«أخلاقنا حلوة لكن أحياناً أخلاقهم تدفعنا إلى أن نتخلى عن أخلاقنا»، يقول خالد المصري (18 عاماً)، الذي يرى أن أخلاق الشباب في مجملها جيدة، لكن البعض يخرج أحياناً عن المقبول لأن آخرين يجبرونه على ذلك، سواء بالتعدي عليه أو إهانته أو الاستهانة به. «الآخرون» بالنسبة الى خالد يتراوحون بين رجل شرطة يسيء معاملة الشباب، أو معلم يسخر منهم، أو أي شخص في الشارع يتطاول عليهم. «أخلاقنا كأخلاق غيرنا. بعضها جيد جداً والبعض الآخر سيئ جداً، وهناك من يقبع في خانة الوسط» تقول لينا فتحي (21 عاماً). أخلاق الشباب في نظر لينا تخضع لمعايير ومقاييس عدة لا تختلف كثيراً عن بقية المواطنين في مصر. ذلك أن «بعضها يخضع لمعايير طبقية واجتماعية، حيث الحاصلون على قدر معقول من التعليم والتربية ذوو أخلاق راقية/ والعكس صحيح... فالمسألة نسبية». ويقول هشام عبد الغفار (25 عاماً): «أخلاقنا ساءت لأننا ابتعدنا من التدين. وطالما رجال الدين يتقاضون رواتبهم من الدولة، فسيظلون «عبد المأمور». مواقف متراوحة وآراء متفرقة وانتقادات متعددة سمعتها «الحياة» من شباب وشابات تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً عن «الأخلاق». أخلاق الشباب التي وجدت نفسها في مرمى اتهامات عدة في سنوات ما بعد الثورة بعدما تدهورت المعايير السلوكية وتفككت القيم وكاد الشارع يتحول غابة بالنسبة إلى جيل الآباء والأمهات، وبالطبع الأجداد والجدات. أما الشباب أنفسهم فلهم آراء مختلفة، وإن كان أغلبها لا يرى مشكلة حقيقية في «أخلاقنا». مبادرة مجتمعية برعاية حكومية هدفها حماية الأخلاق وإصلاحها ورد الاعتبار إليها داخل المجتمع، وذلك بتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية في أخلاق المصريين، انطلقت من أن «الخير موجود في داخل كل شخص، لكنه يحتاج إلى من يكتشفه». «اكتشاف الخير الكامن في الأشخاص لا يحتاج إلى مبادرة، بل يحتاج إلى رعاية هذا الخير في الصغر وتأصيله وتوفير الأجواء اللازمة لنموه والاحتفاظ به، وليس العكس، لأن العكس للأسف هو ما يحدث في مصر منذ سنوات. المدرسة والشارع والإعلام والسياسة والشرطة... جميعها مؤسسات تدفع الشباب في مصر منذ سنوات دفعاً إلى التخلي عن الخير في داخله وتبني الشر، وأحياناً تَعَلُّمِه، حتى يتمكن الشاب من العيش». ويضيف أحمد شاكر (22 عاماً) أن ما يحدث في الشارع المصري حالياً من فوضى وعنف في التعامل بين الناس ليس خطأ الشباب، بل أخطاء متراكمة على مدى سنوات تحولت خلالها القدوة إلى مثال إما للفهلوة أو الفساد أو الظلم، وجميعها يعني انعدام الأخلاق». أخلاق الشباب –في نظرهم- لا يمكن النظر إليها في معزل من أخلاق الكبار. يضحك أحمد ساخراً ويقول: «الغريب جداً أن نجد الأب الغائب عن بيته غالبية الوقت، والمعلم المشغول بالدروس الخصوصية، والشرطي الذي يسيء استغلال منصبه، وموظف الحكومة المرتشي، والإعلامي «المطبلاتي»، وشيخ الجامع الذي لا يتحدث إلا عن النساء والجوانب الجنسية وإن كان من باب المنع والتحريم والترهيب... ينتقدون الشباب لأنهم يشتمون أو يتهربون من تحمل مسؤولياتهم أو يحاولون كسب المال بلا تعب. ألا يسأل أولئك أنفسهم: ماذا فعلنا من أجل تقويم الأخلاق العامة؟». أخلاق الشباب تخضع لمعايير مختلفة عن تلك التي يقيس بها الأكبر سناً، فعلى رغم تمسك قطاعات من الشباب