نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الخارجية وأعضاء شركة مطارات الدمام    تدشين فعالية "الفن صديق البيئة"بالخبراء    لماذا شرعت روسيا في إجراء تدريبات نووية؟    وزير العدل يفتتح المؤتمر الدولي للتدريب القضائي في الرياض    أغسطس «2020».. آخر فوز للراقي    بسبب الهلال..عقوبات من لجنة الانضباط ضد الاتحاد وحمدالله    الرئاسة الفلسطينية تحذر: إسرائيل تخطط ل«أكبر جريمة إبادة جماعية» في رفح    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    "آلات" تطلق وحدتَي أعمال للتحول الكهربائي والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي    تعليم الطائف ينظم اللقاء السنوي الأول لملاك ومالكات المدارس الأهلية والعالمية    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    انطلاق "مهرجان الرياض للموهوبين 2024".. غداً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    «التعليم»: أولوية النقل للمعلمين لنوع ومرحلة المؤهل العلمي    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر    مساعدات إيوائية لمتضرري سيول حضرموت    برعاية ولي العهد.. 600 خبير في ملتقى الرياض لمكافحة الفساد    السعودية.. الجُرأة السياسية    «كلاسيكو» تأكيد الانتصار أم رد الاعتبار ؟    5 مشروبات تكبح الرغبة في تناول السكَّر    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الاول للورد والنباتات العطرية    المجرشي يودع حياة العزوبية    «عكاظ» ترصد.. 205 ملايين ريال أرباح البنوك يومياً في 2024    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    بدر بن عبد المحسن المبدع الساعي للخلود الأدبي    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    عزل المجلس المؤقت    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    تقدير دعم المملكة ل "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"    مهرجان الحريد    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    «أكواليا» تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية : البيئة الملائمة للاستثمار تقوم على دعم المنافسة وحماية المستثمرين 2 من 4
نشر في الحياة يوم 01 - 04 - 1998

استعرض الكاتب في حلقة امس أسس الاستقرار الاقتصادي في المملكة. وقال ان سوق رأس المال السعودية لا تزال تحبو من جهة الانفتاح والتنظيم والادوات، ما يجعل فرص نموها والنمو معها واعدة. ويستأنف الكاتب فيما يأتي شرحه متطلبات الاستقرار الاقتصادي لجهة تعزيز سوق رأس المال السعودية والتحديات التي تواجه ذلك الاستقرار.
يمكن القول أن البيئة الملائمة للاستثمار تقوم على دعم المنافسة في السوق وحماية المستثمرين فيها. والمنافسة تعني سهولة المشاركة في أنشطة السوق لمن يشاء، وتعني كذلك وجود عدد كبير من المشاركين في السوق ليس لأحد منهم قوة توجيه السوق.
ولأن رأس المال هو أحد عناصر الإنتاج، لا بد أن يتوافر لأي اقتصاد قدر حاجته من رأس المال، اذ أن النقص يكبح النمو الاقتصادي، أما تدني إنتاجية رأس المال فيجعل بيئة الاستثمار منفرة، ما قد يدفع إلى رحيل المدخرات، وإلى تقلص الاقتصاد المحلي في نهاية الأمر.
ومع الحاجة إلى ضخ مزيد من الأموال الخاصة في الاقتصاد السعودي كنتيجة طبيعية لبرنامج التخصيص ومنح القطاع الخاص دوراً اقتصادياً رائداً في توليد فرص العمل ودفع النمو، يكون ضرورياً إيجاد جهاز يشرف على تعزيز البيئة الملائمة بالحفاظ على إنتاجية عالية لرأس المال المستثمر محلياً مقارنة بالاقتصادات المنافسة.
ولعل السبيل هو تنظيم علاقة المتعاملين مع السوق ومع بعضهم بعضاً.
ومن مظاهر التنظيم تقنين الإصدارات المالية الجديدة لتطرح بعد توافر معلومات تفصيلية عنها للمستثمرين المحتملين بما في ذلك المخاطر المتوقعة، كأن يضع الجهاز المتخصص معايير لما يجب أن يشمله مقترح جمع رأس المال من السوق. ويتتبع هذا الجهاز الصفقات لتعزيز مبدأ التنافس حتى لا يكون في إمكان أحد المتعاملين توظيف معلومات متاحة له بحكم منصبه أو علاقاته لمصلحته من دون بقية المتعاملين في السوق. وهكذا يراقب جهاز السوق تعامل كبار الملاك خمسة في المئة من الأسهم فأكثر وأعضاء مجالس الإدارة وكبار التنفيذيين في الشركات والعاملين في الجهات ذات الإطلاع.
وليس القصد التضييق على المستثمرين، بل إقناع من لديه مال ومن يريد مالاً بأن سوق المال المحلية هي الأكفأ من جهة الكلفة والشفافية وسلاسة الإجراءات للقيام بالمهمة مقارنة مع سواها. ويمكن الجدل بأن إقناعاً من هذا الوزن سيؤدي للإبقاء على المدخرات والمستثمرين بل قد ينجح في اجتذاب المدخرات الأجنبية.
