في منتصف الحلقة الأخيرة من البرنامج التلفزيوني اللبناني الذي يريد، مثل الكثير من البرامج المحلية المشابهة له حتى التطابق، أن يضحك المتفرجين وغالباً – كما بات معهوداً - عبر فكاهات سمجة يطغى عليها طابع إباحي غليظ، في منتصف الحلقة حدث أن روى واحد من «خفيفي الظلّ» الذين يستضيفهم البرنامج حلقة بعد حلقة بعد حلقة، نكتة بدت – ويا للغرابة والمفاجأة! - مضحكة وطريفة بالفعل، بعد أن سمعتها غرقت مقدمة البرنامج في ضحك هستيري كان من الواضح أنه، كالعادة، مفتعل ثم علقت قائلة ودموع الضحك تملأ عينيها: هذه نكتة أسمعها هنا للمرة الأولى وآه كم هي مضحكة! حدث هذا حرفياً في تلك الحلقة. فهل تراه يعني شيئاً؟ ربما لا يعني أيّ شيء كما حال البرنامج نفسه ونصف دزينة من برامج مشابهة له وقريبة منه صارت غذاء للمتفرجين وباب رزق للمقدّمين وسدّاً لساعات تلفزيونية لا تنتهي بالنسبة الى المحطات التلفزيونية التي صارت متماثلة في الاستسهال والافتقار الى الخيال وتسيّد الذوق السقيم. لكنه في الوقت نفسه يعني بعض الأمور التي قد تكون جديرة بالذكر. فحين تقول صاحبة البرنامج الذي يفترض به أن يقوم على رواية الفكاهات الجديدة، إن ما سمعته هذه المرة «جديد حقاً»، سيعني هذا بالاستنباط المنطقي أن بقية ما تسمعه في برنامجها ليس جديداً على الإطلاق. وهي محقة في هذا حيث يدرك أيّ متفرج أن كل ما يروى قديم أكل الدهر عليه وشرب وإن جرى تدويره في بعض الأحيان لتزداد كمية الإباحية فيه انطلاقاً من فكرة تقول ان ليس سوى ما هو «من الزنار ونازل» وفق التعبير المحلي الشهير، ما يمكنه ان يضحك مرات ومرات على النكتة نفسها. ثم إذ تقول السيّدة المقدّمة ان هذه النكتة بالذات تضحك كثيراً الى درجة أنها أضحكتها هي نفسها، تكاد تقرّ مداورة بأن بقية ما تسمعه في برنامجها بالكاد يضحكها عادة، ما يعني انها حين تضحك إزاء نكات أخرى وفي حلقات أخرى فهي انما تضحك ليس للفكاهات انما على الجمهور دافعة إياه بالتواتر المعدي الى الضحك. القارئ الذي قد يرى في قراءة هذه السطور إضاعة لوقته وإن المسألة برمتها «مش حرزانة»، لن يكون مخطئاً... نعرف هذا ومع ذلك كتبناه ليس من أجل التوقف عند ذلك البرنامج او تلك الحلقة او المذيعة او النكتة، بل على سبيل المثال، كي نعطي صورة عن عقليات باتت تسيطر على البرامج التلفزيونية، لعل في هذه الصورة جزءاً يسيراً من جواب على سؤال «تلفزيوني» بات يشغل كثيرين من الناس هو: هل للانحدار حدود وهل لكل هذا قعر يمكن التوقف عنده؟!