الحكومة اليمنية تدين حملة اختطاف الحوثيين لعشرات الموظفين الأمميين    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    بايدن يعتذر لزيلينسكي عن تعليق المساعدات الأمريكية 6 أشهر    «أرامكو»: 27.25 ريال سعر الطرح النهائي للأسهم للمكتتبين الأفراد    تطمينات "أوبك+" تصعد بالنفط    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    «ميدل إيست آي»: مقترح «الهدنة» الإسرائيلي لا يتضمن إنهاء الحرب    "ميتا" تتيح إعلانات الشركات على واتساب ب"الذكاء"    ثغرة في أدوات الرقابة الأبوية بأجهزة آبل    يايسله يطلب بديلاً لفيرمينو في الأهلي    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    البسامي يدشن مركز المراقبة على الطرق    "سدايا" تحصد الآيزو بإدارة الذكاء الاصطناعي    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    بطلب من رونالدو.. 6 لاعبين على رادار النصر    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    قرض تنموي سعودي ب103 ملايين دولار لتمويل إنشاء وتجهيز مستشفى كارلوس سينتينز في نيكاراغوا    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    المسحل يتحدث عن تأهل السعودية إلى المرحلة الثالثة من تصفيات كأس العالم    تراجع الدولار واليوان وصعود اليورو أمام الروبل الروسي    الأحمدي يكتب.. في مثل هذا اليوم انتصر الهلال    ماكرون يتعهد بتقديم مقاتلات ميراج إلى أوكرانيا    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    أغنيات الأسى    الحقيل يفتتح مركز دعم المستثمرين بالمدينة المنورة ويتفقد عدداً من المشاريع البلدية    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "ابن نافل" يسعى لكرسي رئاسة الهلال من جديد    "بوليفارد رياض سيتي" و" أريناSEF " تستضيف كأس العالم للرياضات الإلكترونية    "الأرصاد": موجة حارة على منطقة المدينة المنورة    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وفد من مجموعة البنك الدولي يزور هيئة تقويم التعليم والتدريب    الركن الخامس.. منظومة متكاملة    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    مع التحية إلى معالي وزير التعليم    عمارة الحرمين.. بناء مستمر    بحضور وزير الاستثمار ومحافظ الزلفي.. وزير التعليم يرعى حفل جائزة الفهد لحفظ القران    أشهُرٌ معلومات    التطوع والحج    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    كيف تبني علامة تجارية قوية عبر المحتوى ؟    الاتفاق يُحدد موقفه من فوفانا وجوتا    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    انطلاق أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهام القحطاني: شخصيتي الشرسة تخيف المثقفين... والثقافة السعودية مجرد «لعبة»!
نشر في الحياة يوم 07 - 12 - 2010

تؤكّد الناقدة والكاتبة سهام القحطاني، أنه قبل البحث في مساهمة النقد النسوي في اكتشاف الخصوصية الإبداعية للكاتبة السعودية لا بد من التوقف عند مسألة مهمة وهي هل الكاتبة السعودية تملك هوية مستقلة؟ وهل تملك أجندة فكرية من خلال قضية أو إشكالية أو موقف إنساني أو اجتماعي أو فلسفي أو سياسي يتعلق بالمرأة تتبناه من خلال نصها الأدبي؟ مشيرة إلى أن كتابها عن الإمام محمد عبدالوهاب لم يحظ بأي اهتمام من المثقفين السعوديين، وعزت ذلك إلى أن فكرته قد تكون جريئة وحساسة.
«&» التقت سهام القحطاني وحاورتها حول عدد من القضايا الثقافية والأدبية... فإلى الحوار:
من يقرأ مقالاتك يتبادر له أنك تنطلقين من أجندة «نسوية»، وأن كل ما يصدر عنك يترجم الرؤى والأهداف التي يعبّر عنها النقد النسوي، ما تعليقك؟
- أولاً أنا أنطلق من أجندة «فكرية» وليست نسوية، لأني أؤمن بأن كل ما يدرج تحت اسم «النسوية» في الأدب والنقد يكرس التمييز ضد المرأة، وأشبه بالعرف الديني لدينا «للنساء فقط»! ثانياً: الكاتب سواء الرجل أم المرأة في الشؤون الثقافية أو الفكرية أو السياسية وهي الشؤون التي أهتم بها، لا يؤسس أجندته الثقافية أو الفكرية أو السياسية من منطلقات «نسوية» أو «رجالية»، بل من خلال سلّم معرفي يراعي فيه مواصفات التفكير المنطقي لمفهوم التطور والنهضة والتغير والتغيير والنقد والتحليل وآلياته، ومنظومات الثوابت والتحولات، وبالتالي فالاشتراك في مصدر إجرائية التفكير يلغي خاصية التمييز ونوعيته، ويُثبت صفة المساواة ويحققها. ثالثاً: تسعى «الأجندة النسوية» إلى حصر الكتابة في «قضايا المرأة» سواء على مستوى كليات تلك القضايا أو تفاصيلها أو القوانين المترتبة عليهما، وهي تنظر لكل ما تكتبه المرأة من منطلق نوعي لا من قيمة الكينونة الفكرية لها.
