زيادة طفيفة لتبرئة إسرائيل    بطولة العالم للراليات بالمملكة ل10 سنوات    المنطقة الشرقية: القبض على 5 أشخاص لترويجهم 1.7 كيلوغرام «حشيش»    وزير الأوقاف اليمني ل«عكاظ»: نثمن دور المملكة في التسهيلات المقدمة للحجاج اليمنيين    الجمهوريون يؤيدون ترمب حتى بعد حكم الإدانة    برلمانية مصرية: استئناف «جلسات الحوار» يعزز الاصطفاف الوطني لمواجهة تحديات الأمن القومي    متنزه جدر يحتضن محبي الطبيعة    البيئة تفسح 856 ألف رأس ماشية    اختتام مبادرة «حياة» للإسعافات الأولية بتعليم عسير    أمير القصيم يرعى جائزة إبراهيم العبودي.. ويُطلق «الامتناع عن التدخين»    وزير الداخلية يلتقي أهالي عسير وقيادات مكافحة المخدرات ويدشن مشروعات جديدة    د. السند يطلق مشروع الطاقة الشمسية بالأيواء    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُنهي معاناة «تسعينية» مع ورم سرطاني «نشط» بالقولون    اكتشاف تابوت أقوى فرعون بمصر القديمة    أمير الرياض يهنئ بطل الثلاثية    إنقاذ حياة حاج تعرض لنزيف حاد نتيجة تمزق للشريان بالمدينة المنورة    السعودية تدين محاولة إسرائيل تصنيف الأونروا منظمة إرهابية    صلاح يدعم صفوف منتخب مصر في وجود المدرب حسن للمرة الأولى    1.6 مليون مقعد على قطار الحرمين استعدادا لحج 1445    الشؤون الإسلامية في جازان تُنهي الدورة العلمية في شرح كتاب الحج    فلكية جدة: اليوم بداية موسم الأعاصير 2024    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    فتح التسجيل بمعرض الرياض الدولي للكتاب 2024    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    "نزاهة": توقيف 112 متهماً بقضايا فساد في 6 وزارات    منظومة النقل تطلق الدليل الإرشادي للتنقل في موسم الحج    بدء تسجيل الطلبة الراغبين في الالتحاق بمدارس التعليم المستمر    المطيري يتلقى التهاني بتخرج «لين»    تفعيل اليوم العالمي لتنمية صحة المرأة بمكتب الضمان الاجتماعي    التقليل من اللحوم الحمراء يُحسِّن صحة القلب    تقنية جديدة من نوعها لعلاج الأعصاب المقطوعة    «الداخلية»: القصاص من مواطن أنهى حياة آخر بضربه بآلة حادة        "إعمار اليمن" يضع حجر الأساس لمشروع تطوير وإعادة تأهيل منفذ الوديعة البري    اتحاد التايكوندو يختتم نهائي كأس السوبر السعودي    ‫الابتسامة تستقبل حجاج العراق في منفذ جديدة عرعر    قمة سويسرا.. إنقاذ خطة زيلينسكي أم تسليح أوكرانيا؟    تدشين أول رحلة طيران مباشرة من الدمام إلى النجف في العراق    بونو: الهلال أكثر من فريق.. وقدمنا موسماً استثنائياً    فيصل بن فرحان يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي    بن نافل: العمل في الهلال يأخذ من حياتك    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    جهود مُكثفة لخدمة الحجاج في المنافذ    زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب جنوب غرب الصين    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    45 شاباً وشابة يتدربون على الحرف التراثية في "بيت الحرفيين"    الإعلان عن إطلاق معرض جدة للتصميم الداخلي والأثاث    سفير المملكة لدى اليابان: العلاقات السعودية اليابانية خلال السبعين السنة القادمة ستكون أكثر أهمية    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    أسعار النفط تتراجع قبيل اجتماع "أوبك+"    بونو يُبكّي رونالدو بْزَّاف    أمر ملكي بالتمديد للدكتور السجان مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 4 سنوات    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسون عاماً على حرب 1948 : اسرائيل تثبت شرعيتها الدولية بالحرب 8 من 9
