حاسة السمع من أهم حواس الإنسان على الإطلاق. وهي أول حاسة تعمل لدى الطفل بعد خروجه من رحم أمه. وعندما يدخل الشخص في بحر النوم، فإن كل الحواس تكون في حالة سكون إلا حاسة السمع التي تبقى صلة الوصل بين الجسم والعالم الخارجي. وتكمن أهمية حاسة السمع في استقبال الصوت وفي فهم الكلام المسموع وتفسيره، كما أن لها أهمية كبرى في تأمين التواصل بين الشخص والآخرين. ومن منا لم يعتمد على مهاراته السمعية، سواء في المدرسة، أو في الجامعة، أو في العمل من أجل تمييز ما يدور حوله. ولا يعير الناس عادة حاسة السمع ما تستحقه من الرعاية إلا بعد حدوث ضعف في السمع أو بعد إصابة جهاز السمع بالمرض، عندها يلجأون الى مراجعة الطبيب المختص الذي قد يستطيع تقديم العون اللازم لهم، وفي بعض الأحيان قد لا يمكنه فعل أي شيء، فتكون المصيبة، من هنا ضرورة الاهتمام بصحة جهاز السمع وسلامته، من ألفه إلى يائه. ومن وقت إلى آخر قد يعاني الأصحاء من فقدان سمع عابر لأسباب بديهية، مثل السدادة الصملاخية في مجرى السمع، أو بعد التعرض إلى العدوى في الأذن، أو بعد ركوب الطائرة نتيجة فروقات تحصل في الضغط الجوي. وهذه كلها أسباب متى ولت إدبارها عاد السمع إلى ما كان عليه. هناك ملايين الأشخاص الذين يعانون من مشكلات جدية في السمع قد تصل إلى حد فقدان السمع الكامل الذي يكون أكثر وضوحاً مع تقدم العمر، خصوصاً بعد سن الخامسة والستين. ويعاني الذكور من فقدان السمع خمس مرات أكثر من الإناث، ما يخلق صعوبات جدية في التخاطب. وحول نقص السمع أو فقدانه نسوق جملة من المعطيات: - الضجيج والسمع. أصبح الضجيج يلاحق الإنسان في حلّه وترحاله وفي كل ركن من أركان حياته: في البيت، في الشارع، في العمل، في أماكن اللهو. لقد ثبت علمياً أن الأصوات العالية تلحق أشد الضرر بأجزاء مهمة من الأذن الداخلية، خصوصاً المكونات السمعية الدقيقة التي توجد في القوقعة والحلزون، ما يضعف حاسة السمع. وإذا استمر الضجيج، فإن السمع قد يذهب إلى غير رجعة. ولا يجب إغفال الضجيج الصادر عن استعمال بعض الأدوات المفيدة ذات الاستعمال اليومي (مثل مجفف الشعر، وخلاطات العصير) التي لا نعيرها الكثير من الاهتمام، مع أن قوة الصوت المنبعثة منها قد تتجاوز في كثير من الأحيان 85 ديسيبل، وهي الدرجة التي يمكنها أن تهز أركان الأذن الداخلية فتعرّض الشخص إلى خطر فقدان السمع. كما يجب ألا ننسى دور السماعات التي يستخدمها الكثيرون، خصوصاً الشباب، للاستماع إلى الموسيقى، فهذه يصفها العلماء بأنها أحد الأسباب الرئيسة لتراجع السمع أو حتى فقدانه. ولا يسلم معجبو الحانات الليلية والأندية والحفلات وكذلك مخرجو الصوت والمغنّون من شر ضجيج الصوت المنبعث في أجواء هذه الأماكن والذي تضاهي قوته صوت محركات الطائرة لحظة إقلاعها. ويعتبر الطنين من أولى الشكاوى التي تحصل نتيجة تأذي حاسة السمع من الضجيج، إضافة إلى عدم القدرة على سماع بعض الكلمات الخافتة. إن تجنب مصادر الضجيج مبكراً يسمح بالحفاظ على حاسة السمع سالمة. - الداء السكري والسمع. إن السكري لا يترك مضاعفاته على القلب والكلى والأعصاب والعينين وحسب بل على الأذن أيضاً. وقد أفادت دراسة لمعاهد الصحة الأميركية شملت أكثر من 11 ألف شخص بأن المصابين بالسكري هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بفقدان السمع مرتين مقارنة بغيرهم من الأصحاء. وفي العام 2012 خلصت دراسة يابانية نشرتها مجلة «علم الغدد الصماء والاستقلاب» الأميركية، الى أن المصابين بالسكري أكثر عرضة لخطر فقدان السمع من غير المصابين به خصوصاً بين المرضى صغار السن. - السمنة تضر بالسمع. وجدت دراسة بريطانية حديثة نشرت في بداية العام المنصرم في صحيفة «دايلي ميل» أن زيادة الوزن قد تؤدي إلى مشكلات ربما تصل إلى فقدان السمع. الدراسة التي شملت 70 ألف امرأة واستغرقت 20 سنة، توصلت إلى نتيجة مفادها أن زيادة الوزن يمكن أن تترك مشاكل على صعيد السمع قد تنتهي بالصمم. ويعتقد الباحثون بأن النتائج نفسها تنطبق على الرجال، مع أن