ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    المسبار الصيني «تشانغي-6» يهبط على سطح القمر بعد شهر على إطلاقه    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    فيصل بن فرحان يؤكد لبلينكن دعم المملكة وقف إطلاق النار في غزة    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    سفاح النساء «المتسلسل» في التجمع !    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة 15 في تاريخه    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    الاتحاد يتوّج بكأس المملكة لكرة الطائرة الشاطئية    حجاج الأردن وفلسطين يشيدون بالخدمات المقدمة بمنفذ حالة عمار    روبوتات تلعب كرة القدم!    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    التصميم وتجربة المستخدم    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    فرز وترميز أمتعة الحجاج في مطارات بلدانهم.. الإنسانية السعودية في الحج.. ضيوف الرحمن في طمأنينة ويسر    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    الليزر لحماية المجوهرات من التزييف    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    النفط يستقر قبيل الاجتماع ويسجل خسارةً أسبوعيةً    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    متنزه جدر بالباحة.. قبلة عشاق الطبيعة والسياحة    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالعزيز حمودة شوه مراجعه النقدية متخليا عن أخلاقية الناقد :"المرايا المحدبة" أو مرايا الأخطاء والمغالطات والافتراءات
نشر في الحياة يوم 25 - 12 - 1998

} أثار كتاب عبدالعزيز حمّودة "المرايا المحدّبة: من البنيوية الى التفكيك" الصادر في سلسلة "عالم المعرفة" الكويت سجالاً نقدياً واسعاً تبعاً لما اقترف صاحبه من تشويه وتحريف لبعض المراجع النقدية التي اعتمدها. وكان الناقد جابر عصفور راجعه مراجعة نقدية وموضوعية على صفحات "الحياة" وكشف ما اعتراه من شوائب لا تليق بالنقد الأدبي.
هنا قراءة أخرى للكتاب وضعتها الناقدة اللبنانية يمنى العيد وفيها تفضح المزيد من المغالطات الخبيثة والمقصودة التي ارتكبها حمّودة:
أجد نفسي مضطرة للردّ على مؤلف كتاب "المرايا المحدّبة من البنيوية الى التفكيك"1، د. عبدالعزيز حمودة. ذلك أن هذا المؤلف لم يكتف بما جاء في كتابه من تشويه وتحريف لما قدمته في كتابي "في معرفة النص"2، الذي يحلو له أن يسميه، وفي أكثر من موضع، "في معنى النص"3، بل راح في ردّه على ما أظهره د. جابر عصفور4 من تشويهات انطوى عليه كتاب "المرايا المحدّبة"، يمعن في التشويه والتشكيك والافتراء على الحقيقة، ضارباً عرض الحائط بقواعد الحوار النزيه5.
لن أنحو في هذا الردّ منحى صاحب "المرايا المحدّبة" لأنني، وبكل فخر، من الأكاديميين. والأكاديمي يأبى أن تكون للنقد لغة مثل لغته: لا يمالىء الأكاديمي القارىء ولا يبغي الضجيج، ولا يصدر، في ما يكتب، عن ردود فعل نفسيّة تبدأ بالانبهار الذي انتاب صاحب "المرايا المحدّبة"، وتنتهي بالتنديد الذي مارسه ضدنا. غاية الأكاديمي البحث والمعرفة. والبحث فضيلة سواء وُفّق الباحث أم لم يوفّق. والفضيلة أخلاق. والأخلاق المرتبطة بالبحث هي، بحسب أحد مفكرينا الكبار، ابن رشد، لا تستهدف التشكيك والتنديد، بل الدقة في البحث والأمانة في المعرفة.
لكن صاحب "المرايا المحدّبة"، لا يلتزم، في كتابه، بما يشترطه البحث العلمي من دقة وأمانة، متذرّعاً بجفاف المنهاج الأكاديمي، معلناً افتخاره بتعمّد الابتعاد عنه، وعن "شرعيّته الأساسية" التي هي، بحسب قوله "مخاطبة القارىء المتخصص"6. يترك صاحب "المرايا المحدّبة" شرعيّة البحث التي يتمسك بها الأكاديميون، ويصنع لنفسه شرعية أخرى عمادُها الافتراء، وضمانتُها قارىٌء غير متخصّص، أي قارىء، هو بحسب افتراض المؤلف، عاجز عن تدقيق المقروء والوصول الى الحقيقة. هكذا يضيف هذا المؤلف الى تشويه من يقرأ لهم، الاستخفاف بمن يتوجه اليهم القراء غير المتخصصين.
