اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    الأمن العام يعلن بدء العمل بمنع دخول المركبات غير المصرح لها إلى المشاعر المقدسة    عبدالعزيز بن سعد يكرم الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    أمن الحج يردع المتجاوزين    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    القدرات البشرية    أسعار الفائدة في النظام الاقتصادي    تراجع أسعار النفط مستمر    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار أمريكي يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    "ميتا " تزوّد ماسنجر بميزة المجتمعات    الأمير عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    في ختام دور المجموعات بالتصفيات المشتركة.. الأخضر يواجه شقيقه الأردني في "الأول بارك"    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    يتصدر بنسبة نمو 67 %.. " روشن".. قفزة نوعية في" السوشيال ميديا" عالمياً    الهلال يسرق شعبية كريستيانو من النصر    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل الختامي للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في مركز القيادة والتحكم التابع للدفاع المدني بمشعر منى    ربط «الإسكان» والصندوق العقاري بمنصة «تنفيذ»    توفير الوقت والجهد    وزير الإعلام يدشن مبادرة "ملتقى إعلام الحج" في مكة المكرمة    للمعلومية    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    أفضل أيام الدنيا    نجاح تدابير خفض درجات الحرارة في الحج    بأمر خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    للمرة الأولى.. «هيئة النقل» تدشّن مركز التحكم لمتابعة مركبات النقل العام في مكة والمشاعر    عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في مركز القيادة والتحكم التابع للدفاع المدني بمشعر منى    الرئيس المتهم!    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    نيوم ينهي التعاقد مع البرازيلي رومارينهو قادما من الاتحاد    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    الحج.. أمن ونجاح    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    متحدث "الصحة": الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    بلينكن يشدد على أهمية وجود خطة لما بعد الحرب في غزة    وزارة الداخلية تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    أول مولود في موسم الحج نيجيري    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    جاهزية أسواق النفع ومسالخ جدة لموسم الحج وعيد الأضحى    عرض عسكري يعزز أمن الحج    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لمسارات    أمير الرياض يستقبل سفير النرويج وأمين عام «موهبة»    المنتخب السعودي يحصد 5 جوائز بأولمبياد الفيزياء    بدء أعمال المنتدى الدولي "الإعلام والحق الفلسطيني"    محافظ القريات يرأس المجلس المحلي للمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



25 مليون تركي يرفضون الاستسلام لوصاية حزب العدالة والتنمية
نشر في الحياة يوم 23 - 09 - 2010

بعيداً من تقليدية القول بوجود معركة بين اسلاميين وعلمانيين في تركيا وأن كل استفتاء أو انتخابات انما هو جولة في هذه المعركة تحسم لمصلحة طرف منهما، فإن تناول نتائج الاستفتاء الذي أقر 26 تعديلاً دستورياً بقبول 58 في المئة من اصوات المقترعين والذين بلغت نسبة مشاركتهم حوالى 77 في المئة، يحتاج الى وقفة تأمل، لأن ما جرى قد يكون من أهم نقاط التحول في تركيا منذ بداية الالفية الجديدة.
والنتائج الاولى التي خرج بها الاستفتاء تفيد بأن الشعب أكد من جديد قبوله كاريزما أردوغان وتفوق شعبيته على من سواه في الساحة السياسية وفي شكل مطلق، لكن النتائج تشير أيضاً الى تحقيق زعيم المعارضة الجديد كمال كيليجدار أوغلو نجاحاً كبيراً في أول اختبار له بعد توليه زعامة حزب الشعب الجمهوري بأربعة أشهر فقط. كما تشير الى دعم الشعب مسيرة التغيير للتخلص من وصاية العسكر والبيروقراطية التقليدية بما فيها القضاء، لكن النتائج تؤكد أيضاً عدم ثقة قسم كبير من الشعب التركي في خطط أردوغان وحزبه المستقبلية، وتؤكد وجود شكوك كبيرة في نيات أردوغان وحزب العدالة والتنمية بسبب جذوره الاسلامية وسلوكه السياسي خلال سنوات حكمه الثاني، أي ان هذه الشريحة التي بلغت 42 في المئة تخشى من أن يكون سعي أردوغان لتخليص تركيا من وصاية العسكر لا يهدف الى تأسيس ديموقراطية حقيقة وفق المعايير الاوروبية انما يهدف في الحقيقة الى تأسيس وصاية جديدة من نوع آخر بطعم الاسلام السياسي.
