تلمست يداه الفواصل التي رأب أخوه ثقوبها يوماً ما. كما تطلعت عيناه للمسافة التي كان يقطعها من بيته إلى هنا، ثم يصعد السلاملك ذاته الذي يجلس عليه الآن. همسَ لنفسه: «كان يتابع مِن هنا الذاهبين والعائدين ويستنشق فيهم عبق الحياة. كان يستدر في الشتاء مِن الشمس بعضَ الدفء». تتابعت أمواج من التصاوير والذكريات. همسَ: «كان يجلس هنا»، ثم رمى بناظريه إلى البعيد، فإذا بأخيه يسير ببطء نحوه، كغيمةٍ. يداه خلف ظهره، كالمعتاد. بسطَ له يده وناداه: تعال يا أخي. هذا مقعدُك. هؤلاء العابرون كنتَ تتطلع إليهم. هذا مقعدُك. ذلك الدفءُ ينتظرك. تعال يا أخي؛ هذا مقعدُك. ابتسم الأخ وهو يتابع شعاع الشمس واستمر في طريقه. كرَّر الجالسُ النداء. التفتَ السائرُ في طريقه بعد عناء، وأشار بيده أن اجلس أنت. ذلك مقعدُكَ أنت، فلا تنشغل بي. وسار في طريقه. * عندما كانا يلعبان، كان يعلمه الألعاب الجديدة ويسانده في الدخول ضِمنَ فريق العيال في القرية، رغم الاعتراض بأنه لن يقوى على الجري وقتَ الملاحقة، وحتماً سيسقط كصيد سهل في يد الكبار، وربما يقر بأسمائهم، ويعترف بارتكاب الحماقات الصغيرة المسماة بشقاوة العيال، كصعود سور حديقة البرتقال أو ضرب جرس باب تمرجي الصحة أو قرع الأبواب الخشبية العملاقة بالسُقَّاطة الحديد، كلَّ مساء، ثم الجري سريعاً للاختباء، أو إعداد مقالب صبيانية يتم تسجليها في تاريخ الشقاوة. كان هو الأخ الأكبر الذي يتحمل تبعات أخطائه. كان يتذكر كل هذا، ويقول لنفسه: من الآن يجب ألا أرتكب الحماقات، لأنه لم يعد هناك أحدٌ يدافع عني.