ولي العهد يعزي محمد مخبر هاتفياً في وفاة رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما    الجدعان يشارك في "اجتماع وزراء المالية" لمجموعة السبع    حماية السلاحف    السفير الألماني يزور «الرياض»    برازيلي يقتل والديه ويحرق جثتيهما    مدير منظمة الصحة العالمية يشيد بالشراكة الإستراتيجية مع المملكة    باريس سان جيرمان يهزم ليون ويتوج بكأس فرنسا في ليلة وداع مبابي    كأس الملك.. هلالي أم نصراوي؟!    جوارديولا: خطة لعب سيتي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لم تكن جيدة    الدفاع المدني: تمديد التراخيص متاح عبر «أبشر أعمال»    مدير مدرسة يتقاعد ويهدي الطلاب دراجات هوائية    ضبط مبتز سوري    «سكوبس» العالمية تصنف مجلة «الهندسة» بجامعة الملك خالد ضمن قواعدها العلمية    أولى رحلات "مبادرة طريق مكة" من المغرب تصل المملكة    عملية قلب مفتوح تنقذ حياة حاج بنغلاديشي    المملكة تدعم "الصحة العالمية" ب19 مليون دولار    مدير تعليم الطائف يعتمد حركة توزيع 395 معلماً ومعلمة    مالكوم يخضع لجلسة علاجية وتدريبات تأهيلية    حضور سعودي في اختتام "كان السينمائي"    نجوم يتنافسون على «جائزة الدانة» في البحرين    "النقل": الالتزام بالاشتراطات ضمان لسلامة الحُجّاج    الحج والخدمات التقنية المتسارعة    خدمات صحية ل 12 ألف حاج بالمدينة    اختتام فعاليات مهرجان الورد ونباتات الزينة بمحافظة الدلم    أمير تبوك يرعى حفل تكريم مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية    عروض فلكلورية بالمنتدى العالمي العاشر للمياه    الدفاع المدني يتيح خدمة بيان رحلة المستثمر عبر منصة «أبشر أعمال»    إسبانيا تطالب إسرائيل بوقف حرب الإبادة في غزة    عبدالعزيز بن سعد يزف خريجي جامعة حائل    الفضلي يقف على جاهزية منظومة "البيئة" لموسم حج 1445ه    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان عددا من الدول    لجنة شورية تلتقى مسؤولين كوسوفيين    ترحيل 13646 مخالفا للأنظمة    نمو يختتم فعالياته بخميس مشيط    وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للسعودية للكهرباء إلى +A    تعليم جدة يشارك في معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز «نحو استدامة الأثر»    "الأمر بالمعروف" بالحجرة بمنطقة الباحة تنشر محتوى حملة "الدين يسر"    ضبط عمالة تغش في زيوت السيارات وتخبئها في حوش أغنام    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها    أمطار ورياح على أجزاء من 5 مناطق    مباراة الوحدة والهلال تقترب من الطائف        "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    بن نافل: نطمح لمكانة أعلى للهلال بين الأندية العالمية    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    "الاتحاد" يحسم لقب الدوري الممتاز لدرجة الناشئين تحت 17 عاماً    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    تنوع أحيائي    نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 6120 طالباً وطالبة من جامعة حفر الباطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حكايات» لخورخي لويس بورخيس ... حبكات خيالية
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 2016

صدرت أخيراً عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، ضمن إصدارات «آفاق عالمية»، سلسلة 100 كتاب، مجموعة قصص تحت عنوان «حكايات» للأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، بترجمة عبدالسلام الباشا. يضم الكتاب مجموعتين قصصيتين، الأولى «حديقة الطرق المتشعبة»، وصدرت في بوينس آريس عام 1942، والثانية «احتيالات»، صدرت عام 1944.
لا توجد تيمة واحدة تحكم العمل، بل ستظل تنتقل من قصة إلى أخرى، ولكن ما نتفق عليه هو أنك ستستشف جانباً من حياة بورخيس كتبه بطريقة غير مباشرة، مزجها بالخيال ليشكل أسلوباً سردياً متفرداً يصعب تقليده، أو تصنيفه في قالب ما. كما أن قصص المجموعة الثانية، أكثر احترافية، ربما لأن قصص المجموعة الأولى جاءت كاختبار لقدرة بورخيس على الكتابة.
ذكر بورخيس في سيرته الذاتية، ملابسات كتابة قصة «بيير مينار؛ مؤلف دون كيشوت»، قائلاً «إنه في العام الذي رحل فيه أبي تعرضت لحادث خطير. كنت أصعد السلم جارياً، وفجأة شعرت أن شيئاً ما يدير رأسي. كنت قد احتككت بجزء حديث الطلاء وأمضيت أسبوعاً بلا نوم بين الهذيان والحمى. أرعبتني فكرة أنني لن أعود للكتابة بعد ذلك، لكن إن جربت شيئاً لم أفعله من قبل وفشلت لن يكون هذا سيئاً للغاية، حينئذ قررتُ كتابة قصة بيير مينار».
