استضافت مؤسسة «درب» للفنون في القاهرة، معرضاً للفنون المعاصرة تحت عنوان «تسجيل دخول». وتنوعت الأعمال المشاركة في المعرض بين الفوتوغرافيا والتجهيز والفيديو، وشارك فيه فنانون من مصر ودول عدة، من بينها الولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا. تطرح الأعمال المشاركة تساؤلات غير معلنة عن طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي ومدى انتشارها بديلاً من العلاقات والروابط المباشرة في ما بينها، في ظل تشكل لغة جديدة تختصر العلاقات والمشاعر في رموز وأيقونات قد تكون مصطنعة وغير معبرة عن الحقيقة. هذه الرموز نفسها التي أتيح لزائر المعرض التعبير من خلالها عن درجه شعوره وتقبله الأعمال المعروضة، من طريق لصقها على الحائط إلى جوار كل عمل. وتسلط الأعمال المشاركة الضوء على هذه اللغة الجديدة التي تتشكل كبديل رقمي عن مشاعرنا الحقيقية على نحو يثير الدهشة ويدعونا إلى تأمل ما نحن مقبلون عليه من تحول قد يغير نمط إدراكنا الواقع وقدرتنا على التعبير عنه. تختصر الفنانة رانيا عاطف كل هذه التحولات في بيانها المصاحب لعملها «تجهيز في الفراغ» المشارك تحت عنوان «عنكبوت»، حين تصف وسائل التواصل الاجتماعي بمتجر للأفكار والمشاعر والآراء السياسية: «إنه أداة التواصل ومتابعة الأخبار والمواعدة العاطفية، فرنكنشتاين الذي أنشأناه، هل نفقد السيطرة عليه؟ وهل نتبادل المقاعد الآن؟». تجسد عاطف هذه التساؤلات والمخاوف التي تطرحها في بيانها على هيئة عناكب ملونة مصنوعة من السلك والورق تتسلق الجدران. إنها عناكب ذات طبيعة خاصة، تدفعك هيئتها الملونة إلى الاقتراب، غير أن هذا الجمال قد لا يكون في النهاية سوى فخ لا ندرك حقيقته. الفنان شادي أديب يعرض ثلاث مساحات ذات سطح مصقول كالمرايا. تتشكل بواسطة هذه المرايا الأيقونات الشهيرة لوسائل التواصل، ك «تويتر» و «فايسبوك». يدعونا العمل إلى التساؤل عن قدرة هذه الأسطح المصقولة التي تمثل وسائل التواصل الاجتماعي، على التعبير عن أفكارنا وصورنا الحقيقية في الوقت الذي تنعكس صورنا على هذه الأسطح المصقولة على نحو ضبابي وغائم. البرازيلية ماريانا باجوابا تلفت الانتباه إلى اعتمادنا الفعلي في كثير من جوانب حياتنا على شبكة المعلومات، بعرضها صور فوتوغرافية لخرائط مأخوذة عبر موقع «غوغل». لا تظهر هذه الخرائط التي تعرضها ماريانا سوى مساحات من الأرض يمكن بسهولة التلاعب في تكوينها، هذا الاعتماد الكلي على تلك الوسائط الرقمية قد يشوه الحقيقة ويربك إدراكنا. وفي عملها الذي شاركت به تحت عنوان «أبوست أو لا أبوست» تعرض الفنانة هند سمير عدداً من الرسوم التي تستخدمها أحياناً للتعبير عن نفسها بين أصدقاء الواقع الافتراضي. ترتبط هذه الرسوم في مخيلتها بأحداث وذكريات ومشاعر حقيقية تشتبك مع وجودها الافتراضي على صفحات التواصل الاجتماعي. ويطالعنا الفنان أحمد بنزهير بعمل تحت عنوان «أنا أتكلم»، يعرض فيه مجموعة صور فوتوغرافية لوجوه مختلفة. تبدو تعبيرات الوجوه حيادية، إنها الوجوه نفسها التي تواجهنا ونحن نتصفح المواقع. هذه الصور نتحاور معها أحياناً ونشتبك وإياها في نقاشات جدلية، لكننا لا نستطيع في الحقيقة أن نتبين طبيعة مشاعرها أو ردود أفعالها. إنها مجرد صور لأشخاص نلتقيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لا تكون هذه الصور حقيقية أو غير معبرة عن طبيعة هؤلاء الأشخاص. ويشارك الفنان محمد عز بفيديو تحت عنوان «معركة في ليلة الأوسكار» يعرض فيه مجموعة من الصور المأخوذة من أحد المواقع (قناة على موقع يوتيوب) تعرض ليلة افتتاح الأوسكار. الصور المعروضة تمثل جانباً من النقاشات التي احتدمت بين رواد هذا الموقع أثناء عرض الأوسكار. رواد الموقع ينتمون إلى جنسيات وثقافات مختلفة وينخرطون في نقاشات عبثية عن الدين والسياسة والجنس. لا تمت هذه النقاشات بصلة في الغالب إلى المادة المعروضة، وهي نقاشات تتسم بالعنصرية أحياناً، لكنها تلقي الضوء على ذلك الواقع المفتوح والمتناقض، هذا الواقع الذي ينسج خيوطه على كل مناحي حياتنا من دون أن ندري. بين الأعمال المشاركة هناك تجارب تلفت الانتباه إلى ما يمكن أن تمثله مواقع التواصل من أهمية في حياتنا ودورها في التحولات الجارية، كعمل الفنانة رضوى فودة الذي يتكون من أربع شاشات عرض صغيرة تعرض خلالها صوراً متحركة لشخصيات حقيقية، وهي شخصيات تساهم في احتدام الحراك السياسي والاجتماعي الحالي بالسلب أو بالإيجاب. الأعمال المشاركة في معرض «تسجيل دخول» تضع وسائل التواصل الاجتماعي تحت مجهر الرؤية الفنية، ففي ظل تنامي الاعتماد على التكنولوجيا كبديل من العلاقات الإنسانية المباشرة، يحاول المشاركون في هذا المعرض الاقتراب من طبيعة التواصل عبر هذه الوسائل كمفهوم بات يحمل الكثير من علامات الاستفهام والدلالات المراوغة.