ويبدو من المفيد تناول تأثير تذبذب أسعار النفط. إذ انهارت هذه الأسعار أخيراً إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من تسعة أعوام، قبل أن يساهم "اتفاق الرياض" في وقف ذلك الانهيار. ولعل من الصعب تناسي ما حدث لأسعار النفط نهاية عام 1988 من تدهور، ما يجعل أسعاره الحالية مقبولة تماماً بالمقارنة. فقد بيع النفط في تشرين الأول أكتوبر من ذلك العام بنصف قيمته حتى عام 1990، وبأقل من ثلث قيمته مقارنة بفورة أسعار النفط عام 1982.
والقصد من هذه المقارنات بيان أن سوق النفط عمادها التقلب، وان تقلباً شنيعاً من هذا النوع لا يتفق مع أسس الاستقرار الاقتصادي.
وعلى رغم التقلبات العاصفة التي اجتاحت منطقة الخليج خلال ربع القرن المنصرم، وقفزات وكبوات أسواق النفط، حافظ الاقتصاد السعودي على استقراره. فالنمو في اجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة يقدر بنحو 3.1 في المئة سنوياً في المتوسط، وان شابت تلك الفترة أعوام من الانكماش.
ولعل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي هو أكثر تعقيداً في السعودية لأسباب متنوعة لعل أهمها الآتي:
- يمثل النفط ركيزة الدخل بنسبة 80 في المئة فيؤثر تقلب أسعاره في إيرادات الخزانة العامة، لتؤثر بدورها في مستويات الإنفاق الحكومي حكماً.
- النمو السكاني في السعودية عال مقارنة مع بقية دول العالم، ويتجاوز 4 في المئة سنوياً، ليجعل المملكة من بين أكثر خمس دول نمواً سكانياً في العالم، إذ تقدر الزيادة في السكان حالياً بنحو نصف مليون نسمة سنوياً.
مال وسكان
من الواضح أن تحقيق الاستقرار مهمة صعبة في ظل تداخل هذين العنصرين. فمثلاً كانت إيرادات الحكومة السعودية من الزيت طبقاً للإحصاءات المنشورة رسمياً عام 1980 نحو 334 بليون ريال تراجعت عام 1989 إلى 74 بليون ريال وارتفعت عام 1992 إلى 118 بليوناً ثم انخفضت إلى 87 بليوناً عام 1994. وبعد تذبذب في أعوام لاحقة، قدرت إيرادات الزيت رسمياً لعام 1997 بنحو 129 بليون ريال.
أما عدد السكان فحافظ على ارتفاعه، اذ قدر عام 1980 بنحو 9.73 مليون نسمة طبقاً للإحصاءات الدولية، ويقدر حالياً بنحو 19.34 مليون نسمة. وهكذا نجد أن إيرادات الزيت للفرد تناقصت من نحو 36 ألف ريال عام 1980 إلى أقل من سبعة آلاف ريال في العام 1997 علماً أن هذه الإيرادات تمثل حالياً 78 في المئة من إيرادات الموازنة السنوية للدولة.
ويبدو فك الارتباط أكثر سهولة مع امتلاك احتياطات نقدية كبيرة، فهي ترفع من قدرة الاقتصاد السعودي على تحمل تدهور إيرادات النفط. ففي مطلع عام 1982، مثلاً، كان احتياطات السعودية الدولية فيما عدا الذهب تتجاوز 33 بليون دولار، ما اعتبر كافياً لتغطية قيمة واردات السعودية لعشرة أشهر، إذ بلغت واردات السعودية ذلك العام 40.6 بليون ريال. أما الاحتياط حالياً فقدر بنحو 8.6 في تشرين الأول عام 1997.
فإذا لاحظنا أن المتوسط السنوي لقيمة الواردات السعودية منذ مطلع التسعينات هو في حدود 27.7 بليون دولار، يكون الاحتياط كافياً لتغطية واردات 112 يوماً. وهذا مستوى مقبول من التغطية في الظروف العادية، لكنه لا يقارن بالتغطية في بداية الثمانينات، لأن تلك أيام انقضت، وهذا ما يجب أن نفهمه جميعاً، فالنفط ثروة، ولكن لا يمكن الاتكاء على ريعها اتكاءً تاماً.
إعادة هيكلة
لعل من المفيد التمييز بين الأنشطة الاستثمارية، كتلك التي يجب أن تعتمد كلياً على القطاع الأهلي انطلاقاً من أنها تتميز بكونها تصديرية في الأساس، وتقدر قيمتها بنحو 27 بليون ريال عام 1997.
والنقطة الأساس هنا أن الأنشطة التصديرية يجب أن تجلب أموالاً للاقتصاد المحلي وليس العكس، فيما ينبغي أن تقوم الأنشطة الموجهة للاستهلاك المحلي على مواردها الذاتية.
أما الأنشطة التي تستحق دعماً حكومياً، فلعلها تلك التي تحل محل الواردات وتحديداً الواردات من الخدمات، التي تجاوزت قيمتها أخيراً 20 بليون دولار سنوياً.