يُسقط صاحب "المرايا المحدّبة" على من يتناولهم في كتابه، مراياه، وقد فاجأته، هذه المرايا، بحسب قوله أثناء الكتابة، وفرضت نفسها عليه7، فراح، تحت وطأتها، يمعن في التحريف والتشويه ونسبة النصوص الى غير أصحابها.
أسارع الى تقديم النماذج راجية القارىء الصبر على أكاديميتنا التي هي عند صاحب "المرايا المحدبة" تهمتُنا، ربما لأنها عند الكتابة سبيلنا الى معرفة نأبى الاستهانة بها، والى قارىء نرفض الاستخفاف به، والى حقيقة نحرص على إضاءتها. نعم، أقول اضاءتها، متمنية أن يتسع صدر صاحب "المرايا المحدبة" لهذه الكلمة التي يكره. ربما لأنها مما يرفع الظلمة فيُري ويعرّي الحقائق. وربما لأن الحداثيين، أصحابها كما يرى، يودّون لو تكون هدف كل باحث.
وأوضح بأني سأقتصر على تقديم نماذج تتعلق بما طال كتابي من تحريف وتشويه، محيلة كل من يرغب في الاطلاع على المزيد من نماذج الافتراء والمغالطة التي امتلأ بها كتاب "المرايا المحدبة"، على مقالات الدكتور جابر عصفور8، المفكر المعروف بدقته، ونزاهته وسعة اطلاعه.
- في الفصل الثالث ص 209 - 210 من كتاب "المرايا المحدّبة" يورد المؤلف نصاً يحيله على كتابي "في معرفة النص"، ويقدم لهذا النص بقوله: "ترى الخطيب أن البنيوية. ويتابع، واضعاً النص داخل الصفحة، تمييزاً له، تمارس أولاً وقبل كل شيء، نوعاً من النقد الداخلي Immanent، وترفض النظر خارج النص أو مجموعة النصوص التي تتعامل معها بحثاً عن تفسير لبنيتها. ان قيمة شخصية ما في مسرحية، على سبيل المثال، يتم تقديرها بنفس الطريقة التي يمكن أن يستخدمها المرء لتقدير قيمة كلمة في لغة معينة، عن طريق المقارنة، لا مع العالم خارج المسرحية، بل مع اقتصاد المسرحية ذاتها ]وليس اقتصاد السوق!![، مع الشخصيات الأخرى التي تضمنها. ان الاختلافات بين الشخصيات هي المفتاح لأهميتها الدرامية، وتورديليا المحبة المراعية للواجب سوف تفتقر الى كل التعريف لو أنها كانت طفلة وحيدة، وحرمانها المفارقات المتوافرة أمام القارىء لمسرحية لير في شخصيتي جو نريل وريجان32. ثم يعلق بالقول "ان حكمت الخطيب هنا تتبنى موقف سوسير وتعريفه للبنيوية اللغوية من دون تحريف".
و"هنا" تعني النص الذي أورده المؤلف والذي يحيل، حسب الهامش رقم 32 الموضوع في نهاية النص، على الصفحة 11 من كتابي "في معرفة النص". وبالعودة الى ص 11، نجد كلاماً آخر، لا علاقة له بنص صاحب "المرايا المحدبة". ففي هذه الصفحة، وهي من مقدمة كتابي، أتابع كلاماً بدأته ص 10، فأميّز بين نقدٍ "يكرّر النص الأدبي وصفاً، وشرحاً وتقييماً..."، ونقدٍ هو "نص أدبي متميّز"، أي أنه نص آخر لا علاقة له بالنص، موضوع النقد، وهو بذلك يخونه. ثم أشير الى تيارٍ نقدي آخر يحاول الإفادة من البنيوية، ولكنه يسعى الى تجاوزها بهدف النظر الى علاقة الدلالات بمرجعها.