نشر في الحياة يوم 22 - 05 - 1998


احداث تشرين الثاني
بينما كانت هذه الاحداث تجري على ارض فلسطين كان يتم نقاشها في هيئة الامم ابتداء من شهر تشرين الاول اكتوبر وتتداول اللجنة السياسية في الجمعية العامة في مقترحات برنادوت فتؤيدها بريطانيا من دون تحفظ وترفض اسرائيل طبعاً "اقتطاع" النقب وتطالب بالاحتفاظ بالجليل بأكمله. اما بشأن القدس فتصر على ان القدس اليهودية الجديدة جزء من اسرائيل ولا تمانع بنظام دولي على البلدة القديمة التي كانت في ايدي العرب اما بشأن ضم المناطق الفلسطينية الى شرق الاردن فتعبّر اسرائيل عن معارضتها له بحجة ان مشروع التقسيم انما طالب بدولة فلسطينية مستقلة. ويشير ممثل الولايات المتحدة الى انه اذا كانت اسرائيل تطالب بأراض زيادة على ما منحها مشروع التقسيم اي الجليل الغربي فعليها ان تقايضها بأراض اخرى مع العرب عن طريق المفاوضات ولكنه لا يثبت عند هذا الرأي ولا يثابر فيه ذلك ان شهر تشرين الاول 1948 شهد ذروة معركة الانتخابات الرئاسية التي كان موعدها في الخامس من تشرين الثاني نوفمبر، ويرفض الاتحاد السوفياتي بشدة ضم المناطق الفلسطينية الى شرق الاردن او اي تعديل في حدود التقسيم لمصلحة العرب ويصر على قيام دولة فلسطينية مستقلة، اما الممثلون العرب وعلى رأسهم مصر فيتلاقون مع موقف الاتحاد السوفياتي وموقف اسرائيل الظاهر المعلن من مسألة ضم المناطق الفلسطينية الى شرق الاردن علماً بأن الجامعة العربية كانت اعلنت اعترافها بحكومة عموم فلسطين.
وعلى اثر اختراق الجبهة المصرية في عملية يواف 15 - 22 تشرين الاول يقترح نائب الوسيط الدولي رالف بانش عودة القوات الاسرائيلية الى ما وراء الحدود عند بدء العملية شريطة السماح للقوافل اليهودية بالمرور الى النقب. وتؤيد كل من بريطانيا والصين هذا الاقتراح ولكنه لا يحظى بتأييد الولايات المتحدة.
وفي 16 تشرين الثاني يصدر مجلس الامن قراراً "كحل وسط" Compromise بين مطلب بريطانيا والصين بعودة القوات الاسرائيلية الى ما وراء حدود 15 تشرين الاول وبين اصرار اسرائيل على الاحتفاظ بمكاسب عملية يواف، وفحوى هذا الحل ان يقوم نائب الوسيط الدولي بدعوة المتحاربين "للتفاوض حول هدنة بهدف تحديد الحدود الدائمة الفاصلة بينهما Permanent demarcation lines مما يتيح المجال لانسحاب القوات المسلحة وتخفيض اعدادها". وهكذا بدل ان ينتج عن عملية يواف اي شجب لاسرائيل بموجب الفصل السابع من ميثاق هيئة الامم فان حصيلتها تكون خلق اطار دولي لهدنة دائمة مبنية على ميزان القوى ومكاسب اسرائيل في ميدان القتال وهو الاطار الذي انتهت الحرب ضمنه كما انه الاطار الذي نظّم العلاقات بين الدول العربية واسرائيل طوال عقدين من الزمن امتدا من نهاية حرب 1948 لغاية اندلاع حرب 1967.
ويتبلور خلال شهر تشرين الثاني موقف بن غوريون من الجبهة الوسطى مع كل ما ينطوي عليه ذلك من ابعاد بالنسبة للقدس وعلاقة تل ابيب بعمان وعلاقة شرق الاردن بالمناطق الفلسطينية و"حدود" اسرائيل الشرقية. ولقد رأينا كيف ان نزعته للسيطرة على المثلث ظلت تدغدغ احلامه لغاية آخر يوم في تشرين الاول على رغم بدء الاتصالات السرية بين عمان واسرائيل منذ نهاية تموز يوليو.
