رغم أن الأربعيني أحمد سلامة يحاول قدر الإمكان الصمود في وجه أي وعكة صحية عارضة يتعرّض لها مثل الرشح والإنفلونزا والمغص والإسهال، من دون أن يشتري أدوية، بسبب عدم توافر أي تأمين صحي له وارتفاع أسعار الأدوية وأجور الأطباء، اضطر أخيراً إلى دخول المستشفى وتكبّد تكاليف ذلك، بعد أن اشتدت عليه آلام المغص في شكل لم يعتده من قبل. واكتشف سلامة بعد الفحوص التي أجريت له أنه يعاني من آلام الزائدة الدودية، وهو ما لا يمكنه معها الخلود إلى النوم والراحة من أجل التخلص منها، كما اعتاد طوال حياته، لأن هذه الحالة الطارئة لن تمهله أكثر من ساعات، إذا لم يخضع لجراحة لاستئصالها. هكذا دخل سلامة، الذي يعمل في محل للملبوسات بعمّان، وذووه في دوامة، إذ عليهم تأمين أكثر من 3 آلاف دولار لإجراء الجراحة أي ما يساوي راتبه لمدة ستة أشهر، علماً أنه لا يتمتّع بتأمين صحي يزيل عن كاهله هذا العبء المفاجئ. اكتظاظ... وانتظار وحالة أسامة العايد لا تختلف كثيراً، فرغم أنه يمتلك بطاقة تأمين صحي حكومي، على أسرته توفير 7 آلاف دولار تمكنه من إجراء جراحة لعموده الفقري في مستشفى للقطاع الخاص، قد تخلّصه من شلل يعاني منه نتيجة تعرّضه لحادث سير قبل سنتين. ويؤكّد العايد أنه مضطر للخضوع لجراحة في مستشفى خاص، لأن المستشفيات الحكومية مكتظة ولن يحين دوره إلا بعد أكثر من أشهر، ريثما يشغر سرير. وقد أبلغه الأطباء الذين يشرفون على حالته أن التأخير في إجراء الجراحة يقلل من فرص نجاحها، لا سيما أن حالته الصحية تسوء مع مرور الوقت. وأوضح العايد أن والده قد يضطر إلى الاقتراض من أحد المصارف إذا لم يتمّكن من جمع كامل المبلغ من أقاربه، «ما يعني أن عائلتي ستضطر إلى شدّ الأحزمة على البطون لسنوات من أجل تسديد أقساط القرض». ويتابع: «والدي موظّف حكومي لا يتجاوز راتبه ال700 دولار، ويستنزف إيجار البيت نصفه». من الناحية النظرية، يبدو الحصول على الحق في المعالجة والرعاية الصحية متوافراً للأردنيين، إذ تؤكّد وزارة الصحة أنه يجوز للأشخاص غير المشتركين في برامج للتأمين الصحي ويحملون الرقم الوطني، الاستفادة من التأمين الصحي الحكومي في مقابل دفعهم مبالغ تتراوح بين 50 ديناراً للأطفال دون سن السادسة و150 ديناراً، وذلك ضمن شرائح ومستويات عمرية، ما يعني فعلياً أن المعالجة ليست مجانية بالنهاية، كما يفيد المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان. وكان الأردن خطا عبر عقود ماضية خطوات مهمة على طريق توفير الرعاية الصحية لقطاع واسع من الأردنيين. كما شهد الوعي الصحيّ لديهم تطوّراً ملحوظاً، وانتشرت المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الصحية في أنحاء البلاد. نسبة عالية ويخصّص الأردن 9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للصحة سنوياً، وهي من بين النسب العالية في العالم. لكن اكتظاظ المستشفيات الحكومية بالمرضى، يضطر المريض المُؤمن تأميناً حكومياً إلى المعالجة على نفقته في مستشفيات القطاع الخاص، تفادياً للانتظار شهوراً قبل الحصول على موعد لمراجعة اختصاصي أو إجراء جراحة، متكبّداً مبالغ باهظة نتيجة الكلفة العالية في مستشفيات القطاع الخاص والأجور الباهظة للأطباء والأثمان المرتفعة للأدوية. ووفقاً لإحصاءات رسمية، فإن حوالى 30 في المئة من المواطنين لا يتمتعون فعلياً بأي نوع من أنواع التأمين الصحي وخدماته، وهي نسبة ليست منخفضة، خصوصاً أن مشكلة الفقر الموجودة في المجتمع تحرم كثيرين من الاستفادة من الرعاية الصحية في ظل ارتفاع تكاليفها. وفي الأردن 106 مستشفيات تضم 12016 سريراً، أي بمعدّل 19 سريراً لكل 10 آلالف مواطن، وهي من النسب العالمية المقبولة وفقاً للمعايير الدولية. ويبلغ عدد الأطباء 16362 طبيباً أي بمعدل 26.5 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، ويُعد هذا الرقم مقبولاً أيضاً ضمن المعايير ذاتها.