قبل 69 عاماً وطأت قدما السعودي عبدالله حمود الطريقي أراضي الولاياتالمتحدة الأميركية، كان يومها أول سعودي يُبتعث للدراسة في تلك البلاد البعيدة. وتحديداً في جامعة تكساس، التي نال مها درجة الماجستير في الجيولوجيا (مع تخصص فرعي في هندسة البترول)، وكانت رسالته عن «جيولوجيا المملكة العربية السعودية»، بعد عامين من ابتعاثه. إلا أن هذا الشاب المنحدر من بلدة صغيرة حينها على أطراف نجد، تسمى الزلفي، أصبح أول وزير للبترول والثروة المعدنية في بلاده. كما أسس منظمة الأقطار المصدر للبترول (أوبك)، وترك بصمات واضحة في تاريخ المملكة، ولاسيما في مجالي التعليم والاقتصاد. وإذا كان الطريقي أول الدارسين في بلاد «العم سام»، فإن العقود الستة التالية شهدت انتقال عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين للدراسة هناك، فبعد عام على وصول الطريقي، تم تحويل بعثة 30 طالباً سعودياً من طلاب شركة «أرامكو» من الجامعة الأميركية في بيروت، للدراسة في جامعة تكساس الأميركية. وتخرجت أول دفعة سعودية رسمية من الجامعات الأميركية عام 1952، وتكونت من 9 طلاب فقط، ثلاثة كانوا يدرسون البكالوريوس، وستة الماجستير. وسبق هذا التاريخ بعام افتتاح أول مكتب ثقافي للإشراف على المبتعثين السعوديين في أميركا، ليكون رابطاً مع المملكة في الأمور الثقافية والتعليمية والعلمية. وافتتح في البداية بصفة مكتب ملحق في مندوبية المملكة لدى الأممالمتحدة بمدينة نيويورك. وانحصرت مسؤولياته في الإشراف المالي والاجتماعي على العدد المحدود جداً من الطلاب المبتعثين. ولم يعامل المكتب رسمياً، إلا بعد أن انتقلت تبعيته من المندوبية إلى وزارة المعارف حينها. وفي السابع من شهر آب (أغسطس) عام 1956، افتتح أول مكتب ثقافي في تاريخ الابتعاث السعودي بأميركا، وأطلق عليه «المكتب الثقافي السعودي» في نيويورك. وشهدت هذه الفترة تضاعف أعداد المبتعثين السعوديين إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، ليبلغ عددهم 800 مبتعث عام 1974. ولم يطو العام ذاته صفحاته حتى قفز هذا العدد بصورة غير مسبوقة إلى 2039 مبتعثاً. وأدت هذه الزيادة، فضلاً عن استمرار رغبة الحكومة في تشجيع الابتعاث إلى إعادة النظر في طريقة الإشراف على الطلاب، والتفكير في إنشاء المكاتب الفرعية، وانتقال إدارة الإشراف على المكاتب الثقافية إلى وزارة التعليم العالي، بدلاً من «المعارف». كما انتقل المكتب الثقافي من نيويورك لهيوستن عام 1975. وصدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء ثمانية أفرع للمكتب التعليمي السعودي في أميركا. يتولى كل منها عملية الإشراف العلمي والاجتماعي والمالي على الطلاب المبتعثين وأسرهم في مناطق تجمعهم. ووصف المكتب الفرعي الذي تم افتتاحه في لوس أنجليس عام 1978 بداية فعلية لتجربة إنشاء هذه المكاتب. ويمثل عام 1980 نقطة الذروة الأولى في تاريخ الابتعاث السعودي للولايات المتحدة، إذ تجاوز عدد المبتعثين لدى المكتب التعليمي في هيوستن 11 ألف مبتعث ومبتعثة. وكان ثلث هذا العدد من الإناث، وعدت أعلى نسبة على مستوى الابتعاث الخارجي للفتيات السعوديات. وشكّل عام 1988 البداية الفعلية للملحقية الثقافية، في ممارسة مهامها من العاصمة الأميركية واشنطن، بأسلوب يتماشى مع السياسة الجديدة التي وضعت لتركيز المسؤولية في جهة رسمية واحدة، ومُنحت الصلاحيات التي مكّنتها من تمثيل المملكة ووزارة التعليم والجامعات السعودية وجهات الابتعاث المختلفة، تمثيلاً «مناسباً»، في كل ما يتعلق بالشؤون الثقافية والدراسية والعلمية في الولاياتالمتحدة.