سبق للأمم المتحدة أن أعلنت في أيلول (سبتمبر) الماضي أهداف التنمية المستدامة للسنوات الخمس عشرة المقبلة لتكون الإطار الشامل الذي ينبغي العمل من خلاله للنهوض بالمجتمع الإنساني وتحقيق طفرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعالم بأسره. وأتت هذه الأهداف لتحل محل الأهداف الثمانية الإنمائية للألفية، والتي قادت جدول الأعمال الدولي للتنمية بين عامي 2000 و2015. واليوم تستعد دول العالم جميعاً - والنامية منها على وجه الخصوص - لتحديد مؤشراتها الوطنية للمساعدة في قياس ورصد التقدم المحرز في تحقيق هذه الأهداف الجديدة. لكن العالم العربي يواجه تحدياً مضاعفاً، في ظل التصاعد الخطير للأوضاع الأمنية والصراعات السياسية والطائفية، وخطر التطرف المتصاعد والمصحوب بالعنف، وتراجع أداء العديد من المؤسسات المدنية العربية. إن الإنجازات التي تحققت على مدى الخمس عشرة سنة الماضية في أنحاء العالم العربي المبتلاة بهذه الصراعات باتت تتلاشى مع استمرار هذه الصراعات وتفاقمها، وهو الواقع الأليم الذي يتجلى بكل وضوح في حالتي سورية واليمن، بل حتى في ليبيا والعراق. فإذا نظرنا إلى المنطقة العربية نجد أنها تمثل 5 في المئة من سكان العالم لكنها مصدر 54 في المئة من اللاجئين في العالم. كما أن 40 في المئة من سكان المنطقة يعيشون تحت خط الفقر (بعد تعديل مقياس عتبة الفقر من 1.25 إلى 2.5 دولار لتناسب إيراد العالم العربي). علاوة على ذلك، يعاني 50 مليون مواطن عربي من الجوع. والمقلق أيضاً أن الدول العربية تعاني من هجرة العقول، حيث إن 45 في المئة ممن يدرسون في الخارج لا يعودون إلى المنطقة. وتكشف الدراسات أن البلدان المتقدمة في مجال المعرفة والعلم لديها معدلات فقر أقل ومستويات أفضل في تحسين الصحة ورعايتها. لا بد من بناء نموذج تنموي جديد في العالم العربي قائم على التكامل بين القطاعات والمجتمعات وبين دول المنطقة. وتحتاج المنطقة إلى توجه جديد يضمن للشباب، الذين يشعر العديد منهم بالتهميش والإقصاء واليأس، أن يشاركوا في صنع القرار حول حاضرهم ومستقبلهم وحاضر ومستقبل مجتمعاتهم وبلادهم ومنطقتهم، حتى لا يتجهوا إلى التطرف. الشريحة الأكبر في مجتمعات المنطقة العربية هم الشباب، فنحن في منطقة يمثل الشباب فيها 60 في المئة من السكان. ولكن الشباب يواجهون تحدياً كبيراً على صعيد إيجاد فرص العمل اللائقة، علاوة على طائفة من التحديات والعوائق الأخرى. إن معدلات البطالة مرتفعة بين الشباب، فقد بلغت 28.2 في المئة في منطقة الشرق الأوسط و30.5 في المئة في شمال إفريقيا عام 2014، وبذلك تمثل أعلى معدل لبطالة الشباب في العالم. كما أن الوضع أصعب بالنسبة إلى الشابات، حيث بلغ معدل البطالة بينهن في العام نفسه 41.7 في المئة في الشرق الأوسط. حتى في الولاياتالمتحدة ذات الاقتصاد الأكبر والأقوى في العالم، تُظهر إحصاءات العمالة في كانون الثاني (يناير) 2016 أن بطالة الشباب بلغت 11 في المئة، أي أكثر من ضعف المعدل الوطني للبطالة (4.9 في المئة). وتقدّر منظمة العمل الدولية أن المعدل العالمي لبطالة الشباب هو 13 في المئة، أي ما يعادل تقريباً 73 مليون شاب، وأن حوالى 40 في المئة من الشباب إما عاطلون من العمل أو يعملون في أحوال يسودها الفقر. وضعت الأممالمتحدة 17 هدفاً للتنمية المستدامة تتناول جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والحقوقية، وتتصدرها أهداف القضاء على الفقر والجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير خدمات الصحة والتعليم للجميع، ومكافحة عدم المساواة، والحفاظ على البيئة، والتوجه نحو الاستهلاك المتوازن والمستدام، وبناء مجتمعات آمنة ومستقرة. وتحقيق هذه الأهداف ليس بالمهمة السهلة، ولكنها تمثل فرصة تاريخية للمنطقة على رغم التحديات. ومن أجل السير نحو تحقيق هذه الأهداف في العالم العربي، لا خيار لدول وشعوب المنطقة سوى الإشراك الحقيقي والفعّال للشباب. * مديرة مركز الأممالمتحدة للإعلام في القاهرة