لكن ما علاقة هذا كله بسوق المال؟ العلاقة قوية، فسوق المال هي التي ستلعب دوراً امتصاصياً لتقلبات إيرادات النفط، لتوفر ما تعجز هذه الإيرادات عن توفيره لأنشطة الحكومة والقطاع الخاص.
والعناية بتمويل الأنشطة غير النفطية تنطوي على إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي استعداداً للألف الثالث. وإعادة الهيكلة تعني هنا أن يكون التمويل الاستثماري ضمن مهمات القطاع الخاص لا دور للإيرادات الحكومية فيه.
لكن من أين يأتي المال والنفط هو الممول الرئيس؟ وجاهة السؤال لا تنبع من كونه سؤالاً معروف الإجابة بداهة، إذ يمكن الجدل بأن الاقتصاد السعودي قام في الأساس على أموال النفط. ومع ذلك فقد راكم القطاع الخاص والأفراد أصولاً ومدخرات على مدى عقود عدة، فعلى سبيل المثال يقدر حجم ما يولده القطاع الخاص السعودي من سلع وخدمات بنحو 50 بليون دولار.
وبحكم أن هناك أكثر من دليل يبين أن مساهمة الصناعة التحويلية في الاقتصادات المتقدمة والعالية آخذة في الاضمحلال، ليحل محلها أنشطة تعتمد على المعرفة والتقنيات المرتكزة عليها، يكون مبرراً أن تحقق إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي طفرة في التجارة غير المنظورة القائمة على المعرفة. وهذا قد يتطلب تغييراً استراتيجياً عميقاً ينجز هدف التنويع بجعل الاقتصاد المحلي متعدد الطبقات من جهة النشاط. فيرتكز الاقتصاد السعودي على أربعة محاور أساسية هي:
1 - عنصر الثروة الطبيعية وهي النفط حالياً، تضاف له المعادن مستقبلاً.
2 - عنصر المادة الخام وهي البتروكيماويات السلعية أساساً.
3 - عنصر السلع المصنعة ممثلة في الصناعة التحويلية.
4 - عنصر المعرفة من خدمات تقليدية ومعرفية خصوصاً المعلوماتية والتقنيات المرتبطة بها.
ويهدف كل من هذه العناصر إلى تنمية المكون المحلي من دون انغلاق. ولطموح من هذا النوع استحقاقات منها:
إعداد الكوادر البشرية السعودية لتلبية احتياجات المحاور الأربعة وتفريعاتها من دون أن يطغى محور على آخر، فلكل أهمية في توفير نمو اقتصادي متميز وبالتالي خصوصيته في الطلب على العمالة، فسوق النفط أساسها التذبذب، وسوق البتروكيماويات السلعية، وهي عماد الصناعة التحويلية السعودية، تخضع لحقب من الصعود والهبوط. أما الصناعة التحويلية السلعية عدا البتروكيماويات فتعاني من غياب العمالة المحلية تقريباً، على رغم أن أساس التكافل الاقتصادي - الاجتماعي أن تساهم فعاليات المجتمع الاقتصادية في توظيف موارده البشرية.
ويكتسب محور الموارد البشرية أهمية خاصة عند إدراك أن تحويلات العمالة الوافدة في السعودية تفوق تحويلات مثيلتها في أي بلد في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ففي عام 1995 بلغ صافي تحويلات العمالة الوافدة الى السعودية نحو 16.7 بليون دولار طبقاً لتقديرات البنك الدولي، فيما حلت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بتحويلات قدرها 12.2 بليون دولار.
الإصرار على جعل مناخ الاستثمار المحلي تنافسياً لتوفير مزيد من الفرص في العناصر الأربعة. ولا بد من بيان أن خيارات الاستثمار غدت متعددة بالفعل، فجل الاستثمارات النامية وجميع الاقتصادات الصناعية ترحب بالاستثمارات الأجنبية من دون تحفظات تذكر.
وهكذا لا مفر من أن يكون للاقتصاد السعودي والخليجي موقع مميز كمركز جاذب للاستثمار وللتقنية والمعرفة. والهدف في الأساس ليس التهافت على الاستثمارات الأجنبية، بل الحفاظ على المدخرات المحلية.
وتحظى هذه النقطة بالوجاهة عند إدراك أن السعودية اقتصاد مصدر لرأس المال، اذ تتجاوز المدخرات ما يستثمر من أموال. وتبين تقديرات البنك الدولي أن الاستثمار بلغ 20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي عام 1995 وتجاوزت المدخرات ذلك لتصل إلى 30 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. واضافة الى توفير مزيد من الفرص للمدخرات المحلية، يمكن الجدل أن الاقتصاد السعودي يملك مميزات عدة لاستقطاب تدفقات أجنبية.
ويبدو أن تعزيز مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية غدا محل اتفاق الأطراف المؤثرة، ولذا فالنظام المقنن للاستثمار الأجنبي قطع شوطاً بعيداً في مراحل المراجعة والتعديل. والتوجه للترخيص للمزيد من الصناديق التي يمكن من خلالها شراء غير السعوديين للأسهم هو خطوة إيجابية لإفساح المجال للأموال غير السعودية للافادة من الفرص المحلية.
