زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب قبالة أرخبيل فانواتو    رئيس وزراء السنغال يلتقي وفد مجلس الشورى في العاصمة دكار    إسرائيل.. استعمارية حاقدة    رياح نشطة على أجزاء من الشرقية والرياض    إصدار كتاب حول الأحداث البارزة لمنتدى التعاون الصيني- العربي على مدى ال20 عاما    «عيادات دله» تسعى لتقديم خدمات طبية بجودة عالية لأفراد الأسرة وطب الأسرة: رعاية وقائية وعلاجية بالقرب منك    ماكرون واللجنة الوزارية يبحثان التحرك لإيقاف الحرب على غزة    موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية تكرم الزعيم    أمير تبوك يرعى حفل تكريم خريجي مدارس الملك عبد العزيز    السعودية تفوز باستضافة منتدى الأونكتاد العالمي لسلاسل التوريد لعام 2026    مغادرة أولى رحلات «طريق مكة» من المغرب    السعودية تختتم مشاركتها في المنتدى العالمي للمياه بحصد جائزة أفضل جناح    هارفارد تشهد تخرج 60 طالباً سعودياً    الأهلي المصري يتوج بدوري أبطال إفريقيا    الحرارة في 4 أسابيع ترتفع إلى 48 مئوية في المناطق    د.الربيعة المملكة ملتزمة بإنقاذ الأرواح وحماية المستقبل    «التعليم» تحدد ضوابط تقييم أداء المديرين والمعلمين    فلسطين والعالم.. لحظة اختبار تأريخية    مستقبل الطيران.. موقع السعودية !    أكد حرص القيادة على راحة الحجاج.. أمير الشمالية يتفقّد الخدمات في« جديدة عرعر»    عزى هاتفياً رئيس السلطة بالإنابة في إيران.. ولي العهد وماكرون يبحثان تطوير التعاون ومستجدات غزة    صراع الهبوط يشعل الجولة الأخيرة    قطبا الكرة السعودية وكأس الملك    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج دورة الضباط الجامعيين    هاتفياً.. ولي العهد يعزي رئيس إيران المؤقت في وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومرافقيهم    توثيق النجاح    عفوا.. «ميكروفون الحارس يزعجنا» !    «مجرم» يتقمص شخصية عامل نظافة ل20 عاماً    الماء (3)    مدير عام تعليم جازان يعتمد حركة توزيع المعلّمين والمعلّمات الجدد    رمز الضيافة العربية    عرض فيلم " نورة " في مهرجان كان    المملكة ترحب بقرار «العدل الدولية»    حلقة نقاش عن استعدادات "رئاسة الهيئة" لموسم الحج    يطلق عروسه بسبب لون عينيها    "جامعة الحدود الشمالية" في خدمة الحجيج    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل مفهوم خدمة ضيوف الرحمن    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور «بAI»    مبدأ لا حياد عنه    مختصون ينصحون بتجنّب القهوة والشاي قبله ب 3 ساعات.. «النوم الصحي» يعزز الطاقة والتوازن في الحج    تحمي من الأمراض المختلفة.. استشاري: لهذه الأسباب تكمن أهمية «تطعيمات الحج»    باريس سان جيرمان يهزم ليون ويتوج بكأس فرنسا في ليلة وداع مبابي    كأس الملك.. هلالي أم نصراوي؟!    أجانب الشباب تكملة عدد    الدفاع المدني: تمديد التراخيص متاح عبر «أبشر أعمال»    ضبط مبتز سوري    الجدعان يشارك في "اجتماع وزراء المالية" لمجموعة السبع    حماية السلاحف    ولي العهد يعزي محمد مخبر هاتفياً في وفاة رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما    «سكوبس» العالمية تصنف مجلة «الهندسة» بجامعة الملك خالد ضمن قواعدها العلمية    عملية قلب مفتوح تنقذ حياة حاج بنغلاديشي    حضور سعودي في اختتام "كان السينمائي"    نجوم يتنافسون على «جائزة الدانة» في البحرين    أمير تبوك يرعى حفل تكريم مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية    عبدالعزيز بن سعد يزف خريجي جامعة حائل        المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الازدراء بالإيديولوجيا وحضورها في الفلسفة
نشر في الحياة يوم 09 - 01 - 2011

أقرّ في الفكر السياسي العربي المعاصر أن الإيديولوجيا ما هي إلا وعي زائف ومغلوط، وأن الفكر الإيديولوجي مرادف للاّعقل وأنه يعمل في سياق تاريخي معيّن، وفي خدمة جماعة محدّدة، قوميّة أو طبقيّة أو دينيّة ترى إلى نفسها رؤية شاملة وتحاول أن تسبغ على مصالحها الذاتية طابعاً إنسانياً كونياً. وعلى هذا فالعقل المعياري في الإيديولوجيا مروّض إلى أبعد حدود الترويض، نشاطه محدّد بالدفاع عن الحقيقة النافعة للجماعة الإيديولوجيّة، ممنوع عليه أن يتجاوزها أو مساءلتها مساءلةً نظرية خالصة تهدّد النواة الاعتقاديّة الإيمانية التي هي أساس كل إيديولوجيا والقاعدة المؤسّسة لبنيتها. فالإيديولوجيّة كما يقول ناصيف نصّار، منظومة فكرية ترتكز على الإيمان، وتتحدر من الإيمان، وتتحرّك بالإيمان، وهي من أقوى وأعمّ الأشكال المفتوحة لتأثير اللاعقل في مجتمعات عصرنا.
