طرح أرامكو يقفز بتداولات تاسي إلى 54 ملياراً    الائتمان المصرفي يُسجّل 2.7 تريليون ريال    "المواصفات": المنتجات الصينية المعروضة بالمملكة آمنة    البرلمان الأوروبي يتجه نحو اليمين    الأهلي يُخطِّط لضمّ لاعب أتلتيكو مدريد    سعود بن نهار يتفقد مواقيت الإحرام ونقاط الفرز الأمني بالمحافظة    فيصل بن سلمان يرأس اجتماع مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية    "وزير الاتصالات"يطّلع على استعدادات "زين السعودية" لموسم الحج 1445ه    مدرب الأخضر "مانشيني" يواجه الإعلام .. للحديث عن لقاء الأردن    د. العيسى: ما يعانيه الشعب الفلسطيني سيبقى محفورًا في كل ضمير حيّ    ختام بطولة العالم للبلياردو في جدة    TikTok يختبر خاصية Snapstreak    دراسة: السعودية تنجح في الحد من تأثير ارتفاع الحرارة على الحجاج    جازان: إحباط تهريب 220 كيلوغراما من نبات القات    الجبير يلتقي وزيرة البيئة والمياه والتحول البيئي بالإكوادور    وزارة الدفاع البريطانية تكذب مزاعم الحوثي بتعرض مدمرة لهجوم    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعتني بثقافة الحج وتاريخ الحرمين    المملكة تؤكد أن تأشيرة الزيارة بجميع أنواعها لا تخول حامليها أداء الحج    ارتفاع عدد شهداء مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى أكثر من 300 شهيد    أمير الرياض يستقبل رئيس الهلال    شفاعة أمير الحدود الشمالية تثمر تنازل أولياء دم الجميلي عن بقية مبلغ الصلح    هيئة النقل: أكثر من 10 آلاف عملية فحص رقابية بمنطقتي مكة والمدينة    سمو أمير منطقة الباحة يرعى حفل يوم البر السنوي    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    "تعليم الرياض" يطلق حملة إعلامية تثقيفية بالتخصصات الجامعية    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    «مسام»: إتلاف 602 لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في أبين    «الموارد البشرية» ترصد 399 مخالفة على المنشآت في تشغيل العمالة الموسمية بالمدينة المنورة    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    "لذة الوصول" يوثقها الحجاج في ميقات ذي الحُليفة    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    استقبال 683 حاجا من 66 دولة من ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    3.4٪ نمو الأنشطة غير النفطية خلال الربع الأول من العام 2024    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    قميص النصر يخطف الأنظار في ودية البرتغال    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بطرس الأكبر» لفولتير: المستبدّ العادل إن لم نجده اخترعناه!
نشر في الحياة يوم 08 - 06 - 2011

يقول شاعر عربي معاصر ما معناه، تقريباً: «من يحمل الآن عبء الهزيمة فينا، المغني الذي طاف في الدرب يبحث عن ملك يشتريه، أم هو الملك الذي قد خيّل اليه أن حلم المغني تجسد فيه...»، ومن يقرأ الكتاب الذي وضعه ذات يوم وقد أضحى عجوزاً متكالباً على المجد، الفيلسوف الفرنسي فولتير، عن «تاريخ الامبراطورية الروسية في عهد بطرس الأكبر»، سترد الى ذهنه على الأرجح هذه العبارات التي كتبها الشاعر العربي بعد هزيمة عام 1967، أو ما يشبهها على الأقل. ذلك أن كتاب فولتير هذا قد يصح اعتباره أوفى نموذج لكتب الرياء المتهافتة إذ تكتبها أقلام مرائية ومداهنة، مثل تلك التي لم يتوقف، مثلاً، طاغية العراق السابق صدام حسين كما طاغية ليبيا المترنح وغيرهما من الطغاة العرب، عن شرائها في أوساط المثقفين العرب، وبعض الأجانب أيضاً بأموال الشعوب... مع فارق رئيس يكمن - وهذا لمصلحة فيلسوف التنوير الفرنسي بالطبع - في ان فولتير لم يكن مؤمناً، فقط، بما يكتبه عن بطرس الأكبر، بل أيضاً كان يريد منه أن يكون نصاً تطبيقياً يفسر نظريته حول «المستبد العادل المستنير»، كما ان ثمة فارقاً ثانياً يكمن في ان فولتير كتب عن بطرس الأكبر بعد موته، أما «ايتام الطغاة العرب» فإنهم صمتوا بعد زوال الذين زالوا وسيصمتون اكثر بعد زوال الباقين، وبدأوا ينكرون «كل علاقة» لهم بهم. وليس كل من يريد أن يكون فولتير - حتى على هذا المستوى الوضيع - يمكنه أن يكونه على أي حال.
