يعالج عرض «واحدة حلوة» الذي يُقدَّم على خشبة «مسرح الطليعة» في القاهرة، مسألة متكررة في المسرح المصري وهي عدم تحديد الخط الفاصل بين الإعداد والكتابة. في العرض المأخوذ عن نص «إمرأة وحيدة» للكاتبين الإيطاليين داريو فو وزوجته فرانكا رامه، حذف المخرج أكرم مصطفى بعض الجمل واستعاض عنها بجمل أخف وطأة وإن كانت تشير إلى المضمون ذاته، كما جعل البطلة (مروة عيد) تنتحر بدلاً من أن تنتظر زوجها حاملة بندقيتها كما في النص الأصلي، وبدلاً من أن تستمع إلى موسيقى الروك، جعلها تستمع إلى أغنية نجاة الصغيرة «أنا بستناك»، كما أظهرها بملابس محتشمة عكس الأصل، ولم يتعرض لبعض الأحداث الواردة في العمل الأم. هكذا أجرى المخرج تغييرات طفيفة، لكنه على رغم ذلك كتب على «بامفليت» العرض عبارة «كتابة وإخراج أكرم مصطفى»، وإن كتب كذلك: «عن امرأة وحيدة لداريو فو وفرانكا رامه». أما مدير «مسرح الطليعة» شادي سرور، وهو أحد المخرجين المسرحيين البارزين في مصر، فكتب أن العرض من تأليف أكرم مصطفى وإخراجه، وأنه يتصدى لهموم المرأة المصرية ومشكلاتها وكأن إبدال اسم صباح بطلة «واحدة حلوة» باسم شارون بطلة «امرأة وحيدة»، قصر الهموم التي يطرحها العرض على المرأة المصرية، على رغم انها هموم تعانيها المرأة في غالبية المجتمعات. هي أمور قد يراها البعض شكلية، لكنها تصب في مسألة وعي المخرج أو المعدّ بما يصنعه وفي فكرة «حق الملكية». في «واحدة حلوة» نحن أمام امرأة ممزّقة بين همومها المنزلية وتربية ابنيها، وبين زوجها الذي يتعامل معها بعنف خصوصاً بعدما اكتشف خيانتها له، وبين مطارديها من الرجال الذين لا ينشغلون سوى بجسدها. شقيق الزوج المقيم معها في البيت بعد إصابته في حادث أدى إلى تقاعده وفقدانه القدرة على الكلام، لا يكفّ عن التحرش بها، وشخص آخر يطاردها عبر الهاتف بعبارات جنسية فجة، وجارها يتلصص عليها، ومعلم اللغة الذي ظنت أنه يحبها تكتشف أنه يشتهيها فقط. إنها الهموم ذاتها التي تعانيها المرأة في غالبية المجتمعات، هي مثل الآلة، للاستعمال من دون النظر إلى حاجاتها الروحية التي حاولت التماسها من شخص آخر غير الزوج «معلم اللغة» وظنت أنها وجدت هدفها معه، لكنها تكتشف أنه يبحث فقط عن المتعة. نحن أمام امرأة ليست منحلّة وليست خائنة بطبعها لكن الظروف المحيطة بها تجعلها في لحظة ما في اشتياق إلى من يلامس روحها لا جسدها، يعاملها كإنسانة لا كآلة، كما يفعل زوجها معها، لكنها في كل مرة تعود بالأسى ذاته. غرفة معيشة فيها بعض الأدوات المتناثرة ومقاعد وأبواب أحدها باب غرفة نومها والآخر باب غرفة شقيق زوجها والثالث هو باب المنزل الذي أغلقه الزوج عليها بعد اكتشافه الخيانة. من شرفة في مواجهة الجمهور، تتحدث المرأة إلى جارة وهمية تلتقيها للمرة الأولى، وخلال ذلك تتصاعد دراما العرض وتتشابك وتتعدد المواقف التي جسدتها الممثلة ببراعة فائقة، متنقلة بين لحظات الفرح ولحظات الحزن والتوتر والخوف وخيبة الأمل، بسلاسة ونعومة. لم تفلت منها الشخصية طوال 50 دقيقة، وهي مدة العرض الذي ينتمي إلى «المونودراما»، وهي نوعية تعتمد على أداء الممثل بالدرجة الأولى. فحتى لو كان الموضوع المطروح غير مشوّق، فإن قدرة الممثل على التنويع والانتقال من حالة إلى أخرى، كفيلة بضمان استمرار الجمهور في المشاهدة. في إطار الإعداد، نجح أكرم مصطفى في تقليم أظافر النص بما يناسب طبيعة المجتمع المصري، وبما يُفلِته من تحكّمات الرقابة، من غير أن يؤثر ذلك سلباً في العرض ككل. فثمة إشارات وإيحاءات كانت توصل المعنى الحرفي الذي قصده النص الأصلي تحديداً. الديكور (فادي فوكيه) جاء من دون إسراف في تفاصيل لا تؤدي وظيفة ما، فكل ما على منصة التمثيل ليس مجانياً، ويؤدي في الوقت ذاته دوراً جمالياً في صناعة الصورة. وجاءت الإضاءة كذلك مقتصدة، إذ غلبت الإنارة على المَشاهد باستثناء تلك المتوترة أو المشحونة بالحركة. «واحدة حلوة» عرض لا يقدم امرأة سوية على طول الخط، وإن كانت ضحية مجتمع فج عنيف وعدواني، لا مكان ولا وقت عنده لقضايا الروح. هو عرض يدفعك إلى التعاطف مع المرأة في مأساتها التي تكمن في نظرة المجتمع إليها وإهماله حاجاتها الروحية ورغبتها في لمسة حانية تشعرها بإنسانيتها.