يبدو الأديب الألماني الشهير يوهان فولفغانغ غوته واقفاً في نصب تذكاري له في تشيخيا، لا يحمل كتاباً ولا ريشة أو قلماً، كما هو متوقع ومألوف بل يحمل حجراً، حجراً من الكريستال. رأس غوته إلى الأسفل، يتأمّل حجره ممعناً النظر فيه. في تجسيد أيضاً غير مألوف لهذا الأديب الذي يظهر في صور وتماثيل كثيرة رافعاً رأسه ينظر إلى الأمام أو نحو الأعلى. غوته الذي يُعد أحد الأشخاص الأكثر شهرة وتأثيراً في الوجدان الألماني، كان أحد جامعي الأحجار، وقد جال في مناطق عدة في أوروبا وألمانيا باحثاً عنها، وله في تشيخيا تحديداً جولات بحث طويلة عن أنواع محددة من الأحجار. فقد سحره الحجر ووجهه، فجعل من أماكن تواجده قبلة له للبحث عن الحقيقة، حقيقة الأرض، تكوينها، تاريخها، وما تدخره من كنوز وجمال في الوقت عينه. وربما كان الحجر مصدراً من مصادر إلهام غوته، ولا يزال منزله في مدينة فايمار، يشهد ما للحجر من أثر عليه. إذ يوجد فيه جزء من الأحجار التي جمعها خلال مسيرته المهنية كعالم جيولوجيا ومسؤولاً عن التعدين. قد تبدّل حياتك يقول السويسري فولف بتريه، الأستاذ الاختصاصي في جمع الأحجار وكيفية العلاج بها ومؤلّف كتب عدة في هذا المجال، أن الحجارة قادرة على تغيير حياة الإنسان. فالأرض غنية بأنواع الحجارة وبخاصيات مختلفة لكل حجر. الأحجار بألوانها المتعددة والعناصر التي تحتويها، والطاقة التي جمعتها خلال تشكلها وعمرها الكبير، تصدر ذبذبات وموجات خاصة، تلعب دوراً كبيراً في التأثير على جسم الإنسان وعقله. وللصيدلي مارك كراوزه، أحد جامعي الأحجار الذين التقتهم «الحياة»، رأي علمي في موضوع الأحجار والتعاطي معها. وهو يعلّق ضاحكاً: «لو عاد الناس في أمور كثيرة إلى الحجر ربما سأغلق صيدليتي. عموماً، اعتاد الناس في أوروبا على الدواء ويرون فيه حلاً لكل داء ومرض، على عكس الصين، فصيدلية الصيني الأولى أعشابه، وهناك شعوب أخرى تعتمد الأعشاب والزيوت والأحجار للتداوي والطبابة، ونجد أنهم يتمتعون بصحة جيدة. فالتركيب الكيميائي للأحجار من وجهة نظر العلم هو السر في قدرتها إن لم نقل على العلاج المطلق، فهو على المساعدة في العلاج أو تثبيته. فمثلاً يحتوي حجر الكالسيت في تركيبه الكيميائي على مادة الكاليسيوم التي يحتاج إليها من يعاني مشكلات في العظام. وهناك أحجار تساعد على خفض الحرارة، حجر الكهرمان مثلاً يساعد الأطفال في فترة ظهور أسنانهم، والتركيب الكيميائي لبعض الأحجار قد يشبه التركيب الدوائي». وتتحدّث سيدة في الستين من عمرها تملك محلاً كبيراً لبيع الأحجار، عن تجربتها: «لدي زبائن كثر يبحثون عن حلول نفسية وجسدية من طريق الحجر. تأتيني سيدة تريد الحمل، أصف لها حجر القمر، شاب يريد أن يتخلّص من مشكلة التلعثم في الكلام وأن يصبح طليق اللسان أصف له حجر الفيروز، الذي ينفع أيضاً لحلاوة الصوت. سيدة تعاني من ترقق العظام أنصحها بالحجر الخشبي، وأخرى تعاني من السكر ينفعها حجر السترين... وتطول اللائحة. وهناك من يعاني من الأرق ويبدو لي وكأنه مرض العصر، ولمعالجته توجد أحجار كثيرة. الناس أصبحت أكثر رغبة في العودة إلى الطبيعة ومصادرها والأحجار أحد هذه المصادر. وأضحت الأبحاث العلمية في ألمانيا في هذا المجال عميقة، حيث يجري العلماء أبحاثاً تمتد سنوات قبل أن يقرروا فائدة هذا الحجر أو ذلك. فقد أدّى تطوّر إلى زيادة القناعة في التداوي بالأحجار، أو الطب الداعم. أنا لا أقول لأحد من الزبائن أترك الدواء وخذ حجراً، لكن ادعم حياتك الصحية والنفسية بطاقة الأحجار. وأصبحت هناك طرق عدة لاستخلاص فائدة الحجر منها: نقع الأحجار بالماء