إنني أعرض، بإيجاز، لتيارات نقدية ولا أتبنى، بل أميّز بينها، مشيرة الى واحد منها يحاول أن يفيد من البنيوية، ولكنه لا يتبناها بل يسعى الى تجاوزها. فمن أين جاء صاحب "المرايا المحدبة" بما أورده من كلام؟ وان كان قد قرأ ما كتبته فكيف حوَّره على النحو الذي أورده فيه، وجعلني أتبنى "موقف سوسير"، "دون تحريف"؟ وكيف سمح لنفسه أن يُحيل قارئه على كتابنا ليُشهده على كلام لم نقله؟ وبأي حقٍ يجعلني أرى ما يراه حين يقول "ترى الخطيب أن البنيوية"، وليس في ما أوردَه، بعد قوله هذا، شيء مما قلته أو رأيته؟
ثم كيف يؤكد نسبة ما يقوله لنا حين يعلق بقوله: "ان حكمت الخطيب هنا". هذه ال"هنا" التي أراد بها إيهام قارئه بصحة ما يقول، فحمّلها ما يأبى حتى ضمير الأشياء حمله؟
قد يقول صاحب "المرايا المحدّبة" بأن في الأمر خطأ وقع فيه. فليبادر إذاً الى اعلانه، وإلا حق لنا أن نعتبر إحالة ما قاله على كتابنا نوعاً من التزوير. ولكن هل يمكن رد هذا الأمر الى الخطأ بعدما أشرنا اليه من تقديم المؤلف وتعليقه مما يؤكد احالة الهامش على كتابنا؟ وهل يمكن ردّ ما يتكرر الى الخطأ؟ يكرر المؤلف، كما سنرى، إحالة ما ليس لنا علينا. وفي التكرار قصد التأكيد والترسيخ.
هكذا يستخدم صاحب "المرايا المحدّبة" التكرار سبيلاً للتشكيك والتنديد والافتراء... ربما بدافع من عداوته للحداثة والحداثيين، وقد عانى، حسب قوله، من فهم ما يكتبون سنوات حتى ظن بنفسه العجز والقصور9. ليته بقي في عجزه وقصوره لوفَّر على نفسه قراءةً لم تفض به إلا إلى تشويه ما قرأ:
- ففي الفصل الثالث ص 216 من كتاب "المرايا المحدبة..."، يقول المؤلف: "فاللغة ليست شيئاً يقوم كل منا بإحضاره معه الى هذا العالم لحظة الميلاد، لكنها مؤسسة ندخلها تدريجياً في الطفولة باعتبارها أكثر العناصر أهمية في أقلمتنا الاجتماعية... إن أي استخدام للغة للاتصال بالآخرين أو حتى بأنفسنا، تدخلنا بصورة حتمية في عملية التخلي عن جزء على الأقل من تفردنا. وعلى حدّ كلمات لاكان، يجب التخلي عن بعض الليبيدو من أجل النسق"40.
يستوقفنا هذا الاستشهاد وقد نقلته بحرفيته وبالشكل عينه الذي أورده فيه المؤلف الذي ينسبه المؤلف، حسب الهامش 40 الى كتابي. يسوقفنا بسبب، تكرار اللعبة نفسها، وبسبب المفارقة الفاضحة بينه وبين ما جاء في الصفحة 12 من كتابي الذي يحيل عليه الهامش رقم40.
قد يتذرّع المؤلف، مرة أخرى، بالخطأ المادي، أو بغيره. لكن ذرائعه ستسقط وقد أغلق على نفسه بنفسه، الباب دونها كلها:
فهو يربط بين القول وقائله عندما يقدم للاستشهاد ص 215 بعبارة "كما تقول حكمت الخطيب". وهو يربط بين الاستشهاد وما يليه ليؤكّد على نسبته لحكمت الخطيب، وذلك عندما يعلّق، مباشرة بعد نهاية الاستشهاد ص 216 بالقول: "وان كانت حكمت الخطيب، للأسف تمضي في جملة تالية...". لنعد، إذاً، الى الصفحة 12 التي يحيل عليها الهامش40 فماذا نجد؟ في هذه الصفحة، وهي أيضاً من مقدمة الكتاب، تكلمتُ عن اختياري لاتجاه نقدي يضع النص على مستوى تميّزه، لا ليعزله، بل ليرى اليه في استقلاله، موضحةً بأن ثمة فارقاً بين العزل والاستقلال: يعود العزل الى البنيوية، ويعود الاستقلال الى التأكيد على ضرورة تناول النص في أدبيّته، وعدم تحويله الى مجرّد مضمون.