البحث طاول معشر النساء فقط. وأظهرت الدراسة أن ممارسة النشاط البدني، مثل المشي لمدة ساعتين على الأقل أسبوعياً، تقلل من احتمال الإصابة بالصمم بنسبة 15 في المئة. - التدخين السلبي والسمع. وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يقعون تحت رحمة التدخين السلبي هم في خطر أكبر للإصابة بنقص السمع. وفي هذا الصدد، تحرى الباحثون من جامعتي ميامي وفلوريدا نتائج اختبارات السمع لثلاثة آلاف مشارك غير مدخن، قسم منهم دخن سابقاً والقسم الباقي لم يدخن قط. النتائج جاءت لتكشف أن الأشخاص الذين تعرضوا للتدخين السلبي كانوا الأكثر تعرضاً لخطر ضعف السمع والأكثر صعوبة في فهم الحديث في أماكن الضجيج. وشملت اختبارات السمع ترددات الضجيج المنخفضة والمتوسطة والعالية، فكانت خسارة السمع مقدار الثلث في كل الدرجات. ووفقاً للخبراء، فإن دخان التبغ يعمل على عرقلة مجرى الدم في الشرايين الصغيرة التي تغذي الأذن الداخلية. - الظلام يحسّن السمع. خلصت دراسة أجريت على الفئران قام بها باحثون من جامعة جون هوبكنز وجامعة ميريلاند، إلى أن العمى الموقت يمكن أن يعزز من قدرة الشخص على السمع في شكل أكثر. ووجد الباحثون أن منع البصر لأقل من أسبوع قد يكون كافياً لتكون عملية الصوت أكثر فاعلية على مستوى مركز السمع في الدماغ. ويأمل العلماء في تحقيق النتائج نفسها على البشر بتطبيق الطريقة نفسها، خصوصاً أنه لا تستعمل فيها أية عقاقير، وبذلك تصبح علاجاً لبعض المرضى الذين يعانون من الصمم. وإذا نجح تطبيق هذه الوسيلة على الإنسان، فإنها تعزز الفكرة القائلة بأن حاسة السمع لا تعتمد على الأذن فقط بل على الحواس الأخرى أيضاً، وأنه يمكن الإنسان أن يعوض فقدان إحدى الحواس بشحذ الحواس الأخرى وجعلها أكثر كفاءة. - قطرات الزيت والسمع. تلجأ كثيرات من الأمهات إلى استعمال قطرات الزيت (مثل زيت الزيتون) الساخنة والمخلوطة أحياناً بالأعشاب لعلاج التهابات الأذن. إن اللجوء إلى مثل هذه القطرات لا يزيد الطين بلة فحسب، بل يؤثر في حاسة السمع، خصوصاً إذا كان غشاء الطبلة مثقوباً، فعندها يتسرب الزيت إلى قلب الأذن فنكون في مشكلة لنصبح في مشاكل أكثر تعقيداً وأصعب علاجاً. ولحفظ حاسة السمع من الضروري التقيد بالإرشادات الآتية: 1- المسارعة الى علاج أي التهابات طارئة في الأذن وفي جوارها. 2- الابتعاد من الأمكنة التي تمتلئ أجواؤها بالأصوات العالية، كمحال الديسكو، وصالات السينما، وصالات الرياضة، وأرض المطارات وغيرها. 3- عدم الجلوس بالقرب من مكبرات الصوت. 4- أخذ فترات راحة لا تقل عن ربع ساعة لإراحة السمع من الأصوات القوية والحادة. 5- تجنب وضع سماعات الأذن الدقيقة التي تكون قريبة جداً من غشاء الطبلة لأن الدراسات كشفت أنها تسبب نقصاً في السمع. 6- استعمال سدادات الأذن في حال الضرورة، لحماية الأذن من الأصوات الحادة. وعلى سيرة السمع، لا بد من الإشارة هنا إلى نقص السمع المفاجئ الذي يدهم البعض على حين غرة في أذن واحدة أو الاثنتين معاً من دون سابق إنذار ومن دون سبب واضح، وهناك نظرية تقول بأنه ناجم عن التعرض المباغت للانفعالات العصبية والنفسية التي تسبق الحدث، والبعض لا يتردد في اتهام الفيروسات، وعند الأخذ والرد مع المريض يجد الطبيب أن خطباً ما وقع قبل المعاناة، مثل الزعل أو الخصام أو الشجار في البيت أو في مكان العمل. وعندما يفحص الطبيب سمع مريضه يجد أنه فقده كلياً أو جزئياً في طرف واحد أو في الطرفين معاً. وإذا ما تم التدخل في الأسبوعين الأولين من المشكلة، فإن فرصة الشفاء تكون عالية، في المقابل كلما تأخر العلاج قلّت حظوظ الشفاء أو التحسن. ويتم العلاج عادة بحقن المصاب بحقنات متناقصة من الكورتيزون لمدة أسبوعين، يقاس خلالها السمع مرة كل يومين. ختاماً، لا بد من الإشارة إلى ضرورة اكتشاف خلل السمع المبكر عند الطفل، فرصد أي خلل على هذا الصعيد هو في غاية الأهمية، لأنه يتيح الفرصة للمختصين والمعنيين بهذا الأمر بوضع الخطوط العريضة لعلاجه وبالتالي تفادي مشكلات قد تترتب عنه.