وتستعيد هذه الاتصالات حيويتها عندما يتصل الياهو ساسون في 12 تشرين الثاني مباشرة وبرقياً برئيس وزارة شرق الاردن توفيق ابي الهدى مقترحاً عليه بدء مفاوضات ثنائية مباشرة من دون وساطة دولية للاتفاق على هدنة دائمة بشأن القدس ويكون بيت القصيد في هذا الاقتراح الرغبة في ابعاد نفوذ هيئة الامم عن القدس نظراً لما ورد في مشروع برنادوت بشأن وضع القدس تحت وصاية دولية. وتتلاقى رغبة اسرائيل في هذا الصدد برغبة عمان كلٌ لاعتباراته الذاتية، فبالنسبة لعمان يقول الملك عبدالله في مذكراته: "لقد كان طلب تدويل القدس غاية في الغرابة وعدم الاتزان في الغايات الوطنية وتفريطاً في الحقوق والمصالح العربية وتسليماً بالمقدسات الى السيادة الدولية واخراجاً للقدس من الحوزة العربية".
لم يكن اقتراح ساسون من عندياته ولكنه كان مؤشراً الى ميل اسرائيل الى حل للقدس يقوم على اقتسامها Partition بين عمان وتل ابيب على اساس الامر الواقع de facto ومما شجع هذا الميل انذار تلقته تل ابيب من لندن عبر واشنطن بتاريخ 12 تشرين الثاني مآله انه في حال قيام اسرائيل بهجوم على الجيش الاردني مستغلة تفوقها العسكري المطلق عليه absolute military superiority فان بريطانيا ستلغي تدابير الحظر للسلاح ضد شرق الاردن وتجدد ارسال الشحنات اليه اما اذا عبرت القوات الاسرائيلية نهر الاردن فان بريطانيا ستفعّل معاهدة الدفاع مع شرق الاردن وتلعب دوراً نشطاً Active في القتال واردفت بريطانيا انذارها هذا بتعزيز قواتها الجوية المرابطة في شرق الاردن.
ولم تمض ايام على هذا الانذار حتى يتلقى بن غوريون في 14 تشرين الثاني رسالة من كبير زعماء الصهاينة في بريطانيا ماركوس سيف ينصحه فيها بعدم التورط في حرب مع الملك عبدالله وببذل قصارى الجهد للوصول الى تسوية معه على ان يصر على الاحتفاظ بالنقب وبالجليل بأكمله ويذكر القارئ ان الرسالة التي كان بن غوريون قد تلقاها في 8 ايلول سبتمبر السابق في واشنطن ذكرت في ما ذكرته قبول الولايات المتحدة بترتيب في القدس اي مع شرق الاردن "بديل للوصاية الدولية".
كل هذا يدفع بن غوريون صوب صيغة تفاهمية مع عمان مما يجعله يعلن في مقابلة صحافية مع مراسل "نيويورك هيرالد تريبيون" في 21 تشرين الثاني انه يؤمن بأن الملك عبدالله جاد في سعيه للوصول الى اتفاق مع اسرائيل وفي التاريخ ذاته يصدر تعليماته لموشي دايان الحاكم العسكري الاسرائيلي في القدس لبدء مفاوضات مباشرة من دون وساطة الامم المتحدة مع عبدالله التل الحاكم العسكري في القدس الشرقية. وما ان ينتهي شهر تشرين الثاني حتى يكون التل ودايان قد توصلا الى اتفاق حول هدنة دائمة في القدس فيكون هذا عملياً اول اتفاق مباشر بين اسرائيل ودولة عربية.
