الجامعة العربية تطالب المجتمع الدولي بالعمل على إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة    «التجارة» تدعو إلى تصحيح أوضاع السجلات التجارية المنتهية تجنبًا لشطبها تلقائيًا بعد 30 يومًا من الإخطار    أمير الشرقية يهنئ رئيس المؤسسة العامة للري بمنصبه الجديد    اليوم.. طرح 1.545 مليار سهم من «أرامكو».. السعر بين26.7 و29 ريالاً للسهم الواحد    الراجحي يبحث عن الصدارة في بلاد «ميسي»    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإيطالية بمناسبة ذكرى يوم الجمهورية لبلاده    انتصارات الهلال.. هل تهدد مستقبل رونالدو مع النصر؟    إدانة مواطن بجريمة تزوير شيكات تقدر ب أكثر من 34 مليون ريال منسوبة لجمعية خيرية    "فعيل"يفتي الحجاج ب 30 لغة في ميقات المدينة    3109 قرضا تنمويا قدمته البر بالشرقية وحصلت على أفضل وسيط تمويل بالمملكة    «الداخلية»: القتل تعزيراً لنيجيري هرّب الكوكائين إلى السعودية    الصناعة والثروة المعدنية تعلن تخصيص مجمعين لخام الرمل والحصى في بيشة    "مسبار" صيني يهبط على سطح "القمر"    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    الأهلي يلاقي الأهلي المصري في اعتزال خالد مسعد    تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة من مطار أبيدجان الدولي    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    البرلمان العربي يستنكر محاولة كيان الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    جنون غاغا لا يتوقف.. بعد أزياء من اللحم والمعادن.. فستان ب «صدّام» !    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    تحت شعار «أرضنا مستقبلنا».. وحشد دولي.. السعودية تحتفي ب«اليوم العالمي للبيئة»    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    روبوتات تلعب كرة القدم!    المملكة تدعم جهود الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    بلد آمن ورب كريم    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الآخر»
نشر في الحياة يوم 04 - 07 - 2011

الاسم الذي اختاره الشاعر أدونيس لمجلته الجديدة «الآخر» اسم جذاب وفاتن في المعنين المختلفين اللذين تضمرهما كلمة فتنة. فالآخر كان منذ قرون محل سجال لم ينته، مثله مثل الأنا أو الذات التي تقابله. فالآخر لا وجود له في منأى عن الأنا، والأنا، هذا الضمير، ضمير المتكلم، لا يكتمل معناه إلا عبر الآخر. الأنا أو الذات، مع ان الفلاسفة والعلماء النفسيين آثروا التمييز بينهما مسبغين عليهما خصائص تفرّق بين الأنا والذات، وجوداً وكينونة. لكن الشعراء وفي مقدمهم رامبو صاحب مقولة «أنا هو آخر» التي باتت مثلاً سائراً، دمجوا بين هذين «القطبين»، الأنا والذات، في وحدة الكائن، فإذا الأنا هي الذات الخارجة الى الضوء، وإذا الذات هي الأنا الغارقة في قرارة الداخل. ولعل أجمل ما في الأنا أنها تذكّر وتؤنث.
ادونيس، وبصفته شاعراً قبل ان يكون مفكراً، يميل الى الدمج بين الأنا والذات، ولعله دمجهما في قصائد كثيرة له. لكنه في تقديمه العدد الأول من مجلته، الذي يعدّ بمثابة بيان تأسيسي، لم يقابل «الآخر» ب «الأنا» بل استخدم مقولة «الذات» من غير ان يفصل بينها وبين الأنا، هذا الضمير الذي يحضر بشدة في شعره ويحتل المقام الرئيس في تجربته ويمثل «المحور» الذي تلتف من حوله دائرة الكون. أما الآخر في نظر أدونيس فهو آخران، آخر يكمن داخل الذات وآخر يتحرك خارجها. لكن الأول لا يكتمل إلا في الثاني، فالواحد منهما جزء من الثاني.
