وزير الطاقة يجتمع مع نظيرته الأمريكية ويوقّعان «خارطة طريق» للتعاون في مجال الطاقة    «الداخلية» تطلق ختماً خاصاً للمستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد ووحدات التحريات المالية    «أثر نلمسه».. إصدار يرصد إنجازات التحوّل الوطني    "GREAT FUTURES" تعزز الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وبريطانيا    واتساب يختبر ميزة تلوين فقاعات الدردشة    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    "تاسي" أحمر والراجحي وأكوا باور يرتفعان    الشيخ خالد بن حميد يشكر القيادة الرشيدة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    لقاح جديد لحمى الضنك    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    واشنطن مستمرة في دعم إسرائيل بالأسلحة    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة    خادم الحرمين يصدر أوامر ملكية    قمة البحرين ظروف استثنائية لحلحلة الأزمات    بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل يختتم دورة "تدقيق سلامة الطرق    المدربات السعوديات يكتسبن الخبرة الإفريقية    الأهلي يتمسك بذهب السيدات    أمير منطقة تبوك يتفقد مبنى مجلس المنطقة وقاعة المؤتمرات    فالفيردي: نلعب باسترخاء كبير في الوقت الحالي ونتطلع لنهائي دوري الأبطال    حالة رئيس وزراء سلوفاكيا حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    افتتاح منتدى كايسيد للحوار العالمي في لشبونة    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    رئيس سدايا: السعودية مثال دولي في الذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    «الموارد»: تمكين 22 ألف مستفيد من «الضمان» في سوق العمل خلال الربع الأول من 2024    الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات سريعة لوقف العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    إطلالة مميزة وطراز معماري فريد.. قصر العان.. قيمة تراثية ووجهة سياحية    أمير تبوك ينوه بالخدمات الراقية لضيوف الرحمن    اطلع على تقرير« مطارات الدمام» واعتمد تشكيل «قياس».. أمير الشرقية يؤكد على تجويد الخدمات ورضا المستفيدين    طموحنا عنان السماء    حجز العربات الكهربائية عن طريق "تنقل".. وصول أولى رحلات مبادرة «طريق مكة»    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سيلفي».. ميثاق ميدياتي
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 2014

لم تعد كلمة «سيلفي» Selfie مجرد كلمة وصفية لفعل التصوير اللحظي الذاتي، بل أصبحت فلسفة تعكس جانباً مهماً من انشغالات الإنسان في الحياة الحديثة. فأن يعرّض شخص ما نفسه للخطر ليلتقط لنفسه أغرب صورة واقعية، يعني أن الأمر وصل إلى الحد الذي لا يمكن السيطرة عليه إزاء هذه البدعة التواصلية، كما حدث مع الإسباني الذي حاول التقاط «صورة سيلفي» نادرة قبالة ثور هائج في حلبة مخصصة لمصارعة الثيران. أو كما بدا الأمر صادماً من خلال نشر أول صورة سيلفي لقرد.
هكذا تحولت النرجسية المتمثلة في «سيلفي» إلى نوع من أنواع التواصل الاجتماعي، ولو في صيغة إلكترونية. فالتطرف الصريح في الإعلان عن حضور الذات من خلالها، قد يعني بالنسبة لبعض المهووسين بتوطين أناهم في الزمان والمكان شيئاً من العبث واللهو والانجراف وراء مكتسب تقني فائق الحداثة، إلا أنه بالنسبة لآخرين يمثل حالاً فنية متقدمة من حالات رصد الحياة اليومية، بمعنى الوصول إلى أنقى شكل من أشكال الصورة الواقعية المضادة للأناقة والافتعال والديكورات، أي الصورة التي تحايث فيها الذات لحظتها بصدقية حد التطابق.
على هذا الأساس انتشرت متوالية من الصور العجيبة في فضاء الإنترنت لأشخاص وهم في حالات من التعب والنعاس والاحتضار والطيش، كلافتات تفيد بموت الصورة الجميلة التي تؤطر الفرد في حالات إنسانية فاخرة ومنتقاة. وكتعبير عن قوة الصورة الواقعية كرأي وكموقف. وكذلك كإعلان عن الثقة الزائدة بالنفس. وهو ما يعني أن ظهور الشخص على الملأ بالبيجاما، من منظور «سيلفي»، أبلغ وأصدق وأجمل من ظهوره بالملابس الرسمية، فصورة ومعنى «الأنا» في مثل هذه الصورة تقترحها الذات عن نفسها، وليس عدسة المصور.
لا يمكن لأحد أن ينجو من آثار ومنتجات الحياة الحديثة، بل من المفروض أن يتعامل الإنسان مع ظواهر عصره، بشرط ألا ينساق وراء كل ما يتداوله الناس مع المخترعات المادية واللامادية للعولمة. كأن يطل علينا أوباما، بين آونة وأخرى بصورة من نمط «سيلفي»، في محاولة منه للإيحاء بأنه ابن عصره، وأنه أقرب ما يكون إلى أولئك الذين سدّوا مواقع التواصل الاجتماعي ب«سيلفياتهم». فمتوالية صوره اليومية مع نائبه جو بايدن، ثم مع محمد رزاق رئيس وزراء ماليزيا، تعني أن سطوة «سيلفي» هي التي أخرجت رئيس الولايات المتحدة الأميركية من أناقة وهيبة مكتبه البيضاوي إلى سياق الحياة اليومية.