وكخلاصة، أكدتُ على علاقة الداخل بالخارج، فقلت بالحرف: "ليس النص داخلاً معزولاً عن خارج هو مرجعه". فمن أين جاء صاحب "المرايا المحدبة" بالكلام الذي نسبه الى كتابي، أو أحاله عليه؟ ولماذا إصراره على تشويه ما قدّمت في مجال نقدنا العربي الحديث، وقد قلت، وقتها، بأنه محاولة وتركت المجال مفتوحاً للحوار والنقد والاختلاف، لا للتشكيك والتنديد والتشويه والتحريف والافتراء.
كيف يؤكد صاحب "المرايا المحدّبة" متأسفاً بأنني، وبحسب معرفته المأسوف عليها، أمضي "في جملة تالية لتضييق مفهوم النسق لتجعله النظام10 الاجتماعي، فتقصر مفهوم النسق عندها على التفسير المادي للبنيوية"؟ وكيف استخلصَ بأني أضيّق النسق في الوقت الذي أكّدتُ فيه على عدم عزل النص "عن خارج هو مرجعه"؟ أهي الماركسية التي يكره، ويحاول أن يشوِّه فيعجز؟ أم هي المعارف التي حاول جيلنا تقديمها من أجل قراءة نقدية لا تشوه ما تقرأ، ولا تصدر عن أحكام اعتباطية، أو مواقف جاهزة وتقويمات مرتجلة. أو هي المنهجية التي توخينا بها اعادة الاعتبار الى جماليات النص، وبنى التشكيل عن طريق تحليل آليات اشتغالها؟
ربما هو كل هذا، أو بعضٌ منه، أو أكثر منه!! مما يجدر بالناقد المحاور، الباحث عن المعرفة، الراغب في الإضافة اليها، أو في نقدها، وحتى نقضها، التحرر منه.
أما الأسف، فليحتفظ به صاحب "المرايا المحدّبة" لنفسه، علَّه يكفيه عزاء عندما يعود الى كتابه وعليه أن يعود، ليدقق ويقارن: بين ما يقوله ص 216 من كتابه وما نقوله ص 12 - 13 من كتابنا بحسب إحالته في الهامش رقم 41. وبين ما يقوله ص 217 وما نقوله ص 13 بحسب إحالته في الهامش رقم 42. وبين ما يقوله ص 261 وما نقوله ص 9 بحسب إحالته في الهامش رقم 85. وبين ما يقوله ص 376 وما نقوله ص 88 بحسب إحالته في الهامش رقم 104. فهل يكفيه هذا العدد من النماذج - وقد اكتفيت بتفصيل اثنين منها كي لا أرهق بها القارىء - برهاناً على عدم دقته، وعبثه بالمعرفة، ونيله من حرمة البحث وكرامة الباحثين؟
لئن كان التدقيق في صحّة نسبة النصوص هو من قواعد النقد الأولى، فإن ما فعله صاحب "المرايا المحدّبة" يُعيد حوارنا النقدي اثني عشر قرناً الى الوراء، الى التمييز بين المنحول والصحيح الذي قال به محمد بن سلاَّم الجمحي وصار، اليوم، من البداهات لدى الباحثين أجمعين. فكيف يقبل هو بانتهاك هذه القاعدة؟
ليت المؤلف اكتفى، في افترائه علينا، بهذا النوع من الاستشهادات التي تفتقر الى الأمانة العلمية. فثمة في كتابه نوع آخر، صحيح النسبة الينا، ولكنه محرَّف ومشوّه، وهو في افترائه أعظم:
- ففي الفصل الأول من القسم الأول من كتابي "في معرفة النصّ"، قدّمت تعريفاً ببعض مفاهيم البنيوية، ووضعت هذا الفصل تحت عنوان "المنشأ اللساني للبنيوية. تعريف نطرحه على مسارنا النقدي". أشير الى كلمة "نطرحه" التي تفيد الدعوة الى مناقشة ما هو مطروح، أي البنيوية كمسار لنقدنا. والمناقشة، كما هو معروف، لا تعني التبنّي المسبق، بل تفترض القبول كما الرفض. ولقد علّلت سبب هذا الطرح بدخول البنيوية مجالنا الثقافي. الأمر الذي أوجب المعرفة بها، كي نتخذ موقفاً منها - بالقبول أو الرفض - على أساس هذه المعرفة، وليس على أساس الجهل بها. إن المعرفة بأمرٍ ما، قبل اتخاذ موقف منه، هو مبدأ علمي ضروري وقد أخذتُ به ودعوتُ اليه ومارسته. فكيف أمكن لصاحب "المرايا المحدّبة" أن يقول بأني دعوت الى تبني البنيوية؟
لنقرأ ص 15 قوله: "ولم التفتُ كثيراً أيضاً الى عبث الدعوة المتحمسة التي بدأت بها الباحثة دراستها لتبني البنيوية مذهباً نقدياً عربياً بعد أن دخلت مجالنا الثقافي".
