لو كتب الله عمراً مديداً للطفل سالم بن مفضي الرشيدي (11عاماً)، فإنه لن ينسى الزين علي بابكر منصور، فهذا السوداني، الذي يعمل سائقاً خاصاً منذ نحو عام ونصف العام في قرية بدع بن خلف (280 كيلومتراً جنوب مدينة حائل)، كان سبباً في بقاء سالم على قيد الحياة، فيما فارق شقيقه الدنيا غرقاً. وفي لحظة كاد فيها منصور نفسه يفقد حياته، لينقذ فيها هذا الطفل من السيول الجارفة. لكنه قرر المغامرة بالنزول إلى وسط الوادي. «لا تخاف ما فيه عوجه راح أنقذك حتى لو أتوفى أنا»، تلك كانت الجملة التي رددها منصور، وهو يحاول الوصول إلى سالم، الذي علق وسط الوادي جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت على منطقة حائل خلال الأيام الماضية. ويعزو المنقذ جانباً من اندفاعته لإنقاذ الطفل إلى «تحرك مشاعر الأبوة» داخله، فهو أيضاً أب لطفلين، فعندما سمع عن خبر وجود ثلاثة أطفال أشقاء، سحبتهم السيول داخل وادي البدع، سارع متوجهاً من منزله نحو الوادي، سعياً منه لإنقاذ أرواح الأطفال، لكنَّ اثنين منهم طمرتهما المياه، واختفى أثرهما. في حين أن الثالث ظل عالقاً حتى وصل إليه منصور ونجح في إنقاذه، على رغم السيول الجارفة التي كانت تضرب الوادي من كل اتجاه. وروى منصور (35 عاماً) ل«لحياة» قصة إنقاذ الطفل سالم: «في الثامنة من صباح الثلثاء قبل الماضي، أخبرني أحد سكان القرية أن هناك أطفالاً جرفتهم السيول داخل الوادي، وأنهم في انتظار وصول الدفاع المدني؛ لإنقاذهم، وبحكم إجادتي السباحة؛ توجهت إلى الوادي ركضاً على الأقدام، حتى وصلته»، لافتاً إلى أنه بعد وصوله شاهد عشرات المتجمهرين، ولم يجد سوى طفل واحد فقط من الأشقاء الثلاثة، وكان لا يزال حياً، ويجلس على صخرة في وسط الوادي، حينها تذكر طفليه، وتخيل أنهما مكان الطفل، فقرر النزول. سمى منصور باسم بالله وردد الشهادتين، واقتحم الوادي، على رغم قوة السيول فيه، وحين وصوله إليه كان سالم يبكي بشدة، ويرتعش من شدة البرد، فحاول تطمينه وضمه إلى صدره، وقال له: «لا تخف ما فيه عوجه راح أنقذك حتى لو أتوفى أنا»، وحمله ونزل من على الصخرة وعبر الوادي، وكاد يسقط، لكنه نجح في الحفاظ على توازنه حتى وصل إلى خارج الوادي. وأوضح أنه بعد عودته إلى المنزل تفاجأ بقدوم أقرباء الطفل، لتقديم الشكر له، وتابع: «منحوني مكافأة مالية 50 ألف ريال، إضافة إلى سيارة، وناقة، وجهاز جوال وتذكرة طيران مجانية مع السكن لأداء العمرة. كما قدموا لي تذكرة مجانية ذهاباً وإياباً لزيارة أسرتي في السودان، وتكفل أحدهم بتحمل رسوم تجديد الإقامة الخاصة بي لمدة عامين»، معبراً عن سعادته بما حظي به من تكريم وحفاوة من أهالي البدع وأقرباء الطفل، وقال: «كلمة شكراً تعادل قيمتها ملايين الريالات، لكنهم لم يقصروا معي أبداً، شكراً لهم، وأنا لا أستحق كل هذا؛ لأن ما قمت بي هو واجب علي». وأكد منصور أنه التقى أول من أمس أمير منطقة حائل سعود بن عبدالمحسن، الذي «قدم لي مبلغ 5 آلاف ريال، ودرعاً تكريمية مكافأة لي، ولا أنسى كلامه حينما، قال لي: «العمل الإنساني الذي قمت به لا يعمله إلا رجل ذو معدن طيب، وشخص يحس بمعنى الأبوة وقيمة الأبناء»، مبدياً أسفه لتجاهل السفارة والجالية السودانية في منطقة حائل له. وأضاف: «منذ يوم الحادثة وحتى هذه اللحظة لم يعرف هاتفي النقال الهدوء، لدرجة أنني تلقيت أكثر من 500 اتصال، من مختلف مناطق السعودية، ممن كانوا يرغبون في تقديم الشكر لي، لكن الغريب أنني لم أتلق حتى ولو اتصالاً واحداً من السفارة أو الجالية السودانية في حائل».