أرقام ومعادلات
تجب الاشارة أولاً الى أن الحديث عن أن تصويت 58 في المئة من الشعب لمصلحة التعديلات لا يعتبر نصراً كبيراً لحكومة العدالة والتنمية كما يقول البعض أو يروج، ليس من باب انتقاد الحزب أو التخفيف من شعبيته، وانما الارقام تكشف ذلك. فاستطلاعات الرأي التي سبقت الاستفتاء كانت تشير الى أن الذين يؤيدون التعديلات نسبتهم تتراوح بين 51 و54 في المئة، ولم يشر اي استطلاع الى أن المعارضة أقوى او اكبر أو أن التعديلات سترفض، وكان الجميع في تركيا متفقين على أنه اذا بقيت نسبة التأييد لمشروع الحكومة والتعديلات أقل من 55 بالمئة فأن هذا لن يعتبر نجاحاً بأي مقياس.
لكن استطلاعات الرأي أهملت دائماً موضوع المقاطعين للاستفتاء وهم الاكراد في جنوب شرقي تركيا، فحتى من كان ينوي المقاطعة كان لا يعلن ذلك صراحة في استطلاعات الرأي وانما يقول انه ضد التعديلات. واذا كانت الارقام والاحصاءات الرسمية تشير الى أن نسبة المشاركة في جنوب شرق تركيا تراجعت الى أقل من 30 في المئة، وأن نسبة المشاركة العامة كانت 77 في المئة فقط (مقارنة ب 84 في المئة نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة) فإننا نرى أن حوالى 7 بالمئة من الناخبين قاطعوا التصويت، وهؤلاء هم من الذين لا يؤيدون التعديلات ولا حكومة أردوغان، وقاطعوا الاستفتاء احتجاجاً إما على طرحه – مثل الاكراد الذين احتجوا على خلو التعديلات من أي مادة تتعلق بقضيتهم - أو شكله – مثل بعض اليساريين والليبراليين الذين احتجوا على عدم اعطاء المواطن الحق في الاختيار بين التعديلات للتصويت لمصلحة بعضها ورفض بعضها الآخر، فهو اما ان يصوت لها جميعها أو يرفضها جميعها - ولو أن هؤلاء شاركوا في التصويت لانخفضت نسبة التأييد في شكل كبير لتقارب تلك النسب التي كانت تظهر في استطلاعات الرأي أي اقل من 54 في المئة. كما أن رقم 58 في المئة قد يبدو كبيراً لو كان التصويت على انتخابات حزبية، لكنه يبدو ضئيلاً اذا ما انتبهنا أنه استفتاء على تعديلات دستورية أي تعديل في العقد الاجتماعي الذي من المفترض أن يحكم الجميع في بلد واحد، وأغلب الدساتير توضع بعد استفتاءات يوافق عليها ثلثا الشعب وليس نصفه، حتى التصويت في البرلمان التركي على تعديل أي مادة دستورية يتطلب موافقة ثلثي اعضاء البرلمان وليس ثلثي الحضور فقط. لذا لا يمكن الحديث عن وجود اجماع كبير في تركيا على هذه التعديلات ناهيك عن القول إن تصويت 58 في المئة من الناخبين يعتبر نصراً كبيراً، خصوصاً اذا أدركنا أن 24 مادة من ال26 المطروحة هي تعديلات ينادي بها الاتحاد الاوروبي ولا خلاف عليها من أي طرف، اذاً فإن تصويت 58 فقط لمصلحة هذه التعديلات يشير بوضوح الى وجود مشكلة ما وليس نصراً أو نجاحاً.
ولعل أفضل من يدرك ذلك هو رجب طيب أردوغان نفسه وحزبه، اذ لم يتعود أردوغان أن يخدع نفسه مهما حصل، لذا فإنه لم يعتبر النتيجة تفويضاً مطلقاً بالانفراد بإعداد دستور جديد للبلاد، اذ كان في امكانه أن يصوغ مجموعة جديدة من التعديلات الدستورية الاقوى والاشمل ويطرحها مجدداً للتصويت خلال الاشهر الستة المقبلة ليقوم بتعديل جميع مواد الدستور بنفس الصيغة والاسلوب، لكن أردوغان أكد أن العمل على دستور جديد سيكون بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وفي هذا اشارتان، الاولى أن أردوغان يريد استغلال نجاحه في تمرير التعديلات لمصلحة الانتخابات التالية، فهو يطلب ممن صوتوا له في التعديل أن يعيدوا الكرة من جديد اذا ارادوا حقاً تعديل الدستور في شكل كامل. والثانية أن أردوغان يدرك أن التفويض الذي حصل عليه في الاستفتاء والذي يقول البعض انه فوز كبير ونجاح عظيم، لا يكفي لتولي مهمة صياغة دستور جديد.
