أظهرت البحوث أن استعمال الإضاءة المقتصدة بالطاقة ضمن القطاع السكني في الإمارات سيحقق ثاني أكبر وفورات محتملة في الطاقة، بعد التبريد الذي تجري معالجة أوضاعه من خلال مشاريع أخرى. لذلك اتُخذ القرار بأن تركز «مبادرة البصمة البيئية» على نظام الإضاءة، في إطار البرنامج الإماراتي لترشيد استهلاك الطاقة. هكذا أصبح النظام الإماراتي لمنتجات الإضاءة والرقابة عليها نافذ المفعول في منتصف 2014. وقد تم تطويره من خلال مبادرة البصمة البيئية، التي أطلقت عام 2006 لإجراء أبحاث حول البصمة البيئية العالية للإمارات ومن ثم تنسيق الجهود لتقليصها. ويأتي تنفيذ نظام الإضاءة هذا في مصلحة البيئة والاقتصاد معاً، ويجعل الإمدادات متماشية مع أفضل الممارسات الدولية. من شأن تبديل مصابيح الإضاءة الداخلية غير الكفوءة أن يخفض استهلاك الطاقة في الامارات بما يتراوح بين 340 و500 ميغاواط سنوياً. وهذا يعادل نظرياً عدم استخدام محطة طاقة متوسطة تعمل بالغاز لمدة ستة أشهر سنوياً. وسيسفر هذا الانخفاض في استهلاك الكهرباء عن انخفاض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تساهم في تغير المناخ العالمي. كما سيوفر نظام الإضاءة الجديد نحو 670 مليون درهم سنوياً (182 مليون دولار)، بحيث توفر الفيلا المتوسطة الحجم مثلاً نحو 2300 درهم سنوياً (626 دولاراً) باعتماده. كما يتوقع أن يخفض نحو 940 ألف طن سنوياً من انبعاثات الكربون، ما يعادل إزالة 165 ألف مركبة عن الطرقات. ويترافق ذلك مع انخفاض انبعاثات ملوثات الهواء مثل الجسيمات الدقيقة وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين التي تفاقم مشاكل صحية مثل أمراض الجهاز التنفسي. ويتوقع أن يخفض النظام الاماراتي لمنتجات الإضاءة والرقابة عليها، الذي بدأ تطبيقه منتصف 2014، نحو 65 في المئة من استهلاك الإضاءة و10 في المئة من فاتورة التشغيل. وهو يستند إلى مجموعة من المتطلبات الرئيسية، تشمل سلامة المنتجات، الكفاءة والأداء، بطاقات البيان، الأخطار الكيماوية، إضافة إلى متطلبات نظام التخلص الآمن من المنتجات المستهلكة ومن النفايات الخطرة لهذه المنتجات بما يتفق مع اتفاقية بازل الدولية. ومنذ تموز (يوليو) 2014، يمنع استيراد أو تداول أي منتجات إضاءة منخفضة الجودة غير مطابقة للشروط والمعايير الواردة في النظام. وتم نشر متطلبات المواصفات الإلزامية للمصابيح بأنواعها المختلفة، وطلب من المنتجين إظهار شهادة مواصفات مصدقة. وتتعاون هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (مواصفات) مع الجهات الرقابية من خلال برامج مسح الأسواق للتأكد من دقة تطبيق النظام. من منظور اقتصادي، ستُسترد الكلفة الأولية لإبدال مصابيح الإضاءة غير الكفوءة خلال نحو سنة وشهر فقط، من طريق تخفيض استهلاك الكهرباء. وسيتم تقاسم التوفير بين الأسر والحكومة اعتماداً على نسبة الكهرباء المفوترة والمدعومة. لكن فوائد نظام الإضاءة الجديد تتعدى التوفير البيئي والاقتصادي المباشر. فهو يوضح كيف يمكن، من خلال التعاون الفعال لجميع القطاعات والمؤسسات والأفراد، والقيادة القوية، مباشرة فصم النمو الاقتصادي والسكاني عن اتجاه تزايد الانبعاثات واستهلاك الموارد وإنتاج النفايات. من المتوقع أن يرتفع عدد سكان أبو ظبي بحلول العام 2030 إلى نحو ثلاثة أضعاف العدد الحالي. وهذا يعني، إذا استمر الوضع القائم من دون تدخل، ازدياداً بمقدار ثلاثة أضعاف في انبعاثات غازات الدفيئة وملوثات الهواء، وفي استهلاك موارد مثل المياه، وفي توليد النفايات. وستكون لهذا السيناريو عواقب سلبية كبيرة على البيئة وصحة الانسان، كما ستكون له عواقب سلبية على الاقتصاد. يشكل نظام الرقابة على منتجات الإضاءة الداخلية في الإمارات مثالاً يحتذى. فهو يعكس إرادة جميع المعنيين باتخاذ إجراءات مناسبة، ويوضح مزايا النهج التعاوني المبني على العلم في صنع السياسات، ويوفر نموذجاً يقتدي به الآخرون. ويبين هذا النجاح كيف يمكن تحقيق الفصم بين النمو الاقتصادي ونمو الانبعاثات الكربونية بما يفيد الاقتصاد والبيئة. وعلى خلفية هذا النجاح يستمر تنفيذ استراتيجية النمو الأخضر في الإمارات بزخم متزايد. * الدكتورة ديبتي ماهاجان ميتال مديرة مشروع مبادرة البصمة البيئية في جمعية الإمارات للحياة الفطرية والصندوق العالمي لصون الطبيعة.