وأنا عندما أتحدث عن حقوق المثقفة السعودية في صناعة القرار الثقافي الرسمي، وحقوق المرأة السعودية السياسية ومشاركتها في صياغة القرار الرسمي عبر الحقائب الوزارية، فأنا هنا لا أعبّر عن مواضيع «الأجندة النسوية» بل الحديث عن هذين الأمرين جزء من المنظومة الثقافية والمنظومة السياسية العامتين، فالمرأة جزء من المنظومة النهضوية للمجتمع مثل الرجل والطفل وطرائق التعليم والمناهج، في حين أن الأجندة النسوية تسعى إلى فصل المرأة عن المنظومة النهضوية الكلية للمجتمع، وبالتالي فهي تكرّس التمييز ضد المرأة وتسحبها من فضاء المساواة إلى دائرة النوعية، لذا دائماً أعتبر «النسوية» الباطل الذي أُريد به الحق.
النقد النسوي هل أسهم في إبراز الخصوصية الإبداعية للكاتبة السعودية، أم نتاج للحال الاجتماعية؟
- علينا أولاً أن نعرف هدف النقد النسوي وطبيعة المواضيع التي تحقق له ذلك الهدف.
يهدف النقد النسوي إلى «درس هوية المرأة وذاتها وقضاياها وإشكالياتها النفسية والاجتماعية والسياسية» من خلال تحليل الأعمال التي تنتجها المرأة سواء على مستوى الأفكار أو اللغة ومن خلال صورة المرأة في الأعمال التي ينتجها الرجل، فالكاتب الرجل قد تكون له أيضاً «أجندة نسوية» مثل الكاتبة المرأة. وقبل البحث في إسهام النقد النسوي في اكتشاف الخصوصية الإبداعية للكاتبة السعودية، علينا التوقف عند مسألة مهمة وهي: هل الكاتبة السعودية القاصة والروائية والشاعرة «تملك هوية وذاتاً مستقلة إنسانية وأدبية»؟ هل «تملك أجندة فكرية من خلال قضية أو إشكالية أو موقف إنساني أو اجتماعي أو فلسفي أو سياسي يتعلق بالمرأة تتبناه من خلال نصها الأدبي»؟ لأن النقد النسوي يبحث عما تتبناه الكاتبة الإبداعية من فكر يتعلق بقضايا المرأة وإشكالياتها المختلفة من خلال التجربة الإبداعية، وتفكيك تلك التجربة للحصول على هوية وذات الكاتبة الإبداعية كمفهوم جمعي، وليس مجرد حال اجتماعية تُفرّغ من مضمونها الفكري الحقوقي.
ووفق خصائص الأدب النسوي فالأعم الغلاب من النصوص الروائية التي تكتبها المرأة لدينا مجرد «ثرثرة حريمية» أو «يوميات طفولية» أو «جنس وإثارة». ولذلك وحسبما أعتقد إذا قمنا بجرد لكل النصوص الأدبية على مستوى الرواية ووفق خصائص النص النسوي فلن نجد ما يحقق خصائص النص الذي يمكن تطبيق النقد النسوي عليه، وإن كانت روايتا أميمة الخميس وروايتا ليلى الجهني ورواية نورة الغامدي ممكن أن نجد فيها ملامح الأدب النسوي لنضوج الحال الاجتماعية للتجربة الأدبية، لكننا لا نجد الجانب الفكري والحقوقي فيها بصورة فنية ناضجة تتماثل مع نضوج التجربة الأدبية للحال الاجتماعية. وهذا ما يجعلني أزعم أن لدينا نقداً نسوياً تنظيرياً وليس لدينا أدب نسوي تطبيقي.