وفي نهاية الحديث عن الارقام والمعادلات نشير الى أن نسبة 42 في المئة ليست نسبة بسيطة أو قليلة اذا أدركنا أن هذه النسبة – كما وصفها أردوغان – تؤيد الوصاية العسكرية في تركيا، فحتى الامس القريب كانت نسبة الذين يخشون على النظام العلماني ويؤيدون بقاء المؤسسة العسكرية كحام للنظام الجمهوري والعلماني في تركيا لا تتجاوز 20 في المئة ممثلين في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك وبزعامة دنيز بايكال الذي تنحى في أيار (مايو) الماضي، اما وقد وصلت هذه النسبة الى 42 بالمائة فأن على أردوغان أن يقف ويتأمل في ما حدث، ولماذا يرفض أكثر من ثلث الناخبين ما يطرحه من تعديلات دستورية يقول الاتحاد الاوروبي أنها اصلاحات سياسية جيدة، فهل علينا أن نصدق أن 42 في المئة من الشعب التركي ضد الحرية والديموقراطية والاصلاح ومع الوصاية العسكرية؟
القسمة على ثلاثة
النظر الى خريطة المحافظات التركية ونتيجة التصويت في كل محافظة على حدة، تظهر في شكل واضح لا لبس فيه أن الاستفتاء قد عمق الشرخ الاجتماعي والاستقطاب السياسي في تركيا في شكل يجعل مهمة الاتفاق على صياغة دستور جديد أمراً في غاية الصعوبة. فالمحافظات التركية المطلة على البحر المتوسط وبحر ايجة جميعها بلا استثناء صوتت ضد التعديلات وكأن حزاماً باللون الاحمر يلف تركيا من الجنوب والغرب، أي من المناطق الساحلية الاكثر انفتاحاً وليبرالية اجتماعياً – وهنا تظهر مفارقة مهمة، وهي أن هذه الشريحة الاجتماعية هي من أكثر المؤيدين لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وزيادة الحريات، فلو كانت التعديلات هدفها حقاً الاقتراب من الاتحاد الاوروبي وزيادة مساحة الحريات لماذا رفضتها هذه الشريحة الاجتماعية اذاً؟ - وهذه الشريحة هي التي دعمت رئيس الوزراء الاسبق عدنان مندريس أول رئيس وزراء ينتخب ديموقراطياً في تركيا وهي التي أخرجته الى الساحة السياسية. وانضمت الى هذه الشريحة محافظة بنغول في شرق الاناضول وهي محافظة علوية بالكامل وكان التنافس بينها وبين محافظة ازمير في الغرب على تسجيل أعلى نسبة رفض للتعديلات. فهل العلويون الذين يرون في الاتحاد الاوروبي مخرجاً لهم لضمان اعطائهم حقوقهم الدينية والثقافية كانوا سيصوتون ضد هذه التعديلات لو أنهم أقتنعوا بأن الهدف الحقيقي منها هو التقرب من الاتحاد الاوروبي؟
في مقابل شريحة الرفض هذه كانت هناك جبهتان، جبهة التأييد التي برزت في الاناضول التركي والبحر الاسود المحافظين، وجبهة المقاطعة التي يمثلها الاكراد وبرزت في جنوب شرق تركيا. والشرخ ازداد عمقاً اليوم بين هذه الجبهات الثلاث، اكثر من أي وقت سبق، فالجبهة الاولى وهي جبهة الرفض الساحلية تعتقد بأن الهدف الحقيقي من التعديلات هو فرض الحكومة سيطرتها على القضاء، وأن الامر تم تزيينه من خلال دمج اصلاحات حقيقية بالمادتين الاساسيتين للتعديلات وهما المادتان الخاصتان بتغيير هيكلة مؤسسات القضاء في الدولة. وأن هذا لا يخدم الديموقراطية في شيء انما يخدم مشاريع حزب العدالة والتنمية الخاصة، فهو هدف حزبي ضيق تريد الحكومة منه تمرير مشاريعها الاقتصادية المعطلة التي تغذي جذورها الحزبية ورجال أعمالها، أو هدف حكومي لزيادة الهيمنة والسيطرة وتصفية الخصوم تحت شعار كل من لا يوافق على سياساتنا فهو انقلابي، وفي كلا الامرين مفسدة لا يمكن دعمها على حد رأي هؤلاء.