ثم شربه، وضع الحجر في مكان الإصابة أو على مكتب العمل، وحمل إكسسورات تحتوي أحجاراً». ويرى كثر أن للحجر تأثيراً رئيساً على النظام العصبي وقد يؤدّي التعافي منه إلى تعافي الجسد في شكل كبير. كبار وصغار ينقسم هواة جمع الأحجار في ألمانيا إلى فئات عدة، منهم من يرغب في التنقيب عنها بنفسه وجمعها، وقد يبيع جزءاً منها. والتقت الحياة أحدهم في معرض الأحجار في تورنغن، فأوضح أنه يقضي «وقتاً طويلاً في التنقيب، وهي هواية صعبة لكنها جميلة». وزاد: «أجمع الأحجار مع ابني وأعود إلى مشغلي، أقوم بنشرها، لأرى ما في داخلها». يحمل هذا الهاوي حجراً في داخله كريستال أبيض ويحيط به لون أخضر فاتح اسمه رأس الثلج. ويتابع: «هذا كان عبارة عن كرة حجرية صماء، لا أحد يمكنه أن يخمّن أن كل هذا الجمال سيكون في داخله، إلا عين الخبير، فعند شطره نصفين ظهر باطنه الرائع. ولا بدّ من القول إن تنقيبنا في الغابات وعلى رغم عدم حصولنا على أحجار ثمينة مادياً يُعد مخالفاً للقانون. لكني شخصياً أجمع الأحجار منذ 15 عاماً ومغرم باكتشاف الجمال الداخلي في باطنها، فكل حجر أفتحه هو سر أكتشفه». ومن جامعي الأحجار من يرغبون في شراء المجوهرات التي تحتوي على أحجار كريمة ونصف كريمة، ومنهم من يتخذ من جمع الأحجار طريقة للسمو الروحي والعلاج البديل، ومن أجل ذلك يجول العالم باحثاً عن أنواع مختلفة. كما أن هواية بعضهم تبدأ منذ الصغر وتكبر معهم، وتدعم من الأهل مالياً ونفسياً. ويشاهد أطفال كثر في معارض الأحجار في ألمانيا، يحملون ورقة تحتوي أنواع الأحجار التي يريدون شراءها. تداوٍ روحي ونفسي وتتوافر برامج دراسية خاصة لتعليم الراغبين كيفية التعرّف إلى الأحجار المفيدة في الطبيعة والتداوي بها. وتعتمد هذه البرامج غالباً على العلوم الآسيوية القديمة أو ما درج عليه الهنود الحمر في أميركا. وعلى رغم اهتمام العلماء العرب قديماً بفوائد الأحجار وغنى المكتبة العربية بكتب الخاصة بها وبفوائدها وخواصها، إلا أن محتواها لم يصل إلى مكتبات الغرب ولم ينل الشهرة التي يستحقها، بسبب ضعف الترجمة أو انعدامها. لكن المكتبة الألمانية ثرية بالكتب الموسوعية العلمية التي تصنّف الأحجار وتحدد خواصها الفيزيائية وآثارها على الجسد والنفس. وفي هذا الصدد، يقول اختصاصي علم النفس الدكتور يوك مولر ل «الحياة»: «يوجد في عيادتي أحجار عدة تفيد في إخراج الطاقة السلبية التي تولّدها حالات الأمراض النفسية من العيادة ومن جسدي، ومن تفكيري. فأنا أستخدم التورملين، وأضع حجراً كبيراً من الأمتيست في العيادة. فهو معروف بقدرته على تنظيف حالة الناس والأمكنة». أما الممرضة جوليانة، وهي أيضاً من جامعي الأحجار، فتقول: «الناس تأتي بين الحياة والموت، قد تعالج أحدهم أو تعطيه حقنة وتضحك في وجهه لتراه في اليوم التالي متوفى بلا حراك. لقد دفعتني هذه المعاناة للبحث عن مصادر للطاقة وللتأمل، طقوس روحية أخرج منها آثار التجارب الأليمة من عقلي، فوجدت في الأحجار حلاً سحرياً». ويعتمد كثر من جامعي الأحجار، التي يتعالجون أو يُعالجون بها، على مبدأ أن للحجر ذبابات معينة توثّر على تلك الخارجة من جسم الإنسان وحالته وتوازنه. وتكشف الصبية كارلا أنها سافرت إلى أميركا وعاشت مع الهنود الحمر طويلاً لتتقن علم الأحجار، «وهم يعتمدون طقوساً كثيرة للتعامل مع الأمراض ومنها الأحجار. والحجر الرئيس لديهم هو الفيروز والمرجان». على صعيد آخر، تشهد ألمانيا دائماً معارض أحجار عالمية يشترك فيها عارضون عالميون من ذوي الخبرة. ويزورها آلاف سنوياً. كما تضم ألمانيا جمعيات خاصة كثيرة لجامعي الأحجار.