وفي هذه الاثناء يطالب ضابط الركن المصري سعدالدين صبّور فيما تبقى من القيادة العامة في عمان بالعون لفك الحصار على السيد طه وقواته في الفالوجا فيُتفق على خطة خلاصتها ان يتسلل خبير بريطاني بالمتفجرات في الجيش الاردني هو الميجور لوكيت مع ضابط مصري عبر الخطوط الاسرائيلية حاملين رسالة من صبّور تأمر السيد طه بالانسحاب مع قواته الى الخطوط الاردنية على الدرب السري الذي سلكه لوكيت ورفيقه على ان يفجّر لوكيت الاسلحة الثقيلة حتى لا تقع في ايدي الاسرائيليين وبالفعل يصل لوكيت ورفيقه الى الفالوجا ويقابلا السيد طه لكن السيد طه على رغم اوامر صبّور يصر على البقاء حيث هو ويعود لوكيت ورفيقه الى الخطوط الاردنية. وبتاريخ 30 تشرين الثاني يعلق صالح صائب جبوري على الاتفاق الاردني - الاسرائيلي بقوله: "هذا يترك الجيش العراقي وحيداً في وسط فلسطين ويعطي اليهود فرصة نقل معظم قواتهم وحشدها تجاه القوات العراقية".
احداث شهر كانون الاول ديسمبر
يشهد شهر كانون الاول ديسمبر آخر مرحلة من مراحل القتال في حرب 1948 تنتهي بخروج القوات المصرية من فلسطين باستثناء قطاع غزة بحدوده الحالية وبطلب مصر البدء بمفاوضات الهدنة الدائمة مع اسرائيل. وفي مستهل الشهر يعقد مؤتمر فلسطيني ثان في اريحا يبايع الملك عبدالله ملكاً على فلسطين كلها ويطالب بالاسراع في اعادة اللاجئين الى ديارهم وتبليغ مقرراته الى الامم المتحدة. وينظر مجلس الامن في اليوم التالي 2 كانون الاول في طلب اسرائيل بالانضمام الى عضوية الامم المتحدة ويؤيد ممثل الولايات المتحدة هذا الطلب ويحث المجلس على البت فيه بسرعة استثنائية حتى تتمكن اسرائيل من الالتحاق بالهيئة العمومية خلال الدورة القائمة ويؤيد ممثل الاتحاد السوفياتي طلب الولايات المتحدة ولكن ممثل بريطانيا يطالب بتأجيل البت في الامر الى اجل غير مسمّى indefinite postponment بينما يقترح ممثل فرنسا تأجيل البت لشهر واحد وفي اليوم الذي يليه 3 كانون الاول ينضّم ممثلو الدول العربية الى ممثلي مجموعة من الدول على رأسها الاتحاد السوفياتي في رفض احد بنود مشروع برنادوت الذي كان موضوع نقاش والخاص بضم المناطق الفلسطينية الى شرق الاردن ويكون هذا "جواب" هذه الدول العربية على مقررات مؤتمر اريحا.
وبينما تتناطح الدول العربية في هيئة الامم بشأن علاقة المناطق الفلسطينية بموجب مشروعي التقسيم وبرنادوت في شرق الاردن يسجل بن غوريون في يوميات الحرب بتاريخ 7 كانون الاول انه اتخذ قراراً "بالتصفية النهائية للمصريين في منطقة بيرعسلوج والعوجا انظر الخريطة"، اي في منطقة النقب الجنوبي على الحدود الفلسطينية - المصرية حيث تمركزت القوات المصرية في اعقاب عملية يواف 15 تشرين الاول الى 22 تشرين الاول ويتم الاتفاق على تسمية "حوريف" للعملية الهجومية المقبلة ويصدر امر عمليات للقوات الاسرائيلية في 8 كانون الاول يحدد الغاية من العملية وهي: "القضاء على قوة المصريين وطردهم من البلد" ويحشد لهذه الغاية خمسة الوية بما فيها لواء مدرع ويحدد لها اهداف معينة هي احتلال منطقة العوجا والمشاغبة على امتداد طريق عسلوج - رفح وقطع طريق العوجا - رفح والاغارة على العريش ومطارها وتخريب السكة الحديد بين رفح والعريش على ان يرافق ذلك انزال مظلي عند العريش وقصف جوي على طول الجبهة وكذلك قصف من سلاح البحرية على الطريق الساحلي.