في رأيك هل من السهولة الابتعاد عن النسوية حين نقارب مواضيع وقضايا حساسة؟
- الكتابة «فعل تمثيلي»، والكاتب الجيد هو الذي يجيد تمثيل كل الأدوار، فهو ناقد ثقافي تارة، وهو محلل سياسي تارة، وهو ناقد اجتماعي تارة ثالثة، والكاتب الجيد عندما يكتب يجب أن يتحرر من أناه وليس من موضوعيته، وهذه هي «المهنية» أن تكتب مستقلاً عن كونك رجلاً أو امرأة، وملتزماً بمعايير السلم المعرفي وطرائق التفكير المنطقي، وهذا ما يمنح الكتابة قوة التأثير والعلم.
ووفق ذلك المبدأ فالكاتب عندما يكتب لا يمثل نفسه بل يعبّر عن صوت الآخر أو هكذا يجب أن يكون، وهو عندما يكتب يهدف إلى إصلاح وتغيير ما يهتم به الآخر، وهذا مفهوم الشراكة الثقافية أن يكون الكاتب لسان وصوت وضمير العقل الجمعي في الدفاع عن ثوابته من ناحية وتحفيزه على ممارسة العصرنة والتغيير من ناحية أخرى.
هل لديك صداقات مع المثقفات، ممن لهن الاهتمامات نفسها والرؤية أيضاً؟
- صداقاتي في الوسط الثقافي سواء على مستوى المثقفات أو المثقفين قليلة جداً بل نادرة، وقد يكون سبب قلة صداقاتي الثقافية طبيعة شخصيتي الحادة والشرسة أحياناً والتي قد تخيف البعض من المثقفين والمثقفات من التواصل معي. وأعتقد أن الوسط الثقافي يحتاج إلى شخصية ديبلوماسية ومرنة وأنا لا أجيد هاتين الصفتين.
ومع ذلك لي صديقات في الوسط الثقافي لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة يتحملن دوماً حدتي وشراستي، أختلف معهن ويختلفن معي في وجهات النظر ولنا اهتمامات مشتركة على مستوى الكليات، وأحياناً تتقاطع اهتماماتنا أو تستقل عن بعضها بعضاً على مستوى التفاصيل، وأعتقد أن هذا هو سر نجاح صداقتنا، وهو أن كلاً منا تحمل رؤية مستقلة عن الأخرى وإن اشتركنا في الاهتمامات العامة، وأن كلاً منّا لها خطها الثقافي والفكري المختلف عن الأخرى، وأن كلاً منا لها استراتيجية إجرائية لمعالجة الإشكاليات المختلفة، وأن كلاً منا لا تفرض على الأخرى أن تتبنى وجهة نظرها، لأن الصداقة يجب أن تظل داعمة للاستقلال الفكري للأصدقاء، وليست داعمة للتبعية ومبدأ «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».
هل تعتقدين أن كلمة «المثقفة» مرّت بمراحل حتى تستقر في ذهنية الرجل، ثم يبدأ نطقها والتعامل معها؟
- المشكلة في الأساس أن المصطلح في عمومياته يواجه مأزقاً مفهومياً قبل خصوصيته، أقصد أن لدينا مأزقاً في تحديد مفهوم المثقف وخصائصه حتى الآن، ووفق المأزق العام يمكننا اعتبار حصول المأزق الخاص لمفهوم المثقفة واقعاً. لأن ما يحدد مفهوم المثقف وخصائصه يحدد على الاعتبار مفهوم المثقفة وخصائصه، وبذلك فما يحدد دور ومسؤولية المثقفة في ذهنية الرجل يتساوى مع يحدد دور ومسؤولية المثقف في الذهنية نفسها،هذا في حال توافر النموذج المنجز للمثقف الذي يقيس عليه دور ومسؤولية المثقفة، وأظنه غير متوافر لدينا كنموذج.
ولو تجاوزنا ذلك الأفق الاعتباري لقيمة معرفة المفهوم وما يترتب عليه من صلاحيات فكرية وسلوكية. أزعم أن المثقف السعودي حتى الآن لم يؤمن بجدية المرأة في ممارسة الفعل الثقافي، فهي في رأيه تمارس الفعل الثقافي من باب التسلية أو قضاء وقت الفراغ أو من قبيل الثرثرة الحريمية، وغياب تلك الجدية يفقدها تأثيرها المستديم في المشهد الثقافي على رغم وجودها الملموس في السوق الثقافية السعودية والعربية، وهذا الرأي صحيح غالباً حسبما أعتقد؛ ليس لأن المشهد الثقافي السعودي مازال ذكورياً بامتياز فقط، بل لأن المثقفة السعودية لا تزال في حاجة إلى أن تصمم لها استراتيجية فكرية تبني عليها مواقفها الثقافية لتُثبت جديتها وتحقق تأثيرها في صناعة القرار الثقافي الاجتماعي.