ولكن لا بد من الاستدراك بالقول أن المجال يجب أن يفسح لغير السعوديين لتملك الأسهم ضمن ضوابط تبعد شبح المضاربات الانتهازية عن السوق المحلية، وتضع سقفاً للملكية وللتمثيل في مجلس الإدارة.
حفز الصادرات السلعية وغير المنظورة في العناصر الأربعة. ويبدو مهماً أن يتجه مركز ثقل التشجيع في هذا المجال من منح القروض الميسرة للمصانع إلى تشجيع المصانع القائمة والجديدة لتكوين منظور لتصدير سلعها الى الخارج، حتى تخرج الصناعة السعودية في ما عدا "سابك" من الإحلال محل الواردات إلى التصدير كذلك.
وتكوين هذا المنظور لا يأتي فقط من خلال تمويل وضمان الصادرات على رغم حاجة هذا النشاط للتمويل والضمان، بل بجملة أمور منها:
1 - استيعاب الصادرات كرافد مهم في سياسة التنويع.
2 - تكوين خيارات لما يجب أن يصدرّ باعتبار الميزة نسبية وبتكوين ميزة تنافسية.
3 - وضع نهج تطبيقي للبحث والتطوير، فيكون البحث ليس بقصد البحث المجرد بل بقصد دعم الميزة التنافسية في الأسواق المفتوحة، وبقصد تعظيم القيمة المضافة المحلية.
وقد يعني تمحور الاقتصاد على المرتكزات الأربعة أعلاه اتخاذ خيارات حاسمة. لكنه لا يعني إهمال الصناعة التحويلية أو الزراعة، بل أن تقوم التنمية الصناعية على جهود القطاع الخاص المحضة وعلى الموارد البشرية المحلية في الأساس. وقد يستدعي هذا التوجه جملة سياسات منها:
- تقليص الحكومة لعدد موظفيها لإتاحة المجال لمزيد من المواطنين للعمل لدى القطاع الخاص.
- جعل استقدام العمالة من الخارج خياراً مكلفاً ما دام البديل المحلي متوافراً.
- الانتقال من الإعانة العامة إلى الإعانة المباشرة لتصل لفئات الدخل المتدني من المواطنين.
- تقليص التزامات الإنفاق على المؤسسات الحكومية في القطاعات الإنتاجية بما في ذلك خدماتها التحتية والمساندة ليشمل ذلك تخصيص المدن الصناعية وما تملكه الحكومة من مؤسسات إنتاجية.
- السعي الى ايجاد صيغة تنافسية في قطاع الخدمات لكسر تفرد بعض المؤسسات بالسوق المحلية، مثل خدمات النقل الجوي والبث التلفزيوني على سبيل المثال.
- دراسة جدوى توسيع قاعدة ملكية الصناديق الحكومية المتخصصة وتحديداً تلك الممولة للزراعة والصناعة التحويلية ليشترك في ملكيتها القطاع الخاص.
- تشجيع ازدهار الصناعات المعرفية والبحث والتطوير بتمويل البنية التحية والمساندة وتقديم القروض الميسرة بهدف جذب الاستثمارات الخاصة. وتجدر الإشارة الى أن صندوق التنمية الصناعية السعودي نجح في جذب ما متوسطه 20 ريالاً مقابل كل ريال أقرضه للقطاع الخاص.
ولا بد من التأكيد أن انحسار الدعم عن الصناعة التحويلية يعوض بتحول جهود الحكومة لدعم الاستثمار في قطاع الخدمات دعماً لا هوادة فيه، فهذا القطاع يمثل نقطة الضعف حالياً ونقطة قوة مستقبلاً. إذ نجد أن السعودية، مثلاً، تمتلك فائضاً تجارياً ضخماً، لكن العجز في الخدمات والتحويلات يكاد يلتهم ذلك الفائض. وتوجه الحكومة في هذا الاتجاه يعزز دور سوق المال، اذ ستقسم مسؤوليات التمويل كالآتي:
يتولى القطاع الخاص تمويل الأنشطة الإنتاجية.
تتولى الحكومة تشجيع الاستثمار في الأنشطة الخدمية.
يشترك القطاعان في توسيع وتحديث البنية التحتية.
استثمارات أجنبية
لعل تحقيق الاستقرار الاقتصادي هو المحرك الأساس للسياسة الداخلية والخارجية لأي بلد. فتأمين القوت ومراكمة المزيد منه والحفاظ على تواصل تعزيزاته يحرك الأفراد إجمالاً ويضبط توجهاتهم. وتاريخياً أدى توافر الثقة والاطمئنان إلى الإنفاق والاستثمار والادخار. وتتبع التداعيات الاقتصادية للأحداث المستجدة يشير إلى تأثيرها الآني في الاستقرار لجهة معيشة الفرد ومستوى الأسعار، وتأثيرها اللاحق على مناخ الاستثمار. لذا تحظى القرارات الاقتصادية باهتمام جماهيري واسع اذ ان تأثيرها مباشر في الفرد والمجتمع. لكن كيف يمكن للدول الحفاظ على استقرارها الاقتصادي وسط جملة أمور منها: التوجه للتحرير والتخصيص ليصبح الاستقرار المحلي أكثر التصاقاً بالظروف الخارجية.