وبينما يسير الاعداد قدماً لعملية "حوريف" تتكثف الاتصالات الاسرائيلية - الاردنية السرية بين 10 كانون الأول و13 منه ويمثل الطرف الأردني عبدالله التل وشوكت الماطي بينما يمثل الطرف الاسرائيلي موشي دايان والياهو ساسون ويطالب الطرف الاردني بعودة اللد والرملة واحياء القدس العربية الغربية وارجاع اللاجئين كما يبدي استعداده لبحث مشروع برنادوت. ويؤكد ساسون على ضرورة المفاوضات المباشرة وعلى استبعاد اي وساطة دولية ويحث الطرف الأردني على الاسراع في تنفيذ مقررات مؤتمر اريحا الخاصة بمبايعة الملك عبدالله ملكاً على فلسطين ويطالب بخروج القوات العراقية من منطقة المثلث على ان تحل محلها قوات بوليس أردنية للحفاظ على الأمن الداخلي ويحذّر انه في حال عدم خروج هذه القوات طوعاً فان الجيش الاسرائيلي سيضطر الى اخراجها بالقوة. وما ان يأتي 13 كانون الأول حتى يكون البرلمان في عمان قد اقر مبدأ ضم المناطق الفلسطينية الى شرق الأردن من "دون الاخلال بالحقوق العربية في فلسطين او المساس بها".
وفي هذه الاثناء تصدر الجمعية العمومية لهيئة الأمم في 11 كانون الثاني يناير قراراً تشكر فيه الوسيط الراحل على مساعيه الحميدة وتنشئ لجنة توفيق للقيام بالمهمات التي اوكلت للوسيط وتقرر وضعاً خاصاً منفصلاً للقدس تحت "مراقبة الأمم المتحدة الفعلية" كما تقرر "وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة الى ديارهم".
وفي هذه الاثناء ايضاً تشعر قيادة الجيش العراقي بحراجة وضعها المتزايد وبضرورة مفاتحة شرق الأردن في الامر نظراً للهدنة التي عقدت بينه وبين اسرائيل في القدس وتسأل عمان رسمياً عن موقف الجيش الأردني فيما اذا قام اليهود بمهاجمة الجيش العراقي فيجيب الملك عبدالله في 15 كانون الأول بحسب رواية الجبوري: "الجيش العراقي بمنزلة الجلدة ما بين عيناي ولا اسمح ان يمس بسوء انني مستعد لنجدته بنفسي وما ملكت يداي" اما رئيس الوزارة توفيق ابو الهدى فيقول "ان الحكومة لم تعقد هدنة دائمة كل ما عمل ترتيب عسكري خاص بالقدس القصد منه جعل الهدنة المتفق عليها في 18 تموز يوليو نافذة عملياً في تلك المنطقة" اما اذا اعتدى اليهود على الجيش العراقي "فسنبادر للتعاون بقدر ما تسمح به الامكانيات العسكرية".
وفي 17 كانون الأول ينظر مجلس الأمن في طلب انضمام اسرائيل الى عضوية الأمم المتحدة في ضوء النقاش الذي جرى فيه كما اسلفنا ولكن الطلب لا يحصل على الاصوات السبعة اللازمة لاقراره على رغم تأييد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي له ذلك ان كلاً من بريطانيا وفرنسا والصين وكندا وبلجيكا تستنكف عن التصويت بينما يصوت ممثل سورية ضده.
وفي 22 كانون الأول تشن عملية حوريف ويستمر القتال طوال اسبوعين من دون انقطاع وتخترق القوات الاسرائيلية الجبهة المصرية في قطاع عسلوج - العوجا انظر الخريطة وتعبر الحدود المصرية وتهدد بغاراتها على رفح والعريش بعزل القوات المصرية الرئيسية في قطاع غزة عن سيناء وتكون اخبار الانتكاسات السابقة عملية يواف 15 - 22 تشرين الأول قد أثارت موجة عارمة من الاستياء الشعبي في مصر وتقوم المظاهرات الجماهيرية والطلابية ويغتال طالب مدير البوليس خلال مظاهرة في جامعة القاهرة وتلقي السلطات بالمسؤولية على حركة الاخوان المسلمين فتأمر في 8 كانون الأول بحلها. وتتفاقم الازمة وتشتد ويغتال محمود النقراشي في 28 كانون الأول على يد احد اعضاء حركة الاخوان.