هكذا بات على الفلسفة التي دأبها الحقائق المطلقة والتصوّرات الكونيّة الشاملة ومصلحة الإنسان بما هو إنسان متعالٍ على الجماعات والقوميّات والإنتماءات، أن تثبت براءتها من تهمة الوعي الإيديولوجي للعالم، العامل على تغييب الواقع أو تقنيعه وتزييفه بهدف توظيفه في خدمة المسلّمات الإيمانيّة للإيديولوجيا.
ينهل هذا الموقف من الإيديولوجيا والفكر الإيديولوجي من مصدر ماركسي، فإلى ماركس في مؤلفاته الأولى، وإلى «الإيديولوجيا الألمانية» بخاصة، يعود الفضل في بلورة أغلب المعاني في موضوع الإيديولوجيا، وفي تركيب تصور إزاء علاقة هذا المفهوم بالصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي.
في «الإيديولوجيا الألمانية» أبرز ماركس ارتباط الأفكار والوعي والتصوّرات أولاً وبصورة مباشرة بنشاط البشر المادي وانبثاقها عن سلوكهم المادي. إنّه ليس الوعي الذي يحدّد الحياة كما يقول، وإنّما الحياة هي التي تحدّد الوعي. ومن هنا تفقد الأخلاق والدين والميتافيزيقيا كل استقلال ذاتي. وبالتالي، فالأفكار السائدة في حقبة معيّنة من التاريخ، ما هي إلا ترجمة ذهنيّة للعلاقات المادية القائمة في تلك الحقبة. موقف ماركس من الإيديولوجيا والوعي في «الإيديولوجيا الألمانية» الذي يتكئ عليه رفض الإيديولوجيا والإزدراء بها في الفكر العربي المعاصر، لا يأخذ في الحسبان ما جاء في رسائل ماركس وإنغلز من إعادة اعتبار للعوامل الإيديولوجية ودورها في التاريخ الإنساني حيث أسند للأشكال الحقوقيّة والنظريات السياسية والفلسفية والآراء الدينية دور معيّن وإن لم يكن الدور الحاسم. فما يُسمّى بالعقيدة الإيديولوجيّة، كما يقول إنغلز، يؤثر في البناء التحتي ويمكنه ضمن حدود معيّنة أن يعدّله.
في المقابل لا يمكن تبرئة الفلسفي من الإيديولوجي، فالفلسفة كما يقول ماركوز هي «في جوهرها إيديولوجيا، والطابع الإيديولوجي هو القدر الحقيقي للفلسفة. وليس في استطاعة أي مذهب وضعي أو علمي أن يلغي هذا الطابع». إن الإيديولوجي حاضر دائماً بصورة وبأخرى في الفلسفي والمعرفي، ثمة تداخل وتواصل بينهما، على رغم ابتعادهما أو تناقضهما في الظاهر. ألم تكن عقلانيّة ديكارت على ارتباط بصراع الفئة الثالثة في فرنسا مع الكنيسة والأرستوقراطية؟ أليست فلسفة ليبنتز محاولة للتوفيق بين تطلعات البورجوازية الألمانية الناشئة والإقطاع القديم؟ وهل تفهم الماركسية إلا بربطها بأزمة التأخر الألماني بالنسبة إلى الاقتصاد الانكليزي والتطوّر السياسي الفرنسي وظهور الطبقة العاملة الأوروبية؟ ألم تظهر الوضعيّة في سياق الثقافة الأوروبية كردة فعل ضد تخلّف الميتافيزيقيا الذي أشار إليه كانط؟
إنّ اجتثاث الفكر الفلسفي من سياقه الحضاري وإغفال بعده الإيديولوجي الضمني يجرّد الفلسفة من تاريخيّتها ويحيلها إلى مطلقات متعالية على الزمان والمكان والناس، والفكر الفلسفي العربي المعاصر كما الفكر الغربي عميق الوشائج بالإيديولوجي، فثمة أسباب إيديولوجيّة تقف وراء وجوديّة عبد الرحمن بدوي ووضعيّة زكي نجيب محمود وماركسية محمود أمين العالم. واختيار عبدالعزيز الدوري كتابة تاريخ الأمّة العربيّة، أو كتابة كمال الصليبي كتابة تاريخ لبنان، أو دراسة محمد عابد الجابري وناصيف نصار وعبدالله العروي لابن خلدون على صلة كلّها بتوجّه إيديولوجي ثاوٍ وراءها.
لا نبغي من خلال إثبات الخلفية الإيديولوجيّة للفلسفة نفي كونيّتها، وردّها إلى خصوصيّة حضاريّة ضيّقة، الأمر الذي لا يتردد في تبنّيه بعض المفكرين القومويين أو الأصوليين، وإنما تأكيد جدليّة الكونيّة والذاتيّة، الفلسفة والإيديولوجيا، في الفكر الإنساني عموماً وفي الفكر العربي بالذات، ما لا بدّ منه لحركة فكرية إبداعيّة عربية عابرة للحدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.