فالمثقفة السعودية مثل المثقف السعودي يطرحان أفكاراً ثقافية ولا يتبنيان مواقف ثقافية، وهذا ما يجعل الثقافة السعودية مجرد لعبة «خيال الظل»، تتأثر ولا تؤثر.
الخطاب الديني والخطاب الثقافي السعودي هل هناك تعارض بينهما؟
- أستطيع أن أقول ليس لدينا خطاب ثقافي بل لدينا نصوص ثقافية، والنص الثقافي يتحول إلى خطاب إذا امتلك السلطة على التأثير في المتلقي ودفع المتلقي إلى تبني مواقف النص الثقافي وتنفيذها. وإذا تأملنا المتلقي السعودي سنجد أنه يتحرك وفق تأثيرات الخطاب الديني الذي مازال هو المالك لسلطة التأثير والمتحكم في العقل الجمعي وسلوكيات المجتمع، والمتحكم في بناء مواقفه وصياغة رؤيته التقويمية للمستجدات. ينبني النص الثقافي لدينا على فكرة أن سبب التخلف الاجتماعي والفكري في المجتمع السعودي هو الخطاب الديني، كما يدعو النص الثقافي السعودي إلى التخفيف من سلطة الخطاب الديني من خلال تقاسم السلطة مع النص الثقافي والقانون الوضعي، كما يدعو النص الثقافي السعودي إلى «علمنة» العقل الاجتماعي، وهي دعوة تُفقد الخطاب الديني سلطته وتحوله إلى مجموعة من النصوص الدينية التي تهتم بالسلوك الفردي وليس العقل الجمعي، ووفق هذا الموجز التحليلي نلاحظ أن هناك تقاطعاً بين النص الثقافي السعودي والخطاب الديني.
وكيف يمكن صياغة فكر تنويري يتناسب مع عصر العولمة؟
- صياغة أي فكر تنويري تعتمد على أمرين: المصدر والمنظومة الإجرائية، والمصدر عبارة عن النص السياسي والنص التعليمي والنص الثقافي، والمنظومة الإجرائية هي القوانين والطرائق والآليات، التي تسهم في تنفيذ تلك النصوص، لذلك يجب أن يكون هناك توازن بين مصدر التنوير ومنظومته الإجرائية، فلا يمكن أن يتحقق التنوير في وجود المصدر وغياب المنظومة الإجرائية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك في وجود المنظومة الإجرائية وغياب المصدر، وفي السعودية نفتقد المنظومة الإجرائية للتنوير كما نفتقد المصدر الذي يُشرع لمادة التنوير، لدينا مجرد أفكار تنويرية وإمكانات تنويرية غير مُفعّلة، ولذلك قلت مرة إننا نتعامل مع النظام العالمي «بساق عرجاء»، فالتنوير والعولمة والنظام العالمي لا تتحقق إلا في وجود «مجتمع المعرفة»، وهذا المجتمع لا يتحقق إلا في ضوء ثنائية المصدر والمنظومة الإجرائية معاً، إضافة إلى توافر الحرية والديموقراطية والانفتاح على الآخر والاهتمام بالبحث العلمي وتقنية التعليم ومشاركة الفرد في صناعة القرار.
تقولين نتعامل مع النظام العالمي ب «ساق عرجاء»، وبما أننا نمر الآن بمرحلة انفتاح على قنوات المعرفة المختلفة، كيف ترين مسيرة التغيير لدينا، وما هي العوائق في رأيك؟
- أجبت سابقاً عما أقصده في الجزء الأول من السؤال، أما في ما يتعلق بمسألة الانفتاح المعرفي ومسيرة التغيير في المجتمع السعودي، فأستطيع أن أقول إن هناك انفتاحاً تحديثياً حاصلاً في المجتمع السعودي وليس انفتاحاً معرفياً، لأن الانفتاح التحديثي أسهل كلفة من الانفتاح المعرفي، كما أنه لا يستلزم منظومة إجرائية أو مصدراً تشريعياً خاصاً به، أو وعياً خاصاً يتمرد على سلطة العقل الجمعي، خلاف الانفتاح المعرفي، إضافة إلى أن الانفتاح التحديثي هو سلوك استهلاكي لتجارب وخبرات الآخر، في حين الانفتاح المعرفي هو مشاركة الآخر في الصياغة المستديمة لتجارب وخبرات مجتمع المعرفة.
