تنفّس. أغمض عينيك برهة. اسرح بخيالك قليلاً ليلامس أبعد غابة في الأمازون، أو أشجار الماهوغني الأفريقية العالية، أو غابات المانغروف على شواطئ المحيطين الهندي والهادئ. أنصت إلى الغابات. لست وحدك. همس أنفاس الغابات يمد البشر بالحياة، لكنها لا تسألنا إلا القليل من الحماية والصون والاستخدام الرشيد. توصف الغابات بأنها رئة العالم الخضراء إذ تمنحنا الأوكسجين وتمتص ثاني أوكسيد الكربون وتخزّنه في كتلتها الحيوية، فتحمينا من تراكمه مع الغازات المسبّبة لظاهرة الاحتباس الحراري الكوارثية. إذن، تخفّف الغابات من آثار التغيّر في المناخ. وتمنع انبعاث 20 في المئة من غازات الاحتباس الحراري. تمتص كل شجرة قرابة 12 كيلوغراماً من ثاني أوكسيد الكربون، وتعطي كمية من الأوكسجين تكفي عائلة من أربعة أفراد لمدة عام. على رغم ذلك تتعرض الغابات يومياً إلى أخطار القطع والإزالة والتدهور بيئياً. «الغابات: الطبيعة في خدمتك» Forests: Nature at Your Service. إنه شعار الاحتفال بيوم البيئة العالمي في 5 حزيران (يونيو) 2011. المعلوم أن الأممالمتحدة كرّست هذا التاريخ لتذكر البيئة سنوياً، في عام 2000. وجرى الاحتفال عالمياً بيوم البيئة في 2001، مع ملاحظة أن هذا التاريخ يتوافق مع ذكرى انعقاد أول مؤتمر دولي عن الإنسان والبيئة في استوكهولم عام 1972. يوجّه الشعار الأنظار إلى ما تقدمه الغابات من فوائد. ويأتي احتفال هذا العام أيضا في إطار تخصيص الأممالمتحدة ل 2011 كسنة للغابات، من أجل تسليط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الغابات في حياة البشر. وتتخذ احتفالات هذا العام صيغة شعبية أكثر منها رسمية. هناك دعوات إلى زراعة الأشجار، وتنظيم أيام بلا سيارات، واستخدام الدراجات، وإطلاق حملات للنظافة، وتنظيم رحلات لمراقبة الطيور والتوعية بالحياة البرية وغيرها. ويدعم «برنامج الأممالمتحدة للبيئة» (اختصاراً «يونيب» UNEP) المشاركة الجماهيرية بقوة. وخصّص موقعاً إلكترونيا لاستقبال آراء الناس والإعلام عن النشاطات المناسبة للاحتفاء بهذا اليوم. ومن التنظيمات العالمية التطوعية المعنية بالاحتفال بهذا اليوم، هناك «المشاركة التعاونية في الغابات» وهو تنظيم تطوعي تشارك فيه 14 منظمة دولية مثل «الفاو» و «اليونسكو» و «الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة»، و «معاهدة التنوع البيولوجي» وغيرها. ويسعى التنظيم لتحقيق التزام سياسي بحماية الغابات وصونها، والإدارة المتكاملة لها. كما أنشأ «المعهد الأوروبي للغابات» شبكة إلكترونية من أجل نشر بحوث متخصّصة عن الغابات. أسئلة ممضّة عن الغابات في لقاء مع «الحياة»، تحدّث الدكتور محمد الساكت المستشار الإقليمي للغابات في المكتب الإقليمي للشرق الأدنى في «منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة» («فاو»). واستهل حديثه بتأكيد حاجة العالم العربي إلى ثقافة الغابات، مشيراً إلى أن الأمر لا يتعلق دوماً بغابات كثيفة مثل الأدغال الاستوائية التي ربما تتبادر إلى المخيلة قبل غيرها. وقال: «هناك التشجير والأحزمة الخضر، وتجمعات الأشجار في المدن أو القرى. لا يقدّم العالم العربي الغابات في حساباته أو سياساته، فلا تهتم بها سوى قلّة من الدول العربية التي تضم أراضيها غابات كبيرة تفرض الاهتمام بها. على رغم ذلك، تبقى جهود الصيانة والحماية ضعيفة، بل لا توجد سياسات أو استراتيجيات وطنية للغابات. إن الاهتمام العربي بهذا الموضوع لا يرقى إلى أهميته، ولا إلى الحاجة للغابات بأنواعها المختلفة. في المقابل، لا