مجموعة صغيرة في القلب بعض قصائدها كتبت في الرياض، والبعض الآخر في بوسطن. المدينة الأميركية النائية عن الرياض، وعن حي الملز بالذات. كتبت بإحساس عال، وباقتصاد شديد. كتبت بيد جواهري يستخدم عدسة مكبرة لتشذيب الجواهر، ولديه صبر أقرب إلى صبر أيوب. كتبها بدم فائر في أجواء باردة، لذا بقيت ساخنة حتى اليوم. تعود إليها من حين إلى آخر، فإذا بها تتسلل إلى وجدانك وتعلق به. هي عالقة منذ القراءة الأولى، ولكنها تبالغ في خفرها، فتنزوي في ركن قصي. أنت تحفظها جيداً، وتنسى أنك تحفظها، مع أنها امتزجت بروحك، وبتصوراتك المبكرة عن الشعر. المجموعة الصغيرة التي واظبت على وضعها على الرف القريب منك، كي لا تفقدها مع مرور السنوات. مجموعة «جلال الأشجار» لشاعر عذب ومنزو، اسمه علي بافقيه. غمزة أخرى... وتسقط الحارة كل النساء كنّ ينظرن إليها بغضب، ويحذرن أزواجهن من المرور أمام بابها. هي تعلم ذلك، وتحاول الكيد لهن بإغراق الأزقة بفيض من الغنج والدلال. المرأة الجميلة التي استيقظ الجميع على جدب ذهب بالأخضر واليابس من حكاياتها. الرجال أكثر من عانى، وساءت أمزجتهم، فأخذوا يرتادون المقهى القريب من الحارة. الذي لا يدخن منهم أسرف في شرب الشاي، وبدأ يشتكي من الضغط والسكّر. كانت سميرة توفيق، التي لا تقف خلف شاشة التليفزيون. بغمزة من عينها الكحيلة، تقف الحارة على ساق واحدة، ويتوقف الأطفال عن اللعب. حتى الزمن توقف عند رحيلها المفاجئ، وتحطمت عقارب الساعات. رحلت صباحا، لتأخذ معها أحلاماً وخيالات، كانت تسيل على وسائد رجال، يتودّدون إلى نسائهم على رائحتها. زير نساء يوشك أن يتقاعد شعره لم يتساقط بعد. كان أشبه بموكيت أميركي من النوع الجيد. هكذا وصفته إحدى العشيقات. آخر الليل يضع يده على رأسه، ويتفقد الشعر، والنساء اللواتي مررن أيديهن عليه. بعض التجاعيد نصبت تمثالا أعلى رقبته، فأخذ يسدل عليها طرف شماغه، بزخم من فتوة قلصتها آلام الظهر، والنظارة التي أعادت إليه شيئاً من حدة البصر. الصيد وفير من وجهة نظره، ولكنّ الصياد لم يعد يجيد التصويب نحو القلب مباشرة. موديلات جديدة غزت الأسواق، بمواصفات لم يعهدها، فاكتفى من الغنيمة بالمراقبة والحسد. هناك في ملحق الفيلا، يتابع الشاشات عن كثب، كأمثاله من قدامى الصيادين، الذين ذهب الزمن بحظوظهم، وتركهم يعضون شفاههم حسرة، على أنهم لم يولدوا أواخر القرن العشرين. ساعي بريد يخطئ العناوين لا تذهب بعيداً أيها البحر! أنت هناك تردد أغنيتك الأبدية، وتنتظر قدومنا كل مساء. نأتي لنقف أمامك في صمت، ونصغي إليك. لست المغني الوحيد، ولكنك الأعذب صوتاً عند الغروب. نقف على الشاطئ، وكل منا يخبئ صرخة في قارورة. صرخة تضغط بقوة على السدّادة، ثم تنزلق إلى القاع من جديد. سندفع بها إليك لتحملها إلى جزيرة نائية، لا تخطر على بال قرصان، وربما لن تجد من سيعثر عليها. * من مجموعة شعرية تصدر قريباً.