أجمل من عطر منشم..!    الأولمبي السعودي يستهل مشواره بمواجهة كوريا الجنوبية    القيادة تهنئ رئيس دولة ساموا    أمير منطقة تبوك يعتمد الفائزين بجائزة سموه للمزرعة النموذجية    أمير الرياض يستقبل فريق عمل من الداخلية ومتنازل عن قاتل ابنه    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    إقامة المؤتمر الصحفي لبطولة العالم للبلياردو "9كرات" في جدة    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الشورى: مراجعة شروط الضمان الاجتماعي المطور لصالح الأيتام وبعض الأسر    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    «التخصصي» ينجح في علاج حالة مستعصية من «الورم الأصفر»    خلال أسبوع.. «مسام» ينتزع 1,406 ألغام وعبوات ناسفة من الأراضي اليمنية    الزعيم يتجلى في الجوهرة    مجلس الوزراء الكويتي يبايع الشيخ صباح خالد الصباح ولياً للعهد ونائباً لأمير البلاد    جهاز HUAWEI MateBook X Pro يتميّز بابتكارات متطورة ومزايا عدّة تجعله الجهاز الرائد ل 2024    إدانة مزور شيكات ب34 مليون ريال منسوبة لجمعية خيرية    دوريات الأمن بمكة تقبض على وافدَين روّجا سندات هدي غير نظامية    «أسبلة المؤسس» شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    أمير الرياض يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات «التقنية» والمعاهد الصناعية الثانوية    مسبار صيني يهبط على القمر    أوبك+ تمدد تخفيضات الإنتاج لنهاية 2025    فرضية لحالة شجار بين مرتادي مسلخ بمكة    تاسي يعود للارتفاع وتراجع سهم أرامكو 2%    المملكة تسجل أقل معدل للعواصف منذ 20 عاماً    إطلاق اسم بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    «إخفاء صدام حسين» يظهر في بجدة    المملكة تحقق أول ميدالية فضية ب"2024 APIO"    «أطلق حواسك».. في رحلة مع اللوحة    وصول الطائرة ال51 لإغاثة غزة    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    إبراهيم المهيدب يعلن ترشُّحه لرئاسة النصر    كوريا الجنوبية تتوعد بالرد على بالونات القمامة    حميّة "البحر المتوسط" تُقلِّص وفيات النساء    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    الصادرات السعودية توقع مذكرة تفاهم مع منصة علي بابا    سعود بن خالد يتفقد مركز استقبال ضيوف الرحمن بوادي الفرع    أمير عسير يؤكد أهمية دور بنك التنمية الاجتماعية لدعم الاستثمار السياحي    الأهلي السعودي والأهلي المصري يودعان خالد مسعد    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 36439    د. الردادي: المملكة تضمن سلامة وأمن ضيوف الرحمن وتحدد متطلبات اللقاحات في موسم الحج 1445ه    الحزن يخيم على ثانوية السيوطي برحيل «نواف»    لأول مرة على أرض المملكة.. جدة تشهد غداً انطلاق بطولة العالم للبلياردو    التجارة تدعو لتصحيح أوضاع السجلات التجارية المنتهية تجنبا لشطبها    "فعيل"يفتي الحجاج ب 30 لغة في ميقات المدينة    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    قصة القرن 21 بلغات العالم    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    البرامج    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل العالم الاسلامي في آفاقه التربوية والعلمية والثقافية

رسالة الجامعات، كما تعلمون، وحسب الصياغة التي وردت في المادة الاولى من قانون تنظيم الجامعات المصري: "تختص بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي، في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، متوخية في ذلك المساهمة في رقيّ الفكر، وتقدم العلم، وتنمية القيم الانسانية".
وإذا نظرنا الى ميثاق المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، نجد ان من الاهداف التي تعمل من اجلها، ما يلي:
- تقوية التعاون، وتشجيعه، وتعميقه بين الدول الاعضاء في ميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال.
- تطوير العلوم التطبيقية، واستخدام التقانة المتقدمة في اطار القيم والمثل العليا الثابتة للامة الاسلامية.
