لا شيء معي إلا... كلمات. ربما لن يجد القادة الذين سيلتقون في قمة المناخ "كوب 16" التي تستضيفها مدينة كانكون (المكسيك) الشهر المقبل، سوى الكلمات، مع مزيد من الضجيج والوعود، لوصف إلتزاماتهم حيال البيئة. في العام الفائت، كلمات جمعت على عجل، من رؤساء أميركا والصين والهند، صنعت فصل الختام في مؤتمر "كوب 15" في الدانمارك. لم يصغ كثيرون لإعتراضات قوية صدرت عن نشطاء البيئة الذين لاحظوا أنها كلمات الفشل في صوغ إتفاقية مُلزمة لحماية البيئة من التلوث. في "كوب 15"، لم يعطِ الساسة للبيئة سوى كلمات وردية، بل أنها كلمات تكذّبها الأرقام. فعلى عكس مداهنة السياسة ورياءها وخبثها، تشير الأرقام الى أن صنّاع القرار لم يلتزموا بما لاكته ألسنتهم من كلمات. لم يلتزم أحد حماية البيئة. لم يسع دهاة السياسة لغير مُدارة الضغوط، والظهور بمظهر المدافع عن البيئة، في ما أفعالهم صبّت في إتجاه مغاير تماماً. وقبيل التقاء الساسة المحنّكون مجدداً في "كوب 16"، تشير الأرقام الى أن غاز ثاني أوكسيد الكربون، الذي يعتبر من أبرز غازات التلوّث، يتابع تراكمه بقوة في الغلاف الجوي للأرض. إذ تدلّ أرقام البحوث التي أجراها أخيراً مشروع "غلوبال كربون بروجكت" Global Carbon Project إلى ان ثاني أوكسيد الكربون يسير لتحقيق رقم قياسي في 2010، على عكس "إلتزامات" ساسة الدول، سواء في "بروتوكول كيوتو" (1998) المُلزم، أو "إعلان كوبنهاغن" الغير الملزِم! أُنجزت البحوث على يد جامعتي "إكستر" و"إيست أنجليا" البريطانيتين، بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات العلمية. ونُشرت نتائج البحوث في ورقة علمية على الموقع الرقمي مجلة "نايتشر" على الانترنت. وأشارت الورقة الى ان الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتباطؤ في الاقتصاد العالمي، لم يخفض مستويات ثاني أوكسيد الكربون في 2009 إلا بمقدار 1.3 في المئة عما كانه في 2008، ما يمثّل أقل من نصف الإنخفاض المتوقع في إنبعاثات هذا الغاز المُلوّث. وقد أدت الأزمة الإقتصادية الى خفض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الدول الصناعية الغربية، بمعدل وسطي يقارب 8 في المئة. في المقابل، ارتفع مستوى إنبعاثات الغاز عينه في الدول الصاعدة مثل الصين (أكثر من 8 في المئة) والهند (ما يزيد على 6 في المئة)، ما "عوّض" الإنخفاض غرباً! ولا يعني ذلك ان الدول الغربية إلتزمت فعلياً بخفض إنبعاث ثاني أوكسيد الكربون. إذ يبيّن البروفسور بيار فريدلنغشتاين، الذي صاغ هذه الورقة، أن مقياس كثافة الكربون، الذي يقيس كمية إنبعاث ثاني أوكسيد الكربون بالمقارنة مع إجمالي الناتج الوطني الخام، لم ينخفض في الدول الصناعية الغربية، إلا بمقدار طفيف تماماً! المفارقة أن الطبيعة تبدو وكأنها تداوي جراحها بنفسها، وتحارب تلوّثها، على طريقة فيلم الخيال العلمي "آفاتار". إذ تشير الدراسة عينها الى أن تمدّد الغابات وقدرتها على تخفيف ثاني أوكسيد الكربون، فاق معدل التصحّر (الذي يترافق مع زيادة نفث الكربون)، وذلك للمرة الأولى تاريخياً! يحتاج الأمر الى مزيد من النقاش. وللمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع الى موقع جامعة "إكستر" على الانترنت "إكستر. إيه سي. يوكيه" exeter.ac.uk