اقتربت معركة الترشيح لمنصب المدير العام لليونسكو مع إعلان وزير الثقافة اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة ترشحه الذي لم يفاجئ كثراً يعرفون كفاءات أستاذ العلوم السياسية الذي أسس «معهد العلوم السياسية الدولية» في باريس، وخلفه في رئاسته رئيس حكومة إيطاليا السابق انريكو ليتا. فضلاً عن تأسيسه المنظمة غير الحكومية «آفاق». لكن سلامة ليس وحده مرشحاً للمنصب من بين العرب، فهناك المرشح القطري الوزير حمد الكواري الذي يستعد للمعركة، وكان بين مستقبلي الرئيس فرنسوا هولاند عندما زار المدرسة الفرنسية في قطر، علماً أن الدولة المضيفة لليونسكو لا ترشح أحداً. والمرشحون العرب كثيرون ومن بينهم سلامة الذي يحظى بتقدير كبير في جميع الأوساط السياسية والثقافية في الشرق والغرب، والذي يأمل بترشيح الحكومة اللبنانية، علماً أن هذه الحكومة رشحت أخيراً فيرا خوري التي تعمل مساعدة سفير سانت لوسي لدى اليونسكو جيلبير شاغوري. لكن المراقبين يرون أن من مصلحة الحكومة اللبنانية والمجموعة العربية في اليونسكو أن توحد موقفها من المرشح الأكثر كفاءة كي لا تخسر المنصب، ووفق الدكتور غسان سلامة فإن خسارة العرب منصب رئاسة «الفيفا» الرياضي العالمي يفرض ضرورة توحيد الصف العربي لمرشح واحد لليونسكو، وإلا، كما في الفيفا حيث بقي حتى اللحظة الأخيرة ترشيح الأردني والبحريني، يخسر العرب المنصب. من هذا المنطلق دعا سلامة في حديث ل «الحياة» إلى توحيد الترشح العربي وتبني حكومة لبنان ترشيحه. عن ترشحه لمنصب المدير العام لليونسكو قال: لقد تقاعدت باكراً من التعليم في الجامعة لأن لدي مشروعاً، ففي ذهني مشروع لا منصب. كنت أفكر بعمق في ما إذا كانت اليونسكو المكان المناسب لتنفيذ هذا المشروع أو أنه لمكان آخر. وعن المشروع، تابع سلامة، أنه «قائم على فكرة أن السياسة الدولية التي أعلمها منذ 40 سنة متأثرة بتطورات لها علاقة بالثقافة، أي بمشكلة الهوية والعلاقة بين الحضارات، وبكل المشاكل المتعلقة بالنزوح والعلاقات بين الفئات النازحة والجماعات المقيمة. هناك حوالى 60 مليون لاجئ في العالم اليوم، وعدد أكبر بكثير في حالة نزوح اقتصادي، ما يطرح مشاكل بين الجماعات البشرية ويؤدي بعدد كبير من البلدان إلى أشكال مختلفة من التأزم الثقافي وتأزم الهوية ، يظهران في أشكال عدة، بينها العداء للإسلام أو ما يسمى «إسلاموفوبيا» وأحد الأشكال الأخرى هو الشعبوية ونمو اليمين المتطرف في الديموقراطيات المتقدمة، وأحد أشكاله أيضاً التطرف الديني في الدول الإسلامية، وأيضاً انتصار الأحزاب ذات البعد الثقافوي في دول مثل الهند وغيرها. معنى ذلك أن الأيديولوجيات التي تؤدي إلى سيطرة «من أنت» على «ماذا تفكر»، أي إلى مرحلة ما قبل دخول العقل، تأخذ مدى متقدماً ولو أنه متنوع في السياسة الدولية، في التقوقع الجماعي أو الفردي. والعلاقة بين الثقافة والسياسة الدولية قديمة، ففي الحرب الباردة كانت الفنون مجال تنافس بين الدولتين العظميين، ولكن، هذه المرة، إذا كانت الثقافة تسقي السياسة الدولية من مياه غير نقية فالعلاقة بدل أن تكون تكاملية تصبح كأنما الثقافة تسيء إلى السياسة الدولية ولا تساعدها أو تطورها. ولهذا أشكال مختلفة أهمها تدهور القيم المتعلقة بالعلاقة مع الآخر. هناك شعور بأن التدهور يتزايد بسبب أيديولوجيات القرن العشرين أو بسبب سرعة التواصل والاتصال وسهولته في عصر الانتقال عبر الشبكات الاجتماعية. هناك حاجة للرد على ذلك، ونكتشف أكثر فأكثر أن الردود كانت دائماً ضعيفة، فقد اشتركت عندما كنت وزير ثقافة بصياغة معاهدة التنوع الثقافي مع كندا وفرنسا. كنا مجموعة وزراء وأطلقنا هذه المعاهدة التي تم تبنيها بالأكثرية الساحقة، ولكن لم تؤدِّ إلى معالجة الظاهرة التي لا تزال تتزيد حالياً، فحتى في الدول الاسكاندينافية هناك صعود لليمين المتطرف. ما هو موقفنا؟ هل نتوقف أو نفعل شيئاً؟ لديّ مشروع يفيد بأنه لا يمكن العالم أن يستمر في التفرج. ومنذ سنتين أو ثلاث، أفكر عبر ندوات ومؤتمرات أن نفعل شيئاً لمجابهة الأيديولوجيات المتطرفة والعداء للإسلام وأيضاً للأجيال الآتية على صعيد التربية. لقد حضرت اجتماعات كثيرة عن الموضوع. وعلى الورق، فإن المنظمة المسؤولة عن ذلك هي اليونسكو، لكنها لا تلعب هذا الدور، إذاً ينبغي النظر في سبب عدم لعبها هذا الدور». وعما ينتظره من الحكومة اللبنانية من موقف لدعم ترشيحه والتخلي عن المرشحة الأخرى، قال سلامة: «لقد طلبت دعم الحكومة اللبنانية، وممكن أن تكون ارتبطت بمرشح آخر. وفي تاريخ اليونسكو تحصل في معظم الأحيان على الترشيح من دولتك (يحتاج الترشيح إلى أن تتبناه دولة عضو) وإنني أفضل ترشيخ لبنان لي، ولكن، إذا قررت الحكومة اللبنانية ترشيح أحد آخر فهذا ليس نهاية التاريخ. هناك مديرون عامون كبار مثل فريديريكو مايور لم ترشحهم دولهم، فمايور لم ترشحه إسبانيا بل رشحته الأرجنتين والمعركة ما زالت طويلة». وعن تاريخ انتهاء إدارة إرينا بوكوفا، قال سلامة: «إذا كانت بصورة طبيعية فهي في خريف 2017، إنما ما سرع الأمور أن بوكوفا ترشحت لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ولديها حظوظ وذلك في غضون سنة، أي في نيسان (أبريل). وللمرة الأولى في الأممالمتحدة، المرشحون لمنصب الأمين العام يحضرون أمام الجمعية العمومية للتحدث مع الأعضاء. قبل ذلك، لم يكن حضورهم ضرورياً أمام الجمعية العمومية فكان الاختيار يتم بناء على تفاهمات بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. أما هذه السنة، فالجمعية العامة اتخذت قراراً أن يكون لها دور في اختيار الأمين العام، وأن يتحدث المرشح أمام الجمعية العمومية. والآن، هناك عدد من المرشحين من بينهم إرينا بوكوفا، بالتالي اقتربت المعركة بالنسبة للأمانة العامة للأمم المتحدة. ولكن، في النهاية، مجلس الأمن هو صاحب الكلمة النهائية بالنسبة إلى المرشح، وهناك نحو 40 دولة تطالب بترشيح امرأة للمنصب. وبناء على هذه المعطيات، تم تسريع موضوع الترشح للمديرية العامة لليونسكو. لكن بوكوفا لن تستقيل إلا إذا عرفت مصير ترشيحها في نيويورك. إذاً، الموعد المفترض أن يكون في خريف 2017 سيقترب إذا انتخبت، ولكن رغم ذلك لن يحسم موضوع المديرية العامة لليونسكو قبل السنة المقبلة». وعما إذا كانت إرينا بوكوفا تعرف عن ترشيحه، قال سلامة: «لقد كتبت لها وهي مشجعة. وترشحي لليونسكو ليس مفاجأة، إذ كاد لبنان يرشحني قبل ست سنوات لكن مصر أصرت وقتذاك على ترشيح فاروق حسني. وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة طرح اسمي آنذاك على الرئيس حسني مبارك وكان رد الأخير أن مصر لا توافق على ترشيح عربي آخر». وتابع سلامة أنه لن يبدأ اتصالاته مع دول أخرى لترشيحه قبل أن يتم حسم الترشيح في لبنان. وعن تأثير أزمة لبنان مع دول الخليج ووجود مرشح قطري هو الوزير حمد الكواري كيف تكون حظوظه، قال: «إنك تطرحين اليوم الموضوع في مرحلة علاقات لبنان السيئة مع دول الخليج، ولكن، طبعاً، ينبغي الرهان على أن هذه العلاقات تكون أفضل عندما نصل إلى الموعد في غضون تسعة أشهر على الأقل أو في غضون سنة ونصف السنة. والرهان أن مشكلة هذه العلاقات تبدأ بالحل لا بالتصعيد، ولكن من حقك أن تطرحيها الآن لأن معظم دول الخليج بوجود أو عدم وجود مرشح قطري، فأي مرشح لبناني اليوم لن يحصل على التأييد. ولكن في اليونسكو يتم التصويت في المجلس التنفيذي، ثم يذهب الاسم إلى الجمعية العامة. وفي المجلس التنفيذي، هناك سبع دول عربية من بينها دولتان خليجيتان هما قطر وعُمان. لكن الدول غير الموجودة في المجلس التنفيذي بإمكانها أن ترشّح، ويتوقع أن يكون هناك أكثر من مرشح عربي ولن يكون الأمر جديداً، إنما السؤال: هل يمكن أن يحدث توحّد عربي على ترشيح واحد؟ إذا لم يحدث ذلك فمن الصعب حصول العالم العربي على مرشح مقبول من الجميع، مع أن الدور للعرب في الإدارة العامة وفق العرف وهذا ليس مكتوباً فعندئذ يذهب المنصب إلى آخرين لهم ثقل. هناك كلام عن مرشح إيطالي وآخر من أميركا اللاتينية، فليس بالضرورة أن تنحصر المعركة بين العرب أنفسهم. وإذا كانت بين العرب فليس لهم أمل في الوصول إلى المنصب. أملي بأن يتوحد العرب على مرشح، ولننظر ما حدث في ال «فيفا» مع ترشيح عربيين بقيا إلى اللحظة الأخيرة وخسرا المنصب، وكان ذلك سبب هزيمتهما. وهذا ممكن أن يحصل مرة ثانية في اليونسكو».