الأرجح أنّ الإنترنت هي عالم ثالث لكل فرد يعيش عصر الشبكات الرقميّة. يتمثّل الأول في العالم المباشر الذي نعيش فيه فعليّاً، ونتواصل مع الآخرين فيه بوجه واضح، وبهوية محدّدة، بل نلتزم في كل لحظة رد فعل من نحاوره ونتفاعل معه. تشكّل الأحلام العالم الفردي الثاني، يتعملق ليلاً ولا يتوقف أثناء النهار. هناك أحلام تراودنا في يقظتنا والمنام، ومن نتفاعل ونتحاور معهم في تلك الأحلام، هم جزء من رغباتنا، أو ربما تعبير عنها. ويستطيع هواة آراء سيغموند فرويد العودة إلى كتابه المرجعي «تفسير الأحلام» للاستزادة عن الموضوع. وتبدو الانترنت قريبة من كونها عالماً فرديّاً ثالثاً، يستعير كثيراً أو قليلاً من العالمين الأول والثاني. وفي الأحلام، تكون الهوية والصورة هي ما يتفاعل مع رغباتنا ويعبّر عنها، أو يكشفها بالتعبير الفرويدي الصرف. وبحد ذاتها، تدفعنا تلك الرغبات عينها إلى الدخول في علاقة افتراضيّة مع أناس حقيقين والتواصل معهم (في عالمنا الفردي الثالث)، حتى لو كان ذلك مغايراً لواقع أمرنا في الحياة اليومية. ومع تعقّد العيش في عوالم ثلاثة متشابكة، ربما يجدر تذكّر أهمية أن نمد يد المساعدة إلى أطفالنا لنعينهم على فهم العالم الرقمي «الثالث». يجدر لفت انتباههم إلى ضرورة أن يكونوا محترسين بل قادرين على أن «يتلاعبوا» بالأفخاخ المنتشرة في ال «سوشال ميديا»، إضافة إلى تعريفهم بطرق تكفل لهم أن يظهروا أنفسهم (بمعنى أن يكونوا مرئيين من الآخرين)، لكن مع الحفاظ على قوانين الخصوصيّة الذاتيّة لكل فرد وحقه في رسم صورته الخاصة عن نفسه بنفسه. وباتت تلك الحال من العلاقة مع الأطفال، وهي متّصلة أيضاً مع معنى التعلّم والتعليم عبر ثقافة الشاشات، تتطوّر بسرعة فائقة في المجتمعات المتطوّرة، ما يوجب على النُخب العربيّة التفكير مليّاً بها. إذ ليس من المفترض أن يغيب عن بالنا ما يصنع المشكلة الكبرى في اللحظة الحاضرة في ما يتعلق بالصورة الشبكيّة للفرد، ألا وهي: المعرفة غير المحدّدة للشبكات الإلكترونيّة العالميّة. وعلى الإنترنت، هناك دائماً تقنيات متطوّرة تتكفّل بتجميع المعلومات، بل تفتح أمام من «يحصدونها» أبواباً للتحكّم بالآخرين، انطلاقاً من القول السائر «المعرفة هي قوّة» Knowledge is Power. ربما يميل بعضنا إلى تجاهل التقنيات الرقميّة ربما لأنها غير مرئيّة وغير مباشرة، لكن الحقيقية أننا كلّنا موجودون في الفضاء المفتوح للانترنت، سواء أدركنا ذلك أم لا. القواعد الخمسة استطراداً، يوجد بعض القواعد البسيطة التي من المفترض الأخذ بها بالنسبة للاطفال. أولاً، لا شاشة قبل ثلاث سنوات. ثانياً، على الأطفال أن يتفاعلوا مع الآخرين ليُكوّنوا شخصياتهم وكي يستخدموا حواسهم الخمس. ثالثاً، لا ألواح إلكترونيّة وألعاب رقميّة قبل عمر 6 سنوات، خصوصاً أنها من الممكن أن تحلّ بديلاً عن الألعاب الفعليّة التي فيها نشاطات جسديّة ودماغيّة معيّنه. رابعاً، لأنها ربما تلهي عن التعلم، من الممكن استخدام الألواح الرقميّة لتعليم الأطفال عبر الألعاب الرقميّة نفسها لعشرين دقيقة في اليوم كحد أقصى. خامساً، لا إنترنت قبل عمر 9 سنوات مع ملاحظة أنها ربما تصبح ملازمة لهم عند دخولهم المرحلة الثانوية، ذلك خوفاً من الوقوع على صور غير ملائمة. بعبارة اخرى، لا إنترنت قبل عمر الثانية عشرة من العمر. وكخلاصة، من المفترض التشديد على إعطاء الأطفال قواعد أساسيّة، يبرز في مقدمها لفت أنظارهم إلى أنّ كل ما هو على الإنترنت يمكن أن يصبح في متناول الجميع، وكل ما ننشره يحتمل أن يبقى إلى الابد، ولا يكون كل ما نجده على الشبكة مفيداً ونافعاً بالضرورة مفيداً ونافع.