- تدعيم التكامل، والسعي للتنسيق بين المؤسسات المتخصصة التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال.
واذا تأملنا في هذه الاهداف، نجد ان خلاصتها هي: رقي الفكر، وتقدم العلم، وتنمية القيم الانسانية، على صعيد اوسع، هو العالم الاسلامي في امتداده الجغرافي، وفي عمقه الحضاري.
ولذلك لم يكن تأسيس المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، في سنة 1982، تجسيداً لمبدأ التضامن الاسلامي فحسب، وتحقيقاً لهدفٍ طالما عمل من اجله القادة والمفكرون والمصلحون فقط، ولكنه كان، وبالاضافة الى هذا كله، تعبيراً عن احدى ضرورات التعاون العلمي والثقافي بين اقطار العالم الاسلامي، واستجابة لحاجة يشتد الحاحها الى تضافر الجهود وتكاملها بين هذه المجموعة البشرية المتجانسة تاريخياً وحضارياً وثقافياً.
وسواء نظرنا الى تأسيس المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، من زاوية الحضارة الاسلامية الواحدة وما يستوجبه الانتماء الى هذه الحضارة، من السعي الحثيث لتعميق الترابط وتقوية التماسك بين الشعوب التي تنتمي اليها، أم نظرنا الى ذلك من زاوية المصلحة المادية والفائدة، فان الأمر الذي لا شك فيه، على اي نحو من الأنحاء، هو ان قيام منظمة اسلامية متخصصة في هذه الحقول المعرفية تنتمي الى اسرة منظمة المؤتمر الاسلامي، هو مكسب بالغ القيمة والاهمية، حققته الامة الاسلامية مع مطالع القرن الهجري الجديد، لتبدأ به مرحلة جديدة من العمل المشترك الذي يهدف الى الرفع من مستويات التنمية البشرية في الاقطار الاسلامية، من منطلق تطوير النهضة التربوية والعلمية والثقافية فيها، وبما يستجيب لمتطلبات البناء الحضاري الشامل، وعلى النحو الذي يلبي الاحتياجات الملحة في هذه الميادين الحيوية.
- فهل كانت هذه المنظمة في مستوى الطموح الذي كان يحدو قادة دول العالم الاسلامي حين قرروا في القمة الاسلامية التي عقدوها في كانون الثاني يناير سنة 1981 في مكة المكرمة والطائف انشاءها؟
- هل اضافت المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة جديداً مفيداً نافعاً الى منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم؟
يشهد الواقع ان هذه المنظمة، التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم، اثبتت بما لا يرقى اليه الشك ان وجودها كان ضرورة من الضرورات الملحة، على مستويات عدة، منها ان هذه المنظمة عززت، وبصورة واضحة، العمل الاسلامي المشترك في قنواته الشرعية، وهي منظمة المؤتمر الاسلامي، وما يتفرع عنها، او يعمل في اطارها، من المنظمات والمؤسسات الاسلامية، فأضفت على العمل الجماعي في هذا الاطار، الصبغة التي كان يفتقدها، وهي الصبغة الثقافية في مدلولها العام، والصبغة العلمية في مفهومها الشامل. وهذا ما اكسب العمل الاسلامي المشترك مزيداً من القوة والجدوى والفعالية.
لقد جعلت الايسيسكو من التضامن الاسلامي حقيقة واقعية، ذات ابعاد تربوية وعلمية وثقافية. فللمرة الاولى في هذا العصر، تلتقي دول العالم الاسلامي حول اطار تنظيمي للعمل التربوي والعلمي والثقافي، تعمل من خلاله لتحقيق اهداف اصبحت هي القاسم المشترك بين الاقطار الاسلامية، تعلو فوق كل الخلافات السياسية، وترتفع الى ذروة الاجماع الذي تتوحد في ظله الارادات والمصالح. وهذا هدف من الاهداف التي تحققت، ينبغي ان نحسب له حسابه ونحن نستشرف مستقبل العالم الاسلامي.
