نائب أمير مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    الجبير يلتقي وزيرة البيئة والمياه والتحول البيئي بالإكوادور    المملكة تؤكد أن تأشيرة الزيارة بجميع أنواعها لا تخول حامليها أداء الحج    عسير: القبض على 15 مخالفاً لنظام الحدود لتهريبهم 300 كيلوغرام من نبات القات    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعتني بثقافة الحج وتاريخ الحرمين    ارتفاع عدد شهداء مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى أكثر من 300 شهيد    هيئة النقل: أكثر من 10 آلاف عملية فحص رقابية بمنطقتي مكة والمدينة    أمير الرياض يستقبل رئيس الهلال    شفاعة أمير الحدود الشمالية تثمر تنازل أولياء دم الجميلي عن بقية مبلغ الصلح    سمو أمير منطقة الباحة يرعى حفل يوم البر السنوي    استعراض أعمال وجهود الكشافة بموسم الحج في معرض "البهيتة الأمني"    2.6 تريليون ريال حجم الائتمان المصرفي السعودي    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    "تعليم الرياض" يطلق حملة إعلامية تثقيفية بالتخصصات الجامعية    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    «غورست» يتوّج ببطولة العالم للبلياردو «9 كرات» بنسختها الأولى في المملكة    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    «مسام»: إتلاف 602 لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة في أبين    «الموارد البشرية» ترصد 399 مخالفة على المنشآت في تشغيل العمالة الموسمية بالمدينة المنورة    كيف أصبح هيكل ملكية أرامكو بعد طرح 1.545 مليار من أسهمها    التصنيف الآسيوي كلمة سر الأخضر أمام الأردن    جماهير الأهلي تتصدر "إكس" بسبب كيميتش    "لذة الوصول" يوثقها الحجاج في ميقات ذي الحُليفة    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    "كلية العلوم" بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تختتم معرض الملصقات العلمية لمشاريع التخرج    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    استقبال 683 حاجا من 66 دولة من ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    ( نقد) لقصيدة ( في رثاء بدرية نعمة) للشاعرالحطاب    نمو الأنشطة غير النفطية 3.4% بالربع الأول    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    التدابير الوقائية تخفض ضربات الشمس بالحج 74%    قطار المشاعر ينقل 72 ألف حاج بالساعة    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    مستشفيات وعيادات دله تواصل تقديم رعايتها الصحية خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    صور مولود عابس.. تجذب ملايين المشاهدات !    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    قميص النصر يلفت الانتباه في ودية البرتغال وكرواتيا    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    اطلاق برنامج أساسيات التطوُّع في الحج    إعلانات الشركات على واتساب ب«الذكاء»    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    وزير الدفاع يؤكد دعم المملكة للحكومة اليمنية    استفزاز المشاهير !    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    رئيس وزراء باكستان يعود إلى بلاده بعد زيارة رسمية للصين    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن المواطنة المعاصرة واكتسابها بعداً رقميّاً
نشر في الحياة يوم 17 - 09 - 2017

تتجمّع في الذهن أشياء كثيرة لتثير مجموعة من الأسئلة ربما لم يعد الهرب منها ممكناً، وتتصل كلّها بتغلغل البعد الرقمي في قلب المواطنيّة في القرن 21. هل أصبح الفرد المعاصر مواطناً رقميّاً؟ إلى أي مدى ترتسم المواطنيّة الرقميّة بوصفها بعداً مُضافاً (بل ربما بديلاً) للفرد في المجتمعات المعاصرة؟
لنبدأ من بداية يعرفها الجميع. لنعد إلى المدارس، ثم نتدرج منها إلى الأكاديميا والحياة سويّة. لعله بديهي القول إنّ التعليم المعاصر بات يؤدي دوراً محوريّاً في رسم المواطنيّة الرقميّة، على غرار دوره في المواطنيّة الفعليّة. وفي البعد الرقمي، من المستطاع ربط ذلك المنحى بتمكين الأفراد والمجتمعات من استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، في شكل مستقلّ وحاسم لجهة تلبية حاجاتهم وتطلّعاتهم وإبداعاتهم. واستطراداً، يجدر بالمربيّن العمل على ضمان تدريب الأجيال الطالعة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، في سن مبكّرة تماماً.
ليس بالأدوات والبرامج وحدها
في المقابل، لا تتساوى المواطنيّة الرقميّة للفرد مع مجرد استخدامه تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، على غرار القول إن المواطنيّة التقليديّة لا تتساوى مع مجرد استهلاك السلع أو استخدام الأدوات، بل تتضمّن المساهمة في الحياة المدنية والمشاركة في أوجهها المتنوّعة.
وفي المجتمع الرقمي، تتكئ المواطنيّة على تنمية قدرات الأفراد والجماعات، في المشاركة في اتخاذ القرارات وتنفيذها، خصوصاً ما اتّصل منها بمسائل المعلومات، والبنيّة التحتيّة، والبرامج التي تعرّف بحياة المجتمعات انطلاقاً من البيئة المحليّة، بل أنها تتوسّع لتصل إلى المشاركة في المجتمعّية الرقميّة العالميّة وبيئاتها المتنوّعة أيضاً.