وإذا كانت الصورة الذاتية بهذه الكيفية والبساطة دليلاً على عصرية الذات التي تظهر فيها، فالصحيح أيضاً أن الإكثار منها دليل على أن الذات السيلفية تعاني من اضطرابات نفسية غير مفهومة حتى الآن، لدرجة أن موقع الأخبار المفبركة الشهير «أدوبو كرونيكل» نشر دراسة تهكمية منسوبة للرابطة الأميركية للطب النفسي، المعروفة باختصار APA تشير إلى أعراض مرض اسمه «سيلفيتيس» Selfitis أي الرغبة الوسواسية القهرية لالتقاط الصور الذاتية ونشرها في المواقع الاجتماعية كتعويض عن ضعف الثقة بالنفس وفقدان الحميمية.
وحددت تلك الدراسة المفبركة ثلاثة مستويات للحال المرضية. تبدأ بالخفيفة، التي يلتقط فيها الشخص لنفسه ما لا يقل عن ثلاث صور يومياً، ولكنه لا ينشرها. والحال الحادة، التي يصور فيها الفرد نفسه العدد ذاته من الصور، إلا أنه يتجرأ على بثها في مواقع التواصل الاجتماعي. أما الحال الثالثة وهي الأخطر، فتقع فيها الذات تحت رغبة التقاط الصور على مدار اليوم. وتفقد فيها القدرة على السيطرة على تلك الرغبة، بحيث يطل الفرد على المواقع الإعلامية بما لا يقل عن ست لقطات ذاتية. وعلى رغم زيف هذه الدراسة وعدم جديتها، إلا أن تداولها على نطاق واسع يشير إلى توجس عام مما قد تُحدثه هذه الصرعة في الذات الإنسانية المعاصرة. إذ بدأ الحديث عن جُملة من الأعراض والمخاوف المتأتية من تصاعد الهوس بالصورة الذاتية، خصوصاً بعد أن تجاوزت فكرة ال«سيلفي» خط التقاط صورة شخصية عادية للذات إلى عرض حميميات الشخص بإرادته، وانتشار موضة التعري الميدياتي على إيقاع التصاعد الحاد ل«السيلفي». ولم يتوقف الحديث عن عزلة الذات المُصوَّرة وانفصالها عن العالم، بل تجاوز الأمر إلى تحليل عُصاب الكرنفالية الزائفية، والفرح المصطنع.
الصورة الذاتية التي باتت تُعرف باسم «سيلفي» ليست نتاج اللحظة الراهنة كما قد يُعتقد، بل يعود تاريخ أول صورة بهذا الشكل إلى العام 1839، التي التقطها روبرت كورنيليوس لنفسه. وكانت الصور الذاتية حينها تُلتقط بكاميرات براوني بمساعدة المرايا. أما أصل التسمية «سيلفي» فيعود إلى عام 2002، وذلك من خلال المُنتدى الإلكتروني الأسترالي، وتم اعتمادها قبل عامين على نطاق عالمي. كما تم تطوير الفكرة وتصعيدها من خلال الصور الجماعية، باعتماد الكاميرات الإلكترونية وكاميرات الهواتف المحمولة، إذ يستقبل الفضاء الإلكتروني مئات الآلاف من الصور الذاتية.
إن «سيلفي» بقدر ما هي ظاهرة من ظواهر العصر التي عززت حضورها بكفاءة الأجهزة فائقة الحداثة، هي شكل من أشكال التواصل الاجتماعي. وهي في المقابل صورة من صور النرجسية وعبادة الذات، إذ ظهر مصطلح «حُمى سيلفي» للإشارة إلى طغيان حضورها في المشهد اليومي العالمي، وليس من الدقة ولا الصدق القول بأنها تعتمد على الالتقاطات العفوية، فهناك صور مدبرة ومفتعلة ويراد من خلالها بعث رسائل ميدياتية.
وكمفردة، فرضت «سيلفي» وجودها في الحياة المعاصرة لدرجة أن سان فرانسيسكو كرونيكل صنفتها كأهم كلمة في العام الماضي، كما أدخلها معجم أكسفورد اللغوي أيضاً ضمن التعبيرات المعتمدة وأعطاها تعريفاً مرجعياً هو «صورة ملتقطة ذاتياً بواسطة هاتف ذكي أو ويبكام وتنشر على موقع للتواصل الاجتماعي». أما المجلات العالمية فصارت تنظم المسابقات لأفضل صورة «سيلفي» وأكثرها غرابة من حيث طول اللقطة أو بانوراميتها أو عدد الأشخاص أو صعوبة الوصول للموقع، فهي في هذه اللحظة الراهنة مفهوم وممارسة إنسانية تنحت مسارها بسرعة وعمق في المدارات الاجتماعية الافتراضية. وهي اليوم عدوى اجتماعية جارفة تسرد سيرة الذات اليومية بتفاصيلها، وتفرضها على الآخرين بقوة. فالذات «السيلفية» تريد القول: «أنا هنا، في المكان، والزمان، وبمقدوري أن أتواصل مع أي كائن في هذا الوجود من خلال صورتي الآنية. ليشاركني حزني وفرحي وعبثي وجموحي وسذاجتي وانتصاراتي»، وهذا هو ميثاق اللحظة الإلكترونية والفضاءات الافتراضية.
* ناقد سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.