الدعوات المتزايدة للابتعاد عن التخطيط المركزي، وتقليص دور الدولة الاقتصادي، وتوظيف الحكومة لسياستها النقدية والمالية للحفاظ على محلية الاستقرار الاقتصادي أمر جوهري بالفعل في هذا الوقت بالذات. لكن السياسة من خلال النقد والمال تتطلب إعطاء كل منهما دوراً مناسباً في تدعيم الاستقرار. فالتوجه حالياً هو الاعتماد أكثر على الأدوات النقدية، وهذا توجه منطقي وسط ممارسة أكثر من 95 دولة لتخصيص اقتصاداتها ممارسة فعلية ومنحها دوراً متزايداً للقطاع الخاص.
لكن ما يحدث في الأسواق الناشئة يبين أن الاستقرار الاقتصادي لم يعدّ محكوماً برصانة الحكومة وحذاقتها، بل يشاركها القرار مستثمرون أجانب من خارج البلاد. والصعوبة لا تكمن هنا، فالاقتصاد مترابط بطبيعته حتى قبل "صرعة" العولمة التي نعايشها. فأسعار السلع والخدمات المستوردة كانت دائماً تتأثر بما يجري في الدولة المصدرة. فمثلاً لو حدث إضراب في مصانع السيارات ونتج عنها رفع الأجور، فهذا يعني حكماً ارتفاع أسعار السيارات في الدول المستوردة، فهي تستورد السيارات ومعها التضخم. لكن يبدو أن الصعوبة تكمن في أن التأثير الدولي في الاقتصادات المحلية أصبح أكثر ضراوة، ولم يعد يرتبط فقط بالتجارة الخارجية بل تعدى ذلك الى الاستثمار، فقد ارتفعت حصيلة الاستثمارات الأجنبية حوالي 1.7 ترليون دولار عام 1990 إلى نحو 2.7 ترليون دولار عام 1995، طبقاً للإحصاءات الدولية.
فبعد انتظار دام أسابيع عدة لم يعلُ صوت فوق صوت ساسة آسيا لبيان أسباب انتكاسات أسواقهم المالية إلا صوت البنك الدولي. لكن احتكام الساسة إلى المؤشرات لإظهار متانة اقتصاد بلدانهم لم يكن موضوعياً، إذ يبدو أن أصل الخلل نبع من قصور النظم النقدية وليس من تخلف الأداء الاقتصادي. بل يبدو أن الأداء الاقتصادي سيتأثر بتهور السياسة النقدية في بلدان آسيا. فإضاعة دول آسيا للوقت الغالي في نفي المزاعم وتفنيدها وتسفيه هجمات المضاربين، ساهم في تحويل الأزمة النقدية إلى أزمات اقتصادية ألقت بظلالها حتى على ثاني اقتصادات العالم، بدأت بوقوع الين الياباني في متاهات التردي على رغم تدخل المصرف المركزي الياباني.
وعلى رغم سرعة البعض في اتهام المضاربين، يبدو أن المسؤولية الحقيقية لا تخرج عن نطاق المصارف المركزية في تلك البلدان، فقد فرطت بالعملة كما حدث في ماليزيا، ومدت الحبل طويلاً للمصارف التجارية كما حدث في كوريا. وهذا يعني أن الأسواق الناشئة ليس أمامها إلا أن تعد سياسات نقدية متماسكة تليق بالأهمية المتصاعدة لاقتصاداتها، لا يمكن اختراقها من دون ضوابط.
ولا بد من الإقرار أن الفرق كبير بين علاقة تقوم على البيع والشراء وبين مشاركة استثمارية تعني ضمناً المشاركة في القرار واقتسام الربح والخسارة. فانفتاح دولة ما تجارياً يعني قدرة مواطنيها على استيراد وتصدير السلع. أما انفتاحها استثمارياً فيعني قدرة الأجانب على التملك فيها. وفي حين أن التجارة الدولية هي من المسلمات، اذ ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن دولة بمفردها لن تستطيع أن تعتمد على ذاتها، ولا مفر من استيرادها للسلع والخدمات من دول أخرى إما: لتغطية النقص أو لامتلاك تلك الدول ميزة نسبية بمعنى أنها - لسبب أو لآخر - تنتج السلع بأسعار أقل. أما الاستثمار الدولي فلكل دولة موقف يعتمد في الأساس على ثرائها ونظرتها العقائدية للأمور. فالدول الاشتراكية ومركزية التخطيط كانت دائماً تحارب الاستثمار الأجنبي باعتباره شكلاً استعمارياً إمبريالياً. لكن هذه الدول اضطرت في ما بعد لعلك هذا التنظير، بما في ذلك الصين. أما الدول غير الاشتراكية فكانت نظرتها للاستثمار الأجنبي تنطلق إجمالا من أنه شر لا بد منه! فهي تأخذ منه بقدر حاجتها فقط.