ان الانجازات التي حققتها الايسيسكو في عمرها القصير لا ينبغي ان تُقاس بالارقام وبالاحجام في كل الاحوال، وانما تقتضي الرؤية العلمية الى طبيعة العمل الذي تنهض به هذه المنظمة، ان تقاس هذه الانجازات بالمقياس الحضاري، وان توزن بميزان المصالح الاستراتيجية للبلدان الاسلامية قاطبة. ذلك ان ما انجز خلال ست عشرة سنة، يعد، في حقيقة الامر، استثماراً مضمون الفائدة لمستقبل العالم الاسلامي، وبقدر ما نُحسن تنمية هذا الاستثمار وتوظيفه، نقيم جسور العبور الى القرن الحادي والعشرين.
ولعل من اهم الانجازات التي تحققت حتى الآن، وضع ثلاث استراتيجيات للعمل التربوي والعلمي والثقافي، تشكل في مجموعها اطاراً علمياً لتطوير قدرات الامة وامكاناتها في هذه الحقول المعرفية:
اولاً "استراتيجية تطوير التربية في البلاد الاسلامية" التي اعتمدها المؤتمر العام للايسيسكو في دورته الثالثة المنعقدة في عَمّان في شهر تشرين الثاني نوفمبر سنة 1988. ويتكون المؤتمر العام للمنظمة الاسلامية من وزراء التربية والتعليم في الدول الاعضاء.
ثانياً "الاستراتيجية الثقافية للعالم الاسلامي" التي اعتمدها مؤتمر القمة الاسلامي السادس المنعقد في داكار في كانون الاول ديسمبر سنة 1991. وقد وضعت الايسيسكو هذه الاستراتيجية بالتعاون مع الامانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وجاءت هذه الاستراتيجية ثمرة ندوات واجتماعات للخبراء، عُقد احدها هنا في القاهرة، وهي خلاصة اربع سنوات من البحث والدراسة والتحليل، ومن المقارنة والتأمل واستقراء الواقع الثقافي للعالم الاسلامي.
اما ثالثة هذه الاستراتيجيات، فهي "استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الاسلامية" التي اعتمدها مؤتمر القمة الاسلامي الثامن الذي عقد في طهران في شهر كانون الاول ديسمبر سنة 1997.
اصبح العالم الاسلامي يملك اليوم استراتيجية متكاملة الأركان للمعرفة في ابعادها الثلاثة، التربوية والعلمية والثقافية، اعتمدتها وصادقت عليها الارادة الاسلامية السياسية المتمثلة في مؤتمر القمة الاسلامي، وهو اعلى سلطة في هرم العمل الاسلامي المشترك في اطار منظمة المؤتمر الاسلامي، والمتمثلة ايضاً، في المؤتمر العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة الذي يتكون من وزراء التربية والتعليم في الدول الاعضاء، وهو السلطة الدستورية العليا التي تقرر السياسة العامة للإيسيسكو، وتعتمد خطة عملها، وتقرّ موازنتها. وفي اطار هذه الرؤية الشمولية، واستنادا الى هذا المنهج العلمي المحكم، فإن المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، تعمل منذ تأسيسها، في مجالات ثلاثة رئيسية:
اولها، تنمية الموارد البشرية في الدول الاعضاء من خلال التعليم، والتأهيل، والتدريب، والتكوين، سواء بصورة مباشرة، او غير مباشرة، عن طريق تقديم الخدمات الفنية والاكاديمية للجهات المعنية لمساعدتها في النهوض بمستلزمات العمل في هذا المضمار. ويشمل هذا المجال، الدورات التدريبية للمدرسين والموجهين التربويين وقادة محو الأمية، وورشات العمل التطبيقية للمهنيين والاخصائيين والخبراء، وإعداد المناهج التعليمية، وتأليف الكتب المدرسية، الى غير ذلك من البرامج والأنشطة التي تقدم الايسيسكو من خلالها دعماً مستمراً ومتواصلاً ومطّرداً للدول الاعضاء، وبخاصة الدول ذات الاحتياجات الملحة في قطاع التربية والتعليم.