وفي المقابل هناك جبهة الاكراد الذين يبدون اليوم أقوى وأجرأ في السجال السياسي وتقديم مطالبهم، فالسياسيون الاكراد الذين كانوا يقبلون بحل كردي من خلال الحقوق الثقافية ضمن دولة ديموقراطية لا تميز عرقاً عن آخر اسمها تركيا، باتوا اليوم يجاهرون بالحل الفيديرالي والعلم والحكم الذاتي والحوار المباشر بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، فالنعرة القومية الكردية زادت قوة وحدة، وزادت معها النعرة القومية التركية الرافضة والمضادة، وقد شهدنا سجالات شعبية واجتماعية غير مسبوقة في الفترة الاخيرة بين أكراد وأتراك في العديد من المدن التركية. وفي مقابل هاتين الجبهتين تقف جبهة تأييد التعديلات الدستورية الداعمة لحكومة العدالة والتنمية والتي ترى الاصلاحات ضرورية، وأن اعادة بناء مؤسسات القضاء ضرورية أيضاً لكسر احتكار الاتاتوركيين، ولأن التعديلات ستوفر لهم فرصة الانتقام ولو المعنوي من الانقلابيين خصوصاً أولئك الذين قاموا بانقلاب عام 1980. والتقريب بين أفكار وتوجهات هذه الشرائح الثلاث لكتابة دستور توفيقي مدني جديد مهمة لن تكون سهلة، بل لعلها ازدادت صعوبة بعد هذا الفرز وهذا الوضوح في الاستقطاب الحاصل، وهي نتيجة غير مباشرة لهذا الاستفتاء.
موقع الاتحاد الاوروبي
من يقول إن التعديلات الدستورية قربت تركيا من الاتحاد الاوروبي انما يظلم نفسه أو لعله يظلم الحقيقة، فتركيا اتمت معايير كوبنهاغن السياسية، وباتت قاب قوسين أو أكثر – لولا الازمة المالية العالمية – من تحقيق معايير ماستريخت الاقتصادية التي حاد عنها الاتحاد الاوروبي نفسه بسبب الازمة الاقتصادية العالمية وبسبب أزمة ديون اليونان أخيراً. وليس موضوع المفاوضات حول فصول العضوية الا أمراً آلياً يتم على فصول ومراحل وليست فيه تعقيدات لا يمكن لتركيا حلها، وقد بات قرار ضم تركيا للاتحاد قراراً سياسياً بحتاً، فلم تعد أوروبا قادرة على التحجج بعدم تطبيق تركيا اصلاحات سياسية لتأجيل العضوية كما كانت تفعل سابقاً، ولو أن القرار السياسي بضم تركيا موجود لما أعاق ذلك عدم مرور التعديلات التي صوت عليها الاتراك ولما كانت شرطاً، لأن تلك الاصلاحات ليست أساسية على هذا الطريق وانما اختيارية. فالاتحاد الاوروبي الذي رحب بالتعديلات أبقى على تحفظه بل وانتقاده لابقاء حكومة العدالة والتنمية وزير العدل وصياً مباشراً على تعيين القضاة والمدعيين العامين ونقلهم، وهي مهمة وضعها الانقلابيون عام 1980 وأبقى حزب العدالة والتنمية عليها على رغم ما اقره من اصلاحات في اعادة بناء مؤسستي المحكمة الدستورية والهيئة العليا للقضاة.
والاتحاد الاوروبي يعلم أن ما يفصل تركيا عنه أمران، الاول القضية القبرصية وما ينتج عنها من معارضة قبرصية ويونانية لانضمام تركيا قبل حل القضية القبرصية، والثاني هو الخلاف الثقافي الذي يبقي المحافظين المسيحيين اليمينيين في المانيا وفرنسا والنمسا رافضين انضمام حوالي ثمانين مليون تركي مسلم الى ناديهم، ناهيك عن أن نسبة المؤيدين في تركيا لالانضمام الى الاتحاد الاوروبي تراجعت الى 37 في المئة.