يخلو بلد عربي من نوع من الغابات. مثلاً، هناك غابات في شمال أفريقيا وسورية ولبنان والعراق والسودان وغيرها. لقد نظمنا أخيراً ورشة عمل إقليمية لوضع السياسات، وإدماج التغيّر في المناخ ضمن البرامج القومية للغابات... لكن هذه البرامج ضعيفة، بل أن هناك دولاً لم تحضر أصلاً، بذريعة أن ليس لديها غابات! نعمل على التوعية بهذا الموضوع المهم. يتوجّب على الإعلام أن يلعب دوراً في التوعية، ويساندنا من أجل إيصال الرسالة إلى أصحاب القرار... نحتاج إلى وعي مجتمعي شامل، وللاهتمام بالتعليم والأجيال الجديدة. يجب أن يمتلك كل مواطن عربي حساً طبيعياً بأهمية زراعة الأشجار. يجب أن يعي أن ما تقدّمه الأشجار والغابات لحياته لا يقدر بثمن. يكفي أن نعرف أن الغابات تخزّن قرابة 289 غيغاطن من الكربون، إضافة إلى دورها الحسّاس في الحفاظ على التنوع البيولوجي والوراثي، والأمن الغذائي، واستمرارية دورة المياه وغيرها. وفي منطقة جافة كمنطقتنا، لنتخيل ماذا يمكن أن تفعل الأشجار في تخفيف وطأة الحرارة، وتثبيت الكثبان الرملية، وتلطيف الجو، إضافة لكونها مكاناً مميزاً للسياحة البيئية. لماذا لا نحتفل باليوم العالمي للبيئة بأن يزرع كل عربي شجرة»؟ وتحدّث الساكت عن الربط الدائم الذي تعقده منظمة «فاو» بين الغابات والمراعي في العالم العربي، موضحاً أن هذا الربط موضوع تختص به المنطقة العربية. وقال: «تستعمل الغابات كملجأ أخير للحيوانات في حالات الجفاف وضعف المناطق الرعوية. تتكامل الغابة مع المرعى. لذا، رفعت «الهيئة الإقليمية للغابات في الشرق الأدنى» مطالبة إلى منظمة «فاو» بضرورة توازي جهود حماية الغابات والمراعي، والتعامل معهما منظور متكامل. مع غياب غطاء غابي كبير، يتزايد الضغط على الغابات بأثر من زيادة السكان، والاستهلاك غير الرشيد. إذا تدهورت المراعي، تتدهور الغابات نتيجة الضغط عليها. ولتحقيق التنمية المستدامة للمراعي، يجب الحفاظ على الغابات». تجارب في ري الصحارى وتحدّث الساكت عن زيادة مساحة الغابات في العالم العربي، مقدّماً تقويمه لتجارب عن ري غابات مستحدثة بمياه الصرف الصحي بعد معالجتها. وتناول تجربة مصر في زراعة مناطق الظهير الصحراوي بالأشجار الخشبية ونباتات الوقود الحيوي كالغيتروفا والغوغوبا، متحدثاً عن دور ال «فاو» في الدراسات العلمية عن الأثر البيئي لهذه المشاريع. وقال: «هناك مناطق في العالم العربي تسمح كمية الأمطار فيها بالتوسع الطبيعي للغابات، إذا توافرت الحماية والصيانة والتهيئة الجيدة للأراضي واستخداماتها، ووجود استراتيجيات وطنية للغابات. لا بد أيضاً من أن نعجل في التخطيط، لأن التوسع الطبيعي للغابات يحتاج وقتا كبيراً. ندرس بعناية تجربة استحداث الغابات كالتجربة المصرية الرائدة عربياً، مع ملاحظة أن نجاح تجربة هذه الغابات يعتمد على إجراء دراسات علمية معمقة. لنلاحظ أن كل شتلة من الغابات تناسب أرضاً وتربة ومناخاً معينين. كما يترافق كل نوع من الغابات مع نظام بيئي معين، خصوصاً لجهة تكاثر الحياة البرية والنباتات. وفي الدورة السابقة عن الغابات في الشرق الأوسط، نوقشت نقاط مهمة، منها زراعة نباتات الوقود الحيوي (مثل الغيتروفا)، والتأثير البيئي لإدخال هذه النباتات، والآثار الناجمة عن ري الغابات بمياه الصرف الصحي المعالجة. كما نوقش مستوى المعالجة لمياه الصرف، كي لا يحدث تلوث للمياه الجوفية، مع ملاحظة ضرورة الوصول الى مستوى متقدّم من المعالجة. وحاضراً، تُجري ال «فاو» دراسة متكاملة حول هذا الموضوع، تشمل الجوانب الاقتصادية والمجتمعية والبيئية كافة.