بالمعيار الديني وحده ليكون أداة قياس لارتقاء أو ارتخاء الأخلاق، إلا أن كثيرين تحدثوا عن معايير أخرى خاصة بالعدالة والقبول والمساواة، وجميعها قيم نسبية تختلف تعريفاتها ومواصفاتها من جيل لآخر ومن شخص لآخر. «آخر ما سمعته من أبي عن الأخلاق كان محاضرة لم ألحظ فيها إلا القوانين، سواء قوانين الدولة أو قوانين البيت أو المدرسة. بالنسبة إلي، الأخلاق تتعلق بشيوع قيم الخير والعدالة والمساواة وقبول الناس بعضهم بعضاً مهما كانوا مختلفين. وحين قلت ذلك لوالدي نهرني وقال لي: بَطَّلْ كلام فارغ». الكلام الفارغ الذي يؤمن به الشباب أو يتعلق به أو يدفعه للتحلي بمنظومة أخلاقية خاصة به يعتبرها آخرون «انحلالاً» أو «بلادة» أو «تفاهة»، هو أحد أبرز الفجوات الحديثة بين الأجيال. جيل الآباء والأمهات يعتقد أن الشبكة العنكبوتية وانغماس الشباب في أغوارها هي النقمة الأكبر التي تسببت في ما يرونه «تحللاً أو تردياً أخلاقياً» بين أبنائهم. سمير فهمي (50 عاماً) يتحدث عن الإنترنت الذي شجع الشباب على الانحلال وأتاح لهم الحصول على معلومات إباحية دون ضابط أو رابط. منال مصطفى (45 عاماً) تتحدث كذلك عن موبقات الإنترنت والتي تعطي الشباب والشابات انطباعات خاطئة وتجعلهم يشعرون أنهم باتوا يفهمون في كل شيء وأي شيء، وأن الشبكة تحل محل البيت والمدرسة، وأحياناً الأصدقاء الحقيقيين. وتمضي آراء ومواقف الآباء والأمهات صابة جام الغضب على الشبكة العنكبوتية وكأنها السبب الرئيسي في ما لحق بالبلاد والعباد من ترد أخلاقي وسلوكي. أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد زايد، يبرئ ساحة الشباب ويقول إن الناس لا يولدون بأخلاقهم، لكن يكتسبونها من البيئة المحيطة. وحيث إن الشباب في مصر يعانون من ضغوط اجتماعية رهيبة، حيث توجد فروق شاسعة بين الثروات، وافتقاد الشعور بالعدالة، وشيوع الوساطة وغيرها، فإن البعض يندفع إلى سلوكيات غير إيجابية، بعضها ينعكس سلباً على الشاب نفسه والبعض الآخر يلحق الضرر بالمجتمع كله. وإذا كانت المبادرات تهدف إلى إصلاح الأخلاق وحماية ما تبقى منها، فإن الحلول الحقيقية والتي تضمن إصلاحاً جذرياً مستداماً تبدأ من الجذور، فبين إصلاح منظومة التربية في التعليم، وترميم السكن الصحي، ومواجهة غول البطالة، وإعادة الهيبة إلى الدولة والقانون والتأكد من التطبيق العادل، وتعميم مبدأ الشفافية في التوظيف والفرص، ومواجهة الفساد والفاسدين من دون تفرقة، ونشر قيم القبول والتسامح فعلاً لا قولاً فقط، والفصل بين المتدينين الذين يمارسون العبادات ويكتفون بترديد مقولات المتطرفين والمتشددين وبين غير الخالطين بين العبادات والمعاملات. «التعامل مع الشباب باعتبارهم إما مجموعات من المغيبين أو التافهين أو المجانين يؤدي إلى ما يراه الكبار باعتباره تدنياً أخلاقياً أو سلوكياً. ولا أبالغ لو قلت إن الجميع، سواء الأسرة أو النظام أو الإعلام، دأب على اعتبار الشباب حملاً ثقيلاً وعبئاً سخيفاً. وفي الوقت نفسه، فإن القدوة المقدمة إلينا من هذه القطاعات يغلب على الكثير منها إما الفساد أو الظلم أو ركاكة التفكير أو العنجهية»، حسبما يقول زياد أشرف (18 عاماً). «والحل يكمن في أن يتخلوا (الكبار) عن التسليم بأنهم دائماً على حق، وأننا دائماً مخطئون وأخلاقنا تحتاج إلى تقويم، فهم الأحوج إلى التقويم».