لم يتصور الشاب سعيد الغامدي أن تناول وجبة عشاء على الكورنيش سيؤدي به إلى الشلل، ويلزمه كرسي الإعاقة، ويسلبه الحركة والتمتع بأحلى أيام حياته وزهرة شبابه.مضت ثلاث سنوات ونصف السنة وهو على هذه الحال، وما زالت كلمات «ليت» و «لو» ترن في مسامعه، «فلو لم أذهب لكان أفضل»، و«ليتني لم ألبِ دعوة الشباب»، لكن في النهاية جرى ما جرى. ويرى إبراهيم الغامدي ما حصل لأعز أولاده، وهو يتصبب عرقاً، وإلى جانبه نجله جالساً على كرسي الإعاقة، ويقول: «ما زلت أتذكر تاريخ تلك الحادثة المشؤومة، ففي يوم الخميس 28/2/1428ه، كان ابني، وهو يعمل كاتباً في أحد فنادق الظهران إلى جانب دراسته، في دوامه المعتاد، وفي تلك الليلة دعاه أصدقاؤه إلى وجبة عشاء على كورنيش الخبر، وبمجرد أن انتهى دوامه بعد منتصف الليل ذهب إليهم». ويضيف: «أثناء جلوس ابني وأصدقائه وتناولهم العشاء عند الساعة الواحدة فوجئوا بسيارة مسرعة، يقودها شاب متهور يمارس التفحيط متجهة إليهم، اثنان منهم استطاعا تفاديها والهرب. أما هو فقد صدمته السيارة، ورمته نحو ستة أمتار، وصدمت كذلك زميله، وهرب السائق. لكن استطاع الحضور الإمساك به، وإبلاغ الجهات الأمنية. في حين تم إسعاف المصابين». ويذكر الغامدي، أن إصابة ابنه كانت «بليغة جداً، فالضربة في النخاع. وأدى ذلك إلى دخوله في غيبوبة تامة لمدة ثمانية أشهر، وكان وضعه سيئاً للغاية. وبعد هذه الأشهر أخرج من العناية الفائقة في المستشفى العسكري إلى الغرف العادية، التي بقي فيها مدة ستة أشهر. وتحسنت حاله تدريجياً. إلّا أن وضعه الأخير - وبحسب التقرير الطبي - شلل نصفي، فهو لا يستطيع تحريك كامل الجزء الأيمن من جسمه، ونطقه ثقيل جداً، وتخونه الذاكرة في بعض الأحيان». وراجع الغامدي، وهو متقاعد في القطاع العسكري (الأمن العام)، مستشفيات عدة، من أجل علاج ابنه الذي كان يعتمد عليه في مساعدته، وتحمل جزء من أعباء الأسرة المادية. إلا أن مراجعاته لم تفلح. ولم تؤدِ إلى نتيجة. فكلما راجع مستشفى أفادوه بأنه قد يجد علاجاً له خارج المملكة. وحددوا له بعض الدول. اضطر الوالد الحزين إلى مخاطبة عدد من المستشفيات في الخارج، وأرسل إليهم التقرير الطبي الذي يشخص حال ابنه، فجاءته الإفادة بإمكان العلاج. لكن المشكلة بالنسبة له هي فاتورة العلاج «المكلفة جداً»، والتي لا يستطيع تحملها. فوضعه المادي صعب، فهو يسكن بالإيجار. ويعيل عائلة مكونة من ستة أفراد، وليس لديه ابن يعمل، كي يعينه إلا هذا الشاب، الذي أصبح معوقاً الآن. وفي حاجة إلى من يساعده، ويعيد إليه نشاطه وحيويته، ويرسم البسمة على وجهه، بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها على كرسي الإعاقة في حادثة تهور لم يكن له ذنب فيها. سعيد ذو ال25 عمراً، كان جالساً إلى جانب والده، يتذكر ما جرى له، لكنه تمنى عبر الكلمات الثقيلة التي تخرج من شفتيه بصعوبة بالغة، أن يتلقى علاجاً سريعاً. وأن يسهم أهل الخير في إعانته ومساعدته في تخطي هذه المرحلة التي أدخلته وأسرته في دوامة ومعاناة، ما زالت تلقي بثقلها عليهم جميعاً.