تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    المديرية العامة للسجون تحتفي بتخريج (700) مجند من دورة الفرد الأساسي ال (44)    أمطار رعدية على المناطق الجنوبية ومرتفعات مكة    أدوات جديدة لتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي    "إكس" تُطوِّر زرًا للتحقق من الذكاء الاصطناعي    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    "EFFIE" تختار موسم الرياض مقراً إقليمياً لجوائزها    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    الداخلية تستعرض تقنيات الذكاء في الحج    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    السعودية تستثمر في «إنتاج أبطال» سعوديين بدل «التجنيس»    الجدعان: نبحث فرص خصخصة ب«البنية التحتية»    أمراء المناطق يناقشون توفير أفضل البرامج والخدمات للمواطنين    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    القتل للإرهابي «آل جوهر».. هدد الأمن الوطني    تعديل في تنظيم هيئة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    مجلس الطيران العالمي    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    600 متخصص و160 ورقة علمية في مؤتمر الطب المخبري    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    مجلس تراحم الباحة يعقد اجتماعه الأول لعام 2024 .    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    الرؤية والتحول التاريخي ( 3 – 4)    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    السعودية.. إنجازات وطموحات رائدة نحو الفضاء    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    لدى ترؤسه جلسة مجلس الوزراء.. ولي العهد يطمئن الجميع على صحة خادم الحرمين    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    تطوير مناطق صناعية ولوجستية    لجنة شورية تناقش حقوق المستهلك    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    نقل مباراة الهلال والطائي من ملعب المملكة أرينا إلى ملعب نادي الشباب    الرائد .. تذاكر مباراتنا أمام الأهلي متاحة الآن    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    بتوجيه من أمير مكة.. الأمير سعود بن مشعل يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    عقد ضخم ينتظر حارس ليفربول والثقافة السعودية تحفز نجم ال" ميلان" للانتقال إلى روشن    الهلال يستعيد سالم قبل النهائي المرتقب    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    أمير الرياض يستقبل ابن عياف وسفير كازاخستان    ماذا بعد وفاة الرئيس الإيراني ؟    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة أمجد ناصر من الواقع إلى المخيلة
نشر في الحياة يوم 29 - 03 - 2009


-1-
في كتابه «طريق الشعر والسفر» (عن دار رياض الريس)، يتحدث الشاعر أمجد ناصر باستفاضة وعمق عن بداية علاقته بالشعر، وعن التطور الذي لحق بمحاولاته الشعرية الأولى قبل أن يجد طريقه الخاص، ويغدو واحداً من جيل متفرّد، يعيش تجربته الإبداعية جنباً إلى جنب مع الوعي بالشعر كتقنية حداثية، تجمع بين العمق والتلقائية. ومن يقرأ هذا الكتاب يدرك أن مفاهيمه تمحورت حول جمالية الشعر وإنسانية الشاعر؛ بعيداً عما امتلأت به الساحة الأدبية العربية من مقولات التنظير، وفيوض الاتجاهات المستقاة من خارج فعل الإبداع العربي، مع إشارات دالة على التخبط الذي عانى منه الشعر العربي في بدايات التحديث، وما أُحيط به من شطط في الرؤية والتطبيق، عبر الحديث عن تجربته وتداخل بداياته، وتأثرها بهذا الشاعر أو ذاك ممن كانوا قد أحرزوا شهرة واسعة في الساحة الأدبية.
يرصد الشاعر أمجد ناصر في الفصل الأول من الكتاب أبعاد العلاقة بين الشعر والسفر، ودور المدن التي سكنها بعد نزوحه من قريته البدوية في صياغة تحولاته، معبراً عن رؤيته المتصاعدة نحو الشعر «حيث تشرع الكلمات في تأسيس معانٍ مختلفة عن المعاني المتداولة... المستنزفة» ص19، ولن تقف هذه القراءة الموجزة عند هذا الكتاب الذي يجد فيه دارس هذا الشاعر بغيته، كما لن تتوقف عند مجموعته الأولى «مديح لمقهى آخر» ولا عند مجموعته الثانية «منذ جلعاد» وفيهما شعر جميل، يقترب بكل صفاء وحميمية من كل ما هو إنساني وعام، وإنما ستحاول أولاً – أي هذه القراءة الموجزة - أن تقترب من مجموعته الثالثة «رعاة العزلة»، فهي التي وضعته على مشارف مرحلته الشعرية الراهنة بكل ما تميزت به من خصوصية وفرادة - من تخوم منطلقة - هذا النص الفاتن، وعنوانه «براري» بكل إيحاءاته الشعرية والمعرفية:
«ذهبت إلى النهر/ فلم أجد إلاَّ الحصى/ ووصايا الجفاف/ ذهبت إلى العاشقين/ فلم أجد سوى حبر الرسائل/ وخريف القرنفل/ ذهبت إلى البراري/ فلم أجد إلاَّ عزلة الذئب/ ووحشة العنفوان/ ذهبت إلى الحكمة/ فلم أجد إلاَّ فتات الموعظة/ ذهبت/ إلى الشعر/ فلم أجد/ إلاَّ حطام الوصف.
