ليس أكيداً أن تشهد الساحة الثقافية المصرية - بمستوياتها الرسمية والمستقلة - في الفترة المقبلة نشاطاً جاداً ومؤثراً. ولكن بدا من المؤكد أنها ستشهد صراعاً أيديولوجياً وحرباً كلامية بين طرفين؛ أحدهما يرى أن مصر علمانية بالفطرة وآخر يراها متدينة بالفطرة! حلت الأزمة السياسية الدينية محل القضايا الثقافية منذ أن تولى الكاتب الصحافي حلمي النمنم حقيبة وزارة الثقافة الشهر الماضي. إذ وقف النمنم في حلبة السجال مواجهاً الجبهة السلفية التي انزعجت من تصريح أطلقه في حوار متلفز، قال فيه: إن مصر علمانية بالفطرة. اشتدت الهجمة السلفية على النمنم وتوالت البيانات التي تجزم بأن مصر متدينة بالفطرة وأن تصريح الوزير يمثل اعتداء صارخاً على الشريعة، وكذلك على دستور البلاد. تبلور موقف المثقفين في تصريحات وبيانات تضامنية مع الوزير، ليتصدر الصراع الهوياتي المشهد الثقافي من جديد، وتظل القضايا الشائكة قابعة ومتجذرة في أعماق البيئة الثقافية المصرية. كل ذلك ينذر بنشاط ثقافي غير جاد أو بالأحرى مرتبك، رغم زخم الأجندة الثقافية بالكثير من الفاعليات والنشاطات المهمة في بداية الموسم الثقافي. حدثان بارزان تنتظرهما القاهرة، أولهما؛ افتتاح متحف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، والثاني افتتاح متحف نجيب محفوظ في ذكرى ميلاده التي توافق 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ويحتل اسم الروائية الراحلة رضوى عاشور حضوراً لافتاً في خريطة الأنشطة الثقافية؛ فالدورة الثلاثون للمؤتمر العام لأدباء مصر التي ستنطلق من مدينة أسوان نهاية هذا العام، تأتي حاملة اسم صاحبة «ثلاثية غرناطة»، وكذلك اختار «ملتقى السرد العربي» أن يطلق اسم الروائية الكبيرة على دورته التي ستنطلق نهاية الشهر الجاري بعنوان «المرأة والسرد بعد 25 يناير» في مقر المنتدى الثقافي المصري في القاهرة. يمثل مؤتمر «أدباء مصر» الحدث الأبرز على خريطة العمل الثقافي للهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة في بداية الموسم، وبجواره تأتي الأنشطة الاعتيادية التي يتم وضعها وفقاً لأجندة المناسبات. ويأمل الأدباء والمثقفون أن تكون الدورة المقبلة للمؤتمر، بداية جديدة ومختلفة عن الدورات السابقة، بخاصة بعد إعلان القائمين بها عن دعوة أربعة من الأدباء الحاصلين على جائزة نوبل للمشاركة في جلسات المؤتمر. من ناحية أخرى، لم تتضح إلى الآن خطة عمل المجلس الأعلى للثقافة في الفترة المقبلة، باستثناء النشاط الدائم الخاص بالإعلان عن جوائز الدولة. غير أن قطاع الفنون التشكيلية أعلن عن خطته للموسم الجديد مبكراً، ويبدأ بافتتاح معرض «آخر الطقوس المحلية» للفنان السوداني صلاح المر «1961» ويستمر من 11 الجاري وحتى 19 تشرين الثاني المقبل في غاليري «مشربية»، وفي التوقيت نفسه تنطلق دورة جديدة لصالون الشباب. تحمل أجندة «الفنون التشكيلية» أحداثاً فنية وثقافية جديدة، أبرزها تدشين الدورة الأولى لمنتدى التشكيليين العرب الشهر المقبل، ويشهد المنتدى حضوراً لأبرز التشكيليين المصريين والعرب من أجيال مختلفة. كما تشهد الفترة المقبلة أيضاً افتتاح متحفي المنصورة القومي والزعيم مصطفى كامل، بالإضافة إلى النشاط الدائم الخاص بتنظيم المعارض التشكيلية. ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل اهتماماً بالثقافة الصينية، إذ أعلن وزير الثقافة حلمي النمنم أن عام 2016 سيكون عام الثقافة المصرية الصينية عبر تنظيم الندوات والنشاطات المشتركة التي تعزز التعاون الثقافي بين البلدين. غير أنه لم يتم الإعلان حتى الآن عن أي تفاصيل خاصة بالدورة الجديدة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي يفترض أن تنطلق في أواخر كانون الثاني (يناير) المقبل. كان لقانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذي جفف منابع التمويل الأجنبي، تأثير كبير على المشهد الثقافي المصري؛ إذ أدى هذا القانون إلى تقليص مساحات العمل الثقافي المستقل حتى باتت منعدمة. انطفأت مؤسسة المورد الثقافي وتفككت إلى مبادرات مستقلة عدة، أبرزها مبادرة «مَدَد» التي يرأسها وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي. ويسعى برنامج «مدد» إلى دعم وتشجيع المشاريع الثقافية التي تستهدف الشرائح الاجتماعية المهمشة والمحرومة من الخدمات الثقافية، ودمج الفن كعنصر أساسي في التنمية البشرية، والترويج لقيمة الإبداع وحرية التعبير في المجتمع، وتفعيل مشاركة القطاعات المختلفة في دعم العمل الثقافي في مختلف أنحاء مصر، تمول أساساً من تبرعات الأفراد والهيئات والمؤسسات والبنوك والشركات، وساهم في تأسيسها عدد كبير من الفنانين والمثقفين والشخصيات العامة، منهم: بسمة الحسيني، أمين حداد، محمد أبو الغار، جميل مطر، داليا شمس، هبة صالح، خالد قنديل، خالد أبو النجا، مديحة دوس، سحر الموجي. ويعول كثير من المثقفين على مبادرة «مدد» في إحياء العمل الثقافي المستقل، فيما يرى آخرون أن التطورات السياسية المتلاحقة التي تشهدها مصر، ستحد من انطلاق تيار الثقافة المستقلة. ويلتفت البعض الآخر إلى مؤسسة «العمل للأمل» التي أعلنت استقلالها عن مؤسسة «المورد الثقافي» بعد العمل لمدة عامين تحت ظلالها. وتعمل «العمل للأمل» وفقاً لمفهوم الإغاثة الثقافية بمعنى إمداد من يعانون من الحروب أو التهجير أو الكوارث الطبيعية أو الفقر المدقع، بأدوات عدة تساعدهم في التعبير الحر عن مشاعرهم واكتساب معارف جديدة، وإيصال صوتهم إلى الآخرين، بالإضافة إلى تمكينهم من التواصل والحوار في ما بينهم بهدف تضميد الجراح النفسية، وكذلك اكتساب مهارات فنية وإبداعية يمكنهم استخدامها في سوق العمل. ثمة محاولات من جانب القائمين على العمل الثقافي المستقل للحصول على مساحة تساعدهم في تنظيم فاعلياتهم ونشاطاتهم والظهور مرة أخرى، لكن لم تُسفر هذه المحاولات عن أي جديد على أرض الواقع، فالنشاط الثقافي المستقل بات منعدماً ولم يُعلن هذا التيار عن أي أنشطة ومهرجانات جديدة، فقط بعض الأنشطة العشوائية. ولعل الحدث الأبرز البعيد من المؤسسة الرسمية هو مهرجان مؤسسة «أوستراكا» الثقافي الذي يستمر لأكثر من عام؛ يبدأ من 10 الجاري بمعرض «أوستراكا الدولي الرابع»، ويختتم في 5 كانون الأول 2016 بإعلان أسماء الفائزين بجائزة المهرجان وقدرها 100 ألف جنيه (نحو 12 ألف دولار) وتمنح لعدد من المبدعين بواسطة لجنة من الأدباء والمخرجين والفنانين. وتستحوذ الفنون التشكيلية على مساحة كبيرة من برنامج «أوستراكا»، ويأتي الإبداع الشعري في المرتبة الثانية. ومن المقرر أن تتوزع أنشطة المهرجان على عدد من المدن المصرية. وعلى مستوى النشاط الثقافي لدور النشر المصرية، تبرز أنشطة دار «العين» التي تتبع برنامجاً ثقافياً يهدف إلى استقطاب عدد كبير من الشباب المبدعين والباحثين. يستمر برنامج «كاتب وكاتبة» الذي بدأته الدار قبل بضعة أشهر، لتسليط الضوء على كاتبين من جيلين مختلفين. فضلاً عن الندوات التي تنظمها الدار ويديرها الشاعر وائل فتحي. وتُطلق فاطمة البودي؛ صاحبة دار «العين»، صالوناً ثقافياً منتصف تشرين الثاني المقبل، لتقديم أهم الشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي المصري والعربي.