لم يمعن ادونيس في المقدمة – البيان، في الكلام عن «الآخر» ولا في سبر معاني هذه المفردة الفاتنة ولا في بلورة الإشكال الفلسفي الذي تندّ عنه. الآخر معروف هنا وإن كان غامضاً. الآخر هو الأنا هنا مثلما هو كل ما يكون خارجها، الخارج الذي هو العالم في أبعاده المتعددة. الآخر هنا، هو الإنسان كما هو الجماعة، هو النحن كما هو «الهُم»، هو المؤتلف كما هو المختلف. إنها المقولة التي أطلقها ادونيس و تبنّاها: الاعتراف بالآخر لا للاعتراف به بحسب المقتضى الإنساني، بل لأنه المكمّل الذي لا تقوم «ذات» أو أنا من دونه.
كانت كلمة «الآخر» محط سجال غير معلن، تاريخياً وشعرياً وفلسفياً. واختيار ادونيس هذا الاسم لمجلته لم يكن بريئاً. فهو يذكر جيداً ما قال به رامبو والآخرون الذين سبقوه او أعقبوه. لكن رامبو كان الحاسم عندما قال: «أنا هو آخر». وحتى الآن لم يتم الاتفاق على تأويل واحد لهذه الجملة الصغيرة، الفاتنة والصارخة. ولئن سبقه جيرار دونيرفال في مثل هذا القول وأعقبه الكثيرون ومنهم العالم يونغ الذي عاش شخصياً هذا الصراع بين الأنا والأنا الأخرى وكتب عنه، والكاتب الإسباني الكبير ميغيل دو أونامونو الذي كتب مسرحية بعنوان «الآخر» وفيها يطرح فكرة الإنسان المقسوم على نفسه كتوأم يشبه توأمه الآخر...
حتى الآن ما زالت مقولة رامبو تشغل الجميع، شعراء وفلاسفة وعلماء نفس. كيف تكون «الأنا» أنا وآخر في آن واحد؟ هل القصد أن الإنسان كائن منفصم ابدياً، ولد منفصماً ويعيش منفصماً ويموت هكذا. إنسي الحاج تحدث عن حال الانفصام هذه، محمود درويش خاطب «الآخر» الذي هو شبيهه وكذلك بسام حجار وسواهم. «الآخر» يصبح هنا مدعاة الى مخاطبة الذات، الذات القلقة والمضطربة.
وفي المقدمة – البيان يتوقف أدونيس في الختام عند ظاهرة لافتة جداً وخطرة، ظاهرة «الآخر» لغوياً. فالآخر يتجلى ايضاً في اللغة، التي يمكنها ان تكون فضاء مؤاتياً له، اللغة هي الحيز المتاح للأنا كي تصبح آخر، وللآخر كي يصبح ذاتاً. وكم أصاب ادونيس عندما تحدث عن الكتابة التي تتنفس هواء اللغة العربية (الأنا أو الذات) فيما هي تتنفس «هواء اللغات كلها» (الآخر).
وإن لم تتوقف المجلة، في ما ضمت من نصوص ومقاربات ، عند هذه «الآخرية» المقابلة لمقولة الذات، فهو ستعمد لاحقاً الى بلورة هذه العلاقة الشائكة بين هذين القطبين. فالمجلة على ما بدت أصرت على خوض معركة «الوجود» العربي، فاضحة ما سمّاه أدونيس «المرض العربي»، هذا «المرض المركّب» الذي كما يقول أدونيس، «تتلاقى فيه عوامل أمراض معدية كثيرة».
هل تأخرت مجلة «الآخر» عن مرافقة الحدث العربي الكبير المتمثل في الثورات الراهنة التي رسّخت وعياً عربياً جديداً بالأنا والنحن، بالذات والجماعة، وبالآخر طبعاً الذي هو الغرب في تجلياته الكثيرة؟
أدونيس يستبق هذا «التأخر»، قائلاً في مستهل التقديم – البيان: «تصدر «الآخر» وكأنها على موعد مع التمردات والانفجارات البهية...».
«الآخر» ستكون حتما في صميم السجال الجذري الذي أحدثته هذه الثورات المجيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.