بدأ أفراد أسرة الشهيد سليمان المالكي لدى اجتماعها على مائدة الإفطار يركزون أنظارهم إلى ذلك المكان الذي كان يشغله فقيدهم على سفرة الطعام، بينما لا يفوت زوجته وأخواته إضافة الأطباق التي كان يفضلها على المائدة الرمضانية واسترجاع ذكريات جمعت بينهم، في الوقت الذي تحاول فيه والدته عبثاً إخفاء دموعها المتساقطة، لترفع يديها بالدعاء لفلذة كبدها واحتساب أجر شهادته، تلك هي حال البعض من أسر الشهداء الذين لم يتأخر أبناؤهم في تقديم أرواحهم فداءً لدينهم وللوطن. لم تجد زوجة الشهيد المالكي الذي استشهد وعمره لم يتجاوز 29 عاماً، في الحد الجنوبي نظير تبادل إطلاق نار مع الجهة المعادية، حلاً آخر للهروب من ذكريات شهدتها أركان المنزل، تحمل بين ثناياها مواقف ومشاهد جمعت بين الشهيد وأفراد أسرته، سوى الرحيل إلى منزل آخر تقتصر ذكرياته على ذاكرتهم من دون أرجاء المنزل، وفي ذلك تقول آمنة المالكي: «كل يوم، كان ابني وائل (10 أعوام) يمسك يدي ويصطحبني معه إلى كل غرفة شهدت له موقفاً مع والده، تارة يأخذني إلى الحجرة التي كان يلعب معه بالكرة فيها، وأخرى كان يتناول معه الغداء وثالثة كان يتابع واجباته معه، كما كان وائل يعد حذاءه أمام باب المنزل حتى يذهب مع والده إلى (البقالة) المقابلة للمنزل، التي اعتاد أن يصطحبه معه لشراء الحلوى، ما دفعني ذلك إلى حزم حقائبنا والذهاب إلى منزل آخر أقل وطأة على مشاعرنا». وعن موعد اللقاء الأخير بينهما، أشارت «(خليك قوية، إحنا بنروح وما ندري بنرجع ولا لا) كانت العبارة الأخيرة التي نطق بها قبل وداعه لنا»، واستطردت في الحديث حول طبيعة أمنياته التي كان يأملها ويبوح بها «كانت أمنيته تكمن في الاستشهاد في سبيل الله، وبالفعل تحققت». أما طبيعة ممارساته وتعامله مع غيره قالت عنها: «كان باراً بوالديه وقريباً منهما، بل كان يعمد إلى تنظيف منزلهما وترتيبه في حال سفرهم، كما يحرص على اصطحابهم لأداء العمرة ومشاركتهم لنا في التنزه لأي مكان نقصده». وأشارت إلى أنه كانت له مساهمات خيرية كثيرة، منها مبادراته مع زملائه ومعارفه وافتتاحه دفع (قطة) للأيتام والصدقة والوقف، كما كان لا يتأخر في تقديم وجبة الإفطار لإمام المسجد يومياً في رمضان والاعتكاف في المسجد، إضافة إلى أنه كان يشدد علينا الحفاظ على الأذكار والتحصين، فضلاً عن مبادرته في إنشاء فكرة تحفيظ وتدبر القران عبر قروبات الواتس آب. في حين استرجع ابن خالة الشهيد الجندي أول غربي الراجح الذي استشهد جراء سقوط مقذوف عسكري عليه عن عمر يناهز ال30 عاماً، شيئاً من ذكرياته معه، وفي ذلك يقول ردة الشريف: «مجرد أسبوعين، هي الفترة التي تفصل بين يوم استشهاد غربي وموعد زواجه، إذ كنا نستعد للاحتفال بزفافه وتشاركنا أنا وأقاربه ومعارفه في إعداد هدية نفاجئه بها ليلة زواجه تتمثل ب(العانية)، لكن الله اختار أن تكون هديته الجنة وزوجته من الحور العين». وعن آماله التي كان يطمح إلى تحقيقها، أشار إلى أنه كان يبوح لخطيبته برغبته في عمل وقف خيري يتمثل في حفر أربعة آبار، اثنان لوالديه واثنان له وزوجته، ما استدعى زوجته أن تتكفل بتحقيق رغبته من خلال المكافأة المالية التي كفلتها له الدولة». وعن لقائه الأخير الذي جمعه به قبل استشهاده، ذكر «كان يراوده إحساس غريب بأن أمراً ما قد يحدث، وبالفعل كان استشهاده هو الحدث الجم»، مشيراً إلى أنه تربى يتيم الأب منذ أن كان في المرحلة المتوسطة، ويعد هو الولد الوحيد لوالديه، في الوقت الذي كان فيه باراً بوالدته المريضة وملازماً لها في مختلف المستشفيات التي تقصد مراجعة عياداتها. وأضاف: «(أبوالفزعات) لقب اشتهر به الشهيد عند كل من يقابله، إذ عرف عنه المبادرة في تقديم العون والمساعدة لغيره، والصبر على الناس، إذ لا يشمل في قاموس خصاله قول (لا) لأحد، ما جعله مقبولاً ومحبوباً لدى الجميع». لافتاً إلى أنهم عمدوا إلى عمل سفرة رمضانية خيرية باسمه في مدينة جدة، إضافة إلى المساهمة في حفر بئر، وقفاً له. إلى ذلك، يذكر أن إدارة شؤون الشهداء والمحاربين القدامى ورعاية أسرهم بوزارة الدفاع تقدم مكافآت مالية وأراضي سكنية وأوسمة ووظائف حكومية ورحلات حج تكريماً لهم، إذ بمجرد استلام الإدارة ملف الشهيد، تقوم بتسوية وصرف جميع مستحقاته في ما يتعلق بالراتب التقاعدي، ويرقى الشهيد ويمنح آخر مربوط بالدرجة التي تلي رتبته، ويصرف راتبه وكأنه على رأس العمل، كما يتم صرف 500 ألف ريال لذويه، وصرف راتب مستمر لزوجته ووالده ووالدته مع تسوية مستحقاته الأخرى، فضلاً عن صرف راتب ستة أشهر مكافأة نهاية خدمة، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل تكريماً للشهيد يتم توظيف زوجته وأبنائه، ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة ونوط الشرف، ومنح ذويه قطعة أرض داخل الأحياء السكنية، إضافة إلى ما أمر به وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان من صرف مليون ريال لذوي كل شهيد.