رحل الموسيقي القطري عبدالعزيز ناصر العبيدان عن 64 سنة بعد صراع مع المرض، لتفقد برحيله الساحة الفنية أحد أهم ملحنيها. العبيدان، أو بوسعود كما تحلو لمحبيه وأصدقائه مناداته، لم يكن فناناً فحسب، وإنما إنسانًا مثقفًا، كان يقيم مجلساً كل أحد في منزله في الدوحة تدور فيه أحاديث الفن والسياسة والدين والعلم والفقه. عبدالعزيز ناصر هو ملحن النشيد الوطني القطري، ومجدد التراث الشعبي (الجرنجعوه، العايدوه، أم الحنايا) والمتصدي لتقديم الأعمال الإنسانية والوطنية والدينية (المجاعة، أحبك يا قدس، محمد رسول الله، آه يا بيروت، أصدّر للورق همي، الله يا عمري قطر، عيشي يا قطر، الهدف واحد). هو أيضاً صانع مواهب ونجوم، أثرى المكتبة العربية في إطار مشروعه الفني لصناعة أغنية قطرية خالصة لا هندية ولا تركية. وهو صاحب فكرة تأسيس «الأضواء»، أول فرقة فنية تكونت في قطر من قسم للمسرح وآخر للموسيقى. وكان لهذه الفرقة الفضل في بروز العديد من المواهب، كالمطرب الراحل فرج عبد الكريم وعلي عبد الستار في مجال الغناء، عبد الرحمن المناعي في مجال المسرح، حسن علي في مجال التلحين، مرزوق بشير في مجال التأليف الغنائي. كان الموسيقي الراحل من أهم مثقفي قطر، فمن يجلس معه من دون علمه أنه الملحن الموهوب يحسبه أزهرياً أو درعمياً، حديثه خليط بين العربية السليمة ولهجتي أهل الدوحةوالقاهرة. يعود دائماً في حديثه إلى آيات من الذكر الحكيم وأبيات شعرية وحكم وأمثال. كان عنيداً في انحيازه إلى تقديم أغنية عربية شرقية بقواعدها التي تعلمها في معهد الموسيقى العربية في القاهرة الذي تخرج منه عام 1977 بتقدير امتياز بعدما انضم إليه بشق الأنفس لأن والده كان أرسله لدراسة الحقوق. تعامل مع كبار الفنانين من أجيال مختلفة في مصر والعالم العربي. شغل منصب المراقب العام للموسيقى والغناء في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون منذ العام 1980 ورئاسة لجنة مراقبة النصوص والألحان. قدم العديد من الألبومات الموسيقية والغنائية، منها «من وحي التراث القطري»، «الإنسان والأرض»، «يا قدس يا حبيبتي» التي شارك في أدائها عدد من كبار مطربي العالم العربي، أمثال: سعاد محمد وكارم محمود ولطفي بوشناق وعلي الحجار وغيرهم. نال العديد من شهادات التقدير وأوسمة التكريم والجوائز الخاصة، وشغل عضوية مجلس أمناء أكاديمية الموسيقى في قطر التي مثل عضويتها في المجلس التنفيذي للمجمع العربي للموسيقى. وتقرر بعد رحيله (الجمعة الماضي) تسمية «مسرح الريان» في سوق واقف باسمه، وهو أكبر مسرح مغلق في قطر. ترك الراحل كتاباً يسرد فيه مذكراته ومشواره في الحياة، ولكن القدر لم يمهله الوقت الكافي ليوزعه على من يريد، وهناك ترقب في الأوساط الفنية والثقافية أن يرى هذا الكتاب النور في المستقبل القريب. ويقول مبارك بن جهام الكواري الرئيس التنفيذي السابق للمؤسسة القطرية للإعلام، عن الراحل: «عاش معظم حياته بهدوء ورحل في غاية الهدوء. سعدت بتسمية مسرح الريان باسم الفقيد الذي يستحق ذلك بكل جدارة لأنه نحت اسمه بأعماله الراقية التي سكنت كل القلوب كما سكن هو بإنسانيته وأخلاقه الرفيعة قلوب من عرفوه».