الرقمي؟ ومن يزيح الآخر: هاتف الشبكة النقال أم أجهزة الراديو أ والتلفزيون أو الكومبيوتر؟ وهل يضع هاتف الانترنت حداً لهيمنة الولاياتالمتحدة واللغة الانكليزية على عالم المعلومات والاتصالات، أم العكس؟ تهز أجواء الثورة الدائمة الرؤية في معرض "تيليكوم99" وتجعل من المستحيل التنبؤ بالمستقبل. أفضل ما يمكن القيام به هنا هو تتبع خطوات صناعات الاتصالات العالمية. تشير الخطوات الى ثلاث اتجاهات رئيسية، هي تغلغل الكومبيوتر في جميع الميادين وتعاظم الاتصالات النقالة والنمو المتواصل للانترنت. شرائح الكومبيوتر، أو كما تُدعى "التشيبس" chips ستدخل في كل شيء. وستتداخل الحدود في القرن 21 بين المنزل والمكتب، وتختفي الحواجز بين البلد والخارج، وتزول الفروق بين الحضور الفعلي والحضور الاتصالي. شبكات الاتصال هي المحركات الأساسية للثورة الثلاثية التي ترسم ملامح القرن المقبل: الثورة الرقمية والثورة النقالة والثورة في المستلزمات الشخصية لحياة وعمل الأفراد. وستعصف رياح الثورة المثلثة بكل شيء، وتخلط الأوراق في كل الميادين، وتغير أساليب عمل المصارف والأسواق والمكتبات والمكاتب والجامعات والمنازل. في المعرض تقنيات اتصالات تتيح للسيارات فحص عملها والتوصية على قطع الغيار بنفسها، وهاتف نقال يعدل أتوماتيكياً في جدول مواعيد صاحبه عند ورود معلومات عن تغيرات في سير الطائرة أو زحام المرور في المدينة. ويرسم تداخل شركات صناعات الهاتف والكومبيوتر الملمح الرئيسي ل"تيليكوم99"، حيث أعلنت 24 شركة عالمية عن خطط لتطوير تقنيات الانترنت "بروتوكول استخدامات اللاسلكي"، أو كما يطلق عليها اختصاراً "واب" WAP. بين هذه الشركات عملاق صناعة الكومبيوترالأميركي "هيلويت باكارد"، وعملاق الاتصالات الأميركي "موتورولا"، وشركة الهاتف النقال الفنلندية ذائعة الصيت "نوكيا". والتركيز في جميع هذه التقنيات النقالة على تقديم خدمات التجارة الألكترونية والحصول على المعلومات بواسطة الانترنت. الاسم المختصر للهاتف الجديد الذي يهيمن على المعروضات هنا هو "ج3" G3، ويعني الجيل الثالث بعد الجيل الأول للهاتف الخليوي، وجيل هاتف "جي إس إم"GSM الدولي النقال. أهم ملامح هاتف الجيل الجديد قدرته على نقل المعطيات. تفتح له هذه القدرة أبواب العالم الذي شهد هذا العام لأول مرة تفوق حجم البريد الألكتروني وتبادل المعلومات عبر أجهزة الكومبيوتر على المكالمات الهاتفية. وحقق مرور المعطيات عبر خطوط الكابل البحرية نسبة نمو تبلغ 90 في المئة سنوياً حسب احصاءات "الاتحاد الدولي للاتصالات" الذي نظم معرض "تيليكوم99". وشهد العالم خلال بضع السنوات الأخيرة جهاز الفاكس يزيح التيلكس ويحدث ثورة في تبادل الرسائل. وفي عام 1995 توقع الخبراء أن يتفوق الفاكس على جميع أشكال التراسل. ولم يدرك أحد آنذاك أن الشبكة العالمية World Wide Web "الويب"، كما تدعى اختصاراً ستسحب البساط من تحت أقدام الفاكس. وفي عام 1996 تجاوز حجم المراسلات عبر الانترنت على الفاكس رغم استمرار النمو في مبيعات أجهزة الفاكس. كثير من التقنيات المعروضة في "تيليكوم99" قادم الى الأسواق في الأسابيع القليلة المقبلة. عملاق الاتصالات الفرنسي شركة "ألكاتيل" شرعت في عمليات تسويق هاتف الشبكة. وهاتف الانترنت من "نوكيا" الذي يحمل الرقم 7110 سيطرح في أوروبا خلال ثلاثة أسابيع، والشركة السويدية المنافسة لها "أريكسون" عرضت نموذجين من هاتف الانترنت ذكرت أنهما سيكونان في الأسواق مطلع عام 2000. وحتى ذلك الوقت يمكن لمستخدمي هواتف "أريكسون" النقالة