المهم ان فولتير وضع كتابه منجزاً إياه عام 1768، بعد أن اشتغل عليه 11 سنة (!). والحال أنه ما إن صدر الكتاب حتى فغر الجميع أفواههم: هل يمكن مفكراً من طراز فولتير أن يكتب مثل هذا الكلام؟ يومها، حتى الروس الذين كانوا هم من طلب من فولتير وضع الكتاب تمجيداً لمؤسس دولتهم الراحل لتوّه، وقفوا ضد الكتاب... فهم لم يكونوا يريدون ذلك النوع المتهافت من المديح. وهم ما كانوا ليوافقوا على نص يقول ان كل ما في روسيا انما بدأ مع بطرس الأكبر وقبله لم يكن ثمة في روسيا سوى الهمجية. ولم يستسيغوا تماماً وصول فولتير حتى الى تبرير قتل بطرس الأكبر لابنه، ومثل تلك التأكيدات التي زعم من خلالها فولتير ان القيصر الروسي كان رجل قانون وفكر وتنوير من طراز رفيع، معاملاً إياه في هذا السياق كما كان يمكنه أن يعامل، مثلاً، ملكاً تنويرياً حقيقياً مثل فردريك الثاني الألماني، الذي كان - في الماضي - صديقاً لفولتير وحامياً له وتبادل معه رسائل رائعة قبل أن يقع بينهما سيف الخلاف ما تسبب في مشكلات جمة لفولتير في بروسيا قبل ذلك. والحقيقة ان علاقة فولتير بفردريك الثاني كانت هي ما أخّر اشتغال فولتير على كتابه عن بطرس الأكبر. ولهذا كله حكاية جديرة بأن تروى: منذ بداية خمسينات القرن الثامن عشر، كان فولتير قد أبدى رغبته في وضع كتاب عن بطرس الأكبر وقدم عرضاً الى البلاط الروسي في هذا المعنى... غير ان هذا البلاط لم يجبه، حتى حين راحت عروض فولتير تتخذ طابع التوسل الصريح، وصار وضع الكتاب بتكليف من الروس هاجسه ومبرر وجوده. ثم، في نهاية الأمر، حين تضافر أمران، أولهما قطيعة فولتير مع فردريك الثاني من جهة، واتخاذ اليزابيث الثانية، قيصرة روسيا، الكونت شوفالوف، صديق فولتير، خليلاً لها من جهة ثانية، صار في وسع فولتير أن يتوقع استجابة روسية. وهذا ما كان، إذ اتصل شوفالوف بفولتير وأبلغه موافقة البلاط على أن يضع كتابه العتيد. يومها، وعلى شاكلة الصرخة اليونانية الشهيرة «وجدتها» صرخ فولتير «أخيراً... نلت الجنسية الروسية» ثم طفق على الفور يضع كتابه. لكنه آثر أن يكتبه بعيداً من روسيا، في مكان اقامته بين فرنسا وسويسرا. فهو، كما أبلغ الروس، صار عجوزاً غير قادر على السفر، ثم انه، إذا زوّد بما يريد من وثائق ونصوص، ليس في حاجة الى أن يزور سان بطرسبورغ حتى يؤلف كتابه. وهو لم يقل يومها، انه في الأصل، لا يؤلف كتاباً عن بطرس الأكبر ولا عن تاريخ روسيا، بل عن فكرته هو نفسه، عن الحاكم المتنور، وأن بطرس وروسيته، ليسا سوى ذريعة ومبرّر. ولم يقل بالطبع ان بطرس الأكبر، في كتابه انما هو اعادة اختراع لملك لم يوجد على الإطلاق.
لقد كانت هذه هي، في الحقيقة، الفكرة الأساسية المسيطرة على فولتير في تلك المرحلة المتقدمة من حياته، وهو كان مستعداً لأي شيء من أجل إبراز فكرته هذه، بما في ذلك ليّ عنق التاريخ، وتحميل تاريخ روسيا ما لا يمكنه أن يحمله، وصولاً الى تزويد بطرس الأكبر بخصال وسمات وتواريخ ليست له. والحقيقة أن نظرتنا الى الأمر على مثل هذا النحو، تجعل لفولتير ما يمكن أن يسمى ظروفاً مخففة، وما يمكن أن يجعل كتابه جزءاً من منظومته الفلسفية، لا كتاباً في مداهنة أي بلاط... ويوصلنا الى القول ان سوء التفاهم الذي أحاط بهذا الكتاب مند صدوره للمرة الأولى، لم يكن ضرورياً لمن كان في امكانه أن يتجاوز الأخطاء التاريخية والمبالغات ليقرأ الكتاب كجزء - خيالي(!) - من فكر فولتير عن الحكم والحكام.