فهل من شأن التعديلات التي أقرت أن تزيد من حماسة الجماهير التركية للاتحاد الاوروبي فجأة، أم ان من شأنها ان تتجاوز الفيتو القبرصي أو تعدل المزاج الفرنسي الالماني أو حتى تؤثر فيه من بعد؟ كما ان مشروع ضم تركيا للاتحاد كان مناسباً قبل ست سنوات عندما كان في أوروبا من ينادي بقيام دولة أوروبية كونفيديرالية على غرار الولايات المتحدة الاميركية، تكون ذات قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية في العالم، وحينها كان ضم تركيا مفيداً لذلك المشروع، بقوة تركيا العسكرية والبشرية والديبلوماسية في الشرق الاوسط، لكن ذلك المشروع الاوروبي وئد في مهده، وزهدت أوروبا في أي دور عسكري أو سياسي خارج حدودها، لذا فالتفكير في ضم تركيا – من وجهة نظر كثير من الدول الاوروبية – ترف لا فائدة منه، وهو ما بات أقرب الى قناعات الاتراك أيضاً. والحقيقة أن للاتحاد الاوروبي الحق في أن يتساءل عن سبب رفض تركيا العرض الفرنسي لشراكة خاصة مع الاتحاد، فتركيا رفضت الفكرة اساساً حتى من دون أن تضع شروطاً أو تسأل عن شكلها، علماً أن هناك سياسيين واكاديميين اتراكاً يقولون أن شراكة خاصة قد تكون أفضل من العضوية الكاملة اذا أرادت تركيا أن تتخلص من الابتزاز الاوروبي في القضية القبرصية، وتتجنب تداعيات الانضمام الى الاتحاد في ما يتعلق بضرورة فتح بواباتها الشرقية للهجرة واللجوء السياسي وهو الامر الذي ترفضه تركيا حتى الآن بسبب مجاورتها لدول غير مستقرة سياسياً.
في المقابل فإن التعديلات الدستورية ال 26 التي طرحت في الاستفتاء لم تكن موضوع سجال ونقاش كبيرين في تركيا، ولكنها طرحت فجأة وبلا مقدمات، لأن 24 منها لا خلاف عليه وكان من المفترض أن يصوت لها كل الاتراك وليس 58 في المئة فقط منهم، وهي تلك التي تتيح للعمال الانضمام الى أكثر من نقابة واحدة، وتوفر حماية الدولة للطفل ضد الاضطهاد أو التحرش، وتحد من صلاحيات المحاكم العسكرية بحيث يتم عرض العسكر على المحاكم المدنية، وتفسح المجال للمطرودين من الجيش باستئناف القرار أمام محاكم التمييز المدنية، وترفع الحصانة عن الانقلابيين الذين نفذوا انقلاب عام 1980، وتؤسس لمحكمة عقلاء تحكم بين المواطن والدولة، وتعطي الموظفين والعمال حق الاضراب، وتربط حظر أي حزب سياسي بموافقة البرلمان وغيرها. الا ان المادتين اللتين ثار عليهما الخلاف تقضيان بإعادة بناء المحكمة الدستورية والهيئة العليا للقضاة التي تتولى تعيين ونقل وترقية القضاة والمدعين العامين، وفي كلا المؤسستين يزداد عدد القضاة (في المحكمة الدستورية من 11 الى 17) وفي الهيئة العليا للقضاء من 7 الى 22، والهدف هنا هو تعيين قضاة جدد في المؤسستين من دماء جديدة لكسر احتكار الاتاتوركيين، وتغيير آلية تعيين قضاة جدد وبدلاء في شكل يكون فيه للبرلمان والرئيس دور حاسم. وهو ما يؤيد نظرية الحكومة القائلة بضرورة كسر احتكار الاتاتوركيين للقضاء، ويعني أيضاً – للمفارقة – ما تقوله المعارضة من أن الحكومة ستفرض سيطرتها على القضاء من خلال تعيين من ترغب بهم من قضاة موالين لها وتسلمهم القضايا التي تهتم بها.
رفض الوصاية القديمة
ما حدث في تركيا هو أن 58 في المئة من الناخبين المشاركين في الاستفتاء وفروا لأردوغان قوة أكبر في عالم السياسة ولمن قد يأتي من بعده في الحكم، وكما قال أردوغان فإن عهد الوصاية العسكرية قد انتهى واليوم يبدأ الشعب في حكم ذاته من خلال الحكومة والبرلمان المنتخب، وهذا يعني أن كل شيء كان خارج النقاش في تركيا بات اليوم عرضة للتغيير، بدءاً من النظام الجمهوري العلماني، الى تركيبة الدولة القومية والملفين القبرصي والكردي. وقد يكون في هذا خير لتركيا أو يكون بداية دخولها في متاهة خلافات داخلية كبيرة.