الراغبين في الاتصال بالانترنت والاستعانة بما تسميه "رفيق النقال" mobile companion. ويركز الاتجاه الجديد في تقنيات النقال على عالم الأعمال. وقالت كارلي فلورينا، الرئيسة الجديدة لشركة "هيوليت باكارد" أن الهدف "تأمين خدمات نقالة تتيح للشخص القيام بعمليات مالية معقدة بأمان، وقت ما يشاء وأينما يشاء". وأقام عملاقا صناعات الاتصالات ، البريطاني "بي تي" BT والأميركي "أي تي إند تي" AT&T تحالفاً لانتاج هاتف نقال يؤمن جميع ضرورات رجال الأعمال. اطلق على الهاتف الجديد اسم "كونسرت" Concert. وذكرمدير الشركة المنتجة التي تحمل الاسم نفسه "كونسرت" أن المهم تقديم أبسط جهاز وأوسعه خدمة. "جهاز يتيح لرجال الأعمال القول هذه هي الخدمات التي أريدها. واعطوني الجهاز الذي يقوم بهذه الخدمات. فما يريدونه حقاً هو الحل وليس محاضرة في التكنولوجيا". وشهد "تيليكوم99"، الذي ساهم فيه زعماء صناعات المعلومات والاتصالات العالمية فصلاً جديداً من السجال حامي الوطيس بين بيل غيتز، رئيس شركة "مايكروسوفت"، وعدوه اللدود لاري أليسون، رئيس شركة "أوراكل" المنافسة. الحجج المضادة، التي طرحها كل منهما ليست جديدة، لكن مكان ووقت طرحها أسقط إضاءات جديدة عليها. أقر بيل غيتز بأن الانترنت يفرض طريقة كلية وجديدة تماماً للعمل، لكنه اختلف مع أليسون حول ما يعنيه هذا للكومبيوتر. من جانبه طرح أليسون حجته المقابلة حول استمرار الكومبيوتر في طلب جهود كبيرة جداً من مستخدميه على رغم ثورة الاتصالات التي أحدثتها شبكة الانترنت. وسلّم بيل غيتز بأن الانترنت يفتح المجال لاستخدام معدات ذكية ستلقى الرواج الواسع على الغرار نفسه الذي حدث للكومبيوتر الشخصي، وأن الطلب الاستهلاكي عليها سيتفجر دون الحاجة الى جهود كبيرة في التسويق. وقال أن الهاتف النقال قد يستطيع أن يقوم بوظائف التراسل الألكتروني والانترنت، لكن ذلك لا يقلل من أهمية الكومبيوتر الشخصي. وكرر لاري أليسون الحديث عن تعقيد الكومبيوتر الشخصي الذي يستدعي من مستخدميه عمل أشياء كثيرة. ولوّح بالهاتف النقال، الذي لم يفارقه طوال الوقت، وقال: "نحتاج الى تحويل التعقيد من الجهاز الى الشبكة، حيث يمكن التقاط المعطيات بواسطة أجهزة كالهاتف النقال". وأعاد بيل غيتز التذكير بأن الكومبيوتر الشخصي ما يزال يدهش المحللين ويخيب توقعاتهم حول انحدار المبيعات. "الذي حدث لم يكن فقط استمرار الأسعار في الهبوط والمبيعات في الارتفاع، بل استمرت قوة المعدات في الازدياد". في الرد على ذلك ذكّرّ أليسون بأن الانترنت تبعد الكومبيوتر الشخصي عن وسط المسرح، كما أبعد الكومبيوتر الشخصي الكومبيوتر الكبير. وقال أليسون إن "الكومبيوتر الشخصي جهاز بالغ التعقيد جداً، ومايكروسوفت تسعى الى أن تجعلك تعتقد بأن الوسيلة الوحيدة لجعله أفضل هي جعله أكثر تعقيداً". وشدد على أن المشكلة الكبرى لصناعة الكومبيوتر هي شحة اليد العاملة، "لماذا؟ لأن هذا الجهاز يحتاج الى قوة عمل كثيرة". وطرح لاري أليسون وجهة نظر مثيرة حول النتائج المتوقعة للتحول نحو تكنولوجيا كومبيوتر الانترنت، والتي ستعني في رأيه "نهاية هيمنة الولاياتالمتحدة واللغة الانكليزية على عالم الكومبيوتر". وقال إن أبرز التطورات في تكنولوجيا اللاسلكي تجري خارج الولاياتالمتحدة. وتوقع أن تتفوق أوروبا على الولاياتالمتحدة في عدد مستخدمي الانترنت، وقال أن الأوروبيين والآسيويين سيحتلون موقع الصدارة بين مستخدمي التطبيقات اللاسلكية. موقع "تيليكوم99" في الشبكة العالمية http://www.itu.int/TELECOM