لم تكن زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي الوحيدة التي اقترعت للمرة الأولى، في انتخابات نيابية تاريخية نُظمت في ميانمار أمس، إذ إن معظم الناخبين ال30 مليوناً أدلوا بأصواتهم للمرة الأولى في اقتراع سيشكّل اختباراً لمدى قدرة المعارضة على تخفيف قبضة الجيش على الحكم، تمهيداً لإحلال ديموقراطية كاملة. ويخوض الانتخابات 91 حزباً، لكن التنافس الأساسي سيكون بين حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية» بزعامة سو تشي، و «حزب الاتحاد والتضامن والتنمية»، ومعظم أعضائه جنرالات سابقون من المجلس العسكري الذي حكم البلاد منذ عام 1962 إلى 2011 حين حلّ نفسه وبدأ إصلاحات سياسية واقتصادية في سبيل إنهاء عزلة ميانمار. كما تشارك أحزاب كثيرة تمثّل الأقليات العرقية التي تشكّل 40 في المئة من السكان ال52 مليوناً في ميانمار. لكن الانتخابات لن تكرّس حكماً ديموقراطياً كاملاً في البلاد، اذ إن الدستور الذي صاغه المجلس العسكري السابق يضمن للجيش ربع المقاعد ال664 في البرلمان، ما يعني أن على حزب سو تشي تحقيق فوز ساحق، إذا أراد نيل الغالبية، منفرداً أو مع أحزاب حليفة. كما أن الدستور يمنع زعيمة المعارضة من تولي الرئاسة، اذ إن زوجها الراحل كان بريطانياً، كما أن ابنيها يحملان جنسيته، علماً أن الطغمة العسكرية أخضعتها لإقامة جبرية نحو عقدين. وزعيمة المعارضة الحائزة جائزة نوبل للسلام، هي ابنة الجنرال أونغ سان، بطل الاستقلال الذي اغتيل عام 1947. وكان المجلس العسكري نظم انتخابات عام 1990، للمرة الأولى بعد انتزاعه السلطة عام 1962، حقّق فيها حزب سو تشي فوزاً ساحقاً. لكن الجيش رفض الاعتراف بالنتيجة، بحجة وجوب صوغ دستور جديد، وهذا ما لم يتحقّق قبل 18 سنة. ونظم المجلس انتخابات عام 2010، لكن المعارضة قاطعتها، بذريعة أن قوانين الاقتراع ليست عادلة. لكن «الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية» حققت نجاحاً باهراً عام 2012، بفوزها ب43 من 44 مقعداً في انتخابات جزئية، أتاحت دخول سو تشي البرلمان، على رغم أنها لم تقترع، اذ كانت خاضعة لإقامة جبرية. وأعلنت لجنة الانتخابات أن نسبة المشاركة في الاقتراع أمس بلغت 80 في المئة، علماً أن إعلان النتائج قد يستغرق أياماً. وأفاد مراقبون من رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) بأن التصويت نُظِم «في ظل تدابير أمن وسلامة»، باستثناء مخالفات فردية. وكانت المعارضة تخشى تزويراً، خصوصاً بعدما تحدثت عن «فوضى» شهدها التصويت المبكر في الخارج، ومنع دخول مراقبين أجانب الثكنات العسكرية لمراقبة تصويت مئات الآلاف من الجنود. ناهيك عن حرمان حوالى 500 ألف من 1.3 مليون فرد من أقلية الروهينجيا المسلمة، من حق الاقتراع، وإلغاء التصويت في مناطق تشهد نزاعات عرقية. وكانت الحماسة واضحة لدى أنصار سو تشي، اذ قالت الناخبة اهنمار وين (38 سنة): «لم يغمض لي جفن طيلة الليل. أصوّت للمرة الأولى والحماسة تغمرني». وبعدما احتشد مؤيدون لسو تشي أمام مقرّ حزبها، في انتظار إعلان النتيجة، تُليت رسالة عليهم باسمها، ورد فيها: «انتظروا النتائج في منازلكم. وعندما تصدر، أريدكم أن تتقبلوها بهدوء». ولم تدلِ سو تشي بتصريح بعدما اقترعت قرب يانغون، لكن حزبها رجّح تحقيقه نتيجة «جيدة جداً». أما الرئيس ثين سين، وهو جنرال سابق، فصوّت في العاصمة نايبيداو، مشدداً على أن الحزب الحاكم سيحترم النتيجة، ولو أسفرت عن خسارته. وأضاف: «علينا قبول رغبة ناخبينا. أياً يكن من يقود البلاد، الأمر الأكثر أهمية هو الاستقرار والتنمية». في السياق ذاته، شدد قائد الجيش الجنرال مين هونغ هلينغ على أن سيناريو انتخابات 1990 لن يتكرر، وزاد: «لا سبب إطلاقاً يستدعي رفضنا نتيجة الاستحقاق. إذا اختار الشعب (حزب سو تشي)، لا شيء يدفعنا إلى عدم قبول ذلك». معلوم أن حقائب الدفاع والداخلية وأمن الحدود مضمونة للجيش في أي حكومة.