لا يمكن في هذا المجال استبعاد قوة تأثير الشركات المتعددة الجنسية في التجارة الدولية وفي تحسين صورة الاستثمار الأجنبي. وبعيداً عن التفصيل، يمكن القول ان هذه الشركات تقيم تعاوناً تجارياً محدوداً مع طرف في دولة ما، ثم تراقب التطورات مراقبة حثيثة، وتبعاً لاستنتاجاتها تقلص أو توسع العلاقات التجارية، كأن تجعل هذا الطرف وكيلاً لها، أو تجعله موزعاً إقليمياً. وعندما تجد أن السوق واعدة بالفعل، وأنها تستحق انخراطاً مباشراً تسعى الشركة الى إقامة وجود لها في الدولة من خلال مكتب تمثيل أو شركة تابعة مهمتها تنمية السوق بما في ذلك توفير معلومات تفصيلية وخدمات ما بعد البيع والترويج للمنتجات الجديدة والانطلاق من هذه السوق الى الأسواق المجاورة. وأحياناً تجد الشركة المتعددة الجنسية أن السوق يانعة وأن تحقيقها لميزة تنافسية في تلك السوق يقتضي الاستثمار في امتلاك أصول. عندها تدخل في مفاوضات مع الدولة المضيفة، فيكون اهتمام الشركة المحافظة على حصة كبيرة من السوق، واهتمام الدولة نقل التقنية والأساليب الإدارية المتطورة وزيادة فرص العمل والإحلال محل الواردات.
لكن الوضع خلال فترة العولمة أخذ يتغير تغيراً جذرياً، إذ لم يصبح الاستثمار الأجنبي يقوّم كل حالة على حدة. بل أخذت الدول النامية تتسابق في فتح ذراعيها للمستثمرين من دون قيد أو شرط، وأصبح المستثمر هو الذي يضع الشروط. فالدول تتنافس لتحظى بالاستثمارات الأجنبية وليس العكس. وعندما تدخل دولة نامية، مثلاً، مع شركاء أجانب لإقامة مشروع لتوليد الطاقة الكهربية، تجد الشركاء الأجانب يضعون شروطاً تتعلق بحمايتهم من شتى المخاطر بما في ذلك تقلب سعر صرف العملة المحلية.
هل هذا يعني أن المستثمرين العالميين سيحكمون العالم، بتأثيرهم في الاستقرار الاقتصادي بممارسة الضغوط على السياسة النقدية؟ وما يحدث في شرق آسيا يؤكد ذلك عملياً، فقد أدمنت تلك الاقتصادات على التدفقات الأجنبية، التي تناقصت عام 1997 إلى نحو 34 بليون دولار من 101 بليون دولار نهاية عام 1996 أي إلى حوالي الثلث خلال عام واحد. ما يدفعنا الى القول بأهمية انتهاج الدول سياسة نقدية حاذقة، لكن ما السياسة النقدية؟ وهل تعاني هي الأخرى من أعراض "العولمة"، فلا يستقيم عودها إلا بإتاحة دور لمؤسسات النقد الدولية، فتكابد الدول النامية والحديثة التقدم إما تجارياً بطرق أبواب منظمة التجارة العالمية، أو اقتصادياً بالوقوف على أعتاب البنك الدولي والقبول بتدخله في السياسة الاقتصادية، أو نقدياً بقبول تدخل صندوق النقد الدولي كشريك في صياغة السياسة النقدية للدول النامية؟
لنسترجع مسلسل الاقتراض في شرق آسيا، ولنتذكر الوجوه الكورية يعتصرها الأسى وهي ترضخ للشروط. ما الذي اقترفته الاقتصادات في كوريا وماليزيا وإندونيسيا وتايلاند حتى يتراجع نموها؟ الإجابة المباشرة والمختصرة أن سياستها النقدية لم تكن مستقلة، ما أوقعها في أخطاء مهنية متتالية، تضخمت وتحولت إلى أعباء أناخت تلك الاقتصادات من فرط الاستنزاف.
إن ما حدث ويحدث في شرق آسيا هو عبرة يجب درسها بعيداً عن سوء الظن، فتداعي سوق هونغ كونغ كشف مشاكل المصارف اليابانية فأُغلقت أبواب "سانيو" للأوراق المالية ومصرف "هوكايدو تاكوشوكو" بداية تشرين الثاني نوفمبر، وتبع ذلك سقوط إحدى أكبر بيوتات المضاربة الآسيوية "ياماتشي" اليابانية. ولعل الأمر في اليابان يتعلق بتجنب الفشل بأي صورة وشكل. فهو في عرف ذلك المجتمع وصمة عار. لذا زورت "ياماتشي" دفاترها لتورية الخسائر، وهذا يكشف ضعف الرقابة في السوق المالية اليابانية. أما في كوريا فقد كان الإقراض موجهاً من قبل الحكومة - بصورة أو أخرى - الى الشركات الوطنية العملاقة، ما يعني أن الإقراض لم يكن يعتمد إجمالاً على أداء المؤسسات الاقتصادية. وهنا تبرز فداحة الأخطاء المهنية، التي أشرت لها آنفاً، فالأصل أن يمارس المصرف المركزي دوره مستقلاً عن رغبات الحكومة، وهذا لا يعني أن يسعى لمخالفة تلك الرغبات، بل أن يلتزم باستقلالية دوره المحدد، وأهم سماته:
- وضع وإدارة وتنفيذ السياسة النقدية.