ثاني هذه المجالات، تحديث مناهج تدريس العلوم الأساسية، وتطوير اساليب تعليم التربية الاسلامية واللغة العربية، وتجديد النظم التربوية، وتعزيز الاتصالات بين العلماء المسلمين، بهدف الوصول الى دعم التنمية التربوية والعلمية والثقافية، وخلق النهضة التي ينشأ في كنفها الانسان المتوازن فكراً ووجداناً وجسماً، القادر على المساهمة في تقدم المجتمع، وفي بناء النهضة، وفي صنع الحضارة.
اما ثالث المجالات الكبرى لعمل المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، فهو الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات الاسلامية، وصون ذاتيتها الثقافية من خلال نشر الثقافة الاسلامية، وهو تجديد الحضارة الاسلامية البانية للانسان وللعمران، وحماية مكوّنات الامة الثقافية والدينية، بالتوسع في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وبإعادة كتابة لغات الشعوب الاسلامية بالحرف العربي، وبتحقيق التراث العربي الاسلامي ونشره والعناية بحفظه وتوثيقه، وبمدّ اشعاع الفكر الاسلامي المستنير الى آفاق اوسع، وبتصحيح صورة الاسلام لدى دوائر الاستشراق ومراكز الدراسات الانسانية وفي وسائل الاعلام الغربية، وبالحوار مع الثقافات والحضارات والاديان من موقع الاحترام المتبادل والاعتراف بحق الاختلاف في الرأي والمعتقد، وفي اطار التسامح الديني والتعايش الثقافي والتعامل الحضاري مع الاديان السماوية، ومع المنتمين الى الثقافات والحضارات الانسانية جميعاً.
في هذا الاطار العام ذي المجالات الثلاثة، تتحرك المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول هو الدول الاعضاء، وعددها حتى الآن اربع وأربعون دولة، ونسعى الى ان يتم انضمام جميع دول منظمة المؤتمر الاسلامي، وعددها ست وخمسون دولة، الى الايسيسكو في المدى القريب.
والمستوى الثاني هو المجتمعات الاسلامية في غير البلدان الاسلامية، وفي بلاد المهجر، خصوصاً في أوروبا حيث تعيش جاليات اسلامية وافرة العدد.
اما المستوى الثالث الذي تتحرك فيه الايسيسكو، فهو المحيط العالمي الواسع الذي نتعامل معه من خلال المؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية التي تنعقد في شتى انحاء العالم، لمعالجة قضايا تدخل ضمن اختصاصات المنظمة الاسلامية، سواء برعاية اليونيسكو، او برعاية عشرات المنظمات والمؤسسات الدولية والاقليمية التي عقدت الايسيسكو معها اتفاقات للتعاون، بلغت حتى شهر حزيران يونيو ثلاثة وتسعين اتفاقاً، عقدناها مع منظمات دولية تعمل في اطار الأمم المتحدة، مثل اليونسكو، واليونسيف، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، والمفوضية السامية للاجئين، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأمم المتحدة للنشاطات السكانية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، او مع منظمات تعمل في اطار منظمة المؤتمر الاسلامي، مثل البنك الاسلامي للتنمية، او مع منظمات تابعة لجامعة الدول العربية، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، او مع منظمات اقليمية اخرى، مثل وكالة الفرانكفونية، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ومنظمة وزراء التربية لدول جنوب شرقي آسيا، او مع منظمات غير حكومية، مثل رابطة العالم الاسلامي، والمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية، وجمعية الدعوة الاسلامية العالمية، والهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، الى غيرها من المنظمات.
ان هذا الاطار الشامل الذي تعمل الايسيسكو فيه، يستوعب حاضر العالم الاسلامي ومستقبله، في رؤية منهجية الى العمل التربوي والعلمي والثقافي تقوم على اساس من الدراسة العلمية لطبيعة المهام والمسؤوليات والواجبات التي تنهض بها هذه المنظمة.
