أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    المملكة في قائمة أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    منسقة الشؤون الإنسانية في السودان تثمِّن الدور السعودي    الأزرق.. في العين يغرق    بدء تخفيض سداد المخالفات المرورية.. اليوم    «العدل»: «تراضي» تنهي 7,700 قضية تجارية.. صلحاً    «الضنك» يجتاح دولاً جديدة في العالم.. و5 % من الحالات خطيرة    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    نضج الأيام.. نضارة خِلْقَة.. طهارة مُهْجَة    الإنسان المسؤول    قطبا القصيم والشرقية وجهاً لوجه.. والشباب يصطدم بأبها    9.4 تريليونات ريال تقديرات ثروته.. السعودية ..قفزات استثمارية كبرى في قطاع التعدين    في إياب ربع نهائي يوروبا ليغ.. ليفربول لتفادي الخروج.. وقمة إيطالية بين روما وميلان    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    بحث التعاون مع الشركات الإسبانية..الحقيل: نهضة عقارية وسكنية غير مسبوقة في المملكة    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    أسرتا الطويل والجربوع تتلقيان التعازي في وفاة والدتهما    10 آلاف امرأة ضحية قصف الاحتلال لغزة    «واتساب» تضيف فلاتر الدردشة    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    نجوم "شباب البومب" يحتفلون بتصدر شباك التذاكر في السينما السعودية    فنّ العمارة القديمة في الباحة .. شاهد على التطور    برامج ثقافية وترفيهية    محافظ جدة يطلع على خطط "الثقافة والفنون"    روبوتات لنسيان الأحزان وآلام الفقد    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    بالتعاون مع بنك التصدير و«كفالة».. «السعودي الأول» يدعم صادرات «الصغيرة والمتوسطة»    التسجيل في «X» بمقابل مالي للجدد !    امرأة تصطحب جثة على كرسي متحرك إلى بنك بالبرازيل    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    تعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز فرص التعاون بين المملكة وأرمينيا    ماكرون: على الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات على إيران    تراثنا.. مرآة حضارتنا    حكم قضائي يلزم يوفنتوس بدفع 10 ملايين يورو لرونالدو    ريال مدريد يقصي مانشستر سيتي ويتأهل لنصف نهائي أبطال أوروبا    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    ما ذنب الأهلي يا هلاليون؟    الخليج يتوّج بلقب كأس اتحاد الطائرة    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    شقة الزوجية !    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    «المظالم» يوقع مذكرة لاستيفاء الحقوق الصادرة عن محكمة التنفيذ الإدارية    أمير القصيم ينوّه باهتمام القيادة بالمساجد    منصة تراضي تنهي 7700 قضية تجارية صلحاً    عاصفة مطرية أغرقت مطار دبي ومسؤول ينفي الاستمطار    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن    الشولي : اكثر من مليون ونصف اجراء تجميلي خلال شهر رمضان بالعاصمة الرياض    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    5 علامات تخبر أن الكبد لديه مشكلة    نظرية جديدة عن مشاعر السعادة بالأغاني الحزينة    .. و يستقبل العلماء والمشايخ    أمير الجوف يؤكد على تعزيز دور المجتمع في مسيرة التنمية    «طب العيون» بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يحصل على شهادة SRC الأمريكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعات الإسلام السياسي: تفكيكها أو تقليص خطرها
نشر في الحياة يوم 25 - 07 - 2017

لا يمكن أن نفكر في تفكيك الإسلام السياسي بعيداً مِن إمعان النظر في ثلاث سمات له، يجب أن تؤخذ في الاعتبار حال تقييم وجوده ودوره وأفكاره وأنماط تصرفاته المتكررة، ألا وهي:
1 - الجماعات والتنظيمات التي توظف الإسلام كأيديولوجيا في سبيل تحصيل السلطة والثروة تُعتبر الظاهرة الأكثر توالداً وانشطاراً من بين الحركات السياسية والاجتماعية الحديثة والمعاصرة، وربما تفوق في ذلك بكثير التنظيمات الشيوعية التي كانت تعاني الانقسام الدائم على نفسها، وطالما أدى ذلك إلى إضعافها.