ولو أخذنا مثالاً بسيطاً لغياب التغيير الحقيقي لدينا، فمئات من أساتذة الجامعات السعوديين الذين درسوا في أرقى جامعات العالم وتعرفوا على قنوات المعرفة المختلفة عندما عادوا ماذا استفاد منهم المجتمع على مستوى التغير والتغيير؟ لا شيء يُذكر، تحولوا إلى مجرد مدرسين في الجامعات، وقد نلتمس لتحولهم ذلك العذر؛ فالعقل المعرفي بمفرده لا يصنع تغييراً بلا مصدر تشريعي لضرورة التغيير ومنظومة إجرائية. وبالتالي لا يتحقق التغيير إلا في ضوء ذلك الثالوث «العقل المعرفي والمصدر التشريعي والمنظومة الإجرائية». ووفق ما سبق فالتغيير الحاصل لدينا هو تغيير شكلاني لا كيفيّ، تغيير زائف غير حقيقي، فالمجتمع السعودي لا يزال مجتمعاً قبلياً عنصرياً على رغم كل مظاهر التحديثات التي تظهر على أشكالنا وأزيائنا وسلوكنا وأبنيتنا، وأعتقد أن عقدة القبليّة هي أهم عائق من عوائق إتمام التغيير الحقيقي للعقل الاجتماعي السعودي، إضافة إلى مناهج التعليم، وكلاسيكية الخطاب الديني والخطاب السياسي، وغياب ثالوثية التغير والتغيير السابقة الذكر.
في تحليلك لثورة التغيير عند محمد بن عبدالوهاب والملك عبدالعزيز في كتاب «حكاية الثورة في السعودية» تقولين: ليس كل ظرف هو حافز على إثارة موقف، وليس كل وعي هو فاعل ومنتج لموقف، ما هي شروط التغيير في رأيك؟
- أولاً: ما قصدته بهذه العبارة في الجزء الأول منها: أن حدوث الثورة والتغيير في المجتمعات مرتبط بظرفيات خاصة تتعلق عادة بأصول مكونات العقل الاجتماعي؛ فأحياناً يكون الظرف السياسي من دون غيره هو الدافع للتغيير، وأحياناً يكون الظرف الاجتماعي من دون غيره هو الدافع للتغيير، وأحياناً يكون الظرف الديني من دون غيره هو الدافع للتغيير، والأمر يرتبط عادة بمكانة ذلك الظرف عند العقل الجمعي وقيمته التأثيرية على إحداث التحوّل.
وقصدت بالجزء الآخر من العبارة، أن ليس كل إنسان قادراً على قيادة الثورة والتغيير حتى لو توافرت له كل إمكانات قيادة الثورة والتغيير، أن تؤمن بالتغيير فقط «الوعي الصوري» يختلف عن أن تؤمن بالتغيير وتخطط له وتمنهجه وتطبقه «الوعي المنتج والفاعل»، فكثير من رجال الدين في عصر الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - آمنوا بضرورة التغيير، لكن ظل إيمانهم وعياً صورياً، والإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - هو وحده الذي آمن بأن التغيير لن يتم إلا عبر الوعي الإجرائي والتخطيط والمنهج وثورة التطبيق. والكثير من أمراء آل سعود كانوا يؤمنون بضرورة استرجاع حكمهم في شبه الجزيرة العربية، لكن من آمن وخطط ومنهج ونفّذ كان رجلاً واحداً فقط هو عبدالعزيز آل سعود. ثانياً: أما شروط التغيير فتتمثل «بالقرار الحكومي» بفرض التغيير عبر الثورة البيضاء من خلال تشريع نصوص التغيير وبناء المنظومة الإجرائية لتنفيذ تلك النصوص ومناهج التعليم وتقنياتها واستراتيجيات الثقافة والإعلام والاهتمام بالقراءة والكتاب، ورفع مستوى جودة إنتاج المواطن من خلال مناهج التدريب التقني، وتفعيل حقوق المرأة والقوانين المترتبة على تفعيل تلك الحقوق، والحرية والديموقراطية من خلال النخب المهنية واتحاد الطلاب، والمشاركة في القرار الاجتماعي، وهذه الثورة البيضاء هي التي تعيد صياغة الوعي الاجتماعي لقبول التغيير وتنفيذه.