فالبطل يقرر كتابة رواية «دون كيشوت» لثربانتس تكون مطابقة تماماً للرواية الأصلية ولكن من دون أن ينسخها، تكون وفق رؤيته الخاصة الحاضرة في التجارب الحياتية لبطل «دون كيشوت» وطبعاً سيكتشف استحالة ذلك. وفي قصة «طلين، أوقبار، أوروبيستيتر تيوس»، أشار بورخيس إلى مدن حقيقية، ولكنه تلاعب قليلاً بأسمائها، وكلها تقع في الشرق الأوسط، مثل مدينة «عكبرا» في العراق على نهر دجلة، والتي شهدت نشأة تيار «اليهود القرائيين»، والمدينة الثانية هي مدينة «عقبرة» في فلسطين، أما «أوروبيستيتر تيوس»، فهُما كلمتان لاتينيتان تعنيان «العالم الثالث»، ويقال إنه يشير إلى مكان بين الأرض والشمس. وجاءت قصة «مراجعة لأعمال هربرت كوين» والتي كانت بمثابة شروح وتعليقات لبعض أعمال هربرت كوين أو مقالات نقدية لكتاباته، وبسببها تعرّض بورخيس لهجوم عنيف من نقاد وجدوا في القصة مجرد نقل لأعمال الكاتب، من دون أي إبداع أو حبكة.
كان بورخيس يحترف رسم شخصيات أبطاله، ويتتبع تاريخها، حتى أنك ستشعر في النهاية أنك تعرفها وسبق لك التعامل معها، مثل قصة «فونيس ذو الذاكرة القوية»، والتي كانت تحكي عن شخص ذي أطوار غريبة، ولكنه يحظى بذاكرة جعلته أشبه بموسوعة متحركة، فقد وصف البطل وملابسه وشكله الخارجي وتتبع تاريخه منذ ولادته، أجبر ذلك القارئ أن يتعاطف معه عند موته في نهاية العمل.
غالى بورخيس في التطرف إلى أقصى مدى سواء في موضوع الكتابة أو أسلوب السرد، وعندما سافر إلى جنيف اتخذت قصصه بُعداً أعمق، إذ تعلّم أنه يجب أن يكتب القصص وفق رؤيته الخاصة، فتبرأ من أعماله السابقة وهاجم المتطرفين، لكنه في النهاية اعترف بحداثة قصصه وحزن كثيراً لتطرفه في بداية مشواره الأدبي، وكان صديقه ومترجمه والذي أشار إليه في معظم قصصه؛ «نستور إيبارا»، يدافع عنه قائلاً: «إن بورخيس يتخلى عن كونه متطرفاً مع أول قصيدة يكتبها».
حتى في باقي قصص المجموعة، لم يكفّ الكاتب الأرجنتيني عن هوس ذكر الإشارات والإسقاطات على حياته الشخصية، مثل قصة «مكتبة بابل» والتي كان يعشقها ويعتبرها بمثابة جنته الخاصة، فقد كان يهوى اقتناء الكتب حتى بعد إصابته بالعمى. وأيضاً من مظاهر هوسه بكتابة هذه الإشارات، ذكره لأشخاص بعينهم مروا في حياته أو أماكن سبقت له زيارتها وقد ارتبط ببعد نفسي لهذا المكان.
في أغلب قصص بورخيس يكون السرد بأسلوب الراوي العليم، ما يمنحنا الشعور باتساق هذا الراوي مع الأحداث ومعرفته بجوانبها، مع استخدامه الجمل القصيرة، والكثير من الجمل الاعتراضية، فكان للغة حضور مميز، كما أصبح أسلوب السرد سهلاً، ويسهل فهمه للقارئ العادي.
تردد نقاد الأدب في تصنيف كتابة بورخيس، وتجلى في المجموعة جنوحه إلى الفانتازيا والعجائبية التي تعتمد السحر واللامعقول، فاستوحى قصص التراث ووضع اقتباسات من القرآن، وهذا ما جعل المتلقي والناقد في حالة دهشة وحيرة. كذلك امتهن بورخيس لعبة الخيال، ورأى أن الكاتب عليه أن يعزل نفسه عن ما حوله، وأن يكون لديه وجود آخر بعيداً من كونه كاتباً، وهو ما يمكن أن نطلق عليه كما قال ماركيز «الأدب التهرّبي»، مع كره الواقع وشن الهجوم على الواقعيين. كل ذلك في إطار من السخرية الإنكليزية، فعلى سبيل المثال، ذكر في مقدمة مجموعة «احتيالات» مخاطباً القارئ «لا تختلف نصوص هذا الكتاب عن نصوص الكتاب السابق، رغم أنها أقل رداءة». كما رأى الكثير من النقاد أن مجموعة «بورخيس» تنتمي إلى ما يمكن أن نطلق عليه «أدب الاستنفاد»، بمعنى أن الأدب قد استهلك تماماً وبدأ الأدباء بالبحث عن أساليب غير تقليدية للكتابة عنه، مثلاً كتابة أعمال قديمة سبق تناولها مع التغيير فيها.
قصص «حكايات» لا تخلو من نظرة فلسفية، تتساءل عن حقيقة الموت والحياة، وتنشغل بقصة الوجود، فمثلاً قصة «المعجزة السرية»، استهلها بآية من القرآن؛ وأفرد جزءاً كبيراً منها ليصف شعور البطل «يارومير» وهو معرض للإعدام، ومن خلاله سرد أفكاره الخاصة، في فلسفة الموت والحياة والبحث عن الرب، فظهر البطل شخصية عدمية فاقدة الأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.