يجمع الزميل مراد بطرس ثلاث مزايا في سياق واحد: جماليات الخط العربي الكلاسيكي والحديث، ومخيلة الفنان التشكيلي القادر على تطويع الأشكال والألوان، وتقنية التصميم الإلكتروني الحديث. وهذا ما يظهر بوضوح في كتابه الصادر حديثاً باللغة الإنكليزية تحت عنوان «العربية للمصممين». صحيح أن الكتاب موجه إلى المصممين البريطانيين المتخصصين، بحيث يشكل بالنسبة إليهم دليلاً تنفيذياً للتعامل مع الصعاب التي تطرأ في العادة على توظيف الخط العربي في بيئة تقنية أجنبية. لكن الصحيح أيضاً أن محتويات الكتاب مناسبة كذلك للمصممين العرب لجهة أن المعلومات المتوافرة في النص هي نتاج خبرة عقود أمضاها المؤلف في ميدان الخط والتصميم الطباعي. مع مراد بطرس، يتحول التصميم بالخط العربي إلى عمل فني يأخذ في الاعتبار التعقيدات الثقافية والتقنية الخاصة بالأبجدية العربية. ويهدف المؤلف إلى أخذ يد المصمم الأجنبي في رحلة معرفية لتبيان أن التعامل مع الخط العربي ليس بالصعوبة التي يبدو عليها للوهلة الأولى، ما دام هناك تفهم للخصائص الثقافية العربية واحترام لها. وإلى جانب الشرح النظري المكثف في «العربية للمصممين»، ضمّن بطرس كتابه عشرات الصور والتصاميم التي تعكس قدرة المزج بين العربية والتقنيات الحديثة على مستوى رفيع. ومن الواضح أن معرفة الأبعاد الثقافية والفنية للمجتمعات العربية تساعد كثيراً في إنتاج أعمال ترقى إلى أعلى المستويات، وفي الوقت ذاته تتماهى مع الموروث الحضاري العربي. يعتمد بطرس على خبرة أربعين سنة من العمل مع عشرات الشركات العربية والأجنبية. وهذا ما يتيح له مجالاً واسعاً لإظهار تعمقه في تاريخ الخط العربي وتطور أقلامه عبر العصور، وصولاً إلى العصر الإلكتروني الحديث. ومن أهم النقاط التي يركز عليها سبل تجاوز المشكلات التقنية التي قد تنشأ عن العمل بالخطين العربي واللاتيني جنباً إلى جنب. فهذا الدمج أصبح من مستلزمات المهنة لأي مصمم، عربياً كان أو أجنبياً. ويقدم لنا الكتاب عشرات النماذج لتصاميم مزجت بين العربية واللاتينية، فإذ بنا أمام أعمال فنية متكاملة تشكل إضافات تغني ما أريد لها أن تعبّر عنه. والمهم في هذه الأعمال أنها توصل الرسالة إلى المتلقي في إطار بصري جمالي متناغم. وتلفت هذه النماذج الانتباه إلى أنها تغطي كل الشرائح المهنية: الصحف، المجلات، التفزيونات، أغلفة الكتب، الإعلانات، تصاميم الشركات، الخطوط الفنية، تصميم الشعارات، اللوحات الثنائية اللغة، والفن التشكيلي. وهي تؤكد في الوقت نفسه، ومن خلال خطوات عملية دقيقة، أن بإمكان المصممين النجاح في تطويع الخط العربي حتى في أعقد التصاميم متى توافرت الدراية بالموروث الحضاري العربي وبأبعاده الجمالية.