كتب أمجد ناصر قصيدة التفعيلة باتقان، إلاَّ أنه هجرها مبكراً إلى قصيدة النثر، لأن الأخيرة باتت الأقدر على تمثل رؤيته المتطورة نحو الشعر بالدرجة الأولى، وكما أنه لم يغادر القصيدة البيتية (العمودية) عاجزاً عن استيعاب الأوزان الخليلية، فإنه لم يغادر قصيدة التفعيلة فراراً من قيودها الإيقاعية وتقنيتها المتحررة نسبياً. ويمكن القول إن تطور مفهوم الشعر لديه وراء هذا الاختيار، وإنه لم يصل إليه من طريق نماذج من قصيدة النثر الأولى، ولا تشكلت ذائقته من طريق التنظير أو قراءته للتعريفات المبكرة لهذا المستوى من الشعر الحر كما تمثلها رؤى بعض الشعراء العرب، أو من طريق الترجمات المنقولة إلى اللغة العربية، وإنما تم له ذلك عبر البحث الطويل والاجتهاد الخاص الذي أوصله إلى هذا الشكل، الذي أوضحت مجموعته الأحدث في كتاب «حياة كسرد متقطع» أنّ الشكل بالنسبة اليه غير ثابت وغير نهائي.
-2-
«رعاة العزلة» رائعة الشاعر أمجد ناصر، إنجاز إبداعي متقدم، يسعى الشعر به إلى تصفية حسابه مع الماضي الشعري، بما في ذلك ماضي الشاعر نفسه. ولا ينجم عن ذلك المسعى المهم تغيّر في شكل القصيدة ذاتها فحسب؛ وإنما في شكل معناها أيضاً، إنه العمل الشعري المبهر الذي تحرر معه الشاعر أمجد ناصر من سلطة الإيقاع ومن الرواسم المكررة، ونجح في تعزيز المنحى المخالف لما ألفه في قراءاته وفي كتاباته. ولعل النص المعنون «أغصان مائلة»، يضع أيدينا على جوهر التحوّل في البنيتين التعبيرية والفنية. ويؤسفني أن يفقد النص جانباً من المتعة بالاجتزاء، لأن المساحة المحدودة لهذه القراءة الموجزة لا تحتمل إيراده كاملاً: «أريد أن أنظّف روحي/ من آي الطاعة، وعناقيد المغفرة/ أريد أن أنظف وجهي/ من سيماء السُلالة،/ وأغصان شجرة العائلة./ أريد أن أنظف الأوراق من هراء القصيدة،/ وعبث التداعيات/ لم أعد أرغب في الأدوار الرمادية».
في قصيدة النثر التي يكتبها أمجد ناصر تنمحي المسافات الفاصلة بين الأحلام الكامنة في اللاشعور والواقع، هي سرد طازج وتفاعل بين الفن والحياة، وسعيه الدائب منذ «رعاة العزلة» إلى «مرتقى الأنفاس» يتمثل في كتابة نص شعري خالٍ من سمات الخطاب الشفهي، ومتحرر من ثقافة الذاكرة، ربما حاول كثير من الشعراء أن يفعلوا مثله، ويسعوا بالفعل إلى التجرد من أسر الماضي، لكن القلة القليلة هي التي نجحت - وبدرجات متفاوتة - في عبور تلك الهوة الممتدة منذ زمن الطفولة ومدوناته الراسخة في اللاوعي، بما له من سيطرة على حيّز أوسع وقدرة على الاجترار والاندفاع المباشر نحو الأفق المتوقع لمكونات النص قبل إنجازه، وكأنه الماضي الذي تحدث عنه أمجد ناصر في قصيدة له تحمل العنوان نفسه من مجموعة «وصول الغرباء»:
هو/ هذا/ المطر/ الفائض/ عن الحاجة/ هو هذه النافذة التي لا تغير مشهدها،/ هو/ الذي/ نمضي إليه/ ولا/ نصل...».
هل صحيح أن معضلة الشعر والإبداع عموماً تتجسد في فشله أو بالأحرى في عدم قدرته على إخفاء المعنى المباشر، والانتقال من مرحلة اليقين إلى مرحلة المعرفة الظنية بحسب التعبير الفقهي؟ سؤال تجيب عنه النصوص المبثوثة في الأعمال الأخيرة للشاعر أمجد ناصر، تلك التي يؤكد بها ومن خلالها إن المبدع ليس موصّل أفكار، بقدر ما هو موصّل لغة تحمل بجرأة فائقة نسغ الأفكار، أو بعبارة أخرى ظلال الأفكار، وما يتبقى منها في وجدان الشاعر بعد أن تكون الروح قد مخضتها وصقلتها ومنحتها أبعاداً ورؤى جديدة، وهذا بعض ما يقوله النص الآتي: «وقف أمام المرآة/ ولم ير صورته/ وتحت الشمس/ ولم يرتفع الظل/ رمى السلام ولم يرن/ فمشى بين السائرين/ متحرراً من التبعات».
هنا يفيض النص بصمت مسموع، وبكلام لا يبرح خارطة الصمت، ويمتلئ بحدوس تشبه الواقع الذي نحياه أو الذي نحن في طريقنا إلى أن نعيشه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.