- مراقبة المصارف التجارية حفاظاً على حقوق المودعين.
- مد المصارف التجارية بالمال عند الضرورة لتمويل الأنشطة الاقتصادية.
- تحديد سعر الخصم بما يقلص أو يبسط المعروض من نقود.
النشاط المصرفي
تمارس المصارف التجارية السعودية وظائف وساطة واستثمار متنوعة، فهل من المفيد أن تمارس هذا الدور مستقبلاً؟ يبدو أن منظور المصارف التجارية السعودية محلي بحت، إلا عندما يتعلق الوضع باستثمار فوائض الأموال في الخارج أو تأسيس فروع لتسهيل تعاملاتها وتعاملات زبائنها في المراكز المالية الرئيسة. ولعل من المناسب أن تضع البنوك السعودية - منفصلة ومجتمعة - استراتيجية للتعامل مع التطورات المحلية والإقليمية والعالمية. إذ لم يعد بوسعها الاتكاء على ثبات هيكل السوق المحلية، فإعادة توزيع الأدوار في الاقتصاد المحلي سيؤثر في المصارف حكماً. وإذا كان التخصيص المؤثر المحلي الأهم، فالتغيير ناتج في الأساس عن عولمة الاقتصاد الدولي، خصوصاً تحرير تجارة الخدمات عالمياً. وتبرز في هذه الفئة إعادة هيكلة صناعة المال عالمياً. وهكذا نجد أن المصارف السعودية ليس في وسعها الإفلات ولا حتى تأجيل وضع استراتيجية جديدة لحقبة جديدة.
ويبدو أن التغيير يحمل في طياته دخول منافسين جدد إلى السوق المصرفية، وقد تصل اولى البشائر مع قدوم المصارف الخليجية الى الأسواق السعودية. ولن يقف التنافس عند دول مجلس التعاون، فبرامج التخصيص التي تلوّح بها دول المجلس وعلى رأسها السعودية وما تحمله من فرص تمويلية "بليونية" تستأثر باهتمام مصارف عالمية عدة. وقد ترجم اهتمام البعض منها بإقامة وحدات استثمارية في المنطقة، منها مصرفا "أ بي إن أمرو" الهولندي و"سوسيتيه جنرال" الفرنسي. وعلى رغم أن المصارف السعودية الأكبر عربياً من دون منافس، غير أن برنامج التخصيص يجلب متطلبات لا قبل للمصارف المحلية بها. ولنأخذ مثالاً واحداً، وهو مشروع محطة الشعيبة لتوليد 1750 ميغاوات من الكهرباء، والذي تقدر قيمته في حدود 1.35 بليون دولار نحو خمسة بلايين ريال. لنجد أن ليس في مقدور أي من المصارف السعودية منفرداً تمويل المشروع، فهو يزيد عن رأس مال بنك مثل مصرف الرياض، حيث ينص نظام مراقبة البنوك أن ليس في إمكان أي مصرف إقراض أكثر من ربع رأس ماله واحتياطاته دفعة واحدة. ويلاحظ أن المصارف السعودية تمتلك الأموال، فكما أُشير مراراً، تحتفظ بأصول صافية في الخارج لا تقل عن 50 بليون ريال. ومع ذلك فقدرتها على توفير التمويل للمشاريع "البليونية" مفتتة. فمصرف منفرد لن يستطيع أن يمول مشروعاً ببليون دولار. بل أن المصارف السعودية عليها أن تبذل جهداً حقيقياً لتمويل مشروع بحجم محطة الشعيبة محلياً، أما تمويل مشروع تتجاوز قيمته بليوني دولار فهو فوق قدرتها. ومع ذلك، فالشعيبة مجرد بداية لبرنامج تخصيص يحتاج الى عشرات البلايين سنوياً. لننظر مثلاً الى الاحتياجات المالية لقطاع الكهرباء بمفرده، فهي تقدر خلال السنوات العشر المقبلة بنحو 20 بليون دولار. فهل المصارف التجارية السعودية مهيأة لتوفير غطاء تمويلي يماشي توجهات الاقتصاد الوطني؟ يبدو أن المصارف المحلية في حاجة للتهيؤ على محورين: الاندماج وزيادة رأس المال.
وعلى نطاق آخر، يبدو أن بعض المصارف السعودية مشغول حالياً بدرس جدوى افتتاح فروع في بقية دول مجلس التعاون، لكن المستقبل يحمل مفاجآت متعددة لهذه المصارف، إذ لا خيار أمامها سوى ممارسة دور قيادي في برنامج التخصيص السعودي. فهل يعقل أن تحتفظ بأموالها في الخارج ثم تأتي المصارف الخارجية لترتب عقود تمويل المشاريع؟! لماذا لا نلجأ إلى خيار أكثر منطقية، بأن ترتب المصارف المحلية تمويل المشاريع المحلية قدر الإمكان، كالشعيبة وغيرها. فيحقق الاقتصاد الوطني مكاسب متعددة، منها: أن تذهب العمولات أرباحاً خالصة للمصارف المحلية، ويخف الضغط عن الحساب الجاري بالامتناع عن اقتراض الأموال من الخارج، والأهم أن المشاريع المحلية تبنى بأموال كانت ستستثمر في الخارج بربح زهيد.
