باتت مدينة عفرين السورية محاصرة في شكل كامل بعد أن قامت «الضابطة الشرعية» بإصدار قرار قطع الطرق المؤدية إليها من اعزاز، قرار «الضابطة» جاء بعد أن انسحبت «جبهة النصرة» (فرع تنظيم «القاعدة» في سورية) من عدة مواقع عسكرية كانت قد تقدمت إليها وسلمتها إلى الجبهة الشامية، وذلك بعد اشتباكات بينها ووحدات حماية الشعب وفشلها في تحقيق أي تقدم عسكري وخاصة بعد تدخل طيران التحالف وقصفه أهدافاً للنصرة مخلفاً العشرات من القتلى. قرار قطع الطريق من قبل «النصرة» جاء لاستكمال حصار عفرين وهو رد فعل على انكسارها، وهزيمتها في بدء المناوشات وإدراكها أن «التحالف الدولي» لا يسمح بتكرار نموذج كوباني حينما ظل يراقب مسلحي «داعش» وهم يتقدمون حتى دخلوا المدينة فبدأ بالتحرك والقصف. ورغم ذلك، فإن سيناريو كوباني بات يتكرر تدريجياً في عفرين وإن كان في شكل مختلف، فمجموعات مسلحة أيضاً كانت قد فرضت حصاراً على المدينة في أول آب(أغسطس) 2013 («المجلس العسكري والثوري، لواء التوحيد، لواء جند الحرمين، داعش، حركة أحرار الشام الإسلامية، لواء أصحاب اليمين، لواء اليرموك، لواء أحرار الشيوخ، صقور الشام، النصرة») وبعد شهر تم الاتفاق وفك الحصار جزئياً من كل تلك الفصائل عدا «داعش» الذي رفض الهدنة، ولجأ إلى نصب الحواجز على الطريق الرئيسية/ حلب/ كوباني، الرقة/ وتنفيذ الاعتقالات بين صفوف المدنيين، وخصوصاً المسافرين على حواجزه في مفرق جسر قرقوزاق، ومنبج، وجرابلس، وتل ابيض لدى اعتقال 250 تلميذاً كانوا عائدين من الامتحانات في حلب، واعتقالات شملت حوالى 60 مدرساً، ومئات من الركاب المتجهين للجزيرة، وغيرهم ولا يزال مصير غالبيتهم مجهولاً. ولم يكتف التنظيم الإرهابي بذلك بل قام بتنفيذ اول هجماته الإرهابية على الريف الغربي لكوباني وشن حربه الأولى في تل ابيض والتي بدأت بحملة التطهير العرقية ضد الكرد، في 21 تموز(يوليو) 2013، والهجوم على قرى ريف كوباني الشرقي واحتلال العشرات منها مع اعتقالات على الهوية، لتهدأ الأمور فترة في حرب كر وفر، مع حصار شبه كامل وتضييق على حركة المدنيين. واستمر ذلك حتى جاءت الحرب الأخيرة، حرب 15 ايلول(سبتمبر)، 2014 ليشن «داعش» أكبر حملة عسكرية نجح خلالها في احتلال 400 قرية، وثلثي المدينة. ظروف اقتصادية صعبة ترزح المناطق الكردية في سورية تحت ظروف قاسية، نتيجة الحرب التي يشنها تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» من جهة، والحصار الخانق الذي تفرضه التشكيلات الإسلامية "المعارضة" بالتعاقب، معطوفاً عليه الدور التركي السلبي والرافض لأي صعود لحزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر الائتلاف المعارض الرافض لكيان «الإدارة الذاتية» الذي أعلنه PYD وتعتبره مشروع انفصال، في الوقت الذي يشدد المسؤولون الكُرد على أنهم يسعون إلى ترسيخ سورية ديموقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسورية المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديموقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية. تقع المقاطعات الكردية الثلاث على الشريط الحدودي مع تركيا، مفتقرة إلى معابر رسميّة، وتؤكد الإدارة الكردية أنه «كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار والحرب» والاستجابة للنداءات المحلية والدولية، وآخرها نداء من مجلس البرلمان الأوروبي الذي دعا إلى فتح ممر إنساني يُسهّل حركة المدنيين والمواد الغذائية والتجارية، زد على ذلك تشديد حرس الحدود التركي الرقابة على جميع المسالك غير الرسمية والتي تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس، ولا يتوانى الجنود الأتراك عن إطلاق النار على من يحاول اجتياز الحدود، حيث تم توثيق 31 حالة وفاة منذ العام الفائت. و «كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين» وفق توصيف جوان شيخو وهو تاجر كردي محلي يحاول تأمين البضاعة من الطرف التركي ونقلها إلى مدينة عفرين. الحياة داخل عفرين مهما تكن الصورة القاتمة في بعض المناطق الكردية، فإن الحياة داخل عفرين تسير على ما يبدو بطريقة منظّمة، ولا شيء يوحي بتفكيك الشؤون العامة، حيث تحاول الإدارة بمؤسساتها وهيئاتها المتشكلة متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية بالحد الأدنى، فثمّة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، والقطاع الصحي، وتحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة «الاسايش» وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية.