الحقيل يبدأ زيارة رسمية إلى الصين الأسبوع المقبل    فوز 70 طالبا وطالبة سعوديين بجوائز "أولمبياد أذكى"    أرامكو ورونغشنج تستكشفان فرصًا جديدة في المملكة والصين    البرلمان العربي يمنح الشيخ خالد بن عبد الله آل خليفة وسام "رواد التنمية"    بايدن يدرس تقييد مبيعات السلاح لإسرائيل إذا اجتاحت رفح    تعليم الطائف ينشر ثقافة الانضباط المدرسي في طرق وميادين المحافظة    إبداعات 62 طالبًا تتنافس في "أولمبياد البحث العلمي والابتكار"غدا    قطاع صحي خميس مشيط يُنفّذ فعالية "النشاط البدني"    استكشاف أحدث تطورات علاج الشلل الرعاشي    جمعية الكشافة تُشارك في المعرض التوعوي لأسبوع البيئة    ترقية الكميت للمرتبة الحادية عشر في جامعة جازان    المكتب التنفيذي لجمعية الكشافة يعقد اجتماعه الأول الاثنين القادم    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي في "محمية الإمام عبدالعزيز"    «الاحتياطي الفدرالي» يتجه لتغيير لهجته مع عودة التضخم    جعجع: «حزب الله» يعرّض لبنان للخطر    «الداخلية»: تنفيذ حكم القتل بجانٍ ارتكب أفعالاً تنطوي على خيانة وطنه وتبنى منهجا إرهابياً    ضبط 19050 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    مدرب توتنهام : لا ارغب في تعطيل سعي أرسنال للتتويج    القيادة تهنئ رئيس جنوب أفريقيا بذكرى يوم الحرية لبلادها    "البنك الإسلامي" يستعرض أهم الطرق إلى الازدهار وتحدي الفقر    جامعة حائل: اختبار «التحصيلي» للتخصصات النظرية شرط للقبول السنوي للعام الجامعي 1446    زلزال بقوة 6.5 درجة يهز جزر بونين باليابان    ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي    عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»    فرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    إغلاق منشأة تسببت في حالات تسمم غذائي بالرياض    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    اختتام المرحلة الأولى من دورة المدربين النخبة الشباب    اخجلوا إن بقي خجل!    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    وفاة الأمير منصور بن بدر    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    جيسوس يفسر اشارته وسبب رفض استبدال بونو    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    رؤية الأجيال    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور قيادة القوة البحرية بجازان    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصوصية الأدب العربي بعيون نقاد بريطانيين
نشر في الحياة يوم 23 - 06 - 2010

تعج العاصمة البريطانية في هذه الفترة من كل سنة بالمهرجانات على أنواعها، ومن بينها المهرجانات الأدبية. واحد من هذه المهرجانات نظمته مجلة «لندن ريفيو أوف بوك» الأدبية الرفيعة النصف شهرية. والأعمال تمت بإشراف مخزن بيع الكتب التابع لها حيث تتم استضافة بعض الأنشطة إضافة للمتحف البريطاني وجامعة بيربيك كوليدج. ولأن المجلة تعنى بجمع المهتمين بالأدب من مختلف أنحاء العالم، بدا الأدب المترجم حاضراً بقوة من خلال الكتاب أنفسهم ومترجمي أعمالهم. اللقاء امتد ثلاثة أيام بدعم من منظمة «بن الإنكليزية لحرية الكتّاب»، وضمّ إضافة الى كتاب من مختلف الثقافات، لقاءات مع أدباء عرب أو ينتمون الى مجتمعات إسلامية، وهذا الجزء ما يهمنا في هذه التغطية. شعار هذه السنة كان «اللغة والمنفى»، وقاد النقاش حولهما العرب المشاركون في الحديث عن الهوية، تلك التي بدت ملتبسة عند بعضهم.
جيرمي هاردنغ الناقد والمحرر مشارك في مجلة «لندن ريفيو أوف بوك»، زار بيروت قبل أربع سنوات والتقى بالياس خوري الروائي والناقد، بمناسبة صدور ترجمة انكليزية لروايته «باب الشمس». ونتيجة الزيارة كانت مقالاً طويلاً نشر في المجلة، قدم فيه هاردنغ خلاصة لقائه بالأديب اللبناني، إضافة الى تعريف ببعض رواياته، حكى أيضاً عن مخيم شاتيلا الذي زاره بنفسه، وعن بيروت، وعن كثير من الأماكن التي وردت في الرواية. هذه المعرفة بالكاتب أهلته ليدير الحوار مع الروائي خوري الذي كانت روايته «يالو» صدرت مترجمة في بريطانيا العام الماضي، وستصدر ترجمة لروايته «الوجوه البيضاء» نهاية هذه السنة.
أكد الياس خوري رفضه تعامل الغرب مع الأدب العربي كوثيقة تاريخية اجتماعية عند ترجمته، وليس كمنجز أدبي قائم بذاته، واستشهد بالترجمة الفرنسية لثلاثية نجيب محفوظ التي عوملت كوثيقة عن مدينة القاهرة في فترة زمنية معينة. غير أن روايته الأبرز بالإنكليزية «باب الشمس»، هي التي فتحت شهية الجمهور على طرح الأسئلة عن القضية الفلسطينية، وأثبت الياس خوري في حواره المفتوح أنه أفضل من يحكي عن هذه القضية للجمهور غير العربي، في زمن تغيرت الموازين، وقد صحت والنخبة التي كانت تؤيد إسرائيل في العقود الماضية، على حقيقة الدولة العنصرية.
الناقدة والأكاديمية القديرة جاكلين روز أبدت بدورها ملاحظة حول جرأة خوري في تناوله العلاقة بين اليهود والعرب في روايته «باب الشمس» وعن مدى تقبل الفلسطينيين لذلك التناول. وكان رده أنه «يجب أن نرى الآخر، أن نرى الإسرائيلي أيضاً». عند سؤاله عن هويته، عرف خوري نفسه بأنه فلسطيني ولبناني في آن، ف «تاريخ كلا البلدين مرآة للآخر»، مثلما هي الحال مع قصص «ألف ليلة وليلة» التي أغرم بها وأعاد قراءتها مراراً، حيث الواحدة منها مرآة مجازية للأخرى. وكذلك هو الأمر في القصص المتناسلة في رواية «يالو»، بحسب ما لاحظ جيرمي هاردنغ. في كتابته لا ينسى خوري تاريخ لبنان ويريد ان يرفع الغطاء عن المسكوت عنه فيه منذ حرب 1840-1860، لأن أحداً لم يرد فتح الجراح ومواجهة الحقيقة، «حتى الدراسات التاريخية كتبت على خجل».
الكاتبان اللذان يكتبان بالإنكليزية (آنجلوعرب)، أهداف سويف وهشام مطر، تناقشا في ما بينهما عن مسألة الهوية، وعن توصيف كتابتهما ان كانت أدباً عربياً ولكن بلغة أخرى. وروى مطر حادثة طريفة جمعته مع الراحل نجيب محفوظ في واحدة من جلساته الأسبوعية في أحد فنادق القاهرة، عندما سأله عن رأيه في الكتاب العرب الذين يكتبون بلغات أخرى، هل يحسبون برأيه على الأدب العربي؟ فرد عليه محفوظ بإيجاز: «انتم تنتمون إلى اللغة التي تكتبون بها». هشام مطر يقيم في بريطانيا منذ خمس وعشرين سنة، وهو مهندس معماري هجر تخصصه من أجل الكتابة. روايته الأولى «أرض الرجال» ظهرت في القائمة القصيرة لجائزة «مان بوك» 2006، تجري أحداثها في ليبيا وتروى على لسان طفل في التاسعة من عمره. أما روايته الثانية التي تصدر ربيع السنة المقبلة، فأحداثها تدور ما بين القاهرة ولندن، وقد قرأ فصلاً منها في هذا المهرجان. وكما في روايته الأولى، يناجي السرد أباً غائباً، لكن غيابه هذه المرة بسبب الموت لا بسبب الملاحقة السياسية. «لا اكتب سيرتي الذاتية في نصوصي»، يؤكد مطر رداً على سؤال من إحدى الحاضرات، ويؤكد أنه في كلتا الروايتين، ترد التفاصيل بصورة غير دقيقة واقعياً، لكنّ ثيمة العمل نفسها هي التي تعنيه.
أهداف سويف قالت انها اختارت الانكليزية لأنها قادرة على التعبير من خلالها بصورة أفضل من العربية. وللكاتبة روايتان تربطان ما بين المجتمعين المصري والبريطاني، الأولى معاصرة صدرت عام 1992 وعنوانها «في عين الشمس»، والثانية «خارطة الحب» تتناول فيها شخصيات وأحداثاً تاريخية ترتبط بالزمن الحالي. تكتب سويف القصة القصيرة والدراسات والمقال الصحافي، إضافة الى كونها ناشطة في مجال القضية الفلسطينية، ومؤسسة لمهرجان محمود درويش الأدبي قبل سنتين. وعلى رغم مرور إحدى عشرة سنة منذ صدور روايتها الأخيرة التي رشحت في القائمة القصيرة لجائزة بوكر عام 1999.
إلا أن سويف تؤكد أنها لم تكن مصابة ب «انسداد في المخيلة الإبداعية»، وأن عدم إنجازها رواية ثالثة يعود الى انشغالها بأمور أخرى سافرت كثيراً من اجلها، وهي تكتب حالياً رواية جديدة قرأت للجمهور الحاضر مقاطع منها. وطرحت أهداف سويف في الملتقى أفكاراً مهمة في مجال الكتابة بلغة أخرى، منها أن من الصعب اعطاء المضمون الحقيقي لبعض المفردات العربية بلغة أخرى، مثل كلمة «الظلم»، التي لا توازي بالإنكليزية مفردة «اللاعدالة».
وعقب مطر بقوله، أن من بين فوائد الكتابة بلغة أخرى، رفدها بتعابير من اللغة الأصلية. صورة العربي والاسلامفوبيا وغيرهما من موضوعات، كانت من بين أسئلة الجمهور أيضاً مثل مدى ترويجهما للقضايا العربية في الكتابة الأدبية. واتفق الروائيان على أن الكتابة عن الثقافة العربية بلغة أخرى، هي أفضل دفاع عنها، «شرط الا تتحول الى بروباغندا».
الطاهر بنجلون، عتيق رحيمي، وأيلي أمير، ثلاثة كتاب ترجموا الى الإنكليزية. آخر عمل ترجم للروائي المغربي هو «مغادرة طنجة»، أما رحيمي، السينمائي والروائي الأفغاني الأصل فترجمت له رواية «حجر الصبر» الفائزة بجائزة غونكور الفرنسية الأدبية الرفيعة. الروائي الإسرائيلي من اصول عراقية، له ترجمة لروايته «المطيرجي». لا يبدو ان هناك ما يجمع بين الكتاب الثلاثة، غير أنهم يكتبون في الاساس بلغة غير لغتهم الأم، الفرنسية والعبرية. واذا كانت اللغة هي منفى الكاتب الجزائري الشهير مالك بن حداد لكونه لا يجيد العربية ويكتب بالفرنسية، فإن اللغة الأخرى تبدو واحة طمأنينة للكاتبين المغربي والأفغاني الحاصلين على الجنسية الفرنسية. «الكتابة بلغة أخرى ساعدتني على قول أشياء يصعب ذكرها بلغتي الأصلية» يقول بنجلون ويعترف أنه تمكن من كتابة ما لا يرغب فيه أبواه بقراءته وهما اللذان لا يجيدان الفرنسية، واستعمل تعابير لا يرغبان في سماعها، مثل الحكي عن المرأة. وذكر أنه سأل سلمان رشدي مرة كيف يحدد هويته تماماً، فأجابه أنه يعتبر نفسه كاتباً هندياً لأنه يكتب عن الهند. الا أن هذا التوصيف لم يعجب الكاتب المغربي الذي يزعجه ان توضع كتبه في مخازن بيع الكتب الفرنسية ضمن خانة «الكتب الأجنبية». ومع أنه يمتح في كتابته من المغرب وحكايات أهلها وليس عن فرنسا، يدافع عن موقفه بقوله إن ألف رواية تقدم سنوياً للناشرين في فرنسا، فما الذي يضيفه هو إن كتب مثلهم!
أما عتيق رحيمي فيعترف انه بعد منفى طويل عاشه بعيداً من كابول، بات عندما يزورها يشعر بالغربة عنها، وعندما فكر بروايته «حجر الصبر» لم يتمكن من كتابتها باللغة الأفغانية، وفيها تروي امرأة أفغانية تحررت من القهر الزوجي والاجتماعي والديني، هواجسها أمام زوجها الذي أصيب بشلل كلي وفقد الإدراك. ورحيمي أكد أن الأخيلة والتعابير والجرأة في الطرح، أصعب من أن يرويها بلغته الأم في هذه الظروف. إيلي أمير الذي غادر بغداد مع أهله ضمن حملة التهجير ضد يهود العراق عام 1950، تحدث عن حنين ينتابه كلما تذكر بغداد التي كتب عنها كتاباً استعان فيه بذاكرة عائلته.
وقال إن «اليهود الذين كانوا منفيين داخل المجتمع العراقي، اكتشفوا أنهم منفيون أيضاً داخل المجتمع الإسرائيلي الذي ينظر اليهم على أنهم يهود قادمون من ثقافة عربية، وحتى الآن لا تزال كتب الإسرائيليين العرب توضع في خانة «الكتاب الإثنيين». وهو يشعر بأنه لا يزال هامشي وليس من المركز، وأنه رهن الصراع بين ثقافتين ولا يزال يعمل على تحديد هويته، لكونه لا يزال يكتب عن بلد غادره قبل ستين سنة. يستمع الى القصص القديمة عن بغداد باللهجة الأصلية من أهله وأصحابه، ثم يترجمها الى العبرية. «لكن من يقرأني يشعر بأن إيقاع لغتي عربي»، يقول أمير الذي يزور القاهرة كثيراً ولديه أصدقاء فيها.
الا أن هذا التماهي مع الماضي واللغة العربية عنده، يبهت عندما يصطدم الأمر بالسياسة، إذ لا يعود على الحافة بين ثقافتين، بل ينحاز تماماً الى خطاب الدولة العبرية.
عتيق رحيمي وبنجلون في أحدى الندوات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.