وبديهي القول إن تلك الأمور تعتبر أكثر أهمية في المجتمعات غير المتجانسة لغويّاً وثقافيّاً، ما يبرز أهميّة دور التربيّة في تعزيز اللغة الأُم، وهي معضلة تتحدى نُظُم التعليم المعاصرة. ويستكمل البُعد اللغوي بالتشديد على معرفة اللغات الأجنبيّة، بوصفها ضرورة لتجنّب الانعزاليّة الثقافيّة، وتشكيل رأي عام لدى شعب مطّلع على مجريات الأمور. ويعتبر المعطى الأخير ركناً مكيناً في الديمقراطيّة التي هي وفق تعريف المفكر الفرنسي الشهير مونتيسكيو (1689- 1755) حكم الشعب بالشعب وللشعب، شرط أن يكون مطّلعاً في شكل كاف. إذاً، منذ زمن الثورة الفرنسية التي استهلت زمن النظم المعبّرة عن حكم الشعب لنفسه، باتت التجربة البشرية تفترض أنّ عملية صنع القرار بصورة ديموقراطيّة تجد سندها فعليّاً في أن يكون المواطن على علم بما يحدث، ويكون له الحق في طرح رأيه، ويشارك في صنع القرار وتنفيذه.
واستطراداً، صار مألوفاً أن يُنظَر إلى اللغة الأم بوصفها لغة القوى العاملة ولغة المعرفة، بل من الممكن القول أيضاً أن لا إنتاج للمعرفة بلغة الآخرين لأن المعرفة مرتبطة في شكل مباشر بالرأي العام. ولعل الدول العربيّة هي من المساحات التي تظهر فيها تلك المعضلة في شكل مقلق تماماً. إلى أي مدى يشارك الناس فعليّاً في صناعة القرارات التي ترسم مصائرهم في تلك الدول؟
حق الناس في صنع القرار
في السياق عينه، تفترض المواطنيّة الرقميّة تمكين كل المواطنين من صنع القرارات. وهناك مجال أساسي يستفيد من الاتّصالات الرقميّة، هو تعزيز التواصل باللغة الأم، ما يسهّل المشاركة في النقاش العام وكذلك تفهّم المسائل العلميّة. وفي تلك الثنية، يظهر دور التربيّة والتعليم اللذين تنهض بهما المؤسّسات التعليميّة في مستوياتها المختلفة. وترتبط التربيّة بمجمل الأوضاع السائدة في المجتمع بصورة عامة. وفي البلدان العربيّة، يبرز سؤال مقلق تماماً عن ضرورة وجود سياسة تربويّة تجعل المعلوماتيّة مادة أساسيّة في مناهج التربية والتعليم.
وإذا كان ممكناً تعلّم كيفية التصفّح البسيط والإبحار التلقائي في عوالم الإنترنت، فإنه من الصعب تماماً تعلّم المنطق الذي تتضمّنه المؤشّرات ال «بولينيّة» Boolean Operators. وتنسب إلى عالِم الرياضيّات الإنكليزي جورج بول (1815- 1864) الذي صاغها في غرّة القرن التاسع عشر، ثم صارت من المكوّنات الأساسيّة في عمل الكومبيوتر والشبكات الرقمية، خصوصاً محرّكات البحث فيها.
وبقول آخر، لا بد من التمكّن من فهم المعادلات الرياضيّة والمؤشّرات التي وضعها جورج بول، من أجل التوصّل إلى التفتيش على المعلومات بصورة مجدية علميّاً في البيانات الواسعة التي تحتويها الإنترنت. وبديهي القول إنها عمليّة تتطلّب تعليماً منظّماً مبنيّاً على أسس نظريّة، ولا يمكن التوصّل إليها بالتخمين والعشوائيّة.
وبنظرة استرجاعيّة، يبدو أن العام 2014 كان سنة مفصليّة في مسألة البعد الرقمي في مواطنيّة القرن 21. إذ شهدت تلك السنة مجموعة من الحوادث المتنوّعة التي أشّرت إلى تعمّق البُعد الرقمي في حياة الأفراد. لم تبدأ تلك الحوادث بفضائح صور المشاهير المسربّة عبر الشبكات الرقميّة، ولم تتوقّف عند الاستخدام المكثّف لمواقع التواصل الاجتماعي من جانب تنظيم «داعش»، وكذلك لم تنتهِ أيضاً بالملاحقات المتواصلة لنشطاء «تويتر» في دول كثيرة، بينها بلدان عربيّة للمرّة الأولى. وآنذاك أيضاً، تناقل الإعلام العام حوادث أكثر طرافة، كعبور أحد الكنديّين الحدود إلى أميركا مستخدماً صورة لجوازه على «آي باد»، ما دفع بالسلطات الكنديّة إلى توجيه تنبيه لرجال الحدود بعدم الاعتماد على صور ال «آي باد» وثيقة رسمية، لكنها لم تلغ شرعيّة عبور ذلك المواطن.
في منحىً أكثر جدّية، برز البعد الاقتصادي الذي ارتسم عبر العودة القويّة لبورصة «ناسداك» المعبّرة عن شركات المعلوماتيّة والإنترنت، وتعملق الأحجام الماليّة لشركات المعلوماتيّة ك «آبل» و «فايسبوك» و «واتس آب» و «علي بابا» وغيرها. وعلى غرار تلك المعطيات، هناك أيضاً التغيير الهائل في التعليم ونُظُمه ووسائله ومؤسساته، بأثر من الثورة الرقميّة أيضاً.
ولعله ليس مجازفة القول إنّه لا يكفي أن تحتوي الأسواق أدوات إلكترونيّة وهواتف متطوّرة وألواحاً ذكيّة، بل يفترض تأمين المعرفة اللازمة للاستفادة من تلك الأدوات في طريقة مجديّة فرديّاً واجتماعيّاً.
* أستاذ الألسنيّات الحاسوبيّة والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.