ان المنهج العلمي الذي نهتدي به في تعاملنا مع الواقع على امتداد الرقعة الشاسعة للعالم الاسلامي يلزمنا ان نعلن ابتداء ان المجتمعات الاسلامية تعاني معاناة شديدة من تخلف شديد البروز في ميادين التربية والعلوم والثقافة، لا يخفف من هذه المعاناة ان بعض الاقطار الاسلامية يحقق تقدماً ملحوظاً في هذا المجال الحيوي المهم.
ونلاحظ من خلال المؤشرات المتوافرة لدى بنك المعلومات في الايسيسكو انه على رغم المجهودات التي تبذلها حكومات بلدان العالم الاسلامي للنهوض بمستويات التربية والتعليم في المجالات كافة، الا ان ظاهرة الامية لا تعرف تراجعاً في عدد كبير من هذه البلدان، هذا بالاضافة الى القصور الذي يسجّل لدى الدوائر المهتمة، ومنها الايسيسكو، في ما يتعلق بمستوى مردودية حركة التعليم من حيث القيمة والمضمون. وهو الامر الذي يؤشر الى ان كثيراً من الجهود التي تبذل في هذا المجال الحيوي تضيع هدراً في احايين كثيرة.
ومما يزيد من خطورة الوضع التعليمي العام على صعيد العالم الاسلامي ضعف الاهتمام بالبحث العلمي في جميع حقول العلم، وعلى مختلف المستويات، اذ لا يتعدى معدل الانفاق الحكومي على البحث العلمي في بلدان العالم الاسلامي نسبة واحد في المئة من مجموع الانفاق الحكومي العام، في اكثر الاقطار اهتماماً بالعلم والتكنولوجيا، وعددها ضئيل للغاية، بالقياس الى مجموعة الدول الاسلامية التي تقل فيها هذه النسبة وتنزل الى ما هو دون 0.65 في المئة.
وينعكس هذا العجز الذي يطبع الحياة العلمية في اقطار العالم الاسلامي، بدرجة واضحة، على حجم مراكز البحث العلمي وعددها في هذه الاقطار، اذ ان مجموع هذه المراكز المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا يصل الى ما يقارب الألفين بالضبط 1885 مركزا، بينما يصل عدد العلماء الباحثين في حقول العلوم والتكنولوجيا الى ما يقارب ثمانية ملايين عالم باحث بالضبط 7.864.000 عالم. وهذا العدد يعادل نسبة 3.7 في المئة من المجموع الكلي لتعداد الباحثين العلميين في العالم.
ومن المعلوم ان المعيار الدولي الذي تعتمده اليونسكو لنسبة العلماء المتخصصين في العلوم والتكنولوجيا الى تعداد السكان هو عالم باحث واحد لكل ستة آلاف نسمة. وحسب المؤشرات والاحصاءات التي تتوافر لدى مركز المعلومات في الإيسيسكو، فان هذه النسبة في دول العالم الاسلامي تصل الى 4.170 لكل مليون نسمة، بينما تتراوح هذه النسبة في الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً، بين 12.000 و60.000 عالم وباحث لكل مليون نسمة.
وتعبر هذه الفروق الشاسعة عن حقيقة الاوضاع العلمية في العالم الاسلامي، وتكشف في الوقت نفسه عن طبيعة الواقع غير الطبيعي الذي يسود الحياة العلمية في هذا العالم الشاسع الذي يملك من الموارد والمؤهلات ما يوفر امام الباحثين كل الامكانات والوسائل لتحقيق نهضة علمية تكنولوجية حقيقية، اذا ما سارت الامور في الاتجاه العلمي الرشيد.
ولقد عالجت استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الإسلامية هذه المشاكل على ضوء هذه المؤشرات وغيرها، وقدمت مقترحات عملية وأفكاراً تجديدية قابلة للتنفيذ.
كما أن الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي تتضمن هي الأخرى، الخطوط العامة للاصلاح الثقافي في الأقطار الإسلامية، وترسم الخطط لما يمكن أن نسميه بالاقلاع الثقافي نحو آفاق القرن الحادي والعشرين.
