تسود في الأوساط المحليّة وعلى مستوى الكثير من فئات المجتمع، مسألة الحرص على الأعمال التي تنتسب إلى القطاع الحكومي، وتجنّب القطاع الخاص والحذر منه، من منطلق أن الأول من شأنه ضمان المستقبل المادي للفرد وأسرته، منذ بداية العمل، حتى بعد التقاعد، في الوقت الذي تكاد تكون فيه هذه الميزة غائبة عن القطاع الخاص، ليشكّل هذا الأمر المحكّ الذي يقود الكثير من الخرّيجين والخرّيجات إلى الانتظار لفترة من الزمن، حتى يتم الحصول على وظيفة حكومية في أي جهة كانت، وبصرف النظر عن كونها متناسبة أو غير متناسبة مع التخصّص الذي تم التخرّج منه. وعلى رغم أن حصول الخرّيجين على الوظائف الحكومية التي يرغبون فيها ليس بالأمر السهل، إلا أن مجموعة منهم على استعداد تام لمعايشة البطالة موقتاً، حتى تطرح الخدمة المدنية أسماءهم من خلال إعلانها عن ولادة وظائف جديدة في مجموعة من الجهات، أو بتدخّل الواسطة للقيام بالتوظيف الفوري، من دون الحاجة إلى انتظار بيانات الخدمة المدنية، وكل ذلك يأتي بهدف تحقيق الرغبة الأهم، وهي الوظيفة الحكومية، بل إن بعضهم قد يجدون الفرص العملية في القطاع الخاص، بيد أنهم لا يتعاملون معها إلا من خلال تجاهلها بكثير من الحجج، أو بالأخذ بها وجعلها وظائف موقتة، يمكن من خلالها تجنّب البطالة، وإمكان الحصول مع نهاية كل شهر على ما يسدّ الحاجة، لتصبح الوظيفة الحكومية بشقيها المدني والعسكري، في مقدم الأولويات التي يطمح إليها الكثير من السعوديين. «ليقولوا عني محدود الطموح، إذا كانت هذه المحدودية يقابلها أمان وظيفي»، هكذا استهل الموظّف في إحدى الجامعات عبدالعزيز الناصر حديثه، إذ يرى أن الطموح لا يفترض أن يقف أمام الضمان المادي والوظيفي، ويضيف: «ما الفائدة عندما أكون ذا طموح عالٍ، من دون أن أجد ما يتوافق معه؟ أقرّ بأن وظيفتي الحالية لا تتناسب مع رغباتي وطموحاتي، فهي في معظم ساعتها لا تكون إلا لقراءة الصحف وتصفّح الإنترنت وتناول الإفطار، لكنها في الوقت ذاته تشعرني بأني في مكان آمن، أضمن فيه الجانب المادي الذي يشكّل عصب الحياة». ويعتبر الموظّف في إحدى شركات الإلكترونيات عبدالمحسن الصالح أنه من المستحيل أن يقبل الاستمرار في وظيفته لسنوات عدة، مرجعاً ذلك إلى أن أنظمة القطاع الخاص تفتقر إلى تحقيق الأمان المادي لمن ينتسب إليها، ويقول: «اليوم أو غداً قد تستغني عني هذا الشركة، ومن دون ذكر أسباب إن شاءت، ولا أحد سيحاسبها أو يسألها لماذا قامت بذلك، فالمرور بأزمة مالية أو عدم إعجاب مديري المباشر بي، يعدان من الأسباب الكفيلة بإبعادي، لذا اخترت العمل فيها حالياً حتى أتلقى اتصالاً من إحدى الجهات التي وزّعت ملفي الأخضر عليها». ويقول الموظّف في إحدى الوزارات إبراهيم المرشد: «من ينتقد المهتمين بالوظائف الحكومية، هم في الغالب يعيشون حالاً مادية جيدة، فكأنهم بانتقادهم يرغبون في أن نقبل بوظائف لا يقلّ عدد ساعات العمل فيها عن 8 ساعات، وبراتب شهري لا يتجاوز 4 آلاف ريال، هذا الوضع السائد في القطاع الخاص هو ما يجبرنا عن تجنّبه، فلا يجب مطالبتنا بالإنتاجية العالية من دون أن تتوافر البيئة التي تؤهل لذلك»، مشيراً إلى الوجود الكثيف للوافدين في القطاع الخاص، «الوافدون أتوا للعمل فترة، فهم لا ينتظرون راتباً تقاعدياً أو غيره من المزايا، على النقيض منا كمواطنين».