في مرحلة تالية لانتشار المسلسلات الهندية على قنوات فضائية مصرية، وإطلاق مجموعة «أم بي سي» قناتها البوليوودية، لم تتغير ملامح الخريطة الدرامية لدى المصريين فقط، بل قائمتهم الاحتفالية أيضاً، فبات مهرجان الألوان الذي يستقبل به الهنود فصل الربيع، والمستقى من الثقافة الهندوسية، تقليداً رئيساً، في مهرجانات شبابية وحفلات تخرج ومناسبات مصرية. شباب يرتدون قمصاناً بيضاً، في يد كل منهم أكياس عدة من الألوان المبهجة، أحمر، أصفر، أخضر، برتقالي وأزرق، وما إن يبدأ العد التنازلي لبدء المهرجان، حتى يطلقوها على وجوه وملابس بعضهم البعض، ومن ثم يلتقطون الصور. على هذا الشكل تجرى مهرجانات الألوان في مصر. ولإتاحة قدر أكبر من الخصوصية والحرية تخصص بعض الأماكن مهرجانات ألوان خاصة للفتيات فقط، ك «الرَبع الثقافي» في منطقة الغورية، في القاهرة، بصحبة رقصات وملابس هندية. «الحفلة»، بهذا الاسم أطلقت مجموعة من الشباب السكندري فريقها المتخصص في إعداد الحفلات الغنائية الشبابية والرحلات والمهرجانات كوسيلة للترفيه والتواصل. منذ تأسيس ذلك الفريق في آذار (مارس) 2015، حرصوا على اعتماد «مهرجان الألوان» ضمن فاعلياتهم الرئيسة. يقول أحد أعضاء الفرقة أحمد عسل، في حديث ل «الحياة»، «إن الشباب والأطفال يجذبهم دائماً الاختلاف، ففكرنا في الاستعانة بمهرجان الألوان، وحرصنا في فاعلياتنا الأولى على الإعلان عنه باسم «مهرجان الألوان الهندي». وحضر في أول مهرجان 1200 شخص، وفي الثاني 3500 شخص. في المقابل، أبدى رئيس «البيت الفني للفنون الشعبية» مسعود شومان قلقه على الهوية المصرية في مواجهة ثقافات انتقلت إلى الشباب عبر أعمال درامية وسينمائية، مع إهمال القائمين على الإعلام المصري عموماً والدراما خصوصاً للفولكلور. وقال شومان: «لا نستطيع التعميم في عدم وعي الشباب المصري بالفولكلور الخاص بهم، فالبعض مهتم جداً، ويسعى إلى إعادة إحياء ذلك الفولكلور وتقديمه في قوالب غنائية وفنية حديثة، ساعدته على ذلك مواقع التواصل الاجتماعي فطرح أعماله عبرها وتحقق لها الانتشار، إلا أن دور الدولة الذي يجب أن تلعبه للحفاظ على الهوية المصرية متراجع وبشدة». واستنكر شومان عدم وجود مادة في المدارس في مرحلة التعليم الأساسي تُعرِّف الطالب معنى الفولكلور وعناصره، حتى ينشأ الطفل وهو مرتبط بهويته المصرية، مشيراً إلى أن وجود أقسام للتراث الشعبي في بعض المعاهد والجامعات المصرية حالياً حفظ ذلك التراث من الاندثار. وتقول هدير إبراهيم (21 سنة): «بدأت مشاهدة المسلسلات الهندية قبل ثلاث سنوات. تجذبني ملابسهم ورقصاتهم وعاداتهم، وإن كانت حكاياتها تُسبب الملل أحياناً». وتتمنى هدى حضور أحد مهرجانات الألوان؛ «مبهجة جداً. أحببتُها عبر تلك المسلسلات، وسعدت جداً حينما علمت أنهم ينظمون مثلها في مصر، إلا أن ظروف الدراسة منعتني من حضور أي منها حتى الآن. أتمنى أن تنظم كليتي مهرجاناً للألوان في حفلة التخرج». وعلق شومان على هذا «الغزو الثقافي الدرامي»، قائلاً: «المشكلة تكمن في القنوات المصرية التي تستسهل وتجلب مسلسلات هندية وتركية، بدلاً من إنتاج مسلسلات متقنة تبرز عاداتنا وفولكلورنا، ولا تكون كمن يعرض قطعة آثار يغطيها الغبار»، مستشهداً بتجربة الفنان محمد منير في أغنية «نعناع الجنينة» وهي جزء من مجموعة فولكلورية تحمل الاسم ذاته، حين طرحها حققت نجاحاً كبيراً، «كما أن برنامج «صاحبة السعادة» الذي تقدمه الفنانة إسعاد يونس وتعتمد فيه على ربط المشاهد بالفولكلور والتراث المصري، نجح نجاحاً كبيراً.