أما قضية الأمية، التي هي من القضايا العويصة التي تتطلب جهوداً ضخمة، بل تستوجب تعبئة شاملة على المستوى الوطني والقومي والإسلامي لمواجهتها، فإن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وضعت برنامجاً عملياً يحمل اسم "البرنامج الإسلامي لمحو الامية وللتكوين الأساسي للجميع في البلدان والجماعات الإسلامية". وهو البرنامج الذي شاركت به الايسيسكو في المؤتمر العالمي حول التربية للجميع الذي عقد في جوم تيين في تايلاند سنة 1990. وهذا البرنامج الذي اعتمده المؤتمر العام الاستثنائي للايسيسكو الذي عقد في تايلاند على هامش المؤتمر العالمي حول التربية، هو وثيقة عمل على قدر كبير من الأهمية، يتوقف تنفيذها على القرار السياسي الذي يقضي بتبني الدول الأعضاء في المنظمة الاسلامية تنفيذ هذا البرنامج، في إطار تكافل الجهود وتنسيق الخطوات وتبادل التجارب والخبرات.
ولذلك، وشعوراً من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، بأن تنفيذ البرنامج الإسلامي لمحو الأمية وللتكوين الأساسي للجميع، يتوقف على قرارات سياسية عليا، فقد وجهت شخصياً أمام المؤتمر الإسلامي الثالث والعشرين لوزراء الخارجية الذي عقد في جاكارتا في سنة 1996 نداء إلى قادة العالم الاسلامي، دعوتهم فيه إلى عقد قمة إسلامية تخصص لمعالجة قضية الأمية المتفشية في الأقطار الإسلامية جميعها من دون استثناء وإن كان بنسب تختلف من دولة إلى أخرى.
ومما يقرب إلينا الصورة الكاملة للأوضاع العلمية في العالم الإسلامي، ان مستوى التعليم العلمي حالياً في معظم البلدان الإسلامية لا يدعو إلى الارتياح. فمن ناحية الكم، لا يزيد عدد الطلبة العلميين في المتوسط عن 35 في المئة تقريباً من مجموع الطلبة في المستوى الثانوي، ولا يزيد عن 20 في المئة في المستوى الجامعي، وان عدد الخريجين العلميين على اختلاف أصنافهم ومستوياتهم آخذ في الانخفاض بالنظر إلى المتطلبات التنموية الكبيرة لمختلف البلدان. ويجدر التذكير هنا بشكل خاص بأن ضعف التأطير وارتفاع نسبة الرسوب، لا سيما بالنسبة إلى الطلبة العلميين في مختلف المستويات، أمران يبعثان على القلق الشديد. وينطبق ذلك على الوضعية الضعيفة للأساتذة والتجهيزات والمعدات والمختبرات المتاحة.
ونحن نعلم جميعاً ان التعليم العلمي هو الذي يساهم إلى حد كبير في تحقيق النمو والتنمية. ومن ثم فلا يمكن التقدم بخطى حثيثة في مجال الاقتصاد ما لم تول عناية فائقة ومنذ البداية للتعليم العلمي والتكنولوجي على المستويات التعليمية كافة. ولقد قام عدد كبير من البلدان الاسلامية فيما سبق بمحاولات جادة لاصلاح النظام التعليمي، غير أن البنية الضخمة القائمة على أسس قديمة لم يكن بامكانها مقاومة الضغوط المتمثلة في متطلبات العصر ومستجداته.
إن الرؤية الشمولية إلى واقع التربية والتعليم والعلوم والثقافة في حاضر العالم الاسلامي تقودنا إلى جملة من الحقائق يمكن اجمالها في ما يلي:
- يقف العالم الإسلامي على عتبة القرن الحادي والعشرين، يتطلع إلى الأمام، تحدوه الإرادة القوية في بلوغ مستوى ارفع من التقدم الذي يتناسب مع امكاناته وموارده الطبيعية والبشرية، ولكن تحده ظروفه في مجملها عن تحقيق طموحه بالقدر الذي يتوافق مع ارادته، وتعوقه المشكلات المتعددة التي يعاني منها في شتى الميادين، خصوصاً في الميدان الاقتصادي وفي المجال العلمي وعلى مستوى التطور المتوازن في الحياة العامة الذي لا يعبر عن مكانته التاريخية ولا يعكس حجمه على خريطة العالم.