ماذا كنت تريدين لقارئك أن يخرج به من كتاب مثل هذا؟
- الهدف من الكتاب هو تقديم تصوّر إجرائي لأبعاد العقل الثوري، وفكّرت في البداية أن أتناول كمال أتاتورك وجمال عبدالناصر وحسن البنا، لكني تراجعت بعد أن قضيت سنة كاملة في تحليل جوانب الشخصيات الثلاث، وقد استخدمها في ما بعد في تطبيقات مختلفة، وسبب تراجعي أنني لم أحبذ «استيراد تجربة ثورية» في حين التاريخ الوطني يحتوي على تجربة ثورية ناضجة وناجحة حتى الآن، كما أنني وجدت أن شخصيتَي الإمام محمد بن عبدالوهاب والملك المؤسس - رحمهما الله - أكثر إثراء على المستوى الاجتماعي والنفسي والعملي، إضافة إلى استمرار إيجابية التأثير والمنجز لكليهما، وأكثر تفاعلاً مع التحليل التأويلي، وإثبات أن التاريخ السعودي يملك روح الثورة والنضال والبطولة، وليس كما نصوّره «مجموعة من الغزوات والحروب» والعنف الدموي.
من يقرأ الكتاب سيلاحظ أنه يعيد اكتشاف شخصيتَي «الإمام محمد بن عبدالوهاب والمؤسس الملك عبدالعزيز - رحمهما الله» وفق تصوّر أبعاد العقل الثوري. فنحن تربينا على أن الإمام محمد بن عبدالوهاب هو رجل دين، لكن الكتاب يقدمه على أنه رجل سياسي من الطراز الرفيع، وقائد ثورة سياسية، وصاحب نظرية إصلاحية تنويرية، مع ملاحظة أن مفاهيم مثل الثورة والإصلاح والتنوير عالجها الكتاب ضمن أفق عصر الإمام، كما يعيد اكتشاف شخصية المؤسس - رحمه الله - من مجرد فارس حارب وفتح إلى قائد ثورة وصاحب نظرية «الدولنة» والإصلاح.
هل تعتقدين أنه لقي الاهتمام الذي يستحقه، أم أن إقبال الكاتبة على تأليف مثل هذه الكتب غير مرحّب به، لما ينطوي عليه من إشكالات وبعد معرفي متشابك، ظل الكاتب لعقود طويلة يعتقد أنه أهلٌ له؟
- للأسف، مع إن الكتاب حقق أعلى المبيعات في دول الخليج ولبنان وتونس، إلا أنه لم يحظ بأي اهتمام من المشهد الثقافي السعودي، قد يكون السبب فكرته الجريئة والحساسة، وكنت أظن أنه سيحظى بقليل من الاهتمام عند الليبراليين خصوصاً، لأنه يناقش بعض المسائل المطروحة على طاولتهم، لكن يبدو أننا أصبحنا نهتم برواية الجنس أكثر من الكتب الفكرية.
وقد أكون أنا السبب لأني لا أجيد تسويق كتبي، لأني أعتقد أن المثقف هو الذي يجب أن يبحث عن الكتاب لا أن يأتي إليه الكتاب. لا شك أن الكتب التي تعالج مواضيع مثل هذه فكرية سياسية فلسفية وقبله كتابي «العذراء والرب قراءة في الخطاب السياسي الأميركي» وكتابي «مساءلة الإله قراءة في هندسة الوعي»، وكتابي الجديد العقل النقدي.. فلسفة التصور الثقافي» لا تحظى بجماهيرية قرائية إذا قسناها بالرواية والقصة والشعر، ولا تحقق مردوداً مادياً مرتفعاً، إضافة إلى أن تعقيد الأسلوب الناتج من تفاصيل التفكيك والتحليل يبعد القارئ عن اقتناء مثل هذه الكتب، لكنها في المقابل تحقق للمؤلف متعة معرفية، ويجب على الكاتب أن يستمتع بالتأليف حتى يتحمل مشاقه ويبدع.
ومن الطريف أن كتابي «حكاية الثورة في السعودية» عرضته على ثلاث دور لبنانية لطبعه وتوزيعه وجميعها رفضت لجرأة موضوع الكتاب، وإحدى الدور طلبت مني أن أكتب رواية بدلاً من السياسية التي تجلب «وجع الرأس» على حد قول مدير الدار.
الرواية المحلية وصلت للعالمية وترجمت إلى لغات عدة، أين ترين جانب التميّز في الرواية السعودية ليصل صوتها للعالم؟
- اعذريني إن قلت حتى الآن، أنا لا أؤمن بأن لدينا رواية محترمة فنياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.