فلا تكاد تظهر جماعة دينية سياسية حتى يدب الخلاف بين أجنحتها وأفرادها بسبب الصراع حول المنافع، أو بفعل تباين وجهات النظر حول مقولات وآراء فقهية أو تفاسير لآيات وأحاديث أو تقدير لمواقف تاريخية صنعها الأولون، أو لاختراق الأجهزة الأمنية لها وتجنيد بعض عناصرها ودفعهم إلى إثارة الشقاق في صفوفها بغية كسر شوكتها. وتتمكن هذه الأجهزة أحياناً من القبض على قيادات كبرى ممسكة بدفة الأمور داخل التنظيم فيتصدع بغيابها. وقد يكون سبب الانقسام هو طمع بعض قيادات التنظيمات في التصعيد بين صفوفها وحقدها على الممسكين بالزمام والمتحكمين في القرار، أو للتغيرات التي تطرأ على السياق الاجتماعي- السياسي الذي يحيط بهذه التنظيمات ويضغط عليها من كل جانب، وبلا هوادة.
لكل هذه الأسباب تتشظى هذه الجماعات والتنظيمات، وتصير مجموعات صغيرة، بعضها يذوب ويختفي، وبعضها يفقد الفاعلية بمرور الوقت. لكن هذا التشظي لا يمنع من أمرين هما:
أ - اتجاه بعض هذه الجماعات الصغيرة إلى التحالف، ولو موقتاً، أو التنسيق بينها في العمليات الإرهابية.
ب - تحول هذه الجماعات إلى أخرى تحمل اسماً جديداً، وقد تعدل من بعض أفكارها وتدابيرها، ويمكن أن تغير قياداتها أو تدفع بآخرين إلى صفوف القيادة.
2 - يبدو «الإسلام السياسي» مثل مرض السكري، لا يرجى منه شفاء، لكن يمكن التحكم فيه، وتقليل أخطاره. وقد تكون هذه غاية ما يمكن الوصول إليه حال تبني استراتيجية لتفكيكه، أو تقليم أظافره، وخلع أنيابه الحادة. فطيلة تاريخ المسلمين هناك دوماً من كان يوظف الدين في الصراع السياسي، فيطلق فكرة تتمكن، مهما كانت درجة تهافتها أو تناقضها، من أن تجذب إليها أتباع، يدافعون عنها ويعملون من أجل تحقيقها على أرض الواقع. ولا تخلو حقبة زمنية من ظهور تلك الجماعات، وإن لم يكن المؤرخون قد انتبهوا إليها، وسجلوا يومياتها.
3 - تستفيد هذه الجماعات والتنظيمات من الإتكاء على حضور الدين في المجال العام من ناحية، ومن الجهد الذي بذلته في سبيل بناء مجتمعها العميق من ناحية أخرى. وهذا يعطيها منعة حيال أي محاولات لتفكيكها. فطالما أطلق «الإسلام السياسي» خطاباً في وجه من يتصدون له باتهامهم بأنهم يريدون النيل من الإسلام نفسه، أو يريدون إيذاء الأفراد والأسر التي تستفيد من برامج النفع العام التي تتبناها هذه الجماعات.
في ضوء الملاحظات، السالفة الذكر، يمكن النظر إلى مسألة تفكيك «الإسلام السياسي» من ثلاث زوايا:
أولاً - دحض الأفكار: وهذه مهمة ليست عويصة إذا استعمل مواجهو خطاب الإسلام السياسي التفكير العلمي، ونشروه على نطاق واسع، عبر مدارس التعليم ومؤسسات التثقيف والإعلام. فخطاب هذه الجماعات ينطوي على عيوب جسيمة، لأنه بالأساس خطاب عاطفي يعبئ الجماهير ويحشدها سريعاً لكنه لا يستقر في الروؤس طويلاً، إلا إذا كانت خاوية، أو لا تمتلك القدرة على النقد. كما أنه خطاب تقليدي، لغته عتيقة في الغالب الأعم، ومسار برهنته ذو طبيعة تاريخية، تبدو مجافية لواقعنا المعيش في كثير من المواقف والمواضع، كما أنه خطاب متناقض نظراً الى اختلاف مشارب وأهواء الجماعات التي تنتجه، وتضارب الروايات التاريخية التي يعتمد عليها، وتقلبه وفق مصالح هذه الجماعات، التي تجعلها أحياناً تظهر عكس ما تبطن، وتبدي غير ما تخفي.