وتقدر أصول المصارف السعودية نهاية عام 1997 بنحو 423 بليون ريال، تقرض منها حوالي الربع للحكومة والمؤسسات الحكومية، وحوالي الثلث للقطاع الخاص، وتستثمر قرابة الربع في الخارج. ولعل من المفيد بيان أن المصارف السعودية تتنافس في ما بينها تنافساً مرّاً يتجسد في أكثر من 1200 فرع تزدحم بها شوارع المدن والقرى السعودية، في وقت أخذ التعامل من خلال "إنترنت" يقلص الحاجة الى الفروع في عدد من البلدان الصناعية. وهذه الريح لا بد أنها ستصل إلى السوق المصرفية السعودية. ولعل من المفيد بيان أن على المصارف السعودية ترك التنافس في ما بينها على تحصيل الودائع المحلية وتكريس الاهتمام لوضع استراتيجيا تدعم قدرتها على الصمود أمام التطلعات الأجنبية. ولعل السبيل الى ذلك هو الاندماج، فأصول المصارف السعودية مجتمعة تساوي أصول مصرف متوسط واحد مثل "ويلز فارغو" أو "بانكرز ترست". فكيف عندما تقرر دخول المنطقة مصارف من وزن "أ بي إن أمرو" أكثر من 340 بليون دولار أو "سوسيتيه جنرال" حوالي 350 بليون دولار؟!
المصرف المركزي
تجدر الإشارة إلى قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بدور المصرف المركزي، لجهة الحفاظ على سعر صرف الريال السعودي، وإدارة التداول في الأسهم السعودية. وهي تراقب أداء المصارف طبقاً لنظام مراقبة المصارف السعودية الذي وضع منذ اكثر من ثلاثين عاماً 22-2-1386 هجري. ويخضع دور المؤسسة للتغيير مع انفتاح الاقتصاد السعودي أكثر فأكثر عند انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية ونواميسها المتعلقة بالخدمات بما في ذلك الخدمات المالية. وتبرر الأهمية المتزايدة للسياسة النقدية كأداة لحماية الاقتصادات المحلية من التأثيرات الخارجية جدوى إلقاء بعض الضوء على جدية التحدي النقدي حالياً وفي المستقبل.
وليس من المبالغة الزعم أن استقلالية قرار المصرف المركزي شرط لازم لفاعليته، وإلا فقد لا يتمكن من القيام بالمهمة المنوطة به. ومهمة المصرف المركزي الرئيسية محددة وهي: حماية العملة الوطنية والمعروض من النقود. ولبيان القصد، قدرت ديون المصارف الكورية المعدومة والمشكوك في تحصيلها بحوالي 27 بليون دولار اميركي، في اقتصاد يقل حجمه عن 500 بليون دولار! ومع ذلك لم يحرك المصرف المركزي ساكناً ما سبب في نهاية المطاف أشبه ما يكون بالحجر على الاقتصاد الكوري نتيجة لسفه السياسة النقدية!
ما الدرس المستفاد مبدئياً؟ أهمية كتابة السياسة النقدية على أسس الاستقلالية والشفافية المهنية، فهي نظام إنذار مبكر لا ينبغي أبداً إخراسه أو اتهام صافرته بالخرف حتى لا يستنزف الاقتصاد - أي اقتصاد - سيولته دفاعاً عن عملته بعد فوات الأوان.
البعد الإقليمي للسوق
لا يمكن تجاوز بعض الحقائق الأولية، ومنها: أن سوق الأسهم السعودية هي الأكبر عربياً، وأنها متاحة فقط لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأن الأموال الأجنبية الباحثة عن فرص ضخمة بكل المعايير اذ تقدر ثروات رجال الأعمال بأكثر من 17 ترليون دولار، وأن سلوك المستثمرين الأجانب يتأثر بما يستجد في مركز نشاطهم، وليس أدل على ذلك من تعطيل عدد من الشركات الكورية ارتباطاتها الاستثمارية الجديدة في العالم. اذ عطلت، مثلاً، شركة "سامسونغ" الكورية استثماراً في مصنع لها في انكلترا مجمله 750 مليون دولار لصنع الإلكترونيات الاستهلاكية على رغم إنفاقها 100 مليون دولار بالفعل.
وحالياً، منطلق سوق المال السعودية هو محلي. ورغم وجود مبررات تؤيد التوجه المحلي، فلا مفر عند تناول آفاق تنمية السوق من التطلع الى ما وراء الحدود. ولا يمكن التسليم بأن الانفتاح على الخارج هو الخيار الأفضل في جميع الأحوال. وحتى عند التسليم بأهمية انفتاح السوق المالية المحلية على الأموال الأجنبية، فمن الضروري أن تكون للسوق فلسفة تحدد علاقتها بالخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.