بيد ان هذا لم يكن ممكناً في ذلك الحين، لأن نقاد الكتاب المحقين كان في امكانهم أن يسألوا: إذا كانت تلك، في الحقيقة، غاية فولتير، لماذا لم يخترع ملكاً وهمياً يسقط عليه كل أفكاره، بدلاً من اعادة اختراع بطرس الأكبر، على الشاكلة التي اعاد اختراعه عليها؟ من الصعب العثور على جواب عن هذا السؤال... وفي المقابل من السهل، كما أشرنا، ربط الكتاب بتصوّر فولتير عن الملك المثالي، وهو تصوّر كان سبق له أن عبر عنه من خلال علاقته بفردريك الثاني، ثم بخاصة من خلال كتابته «تاريخ شارل الثاني عشر» ذلك الملك السويدي، الذي كان أول - وآخر - من اخرج السويد من عزلتها في الشمال الأوروبي، الى رحابة العالم، غزواً... ولكن فكراً أيضا.
ومهما يكن من الأمر، من الواضح ان فولتير إذ كتب «سيرة» بطرس الأكبر على تلك الشاكلة، بدت خلفية كتابه التاريخية شديدة الضحالة، إذ بدا واضحاً - على سبيل المثال - ان فولتير لم يعبأ بمعرفة أي شيء عن السمات الحقيقية الخاصة بالشعب الروسي، ولا بالتاريخ الروسي نفسه. إذ تماماً، على غرار تلك التواريخ الرسمية العربية التي يخيل اليها ان تأريخ البلد لم يبدأ إلا مع تاريخ الحاكم الحالي، الذي كان «انقلابه» بداية التاريخ وكل التاريخ، ها هو فولتير يفيدنا بأن روسيا قبل بطرس الأكبر كانت لا شيء... مجرد أصقاع تهيمن عليها الهمجية وذات شعب جاهل نكرة. أما مع مجيء بطرس الأكبر، فإن النور شعّ فجأة على تلك الأمة وشعبها... لأن بطرس هو ملك التنوير الحقيقي، الملك الذي مع مجيئه سطعت الشمس، أو وفق تعبير فولتير الحرفي: «... وأخيراً ولد بطرس، وتكوّنت روسيا»، وليس هذا فقط، بل ان الفلسفة نفسها، ودائماً وفق فولتير، ولدت في هذا العالم، وكأن الأمر سحر والقيصر ساحر، وعصاه السحرية قوانينه».
لقد كان من الواضح ان فولتير كان في ذلك الحين، بغية تطبيق أفكاره، في حاجة ماسة الى ملك أو أمير، والى أفكار تنويرية يسبغها عليه. الغريب فقط أنه وجد ضالته في بطرس الأكبر... أما المهم فهو الأفكار السياسية والفلسفية التي أراد هنا تمريرها، لكن مشكلة فولتير هنا، كمنت في أن الأفكار لا تمر على هذه الشاكلة. ومن هنا عومل الكتاب بكل احتقار وبخاصة من جانب الروس أنفسهم، ولكن من دون أن يعي فولتير ذلك أو يأبه له حتى.
حينما بدأ فولتير (فرانسوا ماري آرويه) وضع هذا الكتاب كان في الثالثة والستين من عمره، وإذا كان جزؤه الأول قد صدر في عام 1759، بعد عامين من موافقة الروس على وضعه، فإن جزءه الثاني لم يصدر إلا في عام 1763، ولم يكتمل الكتاب في شكله النهائي إلا في عام 1768، في وقت كان فيه فولتير قليل الاهتمام بأي نقد يوجه اليه. ولكن أيضاً في وقت كانت فيه كتب فولتير الأخرى (مثل «كانديد» و «رسائل فلسفية» و «أوديب» و «فلسفة التاريخ» و «القاموس الفلسفي» و «زاديغ») قد أمنت له من الحصانة ما يمكن من استقبال عمل سيئ على اعتبار انه كبوة موقتة أو نزوة تغتفر.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.