ثانياً - تحجيم الأدوار: وهذا يتطلب سد الثغرات التي تنفذ منها التنظيمات والجماعات الدينية المسيسة إلى أعماق المجتمع، من خلال مساعدتها الناس المعوزين، لا سيما مع تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات، واتساع الهوة بين الطبقات، والنقص الكبير في احتياجات الناس الأساسية من غذاء وكساء ودواء وإيواء. فهذا التراجع ساهم إلى حد بالغ في تمدد «الإسلام السياسي» مستغلاً توظيف إمكاناته في العمل الخيري والنفع العام، وعلى رأسها الوفورات المالية والشبكات الاجتماعية والمؤسسات الدينية، في جذب قطاعات عريضة من الناس إليه، وربطه بهم، ودفعهم إلى الالتفاف حوله.
وهذا التحجيم يحتاج إلى إجراءات أساسية عدة، يمكن ذكرها على النحو التالي:
أ - المشروع الوطني: فأي مشروع وطني متماسك يصلح لبناء دولة وطنية مدنية حديثة من شأنه أن يطوق مشروع هذه الجماعات، والذي اعتمد في شكل رئيسي على غياب المشاريع الأخرى المنافسة أو تصدعها، فبدأ يسوق دعايته التي تحاول إيهام الناس بأن هذا التيار يمتلك وحده الوعد والأمل والحل.
ب - الدور الرعائي: ويعني عودة الدولة، ومعها المجتمع المدني الحديث، إلى أداء دورهما في الاستجابة لمطالب الناس الأساسية، وتلبية احتياجاتهم الضرورية، بما يغنيهم عن طلب هذا لدى جماعات «الإسلام السياسي».
ج - الدور الخيري المنزوع السياسة: وكل ما سبق لا يعني منع الجمعيات الأهلية الإسلامية من أداء دورها في النفع العام، والذي يقوم على النزوع الديني إلى التراحم والتكافل، ولكن عدم السماح لها، من خلال القانون، بأن تستغل إمكاناتها في هذه الناحية في تعبئة الناس سياسياً. فالتجربة تقول بوضوح إن هذا التيار قد استغل بنيته الأساسية التي كونها في المدارس والمستوصفات والمتاجر لدفع الناس كي يلتفوا حوله، فيدافعون عنه، ويشكلون بيئة حاضنة له، ويصوتون له في الانتخابات، ويعولون عليه في انتشالهم من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها.
ثالثا - إطلاق الحوار: فالتجربة تقول بجلاء إن أتباع هذا التيار يتمسكون به أكثر كلما شعروا بأن هناك من يعلن الحرب عليهم، فوقتها يظنون أن ما لديهم ثمين، لدرجة أن هناك من يقاتلهم عليه، ويلوذون بجماعاتهم أكثر كي تحميهم، فتؤوي المطاردين، وتعول أسر المسجونين، وتتفنن في ابتكار الطرق التي تمكنها من مواصلة طرح خطابها على النخب وعموم الناس والتحايل في مواجهة من يقصدون تحجيمها. أما الحوار فقد أدى في بعض التجارب إلى انفضاض كثيرين من الأتباع عن تنظيماتهم، بعد أن اهتز في رؤوسهم اليقين الزائف، وأدركوا خطأ أفكارهم، وعدم صواب قياداتهم طيلة الوقت وفي كل المواقف كما يزعمون.
لكن الحوار يجب ألا يجري بلا ترتيب أو تخطيط، إنما وفق خطة واضحة المعالم، ينهض بها علماء من التخصصات كافة، وتتوافر لها الإمكانات كافة، ويجب ألا تقتصر على السلطة إنما يساهم فيها المجتمع المدني والمفكرون المستقلون.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.