أخلى «الفراغ السياسي» المحيط بالانتخابات الرئاسية والذي يدفع بكل التقديرات الى توقع عدم انعقاد الجلسة النيابية المقررة غداً لانتخاب الرئيس لأن سيناريو تطيير نصابها سيحول دون الانتقال للدورة الثانية من الاقتراع، كما في الجلسة السابقة، الساحة للتحركات المطلبية والنقابية التي بدأت أمس، وتستمر اليوم وغداً في خطوات تصعيدية قررتها قطاعات عدة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وللمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام والمعلمين. (للمزيد) وبينما نفذ سائقو النقل البري اعتصاماً في ساحة رياض الصلح في قلب بيروت أمس بعد تظاهرة بالسيارات، مطالبين بدفع مستحقاتهم من فرق أسعار الوقود، وبقمع المنافسة غير الشرعية، ينفذ موظفو القطاع العام ومعلمو المدارس إضراباً عاماً اليوم ويتظاهرون من المصرف المركزي الى السراي الحكومية، فيما دعا الاتحاد العمالي العام عمال المصانع والمؤسسات التجارية والخدماتية وموظفيها، إضافة الى بعض القطاعات الرسمية، الى الإضراب العام اليوم والاعتصام في ساحة رياض الصلح. وفيما استثنى الاتحاد العمالي موظفي مطار بيروت الذين دعاهم للإضراب ساعتين فقط، فإن مطالبه راوحت بين إقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون إضافة ضرائب لتمويلها، وإقرار بدل غلاء المعيشة استناداً الى مؤشر الغلاء. وواصلت اللجنة المختلطة النيابية – الوزارية التي تضم اختصاصيين والتي شكّلها البرلمان قبل أسبوعين لإنجاز تقريرها حول أرقام كلفة سلسلة الرتب والرواتب وأرقام الواردات التي يفترض أن تغطي كلفتها، عملها فيما أكدت مصادرها على رغم تكتم أعضائها ل «الحياة»، أنها أنجزت جزءاً كبيراً من عملها وتوصلت الى خفض العطاءات التي تقدمها السلسلة للموظفين والمعلمين وإلى الاتفاق بين أعضائها على تقسيطها، وهو الأمر الذي تعترض عليه «هيئة التنسيق النقابية» التي أكدت أمس أنها ترفض أي صيغة لا تأخذ بزيادة 121 في المئة على الرواتب، ودعت الى تمويل السلسلة من الريوع المصرفية والعقارية ومن مكافحة التهرب الضريبي ووقف الهدر والفساد. ولم يطرأ جديد على المشهد السياسي الانتخابي في ما يخص جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية غداً، إذ يتجه «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون (27 نائباً) وكتلة نواب «حزب الله» (13 نائباً) ونواب حزبي «البعث» و «السوري القومي الاجتماعي» الى عدم حضور الجلسة النيابية والامتناع عن دخول القاعة العامة للبرلمان (حتى لو نزل بعضهم الى مقره)، منعاً لاكتمال نصاب الثلثين، بحيث يتعذر إجراء دورة الاقتراع الثانية التي تتطلب أكثرية النصف زائد واحداً من أجل فوز أي مرشح رئاسي، بذريعة غياب أي اتفاق على مرشح توافقي، مقابل المرشحين الباقيين على ترشحهما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعضو «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط، هنري حلو، خصوصاً أن ترشح عون ما زال ينتظر الاتصالات بينه وبين تيار «المستقبل» آملاً بتأييده ليقرر في ضوئه الترشح أو عدمه، في وقت أكد غير نائب من كتلة «المستقبل» أن لا صفقة مع عون على الرئاسة. وأشار النائب جان أوغاسبيان الى وجود تواصل غير مباشر بين عون وبين زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري. ورأى النائب باسم الشاب أن عون ليس مرشحاً وفاقياً، وأكد استمرار تأييد ترشح جعجع وفي حال حصول تغيير سيكون بالتشاور وموافقة جعجع وحتى الآن لا شيء من هذا القبيل. وقالت مصادر قوى 14 آذار إنه في وقت يركّز نواب «تكتل التغيير» و «التيار الوطني الحر» على أن ترشح عون وفاقي وينتظرون دعمه من الحريري، فإن سلوكه في الجلسة النيابية الماضية لم يدل على ذلك لأنه لم يميز نفسه عن اقتراع قوى «8 آذار» بالورقة البيضاء مع كتلها وكان بإمكانه أن يأخذ موقفاً بالامتناع عن التصويت مثلاً في وجه جعجع، بدلاً من الاصطفاف مع «حزب الله» وحركة «أمل» والمساهمة عبر بعض نوابه في نكء جراح الحرب ضد رئيس «القوات» لأن هذا أمر يدفع قوى أخرى الى نبش الذاكرة للحديث عن دوره فيها، بدلاً من اعتباره وفاقياً. وقال النائب في تكتل عون، الدكتور سليم سلهب إنه من النواب الذين طلب منهم أن يُسقطوا في الجلسة الماضية اسم أحد الضحايا فرفض لأنه أمر يتعارض مع السعي الى التوافق، وفضل الورقة البيضاء. وفيما أكدت مصادر رئيس البرلمان نبيه بري أن نواب كتلته سيحضرون الجلسة غداً، قالت مصادر نيابية إن بري سيتوجه الى مكتبه وينتظر، فإذا اكتمل نصاب الثلثين يدخل ليترأسها وإلا يعلن تأجيلها، خصوصاً أن تغيب نواب عون و «حزب الله» وبعض نواب «8 آذار» كاف لتعطيل النصاب. وأعلن حزب «الكتائب» مساء أمس مشاركة كتلته النيابية في الجلسة وفي كل الدورات اللاحقة، داعياً الجميع الى تأمين النصاب وممارسة الواجب الدستوري وعدم تعريض موقع الرئاسة لخطر الفراغ. وأكد «وجوب انبثاق سلطة رئاسة الجمهورية من البرلمان لا من تسويات تعقد في الخارج وتستورد إليه». وكان جعجع عقد مؤتمراً صحافياً ظهر أمس اتهم فيه قوى «8 آذار» بتعطيل جلسة انتخاب الرئيس، داعياً إياها الى اختيار مرشحها والذهاب الى الجلسة «ومن يفز نذهب جميعاً الى تهنئته». وإذ انتقد استخدام الورقة البيضاء مؤكداً أن الاستحقاق في خطر، أضاف: «في حال قدم فريق 8 آذار مرشحه ولم ينل أي من مرشحي 8 أو 14 آذار 65 صوتاً، من الطبيعي أن ينسحب المرشح الثالث لتصب أصواته لمصلحة أحد المرشحين القويين».