يشهد المغرب اليوم أول انتخابات محلية منذ اعتماد الدستور الجديد عام 2011، الذي منح اختصاصات وصلاحيات إدارية واقتصادية وتجارية وثقافية واسعة للبلديات والمحافظات، في إطار اعتماد الرباط «الحكم غير المركزي» ونقل بعض صلاحيات الحكومة المركزية إلى الجهات ال 12 التي يتألف منها المغرب. وأفادت مصادر رسمية بأن 131 ألف مرشح ينتمون إلى 29 حزباً سياسياً يتنافسون لانتخاب 31 ألف عضو لتدبير ورئاسة شؤون 1520 بلدية حضرية وقروية، واختيار أعضاء مجالس 12 محافظة، خصوصاً الكبيرة والغنية منها، مثل الدار البيضاء - سطات التي تعتبر أكبر ولاية اقتصادية وتجارية ومالية وصناعية بنحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وبكثافة سكانية تزيد على ستة ملايين نسمة، تليها محافظة الرباط - القنيطرة بنحو خمسة ملايين نسمة وحجم اقتصادي وصناعي وزراعي وتجاري وسياحي يقدر ب 17 في المئة من الناتج الإجمالي. وتشتد المنافسة أيضاً على الفوز بمجلس محافظة طنجة - تطوان المطلة على البحر الأبيض المتوسط والقريبة من أوروبا، والتي تحتضن أكبر ميناء تجاري وأضخم تجمع لصناعة السيارات في شمال أفريقيا والمنطقة العربية. ولا تقل المنافسة على محافظة مراكش - أسفي، المنطقة الشاسعة التي تمتد من جبال الأطلس الكبير إلى شواطئ المحيط الأطلسي وتتميز بالأنشطة السياحية والزراعية والصناعات الكيماوية وتصدير مشتقات الفوسفات. وتسيطر المحافظات الأربع على نحو 70 في المئة من الثروة المغربية، ويسكنها أكثر من 20 مليون نسمة ويفوق دخلها الفردي المعدل الوطني، ما يجعلها قبلة للهجرة من العالم القروي والمناطق الفقيرة. وتحتدم المنافسة أيضاً في محافظة فاس - مكناس في وسط المغرب بين حزبي «الاستقلال» و»الحركة الشعبية»، كما تتجه الأنظار إلى محافظة سوس ماسة وعاصمتها أغادير في الجنوب وهي منطقة سياحية وتمتاز بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية والزراعة والصيد البحري والصناعة الغذائية. وتحرص السلطات الرسمية على الإشارة إلى أن التحوّل المرتقب يتمثل في الانتقال من الديموقراطية التمثيلية إلى المشاركة الشعبية المباشرة عبر تقديم الاقتراحات والعرائض لمجالس المحافظات والمساهمة في إعداد جدول الأعمال، والاستقلالية عن العاصمة في تدبير الاختصاصات الذاتية، مثل توفير الماء والكهرباء والتطهير وجمع النفايات وتنظيم الأسواق والتجارة والأنشطة الصناعية والسياحية والثقافية، والمرافق العامة والخدمات الأساس مثل النقل الحضري والطرق الداخلية وجلب الاستثمارات والتنمية المحلية وغيرها. وتختلف تلك الاختصاصات بين محافظة وأخرى بحسب الموارد المالية والبشرية المتاحة لها، فكلما كانت المحافظة غنية بالموارد الطبيعية أو الضرائب والرسوم، كلما ازداد استقلالها عن المركز، ما يفسّر التنافس على المحافظات الغنية. وسيكون على الحكومات المقبلة نقل بعض الصلاحيات الإضافية إلى إشراف الجهات المحلية، ومنها التعليم والصحة والطاقة والمعادن والماء والبيئة والسكن والتجهيزات الكبرى مثل السدود والقناطر والموانئ والمطارات والبنية التحتية الرئيسة، إضافة إلى بناء المركبات الثقافية والرياضية والمسارح وإقامة المعارض الدولية، في حين يحتاج نقل كل اختصاص جديد إلى موافقة البرلمان. وبإمكان المحافظات تأسيس شركات للتنمية الجهوية والمساهمة في رأس مالها ب 34 في المئة على الأقل، كما يسمح القانون بالتعاقد مع مؤسسات دولية واللجوء إلى الصناديق السيادية وإصدار السندات المحلية أو اللجوء إلى البورصة أو الاقتراض الخارجي، بموافقة الحكومة المركزية. وسيكون للمحافظ سلطة الرقابة باعتباره يمثل السلطة المركزية في الإقليم، وينسق مع الوزارات والإدارات والشركات الحكومية في العاصمة وفي المحافظة على السواء. وستحافظ كل محافظة على خصوصياتها الثقافية واللغوية والحضارية والاقتصادية في إطار سيادة الأمة ووحدة الدولة. وسيرافق الانتقال القانوني من العاصمة المركزية إلى المحافظة ضخ اعتمادات مالية ضخمة ستبلغ في مرحلة أولى 50 بليون درهم (6 بلايين دولار) التي أعلن عنها الملك محمد السادس لتقليص الهوة بين المحافظات الفقيرة والغنية، كما سيُستثمر على مدى متوسط 215 بليون درهم لتطوير المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتحسين البنية التحتية، وتأهيل المحافظات الفقيرة إلى مستوى المعايير الدولية في مجال الخدمات الأساس والصحة والتعليم والنقل والبيئة والطاقة والمرافق الاجتماعية خلال السنوات ال 10 المقبلة.