فأين هو العبث أهو في كلامي أم في كلامه؟ ليته التفت قليلاً، لا كثيراً، وتابع قراءة هذا الفصل، لكان رأى تأكيدي على العلاقة بين الأدبي والمرجعي، وأدرك خلاصة ما انتهيت اليه ص 40. إذ أقول:
"لا يمكننا أن نرى في النقد البنيوي المقتصر على التحليل أقصد تحليل العناصر المكوّنة للبنية مساراً لنقدنا" العربي طبعاً. فكيف أمكن لصاحب "المرايا المحدّبة" أن يقلب معنى الكلام الذي أقول، وينقله من "لا يمكننا أن..."، الى "دعوة متحمسة ]...[ لتبني البنيوية مذهباً نقدياً عربياً"؟ كيف!! ربما هو سرٌّ من أسرار د. عبدالعزيز حمودة، وقدرة من قدراته على تحريف المعاني وتحويلها الى نقيضها!
- وفي الفصل الأول من القسم الثالث من كتابي "في معرفة النصّ"، قدمت دراسة نصيّة لقصيدة الشاعر سعدي يوسف "تحت جدارية فائق حسن". استغرقت هذه الدراسة 35 صفحة من القطع الكبير من صفحات الكتاب.
يورد صاحب "المرايا المحدّبة"، مقطعاً واحداً من هذه القصيدة، ويقتطع جملة واحدة من الصفحة 162، ليستشهد بها على منهجنا في التحليل. فيقول ص 47، مضمراً التنديد بالمنهج، والتشكيك بقيمة تحليلنا: "تحلل حكمت الخطيب هذه الأبيات على وجه التحديد على النحو التالي".
نسأل: هل يمكن لباحث جادّ أن يدلّ، وعلى "وجه التحديد" كما يدعي، على منهج في التحليل، له ترابطهُ وتكاملهُ، باقتطاع مجرد جملة مبتورة الصلة بسياقها؟ لو كان لصاحب "المرايا المحدّبة" صبر الباحثين وجلدهم على متابعة القراءة، لكان تبيَّن كيف أمكن لتحليلنا أن يكشف ويضيء هذه الحركة الدراميّة التي ميّزت شعرية قصيدة سعدي يوسف. ليته فعل! ليته أدرك كيف استطاعت قراءة نقدية حديثة أن تكشف ملمحاً مهماً الدراميّة من ملامح شعرنا العربي الحديث، وتقدّم، في الآن نفسه، وكما قدّم نقاد عرب كثر، منهجاً نقدياً حديثاً. ليته لاحظ هذه العلاقة المعرفية الوثيقة بين المقروء ومنهاج قراءته. ولو لاحظ، لكان أعفى نفسه من سوءة الكره للحداثة، ومن مغبّة الحقد على الحداثيين، ولكان جنّب نفسه عثرة الوقوع في عزلٍ عزل جملة كسر به السياق، وشوّه المعاني وحرفها عن حقيقتها. ولا نبالغ، إذا قلنا بأن ما فعله صاحب "المرايا المحدبة"، هو أسوأ من العزل البنيوي للنص أو للعنصر الذي انتقدته في كتابي، ولم ينج، هو، منه، أو ينجي البنيوية من تشويهه لها.
بعد هذه النماذج والأدلة - وهي لا تقتصر على كتابنا وان كنا قد اقتصرنا في ذكرها عليه - يحق لنا أن نردّ قول صاحب "المرايا المحدّبة" اليه. ذلك أنه هو نفسه، وليس من يتهمهم، "نموذج فريد لتشويش الفكر وتداخل الخيوط وركاكة النقل عن الأصول"11.