- إن القرن الحادي والعشرين يهل فجره على البشرية، بينما العالم الإسلامي، بوجه عام، يتبوأ درجات أدنى في سلم التقدم العلمي والتكنولوجي والابداع المعرفي نتيجة لعوامل كثيرة تتداخل في ما بينها، وتتضافر جميعها لتشكل معوقات حقيقية للنمو الطبيعي وفقاً للوتيرة التي تقربه من المستويات الدولية المؤدية إلى التقدم المطرد وإلى التنمية الشاملة.
- باستقراء دلالات الواقع ومعطياته، نجد أن تخلف العالم الاسلامي عن ركب التقدم يعود إلى سببين رئيسيين: أولهما، سبب هيكلي، له صلة بالنظم التعليمية والتربوية وبالمناهج الاقتصادية والاجتماعية وبأساليب الإدارة والتسيير. وثانيهما، سبب وظيفي يتعلق بطرق استثمار الموارد الطبيعية والبشرية المتوافرة، واستخدام الامكانات والوسائل المتاحة والتحكم في اتجاهات العمل العام الذي يرتبط بحياة المواطنين.
- إن العالم الإسلامي، وعلى رغم الجهود الضخمة التي بذلت على أكثر من صعيد، طيلة القرن العشرين، بل ومنذ نشوء الدولة الحديثة في العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر انطلاقاً من مصر، فإن معدلات النمو التي تتحقق في أقطاره سنوياً لا تزال دون الطموح الذي يحدو الأمة الإسلامية قاطبة، وهو الأمر الذي يستدعي القيام بعمليتين متوازيتين:
أولاهما، مراجعة الذات، وعلى جميع المستويات، وبالصدق والصراحة والشجاعة والشفافية، وبطريقة منهجية تسبر الاغوار، وتحلل الظواهر، وترصد الاتجاهات وتبحث المشكلات بعمق.
وثانيتهما، بذل أكبر الجهود في تجديد النظم التطبيقية المتبعة في جميع ميادين العمل العام وعلى جميع الأصعدة وبما يحدث تغييراً شاملاً في هذه النظم على المستويين النظري والتطبيقي، حتى تكتسب الفعالية ذات القدرات العالمية ما يجعلها مواكبة للمتغيرات التي شملت النظم والمناهج في جميع حقول النشاط الانساني العام.
- تتزايد حاجة العالم الإسلامي إلى تجديد حركة البناء الحضاري الشامل في أقطاره، بتصاعد مد التحديات التي تواجهها الشعوب والحكومات على السواء مع بداية القرن الحادي والعشرين، ويقتضي ذلك إيلاء أكبر الاهتمام وأوسعه للتربية والعلوم والثقافة والاتصال، بحيث يرتفع الاهتمام بهذا الجانب من جوانب البناء في المجتمعات الإسلامية إلى المرتبة الأولى في سلم الاهتمامات الوطنية في كل دولة من دول العالم الإسلامي وحتى تكون التعبئة العامة من أجل كسب رهان التحدي في ميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال قضية وطنية تستنفر جهود كل فئات المجتمع.
- إن من الحقائق القاطعة التي استخلصها الانسان من التاريخ المعاصر، وبخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم، ما يؤكد ان العلم والتكنولوجيا هما السلاح الأقوى في معارك الحياة وان اكتسابهما يبدأ من المراحل الأولى للتربية والتعليم للفرد وللمجتمع، وان هناك علاقة طردية بين التفوق في العلوم والتكنولوجيا وبين النجاح في تطبيق السياسات التربوية والتعليمية، وأنه من أجل الوصول إلى هذا المستوى الرفيع من الأداء والانجاز في ميدان التربية والتعليم يتوجب امتلاك رؤية واضحة للعملية برمتها، واعتماد مناهج متطورة والارتكاز إلى نظم نظرية وعملية ترسم الأهداف بكل الدقة وتوضح الآفاق المستقبلية وتوفر وسائل التنفيذ وتحدد الأولويات على ضوء الاختيارات الواضحة ووفق البرامج المقررة.