فالحكومة التي طالما تعذرت بتدخل الجيش لعرقلة حل القضية الكردية، سيكون باستطاعتها الآن طرح صيغة الحل الفيديرالي للنقاش ان ارادت، لكن، هل يمكن لحكومة أردوغان أو أي حكومة تركية أن توفق بين مطالب الاكراد الفيديرالية في حكم ذاتي وتصميم بقية الشعب التركي على بقاء تركيا دولة قومية موحدة؟ وهل يمكن لأي حكومة تركية أن تتحجج بتراجع شعبية الانضمام الى الاتحاد الاوروبي لاغلاق هذا الملف أو عرض الهوية التركية على استفتاء شعبي للحكم فيما اذا كانت تركيا تنتمي الى الشرق الاسلامي أم الغرب الاوروبي؟ وماذا لو قررت غالبية الشعب حرمان الاقلية العلوية من حقوقها الدينية والثقافية، هل سيكون بامكان الحكومة بعدها ضبط الوضع العلوي في تركيا ؟ قد لا تدرك حكومة العدالة والتنمية أنها اسقطت أكبر شماعة لفشل أي حكومة في تركيا في حل مشاكل البلد الا وهي شماعة دور الجيش، وباتت حكومة أردوغان مكشوفة الصدر امام الشعب، فلن يكون لها حجة بعد الآن في تأخير حل القضية الكردية أو ملف الحجاب.
في المقابل فإن تصويت 48 في المئة ضد حصول الحكومة على هذه السلطة المطلقة يؤكد أن هناك جبهة رفض كبيرة في تركيا تشك في نيات أردوغان وخططه المستقبلية، بسبب جذوره الاسلامية وبسبب سلوك حكومته خلال السنوات الثماني التي قدمت دائماً أهل الثقة على أهل الخبرة، وتورطت في أكثر من ملف فساد، وقادت تحولاً اجتماعياً تدريجياً جعل تركيا اليوم أكثر اسلامية مما كانت عليه قبل عشر سنوات، وجعلت أحمدي نجاد أقرب اليها من غيره من سياسيين غربيين. هذه الشريحة التي تمثل على الاقل 25 مليون مواطن تركي لا تريد لاردوغان أن ينفرد في كتابة الدستور الجديد أو فرض طريقته الخاصة لانقاذ تركيا من عهد الوصاية العسكري لأنها تعتقد بأن ذلك قد يمهد لفرض وصاية جديدة من نوع آخر، فالمتأمل لسلوك الحملة الدعائية التي قادها أردوغان لدفع الناخبين للتصويت لمصلحة التعديلات يتوجس خيفة، إذ حاول رئيس الوزراء وضع جميع المعارضين في سلة الانقلابيين، ناهيك عن عدم اعطائه الناخب حق الاختيار بين المواد التي يوافق عليها والتي يرفضها بين المواد المطروحة للاستفتاء، رابطاً الاصلاحات السياسية باعطاء حكومته صلاحيات واسعة، كما ضغط أردوغان على مؤسسات اقتصادية واعلامية ليجبرها على دعمها له وللتعديلات، وهدد أردوغان مؤسسة رجال الاعمال الاتراك التي يقوم على أساسها عماد الصناعة التركية بأنها قد تختفي من الوجود إن هي لم تحدد موقفها من الآن. فضلاً عن سياسة السيطرة على الاعلام التي لا تزال مستمرة، كما لا تزال اذهان الكثيرين تتذكر كيف تم استغلال محاكمات الانقلابيين ضمن ما يعرف بقضية ارغاناكون لتصفية المعارضين على الارض من خلال زجهم في السجن من دون دليل قوي، وهذا أزعج حتى بعض القيادات داخل حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم نائب رئيس الوزراء السيد بولنت أرينش.
هذه التصرفات تدفع جزءاً من الشعب التركي الى طلب آلية لكبح جماح حكومة العدالة والتنمية ان هي اسرفت في احتكار الحكم، من باب ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والرهان الآن قائم على كيف سيستغل أردوغان هذه السلطة وهذه الصلاحيات حتى موعد الانتخابات المقبلة؟ وهل سيسعى فعلاً لفرض نظام رئاسي في تركيا من أجل ضمان نفس الصلاحيات لنفسه ان هو ترشح للرئاسة عام 2012 كما يتوقع كثيرون؟
زادت صلاحيات الحزب الحاكم في تركيا ومعها زادت مسؤولياته وقلت حججه، فهو الآن في قوة أكبر لكن في وضع اصعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.