لئن كنا قد وقعنا، كما يتهمنا صاحب "المرايا المحدّبة" في "ركاكة النقل عن الأصول الأجنبيّة في ظل غيبة موقف، أي موقف محدّد"12. فإن موقفه المحدّد، أي الجاهز والمسبق، قد أوقعه في الافتراء على المعرفة، ومخادعة القارىء وتشويه مفهوم النقد، إذ حوّله الى مناسبة للنيل من فضيلة البحث، وكرامة الباحثين الذين حاولوا، بصدق وإخلاص، بلورة مناهج لا تستهين بالمعرفة والحقيقة، ولا تحوّل الحوار الى مجرد موقف وتهمة. لو أن صاحب "المرايا المحدّبة" قرأ بروح الباحث ورغبته، لأدرك أن تجربتنا النقدية ركزت، أساساً، على الممارسة" وأن التفاتها الى ما قدّمه الغرب من نظريات كان من أجل هذه الممارسة.
لقد كنا على وعي حقيقي وفعلي بما تستوجبه مسألة الإفادة من العلوم والمعارف المنتجة في سياق ثقافي آخر. ولقد عبّرنا عن هذا الوعي في أكثر من دراسة ومناسبة. ولم نكن نعاني، مثله، عقد النقص والقصور... لأننا كنا نرى أن المفاهيم النظريّة هي مفاهيم توضع على مستوى المجرّد، وتكتسب، بذلك، صفة العام. أي أنها وعلى مستواها هذا، تتجاوز حدود الهويّة الضيّقة لتشرع أبواب الإفادة لكل باحث، شرط أن يعيد صياغتها في ضوء توظيفها الخاص بموضوعه المعرفي.
هذا ما حاولناه، وهذا ما يفسر تركيزنا على الممارسة النقدية وتحليل النصوص ليراجع د. حمودة ما قدمناه في كتاب "في معرفة النص"، وفي غيره، وما قدمه أيضاً، زملاء لنا، من "دراسات نصيّة، أكثر من تركيزنا على المفاهيم والنظريات التي كنا نقرأ ونسعى، يومذاك، الى تقديم بعضها وطرح الأسئلة على بعضها الآخر.
لم يكن الجانب النظري في تجربتنا سوى تمهيد يخوّلنا مناقشة احتمالات التجاوز لما يبدو لنا غير مقنع، وغير ملائم لما قصدنا اليه في قراءة نصوصنا الأدبية العربية. في هذا الإطار طرحت، في مقدمة كتابي "في معرفة النص" وبعض فصوله كتبت أواخر السبعينات، مسألة التمييز بين العزل والاستقلال، واستعنت بالماركسية التي يكرهها د. عبدالعزيز حمودة كأساس فكري، لا أزال أستعين به، يخوّلني وضع الأدب - كمتخيّل - في علاقة مع المرجعي الاجتماعي.
فهل يكفي هذا التوضيح كي يترك صاحب "المرايا المحدّبة" مراياه، وينظر الى المعاني والأفكار في سياقها، والى التجربة في زمنها ومسارها؟ وهل يكلّف نفسه عناء التدقيق في ما يقرأ ويقتطع ويجتزىء كي يكون للأدلة صدقيتها، وللاقتباس سلامته؟
ليته يفعل! وليت من أشرف على تحرير "المرايا المحدّبة" دقق في أقواله وهوامشه واقتباساته! ولو فعل لما رضي بصدور هكذا كتاب! أما تعرّض عبدالعزيز حمودة لمسألة إسمي13، فقد وقفت منها مشفقة.
أولاً: لأنه، وهو الأستاذ الدكتور، أقحم نفسه في أمر لا يخصّ سواي: ذلك لئن كانت الكتب مباحة، بعد نشرها، للجميع، فإن الإسم الذي يوضع عليها هو من حرية المؤلف.
ثانياً: لأن ما فعله د. عبدالعزيز حمودة، لم يفض به إلاّ الى مراكمة ما كان كتابه بحاجة الى تخفيفه. هكذا، وبدل التخيف زاد العبء: عبء الأخطاء والمغالطة، والتشكيك، والافتراء وتشويه الحقيقة.
أوضح: يعتبر صاحب "المرايا المحدّبة" أن الإسم المزدوج "سابقة فريدة"، ثم يضيف مستهجناً أن يتهمه أحدٌ بالذنب، لأن الدنب - في مضمر كلامه - ذنبي. فأنا التي، حسب تعبيره "استخدمت اسميْن"، ثم تنكرتُ، وحسب تعبيره أيضاً، لاسمي "الحركي"، "أخْذاً بالأحوط والأسلم"14.
لكن، ليعلم صاحب "المرايا المحدبة":
- بأن ما اعتبره اسمي "الحركي" هو اسمي على بطاقة هويتي. هكذا، فلئن كان يستحيل على الإنسان، أي انسان، التخلّي عن اسمه الذي أُعطي له عند الولادة، فإن التخلّي الذي اتهمني به هو فيه تخلٍّ عن المعرفة المشروطة بالدقة والضمير.
