جرت العادة أن يغار الزوج على زوجته، أمر يعزوه خبراء إلى سلوكيات طبيعية ما لم تزد عن حدّها. لكن، كيف يفسّر هؤلاء غيرة الزوج من زوجته؟ وقد اعترض علماء لاحقاً على اعتبار ذلك «دفاعاً لا شعورياً»، ورأوا في هذا السلوك تعبيراً حقيقياً عن خوف الرجل من فقدان دوره وسلطته. واعتاد الرجل ومنذ مئات السنين على أن يكون «قائد الأسرة» يلحق به سائر أفرادها، ينطبق ذلك الوضع على أبو عبدالخالق (41 سنة)، الذي لم يستطع أن يسيّطر على شعوره بتراجع موقعه الاجتماعي مقارنة بموقع زوجته. فعلى رغم اعتزازه بالشهادة الجامعية العالية التي نالتها زوجته في الطب، إلا أنه لا يستوعب فكرة تجاوز دخلها المادي دخله. أبو عبدالخالق، وهو أستاذ في اللغة العربية، يشعر بغيرة من زوجته التي تفوقه لناحية المؤهل العلمي، غيرة قد تتحول إلى «إحساس بالدونية وضعف الثقة». وهو ما تؤكّده الزوجة، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول: «يبحث زوجي عن أشياء تافهة، لكي يثبت تقصيري وإهمالي في بيتي وحياتي الأسرية، على رغم أنه لم يكن ممانعاً بداية أن أكمل تحصيلي العلمي، لكن الأمور اختلفت بعد نيلي شهادة الدكتوراه». لكن الغيرة غالباً ما تتخذ منحى مرضياً يتجسّد عنفاً كلامياً أو حتى جسدياً، خصوصاً إذا كان الزوج يشعر بأنه لم يحقق النجاح الذي يصبو إليه. ويظهر ذلك جلياً في تجربة خالد النعمي الذي باءت تجربة زواجه بالفشل بعد أن اشترط مؤهلاً علمياً عالياً لزوجة المستقبل التي اختارها محاضرة في إحدى الجامعات، وقال: «كنت متوهّماً بأنها تتعامل معي بفوقية بسبب عدم إكمالي دراستي الجامعية، لكنني كنت أرغب بزوجة حاصلة على تعليم جيد كي يعود ذلك بالفائدة على أولادي. لكن الفارق بيننا وعدم التكافؤ علمياً كان يظهر جلياً في تفاصيل يومنا، ما ولّد بيننا عداوة وصلت إلى العنف اللفظي أحياناً». ويلجأ أزواج إلى تهديد زوجاتهم بمنعهن من العمل أو إحراجهن في مكان عملهن، أو إتلاف هذه النجاحات. وتقول سارة السيد (36 سنة): «لطالما حاول زوجي الأقل مني علماً مضايقتي والتقليل من شأني أمام الأهل والأبناء في تعبير عن غيرته التي لم ينطق بها علناً، إلا أنها تظهر في كل ردود أفعاله وتصرفاته أمامي». بينما أصرت أم فيصل وهي أم لطفلين على الزواج بزوجها على رغم اعتراض والديها بسبب عدم إكماله تحصيله العلمي فيما تحمل هي شهادة جامعية. وتقول أم فيصل أن وظيفتها مهندسة ديكور تعرّض زوجها إلى إحراج كبير أمام العائلة، وتضيف: «لذلك كان يتعمّد دائماً الإثبات للآخرين أنه هو صاحب القرار في المنزل، وحين أحاول مناقشته تبدأ نبرة الغضب والتلفّظ بألفاظ نابية وبذيئة». ويتحوّل التقارب في المستوى الثقافي وطريقة تلاؤم التفكير لكل من الزوجين قبل الارتباط إلى ضرورة ملحة، وعلى نقيض ذلك أحياناً هناك من يستجيب لتحدّي تفوّق الزوجة فيضاعف الجهد لمساواتها. وتعزز المستشارة النفسية زهرة معبي فكرة غيرة الرجل من زوجته الناجحة مستعينة بأمثلة كثيرة، فتقول: «لأن الرجل يعيش على فكرة أنه هو القائد والأول في الأسرة، وقد يعيش أحياناً في بيئة تعزز التفرقة العنصرية بين الجنسين، وذلك في أفكار كثيرة، منها التميّز المادي له من دون مراعاة حقوق المساواة بين الرجل والمرأة من الناحية العلمية والفكرية والتربوية. وقد يلجأ رجال كثر إلى إظهار هذه الغيرة بطرق شتى، منها العنف الجسدي أو اللفظي على زوجاتهم وأبنائهم». وتضيف معبي أن البيئة الخارجية وبيئة الأصدقاء تحديداً تؤثر في علاقة الزوج بزوجته، عبر تبنيهم تعليقات ساخرة مثل «زوج الست» أو ذكرهم زوجته في شكل خاص والثناء على تميّزها، ما يساهم في إحباطه ويشكّل سلوكه وأفكاره في حياته الأسرية. في المقابل، هناك أزواج يصعد نجمهم بصعود زوجاتهم ويكون التنافس بينهم حامي الوطيس، ما يدفعهم إلى تحقيق نجاحات لم يصلوا إليها قبل ارتباطهم. فقد ساهم أزواج كثر في دعم زوجاتهم ونجاحهن، وفي أن يصبحن رائدات في مجالاتهن.