وتخشى بريطانيا على وضعها في مصر نتيجة انفجار الاوضاع الداخلية فيها ودخول القوات الاسرائيلية الأراضي المصرية فتهدد اسرائيل في 31 كانون الأول بتنفيذ التزاماتها الدفاعية بموجب معاهدتها مع مصر العائدة الى عام 1936 وتطلب انسحاب القوات الاسرائيلية الفوري الى داخل الحدود الفلسطينية وتدعم واشنطن موقف بريطانيا في رسالة حازمة من الرئيس ترومان الى بن غوريون في التاريخ نفسه يطلب فيها ايقاف اطلاق النار والانسحاب الفوري من الأراضي المصرية "كحد ادنى للتدليل على النيات السلمية لحكومة اسرائيل"، ذلك ان اسرائيل "لا تسبب بعمليتها غير المتروية تقوّض السلام في الشرق الأوسط فحسب بل ستسبب ايضاً اعادة النظر في طلبها الانضمام كعضو في الأمم المتحدة وبالتالي ستسبب اعادة نظر هذه الحكومة في علاقتها باسرائيل".
وفي هذه الاثناء يصدر بن غوريون امراً شخصياً لقواته باحتلال جيب الفالوجا ويدوّن في يوميات الحرب في 24 كانون الأول: "يجب اخضاع جيب الفالوجا ويجب تجميع جميع المدافع غير المستخدمة في اماكن اخرى وأخذ اخرى من الجبهة الوسطى التي لا يوجد فيها الآن اي خوف من نشوب معارك وقصف الفالوجا من دون شفقة الى ان يستسلموا". وبالفعل يتعرض جيب الفالوجا للقصف المدفعي العنيف المتواصل خلال عملية حوريف وكذلك لقصف جوي مركّز ولهجمات ارضية ليلية لكنه يصمد الى النهاية مما يجعل بن غوريون يقول في يوميات الحرب بتاريخ 4 كانون الثاني 1949: "لقد تعلم المصريون القتال وتحولت الفالوجا الى تل حاي مصرية". وتل حاي هذه مستعمرة غدت رمز البطولة والرجولة في الميثولوجيا الصهيونية بسبب صمودها امام الهجمات العربية في مطلع العشرينات.
ويظل الوضع غامضاً لبضعة أيام بالنسبة لحركات القوات الاسرائيلية داخل سيناء حتى بعد الانذارين البريطاني والاميركي وترسل بريطانيا خمس طائرات من قواعدها في مصر للتأكد من انسحابها من الأراضي المصرية فتتصدى لها الطائرات الاسرائيلية وتسقطها جميعاً في 7 كانون الثاني 1949. ويشير الحدث وما سبقه بأفول كوكب من فضاء الشرق الأوسط وبروز خلف له.
ويتولى ابراهيم عبدالهادي رئاسة الوزارة محل النقراشي ويختار ذل التفاوض مع اسرائيل على ذل الاستنجاد بمعاهدة 1936 التي ما فتئت الحركة الوطنية في مصر تطالب بتعديلها او الغائها منذئذ فتُعلم مصر اسرائيل في 4 كانون الثاني بواسطة نائب الوسيط الدولي باستعدادها للدخول في مفاوضات معها ويعلق بن غوريون في يوميات الحرب بتاريخ 4 كانون الثاني على ذلك بقوله: "مع ان هذا الترتيب سيترك المصريين في غزة وجيب الفالوجا لن يسقط ايضاً فانني اعتبره انجازاً كبيراً، انه مرحلة مهمة لتحقيق السلام وتعزيز مكانة دولة اسرائيل واذا ما توصلنا الى اتفاق مع مصر والپ"اذا" هذه ليست سهلة فان ذلك سيسهل علينا التوصل الى اتفاق مع شرق الأردن ومع الآخرين"، وهكذا كان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.