- لقد توافر العالم الإسلامي، خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، على وسائل ناجعة للعمل المشترك في شتى الميادين، بما فيها التربية والعلوم والثقافة، انطلاقاً من قاعدة التضامن الاسلامي. وتعد المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الجهاز المتخصص في إطار منظمة المؤتمر الاسلامي في ميادين البناء التربوي والعلمي والثقافي، وهي لذلك تنهض بمسؤولية التخطيط لمهام المستقبل على ضوء ما توافر لديها من تجارب وما امتلكته من خبرات، وما وضعته من استراتيجيات ثلاث لتطوير التربية، وللثقافة، ولتطوير العلوم والتكنولوجيا.
- لقد تحقق الكثير من الانجازات في العالم الاسلامي، على مستوى العمل الاسلامي المشترك، في مجالات التربية والعلوم والثقافة. ولقد تحملّت المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة مسؤولياتها في هذا الميدان الحيوي، بكل الكفاءة والاقتدار، وهي مصممة العزم على مواصلة اداء رسالتها، على النحو الذي يلبي احتياجات العالم الاسلامي، وبالقدر الوافي من النجاح والاتقان.
وعلى رغم مظاهر التخلف عن ركب التقدم التربوي والعلمي والثقافي في العالم، التي تسود معظم اقطار العالم الاسلامي، فان ثمة ارهاصات مشجعة، وبوادر ايجابية، تمنحنا الثقة في المستقبل. ذلك ان العالم الاسلامي بدأ يسير في الاتجاه الصحيح، نحو تحقيق النهضة الحضارية الشاملة، على رغم التعثر الذي يكتنف هذه المسيرة. غير ان الجهود المتواصلة التي تبذل على المستوى الوطني والاقليمي والعربي والاسلامي، للرفع من مستويات التعليم، ولتطوير البحث العلمي، تتطلب التنسيق فيما بين القائمين عليها، والتكامل في الخطط والبرامج، والتعاون في التنفيذ.
وهنا تبرز الرسالة الحضارية للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ويتضح لنا حجم الاعباء التي عليها ان تتحملها، وجسامة المسؤوليات والمهام التي يتوجب عليها ان تنهض بها.
ونحن موقنون بأن المستقبل التربوي والعلمي والثقافي للعالم الاسلامي يتوقف على مدى التعاون فيما بين بلدانه في هذه الميادين الحيوية، فمن دون هذا التعاون لا يمكن ان نحقق اهدافنا. وبذلك فان التفاف الجميع حول الايسيسكو، ودعمهم لها، وتعاونهم معها، كل ذلك من الوسائل المعينة والكفيلة بأن تجعلنا نعمل بكل طاقاتنا من اجل مستقبل مزدهر تعليماً وعلماً وثقافة، بإذن الله تعالى.
ان مستقبل العالم الاسلامي يبدأ اللحظة. ان المستقبل هو الحاضر الذي نعيشه، وهو الماضي الذي نستوحيه، وهو قدرتنا على المواءمة بين الحاضر والماضي، في انسجام وتوافق مع الذات، ومع الهوية، ومع مقتضيات التحدي الحضاري الذي لا نملك فكاكاً منه. فليس المستقبل بالمجهول عناء فنحن الذين نصنع هذا المستقبل في لحظتنا الحاضرة. والعلم والمعرفة هما المظلة التي نحتمي بها، وبقدر ما نبذل من جهد، وننفق من مال، من اجل تطوير العلم والتكنولوجيا، ومن اجل ازدهار الثقافة وارتقاء المعرفة، نتقدم نحو الامام، ونكسب رهان المستقبل.
* المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو.
** ابرز افكار المحاضرة التي القاها الدكتور التويجري في جامعة القاهرة قبل ايام، وقد خص بها ملحق "آفاق" في "الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.