بأن وضعي لاسمي الثاني، الذي اخترته، على كل ما كتبت وما كتبتُ لمعلوماته هو فقط، كثير، يكفي دليلاً يرفع عني تهمة التخلّي الذي يصرّ على الصاقها بي، لتسقط عليه بكل معانيها، الظاهرة، والمضمرة، التي يتجنى بها على غيره. وبينها تهمته لي بالتنكر لمبادئي، وسلوكي مسلك الانتهازيين. وبالمناسبة، مناسبة تناوله بالأساءة للمؤلفين بدل الاكتفاء بمؤلفاتهم، أدعوه، بكل الاحترام الذي أحمله للحقيقة، للتعرف على سير من أسقط عليهم تهمه المعيبة، وأطمئنه بأن ذلك لن يكلفه الكثير من جهد البحث وعناء التدقيق الذي لا يحتمل، لأن سير هؤلاء تشهد، ببساطة وفي وضح النهار، على نبل ما قدّموه في أكثر من حقل من حقول حياتنا الثقافية، والتربوية، والوطنية.
وفي الختام، أتمنى لو كان لصاحب "المرايا المحدبة" أن يعرف بأن الإسم المزدوج ليس "سابقة فريدة"، كما يدّعي، إلا في ذاكرته، لذا أُعْلمه بأن العديد من الأدباء والأديبات والمفكرين كانوا، ولا يزالون، يختارون لكتبهم أسماء غير أسمائهم التي أعطيت لهم عند الولادة، أشير على سبيل المثال، لا الحصر، الى: أدونيس، وباحثة البادية، وجورج صند، ومهدي عامل، وبنت الشاطىء، ومارجريت دوراس، وهلال بن زيتون شاعر، وأنور خاطر روائي، وفوليتر، وبدوي الجبل...
وهل يعرف بأيّ الأسماء، نشر ميخائيل باختين عدداً من كتبه؟ وهل يعرف ان الإسم المزدوج يوضع على وثيقة الولادة من قبل العديد من أبناء الشعوب الغربية؟ فلماذا؟ لماذا الضجيج بمسألة لا تعني سوى أصحابها؟
أترك الجواب للقارىء الذي لن يُعيقه عدم تخصص عن معرفة الحقيقة.
1 د. عبدالعزيز حمودة: "المرايا المحدّبة من البنيوية الى التفكيك". سلسلة عالم المعرفة. عدد 232. نيسان ابريل. 1988م. سأكتفي عند الاستشهاد بذكر الصفحة داخل المتن.
2 يمنى العيد: "في معرفة النص". منشورات: دار الآفاق الجديدة. بيروت 1983. صدر هذا الكتاب في ثلاث طبعات متوالية من دون تغيير في تسلسل الصفحات وأرقامها.
3 وردت هذه التسمية في هوامش الفصل الثالث ص 412 رقم 40، ومؤكدة في الهامشين:41 و42 من الصفحة نفسها. كما في الهامش رقم 85 ص 414.
4 راجع "أخبار الأدب". 1 من تشرين الثاني نوفمبر 1998 تحت عنوان "في حوار غير عادي". مع د. جابر عصفور.
5 راجع "أخبار الأدب". 15 من تشرين الثاني 1998. رد د. عبدالعزيز حمودة على د. جابر عصفور. تحت عنوان: "لقد كانت المرايا محدّبة بأكبر مما توهمت". راجع بشكل خاص، وفي هذا المقال / الردّ، ما جاء ص 15 آخر العمود الثاني وأول العمود الثالث.
6 راجع "المرايا المحدّبة...، ص 9. مرجع مذكور.
7 المصدر السابق نفسه ص 7.
8 راجع د. جابر عصفور في: - "أخبار الأدب": 22 تشرين الثاني 1998، و29/11/1998. - جريدة "الحياة": 15/11/ 1998 و22/11/1998.
9 و10 راجع "المرايا المحدّبة" ص 13 وص 216 مرجع مذكور.
11 و12 راجع "أخبار الأدب". 15 تشرين الثاني 1998. ص 15 آخر العمود الثاني.
13 و14 راجع "أخبار الأدب"، تاريخ 15 تشرين الثاني 1998. ص 15. العمود الثالث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.